بسبب الانقسامات المؤسسية، وتضارب القرارات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى استمرار الأعمال العدائية، وزيادة معدل الأسعار عالميًا، والظروف المناخية المناوئة من أمطار غزيرة وفيضانات، تقع اليمن تحت تهديد خطير للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية بالفعل.
كما ساهمت العوامل المناخية في إلحاق أضرار في أماكن الإيواء وأنهت سبل العيش، كما سهلت انتشار أمراض مثل الكوليرا، كل هذا في ظل انخفاض إنتاج النفط، وصعوبة ممارسة الأعمال بسبب انقطاع الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات، مع الأزمات العالمية من كوفيد 19 وحرب أوكرانيا، كلها عوامل قادت الاقتصاد اليمني إلى حالة من الركود، حسبما ذكر تقرير البنك الدولي الصادر في أبريل 2022.
عُمال المهن اليومية، هم الأكثر تضررًا من الركود، بسبب اعتمادهم على الأجر اليومي في تأمين الغذاء لهم ولعائلاتهم، ومع انعدام فرص العمل تضاعفت معاناتهم.
يشكو عُمال المهن اليومية المختلفة في اليمن من انعدام فرص العمل، وركود غير مسبوق في قطاع الأعمال بكافة المدن اليمنية؛ سوى في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، أو مناطق سيطرة الحكومة المدعومة من السعودية والإمارات؛ في ظل تدهور الأوضاع المعيشية في بلد صُنف ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها بفعل استمرار الحرب منذ سنوات .
ويضيف نصر: “في حال كان هناك تحسن في المؤشرات الاقتصادية، نجد أن هذه الأعمال ترتفع، لأن دخول الناس تتحسن، وبالتالي هي تعكس بصورة مباشرة حالة الوضع الاقتصادي”. ويكمل: “إن تراجع الأعمال الحرة خلال هذه الفترة يعكس حجم التدهور والركود الاقتصادي الحاصل في البلاد”.
انعدام فرص العمل
سعيد حسن ( 47 عامًا) ، أب لثمانية أطفال، يعمل بالأجر اليومي بمهنة البناء في مدينة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وسط اليمن، ويشكو من ركود الأعمال بشكل غير مسبوق، وعدم تمكنه من الحصول على فرصة للعمل منذ فترة طويلة.
يقول حسن لمواطن: “منذ بداية يناير كانون الأول من العام الجاري، وأنا أذهب في الصباح الباكر إلى حرج العمال في جولة العدين بمدينة إب للبحث عن فرصة للعمل، لكني أمكث لساعات طويلة دون الحصول على العمل”، مشيرًا بأنه يضطر للعودة مشيًا على الأقدام إلى منزله بمنطقة جبله التي تبعد مسافات طويلة عن المدينة.
ويضيف: “لم أتوقف عن العمل مثل هذه الفترة من قبل مطلقًا، لقد ضاقت بنا الأرض، لا تكاد تمر علينا لحظة واحدة في حياتنا من دون أن نتذكر احتياجات الأسرة، التي أثقلت كواهلنا”. ويكمل: “كيف عاد المواطن يعيش بهذه البلاد؟، نحن بضيق لا يعلم به إلا الحي القيوم”.
تمامًا مثل حسن لم يتمكن كمال محمود( 40 عامًا) من الحصول على فرص للعمل، لافتًا بأن توقف حالة الكساد التي ضربت قطاع الأعمال أجبرته على التوقف عن العمل، وجعلته يعيش ظروفًا معيشية متدينة على غرار مئات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل في اليمن .
يحكي محمود لمواطن عن انعدام فرص العمل، وتوقفه عن العمل منذ فترة طويلة، بعد أن كان يمتهن العمل في الكهرباء، منذ سنوات ويعمل بالأجر اليومي في مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا جنوب اليمن” .
يقول محمود بأنه حاول البحث عن عمل بمجال آخر لتأمين الغذاء لأفراد عائلته، لكن توقف الأعمال مؤخرًا في اليمن يقف عائقًا أمام حصوله على العمل؛ فهو حسب قوله يذهب بشكل يومي إلى حرج العمال في حي الشيخ عثمان بمدينة عدن دون الحصول على العمل".
يضيف محمود أن قطاع المقاولات في اليمن يمر حاليًا بأسوأ مرحلة له منذ اندلاع الحرب في 21 سبتمبر 2014؛ إذ دخلت السوق العقارية وأعمال البناء في حالة ركود تامة منذ مطلع ديسمبر 2022 وانعكس ذلك سلبًا على حياة مئات الآلاف من عمال اليومية بمختلف المحافظات اليمنية.
ظروف قاسية
يعيش سعيد حسن ومعه الآلاف من عمال اليومية في مدينة إب أوضاعًا قاسية؛ إذ يشكو من تدهور وضعه المادي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام فرص العمل، لافتًا بأن توقف الأعمال جعلته يعيش أسوأ أيامه مع أفراد أسرته؛ خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بشكل غير مسبوق، على الرغم من استقرار سعر صرف العملات الأجنبية بمناطق سيطرة الحوثيين.
ويضيف أنه لا تزال أسعار السلع الغذائية الاستهلاكية تشهد ارتفاعًا ملحوظًا بمناطق سيطرة الحوثيين، ويستطرد: “تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء المكونة من الدقيق والسكر والزيت والملح تضاعفت ووصلت إلى نحو 70 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 130 دولارًا أمريكيًا بسعر صرف الدولار في صنعاء”.
كما هو الحال مع حسن؛ يشكو كمال محمود من تدهور وضعة المادي؛ فهو يقيم في مدينة عدن جنوب البلاد، وهي عاصمة الحكومة المؤقتة، لكن ذلك لم يمنع من تردي الأوضاع المعيشية؛ إذ يعاني سكان المدينة من أوضاع قاسية؛ خصوصًا عقب انهيار العملة الوطنية حتى إذ وصل سعر صرف الدولار إلى نحو 1200 ريال للدولار الواحد، مما انعكس سلبًا على حياة المواطنين، وفاقم من معاناتهم في ظل غياب تام لدور الحكومة المدعومة من السعودية والإمارات.
وخلال السنوات الماضية، أدت الحرب المستمرة في البلاد إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي بدورها انعكست سلبًا على حياة المواطنين، بمختلف مجالات حياتهم اليومية؛ خصوصًا شريحة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين، وصولًا إلى الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ سبع سنوات.
وفي ظل تدهور الأوضاع المعيشية، تشكل أزمة انعدام فرص العمل عبئًا كبيرًا على شريحة كبيرة من المواطنين في بلد تقول الأمم المتحدة بأن سكانه يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا قد حذرت في نوفمبر 2022 على لسان وزير التخطيط والتعاون الدولي نزار باصهيب من أزمة غذائية كبيرة قد تحدث مع بداية 2023 بسبب نقص المساعدات، في حين تتحدث تقارير أممية أن ستة من بين كل عشرة أشخاص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد.
الأسباب والحلول
“حالة الكساد التي ضربت قطاع الأعمال، وتسببت في انعدام فرص العمل، هي نتيجة لتراجع النمو الاقتصادي في البلاد عمومًا، لافتًا إلى تداعيات التطورات السلبية الأخيرة المتمثلة بتوقف تصدير النفط التي بدأت مؤشراتها مؤخرًا بتدهور سعر العملة، و إحجام الناس عن الإنفاق بصورة أكبر تحسبًا لأوضاع سلبية قادمة، وينعكس ذلك بصورة مباشرة على قطاع الأعمال والركود الاقتصادي”. حسبما عقب رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، ويصف الوضع الحالي للاقتصاد اليمني بأنه “حالة انتظار من قبل رؤوس الأموال لما ستسفر عنه التطورات، وذلك واحد من الأسباب الرئيسية وراء توقف الأعمال وحالة الركود”. ويرى أن الحل الأول لتخفيف معاناة المواطنين هو إيقاف الحرب؛ إذ إنها السبب الرئيسي وراء كل مشكلات اليمنيين منذ سنوات.
لم يكن وقف الحرب هو الحل الوحيد، من وجهة نظر رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في اليمن، بل هناك عدة حلول، أخرى مرتبطة بالوضع الاقتصادي ومعالجة الوضع الاقتصادي ككل من ناحية العمل على استقرار العملة، وإيقاف الفساد والعبث بالمال العام، وتحسين مستوى الخدمات للمواطنين، وترشيد الإنفاق وتحسين الأوعية الايرادية، كعناوين رئيسية للحل والإصلاح.
ولحين حدوث تحسن اقتصادي في اليمن، يبقى وضع الركود سيفًا على رقاب المواطنين، الذين تتآكل مرتباتهم و مدخراتهم، أو أجورهم في حالة العمالة اليومية بسبب انهيار الريال، وهو ما يصعب على الجميع في اليمن إمكانية العيش وسط ظروف آدمية مقبولة.