صدر الإعلان العربي حول الانتماء والهوية القانونية في فبراير من العام 2018، تحت مظلة الجامعة العربية، وبرعاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لتأتي نصوصه حاملة المزيد من الأمل للمتضررين والمتضررات من قوانين الجنسية العرب بقرب زوال معاناتهم.
فقد أكد الإعلان في بنده التاسع على دعوة الدول الأعضاء إلى العمل على إنهاء كافة أشكال التمييز في مجال الجنسية، واتخاذ كافة الخطوات الممكنة لتعديل القوانين والتشريعات على المستوى الوطني المتعلقة بالمساواة في حقوق الجنسية بهدف منح المرأة والرجل حقوقًا متساوية في منح الجنسية للأبناء والأزواج، واكتسابها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، وبما يتسق مع المعايير الدولية ولا يتعارض مع المصالح الوطنية.
غير أن الاجتماع الوزاري بتونس فبراير 2018، والذي أقر فيه الإعلان العربي حول الانتماء والهوية القانونية، كان قد سُبق بجلسة استثنائية بالقاهرة، جمعت كافة الأطراف المعنيين بقضية حقوق الجنسية بالمنطقة العربية على طاولة واحدة: ممثلي الحكومات، وقادة المجتمع المدني، وتحت مظلة الحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية، الجامعة العربية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وقد وضع البيان الذي خرج للنور عقب هذا الاجتماع، والذي عقد في أكتوبر من عام 2017، الأطر العامة لإعلان الانتماء، وأرسى آفاق وآمال المجتمع المدني على مستوى تلك القضية، ومن قبله النساء العربيات المتضررات من مسألة المواطنة المنقوصة، والمحرومات من تمرير جنسياتهن لأبنائهن.
تصف الدكتورة إيناس مكاوي، رئيسة إدارة المرأة والأسرة والطفولة بالجامعة العربية، ذلك المؤتمر آنذاك، بأنه الأول من نوعه؛ إذ يمهد الطريق للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لمناقشة والاتفاق على حقوق الجنسية للمرأة”.
وفي بيانه الختامي، طالب مؤتمر “الممارسات الجيدة والفرص الإقليمية لتعزيز حقوق المرأة والمساواة في الحصول على الجنسية” الطلب إلى الدول الأعضاء بالجامعة العربية العمل على إنهاء كافة أشكال التمييز في مجال الجنسية واتخاذ خطوات ملموسة لتعديل القوانين والتشريعات.
الهدف من التعديلات الآنف ذكرها وفق البيان؛ هو منح المرأة والرجل حقوقًا متساوية في منح الجنسية للأبناء والأزواج، وبشأن اكتساب الجنسية أو تغييرها أو الاحتفاظ بها؛ بما يتسق مع المعايير الدولية ولا يتعارض مع المصالح الوطنية.
وعلى نحو أكثر تحديدًا، أتى البيان على ذكر أكثر من خطوة ضرورية؛ أبرزها تحديث الاتفاقية العربية حول الجنسية لسنة 1954 بما يتماشى مع المستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما حدث في صورة الإعلان العربي، إضافة للعمل على رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
تفاؤل حذر
شاركت الدكتورة وجيهة البحارنة، نائب رئيس جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية في مؤتمر “الممارسات الجيدة” عام 2017، وبحسبها؛ فإن ما يستحق الإشادة حول هذا المؤتمر، كونه سابقة في تشاور الجهات الرسمية والمجتمع المدني والمؤسسات الأممية، تحت مظلة الجامعة العربية، في موضوع جدلي مثل تلك القضية.
“توسمنا خيرًا”، تقول البحارنة لـ”مواطن“، فالمؤتمر كان مبادرة حقيقية وخطوة صحيحة، لوجود الممثلين الرسميين للبلدان، والذي أسهم في إيصال صورة صحيحة حول المسألة، وخلاف ذلك جاء الاجتماع الوزاري في صيغة أكثر رسمية خاليًا من النقاشات، ومن ثم، حضور المجتمع المدني.
وتضيف: “الإعلان الذي صدر لم يكن ملزمًا، ولكن على الأقل وقعت عليه دولنا ووافقت على إصداره، تصورنا أن المسؤولين عندما يعودون لبلادهم سوف يناقشون تعديل القوانين مع الجهة التشريعية، للأسف هذا لم يحدث، عدنا للمربع الأول”.
بعد صدور الإعلان، تواصلت جهود المجتمع المدني بالبحرين: زيارات لأعضاء البرلمان، والمجلس الأعلى للمرأة، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، محاولةً للتغلب على عقبة بعينها، يسعى المجتمع المدني للتغلب عليها بدءً من 2004.
تستعرض البحارنة بدايات الحملة الإقليمية لحقوق الجنسية، والتي كان مقرها بيروت، وشملت 7 دول، حينذاك كانت المرة الأولى التي يطرح فيها الأمر بالبحرين، ومنذ ذلك الوقت، بدأت النساء المتضررات في التواصل مع المجتمع المدني حول قضيتهم.
تعديل قانون الجنسية، هي العقبة التي تتوقف لديها كافة الجهود، بحسب البحارنة، وبالرغم من أن اللقاءات مع الجهات الرسمية، عادةً ما يكون عنوانها العريض “نحن معكم؛ فهؤلاء بنات الوطن”، المحصلة النهائية تكون غير مرضية تمامًا.
تقول البحارنة: “نحن لدينا مرجعية قوية؛ الدستور وحقوق الإنسان واتفاقية الطفل، وأثمرت المداولات الطويلة منح البحرينية حق تمرير جنسيتها، ولكن وفق ضوابط وإجراءات محددة”، غير أن تلك الإجراءات كانت بدورها مدخلًا لتكريس معاناة هؤلاء النساء.
وبالرغم من أن بعض التعديلات الجزئية على مدار تلك المسيرة، أسهمت في تخفيف المعاناة، ما تزال المحاولات مستمرة حتى يصبح “الحق السيادي” طبيعيًا.
وتوضح البحارنة: “هدف حملاتنا إذا ولد أي شخص في البحرين، لأب أو أم بحريني، يصبح بحرينيًا، غير أن الأم البحرينية تحتاج لسنوات زاخرة بالفوضى والإجراءات للحصول على حق سيادي”.
وتعتبر البحارنة أن عامي الجائحة قد ساهما في جعل تعديل القانون وتذليل تلك العقبات، أكثر ضرورة، إذ تسببت الجائحة في تعميق معاناة أولئك النساء، حتى بالرغم من التسهيلات الخاصة التي مُنحت بشكل استثنائي للتعامل مع تلك الظروف.
غياب الإلزام
السيدة سعاد أبو دية، مستشارة النوع الاجتماعي الأردنية، كانت إحدى الحاضرات بالاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في فبراير من عام 2018، حيث قُدم الإعلان العربي حول الانتماء والهوية القانونية.
تشرح أبو دية: “الجامعة العربية ليس لديها القوة القانونية لإخضاع الدول أو مسائلتها عن التمييز القانوني ضد النساء والفتيات”.
وعلى مستوى الحكومات، ترى أبو دية، أن ما من شأنه أن يحسن واقع الأمهات الأردنيات خصوصًا، والعربيات عمومًا؛ يتعدى كونه بضع تعديلات على قوانين الجنسية العربية، ولكن المراد إحداث ما يشبه الثورة لتغيير القوانين بشكل جذري.
وتختتم: “قوانين الجنسية ليست فقط المقصودة بإعادة النظر؛ بل يتعدى الأمر ذلك لقوانين؛ مثل قوانين الأحوال الشخصية، وقوانين الأسرة وقوانين العقوبات حتى”، ليتوقف الأمر على “وجود إرادة سياسية من قبل الحكومات لتعديل القوانين”، حد تعبيرها.
إن إضافة التمييز الجنسي إلى انعدام الجنسية، يُعد إضافة لبعد آخر من المعاناة لتلك القضية
تتضامن مع أبودية، الدكتورة فاطمة الحويل، الحقوقية الكويتية، التي كانت من الحاضرات بالاجتماع الوزاري بتونس.
وفق الحويل، لم تنطوِ كواليس الإعلان خلال الاجتماع الوزاري على أية عراقيل، على النقيض؛ كان لكل دولة عربية حاضرة ممثلون رسميون، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني، وشارك ممثلو بعض الدول الحاضرة بإلقاء كلمات حول موقفهم القانوني الحالي آنذاك من حقوق أولاد المواطنات.
تقول الحويل في حديثها لـ “مواطن”: “وكانت أغلب الدول المتحدثة هي الدول التي أجرت تعديلا حديثا (من أول الألفية الجديدة) على قوانين جنسيتها لإدراج أولاد المواطنات لديها من ضمن المستفيدين من علاقة الأمومة بمواطنة للحصول على الجنسية الوطنية”.
وبالرغم من حالة استعراض النماذج الإيجابية تلك التي سيطرت على الاجتماع الوزاري، والذي انتهى بالكشف عن الإعلان العربي حول الانتماء والهوية القانونية، لا يوجد نتيجة لحد الآن.
خطوات على طريق طويل
إن إضافة التمييز الجنسي إلى انعدام الجنسية، يُعد إضافة لبعد آخر من المعاناة لتلك القضية، ووفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في ورقة معلومات صدّرتها عام 2018؛ فإن عددًا من دول المنطقة العربية تشهد حالة من غياب القدرة المتساوية للمرأة على منح الجنسية للأبناء، وفيما تتفاوت درجات التعسف في هذا الصدد؛ فإن بعض الدول العربية تعتلي سلم الخطورة في إمكانية نشأة حالات انعدام الجنسية.
وكانت قد عقدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتعاون مع مفوضية اللاجئين، في مايو من عام 2021 اجتماعًا إقليميًا، يهدف إلى إقرار خطة خطة عمل إقليمية حول الانتماء والهوية القانونية.
وفيما انتهى الاجتماع بإقرار خطة العمل الإقليمية حول الانتماء والهوية القانونية، جرى رفعها إلى أنظار مجلس وزراء الداخلية العرب لاعتمادها، غير أنه منذ ذلك التاريخ لم تخرج تلك الخطة الإقليمية للنور بعد عقب اعتمادها.
Thank you for your sharing. I am worried that I lack creative ideas. It is your article that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me?