بهذا السؤال يلاقيني العديد من المعنيين/ات بالقضية؛ هل يوجد أمل في الحصول على الجنسية؟ أم أن هذا مستحيل؟ محملين بأثقال من الإحباطات التي عاشوها يومًا بعد يوم جراء قانون تمييزي ظالم ينكر حقهن الطبيعي وحق أسرهن.
بكل هدوء وإصرار أجيب “بل في عمل”؛ فالأمل لا يمكنني خلقه أو تقديمه كجرعة من المسكّن الذي قد يختفي مفعوله عند كل عائق، نعم؛ في عمل، لا يكفي أن نكون معنيين بالقضية أو ناشطين أو مدافعين؛ بل علينا أن نكون مؤمنين بمطالبنا المحقة إلى أبعد تعبير وفي كل تفصيل.
فكيف للقانون أن ينتهك الحقوق؟
ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، نجد أنه على مر السنوات ما زالت قضايا حقوق الإنسان هي محل انتهاك في مختلف بقاع الأرض، وقضايا النساء خاصة، والذي لا يأتي فقط من المنمطات والثقافات السائدة والعقلية الذكورية؛ بل هو مكرّس أيضًا في التشريعات والقوانين المرعية التطبيق. فنجد أن التمييز الصارخ على أساس الجنس في منح الحقوق يحرم المرأة من الحصول على حقوق متساوية مع الرجل شريكها في الوطن، وبذلك تنتهك الحقوق باسم ورعاية القوانين التمييزية.
إن عدم المساواة في قوانين الجنسية، يمنعنا من الوصول إلى كافة الحقوق الأساسية؛ فإن انتهاك أحد الحقوق يؤدي إلى انتهاك حقوق أخرى، كالحق في الرعاية الصحية والتعليم والعمل وغيرها؛ ففي مقالنا هذا لن نتطرق لسرد الواقع والانعكاسات على الحياة اليومية للنساء وأسرهن جراء الحرمان من الجنسية؛ فهنا نحن نعبّر عن اختلاجات تطاردنا خلال مسيرة النضال التي ننتهجها من أجل رفع الظلم الحاصل في القوانين والتشريعات؛ فالعنف القانوني أشد أيلامًا لكونه محميًا من السلطة والأنظمة والمؤسسات الإدارية.
مهما حاولت المنظومة أن تعيقنا وتثنينا عن هدفنا وغايتنا؛ فعلينا دوما أن نقاوم من أجل المحافظة على إيماننا؛ بأن ما نطالب به قابل للتحقيق؛ فالأيمان بإمكانية التغيير هو الخطوة الأساسية في تحقيق النجاح على أرض الواقع
في أوطاننا العربية التي تقدّس الإنجازات والتغني بالإرث القيادي الذي لعبته النساء على مر التاريخ، إلا أن التشريعات والقوانين فيها لم ترتق بعد لتحقيق الإنصاف والعدالة للمواطنات؛ بحيث تحجب عنهن التمتع بأبسط حقوقهن؛ وهو الحق بمنح الجنسية، والجنسية هي العلاقة الأساسية بين المواطن والدولة وتحتها تنضوي كافة الحقوق الأساسية.
كيف تكونون قادرين على المحافطة، على هذا النفس الطويل بالنضال؟
يسألنا الباحثون والصحفيون في مجال التوثيق والرصد عن الكيفية التي استطعنا بها المحافظة على أن يبقى مطلب حملتنا “حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي” المطلب الأول على مر السنين، ومرة أخرى بكل عزيمة أجيب أنه: “في نشاطنا ودفاعنا سيكون كل يوم وكأنه اليوم الأول للبدء، وكذلك كأنه اليوم الأخير الذي سنحقق فيه مطلبنا، وكلنا أيمان بأن قضيتنا ورؤيتنا هي تحقيق العدالة والحصول على الحق بالجنسية المتساوية للجميع، وفي كل يوم لا نصل فيه إلى هدفنا فسيكون يوم انطلاق ونضال ومثابرة”.
عدا عن أنه بعد كل مقابلة مع السياسيين أو المسؤولين؛ وخاصة المعارضين لهذا الحق، فبدل أن نصاب بالإحباط، بعد أن يصيبنا بشيء من الاشمئزاز والقرف من جراء الحجج التي يتوارون خلفها لرفض تعديل القانون، ومنها ما هو مباشر وعنصري ومستفز، ومنها ما هو منمق ومتخفٍ بخطاب مدجج بالكراهية، وهذا الانفعال يمكن؛ بل نعمد إلى تحويله لطاقة دفع نحو التغيير بدل أن تحرق آمالنا، ونوجه العمل على ابتكار رسائل وطرق ووسائل من أجل إعلاء الصوت أكثر ورفع الظلم الحاصل. وهكذا نكون قد استثمرنا كرههم في بناء حصن منيع ضد حججهم/ن الواهية واللا إنسانية بخطاب حقوقي يدحض ما ينشرون.
لكل من يراهن على طول نفسنا، ويترصد استسلامنا؛ فمطالبنا هي كأولادنا، وقضيتنا هي وليدة ما نؤمن به؛ فكلما أشرقت الشمس، كلما تمسكنا بها أكثر وخسارتها أكبر؛ فلا تراهنوا على تراجعنا؛ فلن نتخلى عن أي فلذة من فلذات حقوقنا.
فنحن لم نُخلق محصنين ضد الإحباط؛ بل في كل يوم وفي كل جهد نبذله في المدافعة عن حقوقنا، في كل إنصات لوجع النساء وأسرهن، في كل مرافعة ودعوة نخوضها بوجه المعارضين، في كل يوم ينضم فيه نشطاء، طلاب وطالبات، أو شباب وشابات إلى قافلتنا، في كل يوم تتضافر بها قوى التنسيق والتشبيك والتحالفات، في كل هذا نبني منها درعًا يصون ويحمي ويعطي الوقود والطاقة المتجددة للمطالبة بحقوقنا كاملة؛ فمعركتنا ضد الظلم، ولا شيء يوقفها إلا تحقيق العدالة للجميع.
طيب ليه ما بتوطوا السقف؟
وفي جانب آخر من الطروحات التي نسمعها: ” لماذا لا تخفضون سقف المطالب؟”، وهنا قبل أن أفرغ جعبتي كما هي بهذا المكان، دعونا نتفق على مبادئ وأسس الحقوق، وخاصة عندما نسمع مثل هذه الاقتراحات ممن هم/هن –المفروض- من المجتمع المدني، فكيف للحقوق بأن يكون لها سقف؟ وكيف يمكن أن نساوم على الحق؟ وكيف يمكن للحق أن يتجزأ؟ وكيف يمكن أن يكون هناك استثناءات في منح الحقوق؟
لا ولن يكون هناك استنساب أو محسوبية أو مفاصلة على الحقوق، وسنترككم/ن فقط لتذهبوا وتراجعوا مبادئ حقوق الإنسان، والتي هي شاملة وكاملة وغير قابلة للتجزئة، لكيلا نقع بفخ عدم توحيد المطالب، والتي يستطاب للسياسيين استخدامها بوجهنا واستغلال تشرذم أي قانون نريد. والجملة التي يستخدمها أغلب السياسيين المعيقين للحق: ” روحوا اتفقوا مع بعض!”. وجوابي الدائم سيبقى الحق الكامل والشامل هو وجهتنا ولا شيء غير ذلك؛ فلا مسايرة ولا مساومة على الحقوق.
لا كلل ولا ملل
تحضرني قصة قصيرة قرأتها في مكان ما، كان يراد منها الخروج بعبرة؛ قصة رجل كان يتجول في أحد المخيمات المخصصة للحيوانات، ولفته أن الفيلة لم تكن موضوعة في أقفاص ولا حتى مكبلة بسلاسل حديدية، وكان هناك فقط حبل صغير مربوط بإحدى أقدامها، وتعجب كثيرًا من أمر الفيلة؛ كيف لا تستخدم قوتها لتخلّص نفسها من هذا الحبل الصغير الذي لا يذكر وتفّر من المخيم نحو الغابات الشاسعة؟ فسأل أحد القيّمين على المخيّم فأخبره، “بأن الفيلة عندما تكون صغيرة نقوم بربط مثل هذا الحبل على أقدامها وفي وقتها يكون هذا الحبل الرقيق كافيًا لمنعها من الهرب، ومع مرور الوقت ونموّها، تبقى الفيلة معتقدة أنها عاجزة عن التحرر من الحبل قياسًا بعمرها آنذاك، وبذلك فإنها تستسلم ولا تحاول تخليص نفسها”. وهنا فإن ما يحول بين الفيلة وبين حريتها، هو اعتقادها الواهم الذي يتكون مع مرور السنين بأن الهروب من القيد غير ممكن ومستحيل.
ومن هنا يستوقفنا أنه مهما حاولت المنظومة أن تعيقنا وتثنينا عن هدفنا وغايتنا؛ فعلينا دوما أن نقاوم من أجل المحافظة على إيماننا؛ بأن ما نطالب به قابل للتحقيق؛ فالأيمان بإمكانية التغيير هو الخطوة الأساسية في تحقيق النجاح على أرض الواقع؛ فلا يمكننا الاستسلام ولا يوجد مسلمات في تشريعات لا يمكن تغييرها أو قيود لا يمكن التحرر منها.
لذلك فلنبدأ بتحطيم الوهم، كما علينا في خطوتنا الأولى هو إقناع أصحاب العلاقة بأن المطالبة بتعديل وتنزيه القوانين هو حق من حقوقهن، وليس كما يظن البعض ” أن هذا القانون منذ عشرات السنين، ولا حق لنا بالقانون، ومنذ سنين فإن من يتزوج من أجنبي لا يحق له الحصول على الجنسية! لماذا؟ لأنه القانون”.
كثير من هم/هن مقتنعون بأنه أمر واقع ولا يمكن تغييره، لذلك لا بد لنا من التذكير بأن القوانين والتشريعات وكذلك الدساتير وضعها الإنسان وهي غير منزلة، فالقوانين التي لا تضمن الحقوق لكل إنسان؛ فالأولى بها السقوط، والقوانين وجدت لتحمي حقوق الإنسان كل إنسان وعلى جميع الدول ضمان كافة الحقوق وصونها.
كريمة شبو، مديرة حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي ، ناشطة حقوقية، باحثة وخبيرة في النوع الاجتماعي/الجندر