رحلّت الكويت في الثالث من يناير / كانون الثاني الشاعرة والمترجمة والأستاذة الجامعية منى كريم، وهي مواليد محافظة الفروانية في الكويت وابنة الكاتب كريم هزاع، ولكن الكويت خلال السنوات التي عاشتها الدكتورة كريم فيها رفضت اعتبارها كويتية كما غيرها من فئة “البدون“؛ وهو الاسم الذي يطلق على الأشخاص غير محددي الجنسية أو عديمي الجنسية، أو حسب تسمية الحكومة الرسمية لهم مقيمين/ات بصورة غير قانونية، والذين لا تعترف الدولة بكويتيتهم.
كانت كريم في زيارة لعائلتها في الكويت بعد سنوات طويلة من البحث والدراسة والتعلم والتعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وحصولها على الجنسية الأمريكية؛ حيث لا تستطيع عائلتها زيارتها بسبب عدم توفر جوازات سفر لديهم كونهم من “البدون”.
وقالت منى كريم (35 عامًا) التي لها العديد من الإصدارات الشعرية والترجمات والحاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة ولاية نيويورك، وتعمل أستاذة زائرة في دراسات الترجمة في جامعة برنستون، لوكالة أسوشيتيد برس إنها مكثت في مطار الكويت الدولي لساعات بعد استجوابها عقب وصولها على متن رحلة جوية من بيروت. وتم ترحيلها إلى بيروت في الليلة ذاتها.
عمل قاس ومشين
وكان لمنظمة العفو الدولية تعليق على ترحيل الدكتورة كريم: “لقد رفضت الكويت بقسوة دخول امرأة ولدت ونشأت في البلاد ورغبت ببساطة في زيارة أسرتها، علمًا أن أفراد أسرتها لا يستطيعون زيارتها في الخارج بسبب انعدام جنسيتهم”.
وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “هذا عمل قاس ومشين ولا طائل من ورائه، ولا يخدم أي غرض سوى إرسال رسالة إلى مجتمع البدون الكويتي بأن أفراده غير مرحب بهم في بلدهم”. وطالبت السلطات الكويتية أن تسمح على وجه السرعة لمنى بزيارة عائلتها بأمان في بلدها، وأن تضع حدًا لقمعها لمجتمع البدون، ولمنح البدون الجنسية الكاملة.
وقررت الدكتورة كريم الابتعاد للتعافي كما صرحت عبر حسابها على تويتر، وذلك بعد أن لقت قضيتها تفاعلاً كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي على وسم #ترحيل_منى_كريم و #منى_كريم.
شكرا لكل من سأل عني وتضامن معي. شكرا للأب الكويتي الذي رآني أبكي في صالة الانتظار وسألني ان كنت منى كريم وقام بمواساتي. اسمحوا لي بالغياب حتى أتعافى من هذه التجربة
— Dr. Mona Kareem (@monakareem) January 5, 2023
تضييق همجي وعنيف
منى هي مثال لما يواجهه البدون في الكويت، الذين يبلغ عددهم بين 88 ألفًا و106 آلاف شخص، من مصاعب؛ سواء كانوا يعيشون داخل البلد أو تمكنوا من مغادرتها للدراسة أو العلاج أو غيرها من الأسباب، وهو ما يوضحه الناشط من مجتمع البدون عبدالحكيم الفضلي لـ”مواطن“: ان استهداف الدكتورة منى كريم وهي من مجتمع الكويتيين/ات البدون ومن المواطنين/ات الذين/ اللواتي تم التضييق عليهم/ن واستهدافهم/ن بشكل همجي وعنيف ومتكرر، وهو استهداف خبيث وغير قانوني وغير أخلاقي، وفيه رسالة واضحة لمجتمع البدون وبالأخص الناشطين/ات في قضية البدون أنه سوف يتم معاقبة كل من يرفض العزل والتعامل العنصري للمواطنين/ات البدون؛ سواء كان في الداخل أو من قرر الهجرة وأكمل مسيرة العمل عبر الحرمان من لم الشمل وزيارة الأسرة والأقارب في الكويت”.
فيما قالت ناشطة البدون ريما أن ما حدث للدكتورة كريم هو “انتهاك لأبسط حق إنساني يملكه البدون؛ فحرمان الدكتورة منى من عائلتها فعل مشين ووقح وحقير، ولكنني كشخص من فئة “البدون” فأني أرى بأن استهداف الدكتورة منى غير مستغرب نظرًا للتعّسُف المُمنهج والظلم الواقع على البدون الذي وصل لمرحلة حقيرة ” حسب تعبيرها.
وأضافت خلال حديثها لـ”مواطن“: “وهذا يعني أيضًا أن أصولنا الممتدة للشمال هي قيد، حتى لو حصلنا على الجنسية الأفضل في العالم، والدليل على ذلك التفاعل الكبير بشكل عنصري مع مقال الدكتورة منى “خرائط المنفى” الذي أتشارك مع منى في التيه في خرائطه”.
استهداف البدون
وتوضح ريما: “الدكتورة منى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقبل أقل من عام وبعد أزمة كورونا التي ساوت بين الكويتيين/ات والبدون فيما يتعلق بالمنع من السفر واستقبال الأحباب، فقد ذاقوا/ن جزءً بسيطًا جدًا من معاناتنا، زار الكويت أحد الأشخاص “البدون” الحاصل على الجنسية البريطانية بعد سنين من الغربة عن أهله، وبعد ما ضحكت له الدنيا بجنسية وزوجة وطفل صغير بريطاني جاء ليشارك أمه وعائلته الفرحة ويُعرف ابنه على وطنه الذي حُرم من دخوله دون أي سبب يذكر، فعادوا بقلب مكسور من رفض وطنهم لهم وحرمانهم من عائلتهم”.
فيما أشار الفضلي إلى إنه مستهدف هو الآخر: “أنا شخصيًا مستهدف بنفس المنهجية، ولكم أن تتخيلوا أنني لو كنت اتخذت قرارًا الهجرة إلى خارج الكويت واستمررت بالعمل الحقوقي وانتقاد السلطات الكويتية على ما تفعل بمواطنيها/تها الكويتيين/ات البدون، أو انتقدت فساد وفشل السلطة في إدارة البلد، مؤكد أنه سوف يتم الانتقام مني عبر حرماني من زيارة موطني وأسرتي، الرسالة واضحة وهي نحن نقتلكم ببطء، لا تصرخوا وتفضحونا”.
وأضاف الفضلي خلال حديث له لـ”مواطن”: “وهناك أيضًا الكثير من أفراد البدون يتم استهدافهم واستهداف أسرهم في حال تكلموا وأفصحوا عما يحدث ضد البدون في الكويت، طبعا وللحفاظ على سلامتهم وسلامة أقاربهم في الكويت لا يمكن أن نفصح عن هذه المعلومات”.
هناك أيضًا الكثير من أفراد البدون يتم استهدافهم واستهداف أسرهم في حال تكلموا وأفصحوا عما يحدث ضد البدون في الكويت
عبدالحكيم الفضلي Tweet
حال يسوء
يُذكر أن حال البدون في الكويت ساء بعد الغزو العراقي للبلاد؛ فبدأت مرحلة تحييدهم من الحياة العامة والتضييق على حقوقهم الأساسية؛ كالتعليم والصحة والعمل. وتسبب هذا التضييق في عدم قدرة البدون على إيجاد فرص عمل، والزواج بشكل رسمي وتسجيل المواليد الجدد وغيرها من الإجراءات الحكومية التي يتم استثناؤهم/ن منها وإذلالهم/ن للحصول عليها.
وبينت منظمة العفو الدولية في تقريرها حول دولة الكويت في العام ٢٠٢١ أن أفراد فئة البدون عديمي الجنسية غير قادرين على الحصول على طائفة من الخدمات العامة.
وأشارت المنظمة إلى أن مشاريع قوانين بشأن قضية البدون قد طُرحت في مجلس الأمة، ولكن لم يتم التصويت على أي منها. وفي مايو/أيار، قدم خمسة نواب في مجلس الأمة اقتراحًا بقانون لمنح البدون بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، مثل الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل. وفي سبتمبر/أيلول، طرح رئيس مجلس الأمة على جدول أعمال المجلس مشروع قانون استنادًا إلى مشروع قانون قُدم في عام 2019، ومن شأنه، في حالة إقراره، أن يجعل حصول الأفراد من فئة البدون على الخدمات مشروطاً بتخليهم عن مطلب الحصول على الجنسية.
فيما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش إن محنة البدون تعود لتأسيس دولة الكويت في 1961؛ حيث تطلق الحكومة عليهم تسمية “مقيمون/ات غير شرعيين/ات”، رافضة مطالبتهم/ن بالجنسية الكويتية، ما يؤدي إلى عقبات بوجه حصولهم على الوثائق المدنية والخدمات الاجتماعية، والمس بحقوقهم في الصحة، والتعليم، والعمل.
فيما أشارت المنظمة إلى أن “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية“، وهو الهيئة الإدارية المسؤولة عن شؤون البدون، يصدر بطاقات هوية مؤقتة منذ 2011. هذه البطاقات تشير في أحيان كثيرة إلى أن حاملها لديه الجنسية العراقية، أو السعودية، أو الإيرانية، أو غيرها، لكن ليس واضحًا كيف يحدد الجهاز جنسية الفرد، وما الإجراءات القانونية المتاحة للبدون للاعتراض على قرار الجهاز.
وفي حديث لـ”مواطن” قال الرئيس التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان خالد إبراهيم: “ندعو نحن في المركز السلطات في الكويت إلى الاعتراف الكامل بالحقوق المدنية والإنسانية لمجتمع البدون في الكويت”.
وأضاف”: يجب منحهم الجنسية الكويتية بكل امتيازاتها، وتعويضهم عن كل سنوات الضياع القاسية التي مروا بها”.