لا شك أن ما كان معقولًا ومعمولًا به بالأمس، لا يمكن أن يصلح استخدامه اليوم في ظل عالم يتطور تطورًا نوعيًا وكميًا باستمرار يوميًا؛ لا بل في كل ساعة إن لم يكن كل ثانية.
دول الخليج ليست بمعزل عن التطورات التي تحدث في مختلف دول العالم؛ سواء كان بشرقه أو بغربه، فهي تؤثر وتتأثر به حتمًا ودون شك، ويصل التأثير لحد التصادم أحيانًا، وهذا يتطلب تغييرًا في المُعادلات والاستراتيجيات، ويتحول بها عدو الأمس لصديق اليوم، وهذا ما نلاحظه في علاقة دول الخليج على سبيل المثال وليس الحصر مع حليفهم الاستراتيجي الأمريكي، الذي تعرف دول الخليج بأنها قادرة على لي عنقه اقتصاديًا، دعوا عنكم ما يروجه البعض بأن دول الخليج حامية من حاميات الأمريكان، هذا الكلام غير دقيق البتة، والحقيقة هي أن دول الخليج توظف الأمريكان كجندي حراسة لها ولاستقرار حكمها، وهذا ما نراه ونلمسه، حتى إن الأمريكان يتنازلون عن قيمهم؛ مثل قيمة الحُرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان من أجل مصالحهم في منطقة الخليج، وبذلك تقود دول الخليج الأمريكان حيثما تُرِيد هي، وليس كما يُرِيد الأمريكان، وقد تكون هذه الجُزئية لم يتطرق لها أحد، ولكنها الحقيقة الماثلة أمامنا وعلى أرض واقع الخليج.
انتقلت السعودية من نظام يعتمد على إنتاج الثقافة السلفية لفكر يتطلع لمستقبل مختلف عن تلك الثقافة . كان المجتمع بحاجة ماسة لمثل تلك النقلة النوعية التاريخية لسبب بسيط جدًا؛ وهو أنه لا يمكن اليعيش في الحاضر بفكر وأيدلوجية الماضي.
ولعل حادثة مقتل الصحفي السعودي خير مثال على ما ذهبنا له؛ فعندما ثبت ضلوع وفد سعودي حضر خصيصًا لتركيا لتصفية الصحفي جمال خاشقجي، وبعد إدانتهم والحكم عليهم في المحاكم السعودية، كان موقف الحزب الديمقراطي بمرشحه آن ذلك الرئيس الحالي جو بايدن الذي تعهد أثناء حملته الانتخابية تعهدات بمحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة، لم يستطع حتى الساعة تنفيذها، لا بل أجبرته الظروف الدولية لزيارة المملكة العربية السعودية يستجدي منها زيادة أسعار النفط؛ لا بل الملاحظ أن المملكة العربية السعودية أدارت ظهرها لحليفها الاستراتيجي التاريخي، وهذا إن دل فإنما يدل على أن القيم الاقتصادية هي التي تحكم العلاقة ولا شيء غيرها من قيم، كما تدل على أن المملكة العربية السعودية لها قرارها ورأيها و رؤيتها.
السؤال هنا؛ هل يتكيف الغرب مع سياسات دول الخليج في الوقت الحاضر؟ أم أنه يسعى على المدى الطويل لكسب نقاط ديمقراطية لشعوب الخليج؟
بتقديري استطاعت أنظمة الخليج وإن كان ذلك بتفاوت، بالتكيف مع المتغيرات الدولية التي تفرض نفسها كنتيجة حتمية، ولعل أكثر التغيرات الدراماتيكية ما حصل في المملكة العربية السعودية التي انتقلت من نظام لنظام، أي نعم؛ من نظام كان يعتمد على إنتاج الثقافة السلفية لفكر يتطلع لمستقبل مختلف تمام الاختلاف عن الثقافة السلفية، وفي الحقيقة كان المجتمع بحاجة ماسة لمثل هذه النقلات النوعية التاريخية لسبب بسيط جدًا؛ وهو أنه لا يمكن أن يعيش في الحاضر بفكر وأيدلوجية الماضي. من المؤكد أن الحقيقة ستصطدم مع هذه والواقع، وإن كان هناك من ينتقد ذلك التحول، ولكن بذات الوقت هناك من يؤيد ذلك التحول باعتباره تحولاً ضروريًا، على الأقل ستكون خطوة للأمام لا يمكن الرجوع عنها بالذات فيما يتعلق بالانفتاح الاجتماعي، ويمكن لاحقًا البناء عليه بعد دعمها وتثبيتها على أرض الواقع، وأنا من مؤيدي هذا الرأي حقيقةً، لأن تطور المجتمعات كلما كان تدريجيًا كلما كان ثابتًا أكثر، والرجوع عنه يُصبح من المستحيلات كما يحدث في الكويت التي انتقلت لمرحلة تاريخية عام 1962م بإقرار دستور الدولة، وجرت عدة محاولات للقضاء عليه، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل.
إن التغير الاجتماعي والسياسي كحالة دولة الكويت التي فرضتها الظروف الموضوعية، ولم تكن خيارًا استراتيجيًا اتخذه المرحوم الشيخ عبدالله السالم؛ حيث كانت التحديات على الأرض تفرض نفسها وتتمثل بثلاث تحديات؛ أولها الوضع الداخلي الملتهب والمتأثر تأثرًا كبيرًا بمحيطه العربي الذي يموج بثورات، والثاني كان تهديد عبدالكريم قاسم بضم الكويت بعد الانسحاب البريطاني منها للعراق، والتحدي الثالث تمثل بتقديم الكويت بطلب عضوية الأمم المتحدة التي رفضت انضمام دولة بلا دستور، وهذا ما حدى بالمرحوم الشيخ عبدالله السالم أن يطلب بعجل عقد مؤتمر تأسيسي لوضع دستور، وتم إقرار الدستور خلال ست أشهر فقط من المداولات، أما المملكة العربية السعودية فلازالت الذاكرة حاضرة مع بداية التحضير لتحرير الكويت عندما زار الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب المملكة العربية السعودية وطالب بأن تكون هناك ديمقراطية ووعد المرحوم الملك فهد آنذاك بعمل مجلس شورى؛ حيث كانت خطوة للأمام، وهي لازالت موجودة ومستمرة، صحيح أنها ليست بذلك الطموح، ولكنها خطوة للأمام يمكن البناء عليها، واليوم ترفدها خطوة الانفتاح الاجتماعي الذي غير من الواقع السعودي.
اليوم على دول الخليج أن تتكيف مع المتغيرات والتطورات التي تحدث على مستوى العالم، حتى على مستوى الأجيال الخليجية الجديدة التي تعولمت مع بقية الشعوب، وسأُعطيكم مثالاً قد يستغرب منه البعض، اليوم الطفل الياباني ذو العاشرة من العمر لا يختلف عن ذات الطفل الخليجي ذي العشرة أعوام، ولا عن الأمريكي ولا الغربي ولا الارجنتيني، ولا عن أي طفل؛ فجميعهم نتاج ثقافة الآيفون والآيباد والإنترنت، الذي أصبح هو من يشكل شخصية أطفال اليوم، وأعتقد أن دول الخليج بحاجة ماسة لتفهم هذا التطور، والمؤكد إن كان المواطن الخليجي اليوم قابلاً بما هو به وعليه؛ فالمؤكد أن أطفال اليوم الذين بعد عشرة سنوات سيكونون شباب الغد، لن يقبلوا بأن يكونوا بأقل مما يتمتع به أقرانهم في أمريكا واليابان وفرنسا وألمانيا والأرجنتين، وحتى الهند وسيريلانكا ومدغشقر.
فهل ستستجيب دول الخليج لمثل هذه التغيرات؟ أم أنها ستُعاند رياح التغييرات ؟
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.