في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وبعد خمسة وسبعين عامًا من إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ والذي ينص في مادته الأولى: “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق“، لا نتصور أن هناك قرابة الخمسين دولة حول العالم (رُبع دول العالم تقريبًا) تحرم المرأة من الحقوق المتساوية مع الرجل في اكتساب أو تغيير أو الاحتفاظ بجنسيتها أو منح جنسيتها لزوجها غير المواطن.
من تلك الدول الخمسين هناك أربع وعشرون دولة (واحدة من كل ثماني دول حول العالم) تحرم قوانينها المرأة من نقل جنسيتها إلى أطفالها من زوجها غير المواطن، نفس الحق الذي يتمتع به الرجال المتزوجون من زوجات أجنبيات.
على صعيد الدول العربية تحرم أربع عشرة دولة (أكثر من نصف عدد الدول العربية) الأم من نقل جنسيتها لأبنائها من زوجها غير المواطن على قدم المساواة مع الرجل؛ إضافة لدول مجلس التعاون الخليجي الستة (البحرين والكويت وقطر وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، وتحرم كل من العراق والأردن وليبيا ولبنان وموريتانيا وسوريا والسودان والصومال، النساء المواطنات من هذا الحق.
أما في حق منح الجنسية للزوج غير المواطن؛ فتتشارك عربيًا -إضافة للدول السابقة كل من جزر القمر ومصر والمغرب وتونس واليمن- حرمان المرأة المواطنة من نفس الحق الذي يتمتع به الرجل في منح جنسيته لزوجته الأجنبية.
آثار التمييز
بحرمان المرأة من حق منح جنسيتها لأبنائها وزوجها الأجنبي، يلحق الضرر بالأسرة كاملة، ويعاني الزوج والأبناء المقيمون في دولة الأم -دولتهم بحكم النشأة والميلاد-، من التمييز في عدة جوانب من الحياة؛ فلا يُحرمون فقط من حق المشاركة والتمثيل السياسي؛ بل من أبسط جوانب الحياة مثل: المساواة مع أقرانهم في التعليم والعمل، قدرتهم على السفر وفتح حسابات بنكية، حرمانهم من حق التملك، وبالتالي حرمانهم من وراثة أمهم حال وفاتها؛ الأمر الذي يكلف الأسرة كلفة مادية أكبر من نظيرتها التي يتمتع أفرادها بالجنسية، إلى جانب الضغوط النفسية، ما يؤدي إلى إفقار متوارث يزداد من جيل لجيل دون أمل في كسره نتيجة قيود هذا التمييز في حقهم.
فعلى سبيل الإيجاز للآثار المترتبة على التمييز في حق منح الجنسية الذي تعانيه المرأة:
- تعيش الأسرة في خطر دائم من حالة انعدام الجنسية، بما سببته من مشكلات خلال جائحة كورونا في تلقي اللقاحات والرعاية الصحية اللازمة في حالة المرض.
- كما تعاني الأسرة طوال الوقت من خطر ترحيل الأطفال لدولة الأب وتشتيت شمل الأسرة.
- تعاني المرأة، في حالة فسخ عقد الزواج، من المطالبة بحضانة الأطفال والوصول إليهم.
- يحرم الأبناء من التعليم العام الحكومي.
- ويمكن أن تتعرض الفتيات عديمات الجنسية للزواج المبكر والزواج القسري.
- عدم الحصول على الخدمات الطبية العامة الحكومية والتأمين الصحي الوطني.
- عدم الحصول على الاستحقاقات الاجتماعية.
- عدم القدرة على تسجيل الممتلكات العقارية الشخصية والحصول على ميراث الأسرة وتقييد حرية التنقل؛ بما في ذلك السفر إلى الخارج.
- إضافة إلى محدودية فرص الحصول على الوظائف والفرص الاقتصادية والخدمات المالية. كل هذا يعزز الشعور بالخزي ويزيد من احتمالية الصدمات النفسية والقلق لدى المرأة وأبنائها من عديمي الجنسية.
ويرجع كل ذلك لوجود قوالب نمطية جندرية تنظر بها الأنظمة العربية لقوانين الجنسية؛ فالمرأة تفقد هويتها المستقلة بمجرد زواجها، ويؤدي هذا إلى الحالة الشاذة الموجودة في بعض البلدان التي تسمح للمرأة بأن تنقل جنسيتها إلى أطفالها إذا كانت بمفردها، ولكنها لا تسمح لها بذلك إذا كانت متزوجة. كما ينتمي « الطفل/الطفلة إلى الأب بدلاً من الأم، بما في ذلك في حالات التبني – ولذلك يرجح أن ينتسب الأطفال إلى جنسيته، حتى إذا كانوا يقيمون في وطن الأم (المختلف عن بلده)، وفي كثير من الأحيان تكون فرصة للسماح لهم بالمطالبة بجنسية الأم.
حجم المشكلة
قرابة الخمسين دولة تطبق قوانين الجنسية التي تميز على أساس الجنس، وتتنوع قوانين الجنسية التي تميز على أساس الجنس في تزمتها بين دولة وأخرى؛ فهناك ست دول لا تتيح للأمهات منح الجنسية لأطفالهن إلا في استثناءات محدودة للغاية؛ من بينهم الكويت وقطر ولبنان والصومال، إلى جانب ثلاث عشرة دولة تتيح للأم نقل الجنسية لأطفالهن، لكن في ظروف معينة؛ كأن يكون الأب غير معروف، أو أنكر نسب الأطفال له، أو لم يعترف ببنوة الطفل، أو أن يكون الأب عديم الجنسية، ومن بين تلك الدول البحرين والأردن، عمان، السعودية، السودان وسوريا. وست دول لا يمكن للأم فيها نقل جنسيتها لأبنائها إذا كان الطفل مولودًا خارج البلاد؛ مثل العراق وليبيا وماليزيا وموريتانيا. أيضا هناك خمس دول لا يمكن للأم فيها نقل جنسيتها إلى أطفالها بالتبني؛ مثل مدغشقر وموريشيوس، ودولتان لا تتيحان للأم المتجنّسة نقل جنسيتها إلى أطفالها؛ هما كريبياس واليمن.
كما أن هناك 44 دولة أيضا لا تتيح للمرأة منح جنسيتها لزوجها غير المواطن، أربع وثلاثون دولة منهم لا توجد بها أحكام خاصة مطبقة تتيح للمتزوجات من أجنبي نقل الجنسية للأزواج الأجانب، على الرغم من أنها تطبق على الرجال المتزوجين من أجنبيات؛ من بينها مصر، لبنان، الكويت، سوريا والسودان واليمن. وعشرة دولة يحق للزوج التقدم بطلب للحصول على الجنسية بموجب إجراءات عادية وشروط مخففة؛ مثل العراق وإيران وعمان وتونس.
جهود متضافرة للقضاء على التمييز
في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر 1979 اعتمدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ترى من بين ما تراه أن ” التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكًا لمبدئي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية”، لذا تتعهد الدول الموقعة على الاتفاقية في مادتها الثانية على إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة، واتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة، إلى جانب فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي وإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزًا ضد المرأة
العمل من أجل حقوق متساوية في منح الجنسية يؤتي ثماره يومًا بعد يوم؛ ففي العقد الأول من القرن والواحد والعشرين، سنّت خمس دول عربية إصلاحات قانونية تدعم المساواة في حقوق منح الجنسية هي: مصر (2004) الجزائر (2005) المغرب (2007)، تونس (2010) واليمن (2010). وفي العام 2014 أنشئت الحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية المخصصة للقضاء على التمييز على أساس النوع الاجتماعي في قوانين الجنسية في شتى أنحاء العالم.
عاد الزخم الإقليمي، العربي، من جديد للنهوض بقوانين الجنسية المتساوية بين الجنسين؛ حين نظمت جامعة الدول العربية أول اجتماع لجامعة الدول العربية مخصص لحقوق الجنسية للمرأة بالتعاون مع الحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية ووكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة اليونيسيف. حضر الاجتماع ممثلو الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وكانت نتيجته الإعلان العربي حول الانتماء والهوية القانونية والذي يدعو إلى القضاء الشامل على التمييز بين الجنسين في قوانين الجنسية، وإزالة التحفظات على المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ووضع خطة عمل إقليمية لتحقيق أهداف الإعلان. ولا تزال الجهود الدولية وجهود المجتمع المدني مستمرة من أجل خلق عالم أفضل يتساوى فيه الجميع دون تمييز أو انحياز لطرف دون آخر.
قالوا قديمًا: “طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، ومنذ بداية الألفية الحالية -أي قبل عشرين عامًا فقط-، أقرت العديد من الدول العربية الإصلاحات القانونية اللازمة، وكرست المساواة بين الجنسين في حقوق الجنسية.