تعاني النساء المتزوجات من غير ليبيين في ليبيا من مشاكل عدة؛ من بينها الإقصاء و تهميش المجتمع الليبي لها، وحرمانهن من حقوقهن المدنية والقانونية.
لم تحسم ليبيا بعد أمر تلك الفئة من النساء الليبيات المتزوجات بغير الليبي، ففي الدستور الليبي -قيد الإعداد الآن-، لم يوافق أغلب المسؤولين في الدولة على حق منح الجنسية الليبية لأبناء تلك النساء اللواتي يعانين من صعوبة في استخراج الوثائق الرسمية لأبنائهن وتسجيلهم في المدارس؛ بل وحتى في حركة أبنائهم داخل البلاد بدون أوراق ثبوتية؛ فباعتبارهم أجانب من وجهة نظر الجهات الضبطية، تعد تلك الحركة تجاوزًا وخرقًا للقانون في بلد يعاني من أزمات عدّة.
وبدوره أصدر عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا القرار رقم 322 في 26 سبتمبر أيلول 2021، والذي ينص في المادة الأولى بتشكيل لجنة لدراسة طلبات الحصول على الجنسية الليبية وإثبات صحة الانتماء للأصل الليبي؛ وكانت هذه اللجنة برئاسة رئيس مصلحة الجوازات والجنسية وعضوية العديد من المسؤولين في بعض المؤسسات الليبية؛ أبرزها مصلحة الأحوال المدنية، ووزارة الداخلية وغيرها، وباشرت اللجنة مهامها وبدأت في تشكيل لجان فرعية لها في الأقاليم الليبية الثلاثة، ونصت المادة 4 من نفس القرار بأن تتولى اللجان الفرعية استلام طلبات الحصول على الجنسية الليبية لعدة فئات؛ من بينها أبناء المواطنات الليبيات.
ثم صدر قرار 235 في الثامن من مارس 2022، والذي نص في المادة الأولى “تُمنح الجنسية الليبية للفئات التي تمت مراجعة ملفاتهم بموجب القرار رقم 322 لسنة 2021 ومن بينهم أبناء المواطنات الليبيات.
وفي التاسع عشر من أكتوبر 2022 أقرت حكومة الوحدة الوطنية لأبناء الليبيات المتزوجات من غير الليبيين بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنين الليبيين من مجانية العلاج والتعليم في الداخل والقبول في المدارس الليبية بالخارج وغيرها من الحقوق الخاصة بالمواطنين الليبيين. كما أعفت الحكومة أبناء المواطنات المتزوجات من غير الليبيين من شرط الحصول على تأشيرة دخول البلاد حال قدومهم إلى الدولة الليبية، كما أعفت أزواج المواطنات الليبيات الأجانب من شرط الحصول على تأشيرة قبل السفر والاقتصار على تأشيرة الدخول عند الوصول.
وفي هذا الإطار تقول نجلاء الفارسي المدير التنفيذي لمنظمة الرونق للمرأة والطفل، مفوضة النساء الليبيات المتزوجات بغير الليبيين المطالبات بحقوقهن. إن المرأة الليبية قبل ثورة فبراير عام 2011 كانت على ما يرام؛ من حيث كل الإجراءات التابعة لسجلات الدولة، من الرقم الوطني وتغيير رقم القيد ووضعها في فئة خاصة بها، كانت هناك ثلاثة سجلات في ليبيا، سجل المواليد والليبيين والوفيات، ثم أضاف القذافي سجل الأرامل والمطلقات، وبعد صدور قانون زواج الليبي من غير ليبية وزواج الليبية من غير ليبي، صدر سجل خاص بالأجانب خاص بالليبيات المتزوجات من أجانب، أما الليبيون الرجال فلم يستثنوا في أي شيء سوى إضافة الزوجة الأجنبية لسجل الزوج فقط، هذا السجل تحت الدولة وقانوني، ولكن عند صدور منظومة الرقم الوطني، وخروج المرأة الليبية من سجلات الدولة ووضعها في سجل الأجانب، ولكن تم تمييزها بحرف الـ F في رقم القيد الخاص بها، وهذا الرمز أصبح عائقًا لهن، وتضيف بأنهن حرمن من كل الإجراءات التي تتم عن طريق المنظومات الالكترونية، كمنظومة الحج التي لا تقبل هذا الرمز إطلاقا، بالإضافة للمنح المالية التي قامت الدولة بصرفها؛ لم تقبل أرقام قيدنا لأنها مزودة برمز.
وتابعت الفارسي بأن آخر إجراء هو حرمانها من الترشح للانتخابات، لا تستطيع الانتخاب أو الترشح، ولم يتم تسجيلها في منظومة لقاح فيروس كورونا التي كانت عن طريق رقم القيد والرقم الوطني، مع العلم بأن الأجانب لديهم منظومة خاصة بهم، أما اللأيبيات المتزوجات بغير الليبيين فهم بدون أي حقوق حقيقية، مع العلم بأن أزواج وأبناء تلك النساء سجلوا في منظومة الأجانب وتلقوا اللقاح بدون أي صعوبات.
مطلب الحصول على الجنسية للأبناء
تضيف نجلاء أصبح مطلب الجنسية لأبنائنا صعب المنال مع حرماننا من أبسط حقوقنا، تطالب نجلاء ورفيقاتها بحق المواطنة أولا، وحق أبنائهن ثانيا، أصبح لدى الأجانب المقيمين في ليبيا بطاقات حصر، ولديهم بطاقات اللقاح ضد فيروس كورونا؛ أما نساء هذه الفئة فلم يحصلوا على أي بطاقات أسوة بالأجانب.
حرموا أبناءهن من كل حقوقهم؛ أقلها الرقم الوطني، وضربت نجلاء مثال لشاب ابن ليبية من أب أجنبي، تزوج هذا الشاب من فتاة ليبية، هنا أصبح هذا الشخص أبن ليبية ومتزوجًا من ليبية وتحصل على عقد عمل في إحدى المؤسسات الرسمية بالدولة الليبية، رغم ذلك تم إيقافه عن العمل بسبب عدم امتلاكه للرقم الوطني، وفي التعليم ومنحة الأبناء حرموا من كل شيء، رفعت نجلاء العديد من القضايا وقابلت مع وزير الشؤون الاجتماعية ورئيس مصلحة الأحوال المدنية، والنائب العام، وجلست مع الجميع لوضع حل لقضيتهن، ولكن دون جدوى، وتقول بأن رئيس مجلس النواب لم يجد حلاً لمشكلتنا، هي متزوجة من ابن خالها الأجنبي، ولم تتحصل على أي حقوق.
تبنتْ نجلاء هذه القضية منذ عام 2015، حصلت على بعض الحقوق؛ منها المطالبة بعدم حرمان أبناء الليبية المتزوجة من أجنبي من حق الميراث، عندما تموت الليبية المتزوجة من أجنبي فإن الزوج والأبناء لا يرثون أمهم، والميراث يذهب لأهلها لا للأبناء، تم تعديل هذا القانون وأصبح أبناؤنا يرثون أمهاتهم بعد وفاتها، رغم وجود بعض الثغرات في نص القانون.
وبعد مقابلتها النائب العام أكد بأن القانون الليبي لا ينص على حرمان الأبناء من الميراث، وأن للأبناء حقًا في الميراث، ولكن هناك مادة في القانون الليبي تفيد بعدم تملك الأجانب؛ وبالتالي فإن من يرث الأملاك هم أهل الزوجة وليس زوجها وأبناءها.
الجنسية والمواطنة
بصفتها المدير التنفيذي في مؤسسة تُعنى بشؤون المرأة الليبية المتزوجة من غير ليبي، أقامت نجلاء العديد من الندوات والمؤتمرات حول القضية، وكان أبرزها مؤتمر الطلاق، وأثبتت الإحصائيات أقل نسبة طلاق في ليبيا هي في فئة الليبيات المتزوجات من غير ليبيين، وأن أغلب قضايا الطلاق في هذه الفئة نتيجة اضطهاد الدول لوضعهن فقط.
قادت الفارسي العديد من الحملات في هذا الشأن؛ منها “كوني قوية، من حقي أن أنتخب” وغيرها، حينها التقت برئيس البرلمان ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، لم تهنأ حتى تمكنت من إدخال هذه الفئة للانتخابات، وحصلن على بطاقات ناخبات لأنهن مواطنات ليبيات، وهذا من حقهن.
مع العلم بأن عدد الليبيات المتزوجات بغير ليبي بلغ 4885 ليبية على مستوى ليبيا، هذا بالنسبة للمسجلات فقط، والعدد أكثر ولكن في الجنوب لا يتم تسجيل المتزوجات من غير ليبيين في المنظومة، ويتم تسجيل أبنائهن المواليد أبناء بواقعة الولادة، وهذه مشكلة أخرى كبرى.
التأسيس والتطورات في الحصول على الجنسية
كونت نجلاء فريق العمل المنادي بحقوق هذه الفئة، وكانت الانطلاقة من مدينة بنغازي، وتم إنشاء عدة فروع في أغلب المدن الليبية لتطالب بحقوق تلك النساء.
وأكدت الفارسي بأن أهم أهداف هذا الحراك ضمان حقوق المرأة الليبية بصفة عامة، والمرأة الليبية المتزوجة بغير الليبي في الدستور الليبي القادم، وقامت بإعداد مذكرة مستوفاة للمطالبة بالحقوق عن طريق متخصصات في القانون، وقدمت هذه المذكرة لعدة مسؤولين في الدولة أبرزهم النائب العام والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة ووزراء الخارجية والداخلية والمفوضية العليا للانتخابات وغيرها من الجهات المُختصة.
اجتمعت نجلاء والفريق المُصاحب لها مع رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة وطرحت عليه أمر حق منح الجنسية لأبناء الليبيات المتزوجات بغير الليبي، تجاوب رئيس الحكومة وأمر بتشكيل لجنة رئيسية من قِبل رئيس الوزراء في العاصمة طرابلس، وتشكيل أربعة فروع لها في عدة مدن ليبية رئيسية؛ هي طرابلس وبنغازي وسبها ومصراته لاستلام ملفات الجنسية وتحويلها إلى اللجنة الرئيسية ليتم فرزها، ثم البدء في منح الجنسية لأبناء الليبيات المتزوجات بغير الليبي.
أهم أهداف هذا الحراك ضمان حقوق المرأة الليبية بصفة عامة، والمرأة الليبية المتزوجة بغير الليبي في الدستور الليبي القادم
لكن ما أربك عمل هذه اللجنة هو الانقسام السياسي الأخير وتشكيل حكومتين، ربما أثر هذا الأمر بشكل كبير على عمل هذه اللجنة، ولكن بكل تأكيد صدر القانون الرسمي لذلك ولجان الحصر موجودة في انتظار منح الجنسية من الجهات المختصة.
واختتمت الفارسي قولها بأن زواج الليبيات من غير الليبي ليس جُرمًا، وهذا حق شرعي ينبع من نسيج اجتماعي، تحديدًا مع الدول ذات الحدود المشتركة بين ليبيا ودول الجوار وبقية الدول العربية.
وعند حديثنا مع السيدة سلوى أحمودة، إحدى الليبيات المتزوجات من أجانب، والتي وصفت معاناتها بالكبيرة من التهميش والإقصاء الذي تتعرض له قالت: بأن هناك تهميشًا في أغلب المعاملات، وتم تمييز أرقام قيدهم برمز F، وبسبب هذا الرمز لا يستطعن الدخول والتسجيل في أي منظومة من المنظومات العاملة في الدولة.
وأضافت بأنها تتمنى أن تتحصل على حقوق أبنائها في دولتها، كصدور الأرقام الوطنية لهم، أو بطاقة لتمييزهم، وأكدت بأن الظروف الأمنية في ليبيا سببت الكثير من القلق لهن، وأصبحن لا يضمنّ خروج أبنائهن من البيوت، لأن النقاط الأمنية تعمل على إيقاف الأجانب الذين لا يحملون هويات شخصية، ومن الممكن أن يتم القبض عليهم في أي نقطة أمنية لأنهم أجانب، وليس لديهم ما يثبت أنهم أبناء ليبيات، والمشكلة الأكبر أن هناك أبناء ليبيات متزوجات في ليبيا من أجانب ولدوا في ليبيا، وعند التقديم لأي إجراء في الدولة يتم طلب صورة من جوازات سفرهم، مع العلم بأن هذا الابن مولود في ليبيا ولم ير دولة أبيه التي ينتمي رسميًا إليها، في ظل غياب السفارات والبعثات الدبلوماسية بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد، وهذا الأمر أصبح مشكلة كبيرة بالنسبة لهم.
واختتمت قولها بأن هذا الأمر أثر على دراسة أبنائهم وإجراءاتهم في المؤسسات التعليمية وغيرها، تقول: “في حال طلبت شهادات ميلاد من السجل المدني أواجه صعوبات كبيرة جدًا في الحصول عليها، ويتطلب عليها التقدم بطلب كتابي مع إرفاق عقد الزواج حتى أتمكن من الحصول على شهادة ميلادي بعد مدة تقدر تقريبًا من أسبوع إلى شهر حتى تصدر هذه الشهادة. من حقي الحصول على الإجراءات المدنية، وهذا حق أصيل ويكفله لي القانون، هناك تضييق كبير جدا في الإجراءات.”
توجهنا بتساؤلاتنا إلى مصلحة الأحوال المدنية باعتبارها الجهة المخولة بإصدار الأرقام الوطنية وأرقام القيود وغيرها من أمور الأحوال المدنية، ولمعرفة أسباب إضافة الحرف F أمام الرقم الخاص بهذه الفئة وحرمانها من التسجيل في أي منظمة من منظمات الدولة وأجابنا: السيد بشير عون نائب رئيس مصلحة الأحوال المدنية في ليبيا بقوله:
فيما يخص الليبيات المتزوجات من غير الليبيين؛ ترى مصلحة الأحوال المدنية أنه لا توجد أي مشكلة تذكر بشأنهم حيث تقوم المصلحة بتوثيق القيود وفق قانون الأحوال المدنية رقم 36/ 1968، وهنا القانون يضمن حقوق أي مواطن كان، وحيث إن فئة الليبيات المتزوجات من أجانب تعتبر قيودهم الأصلية ليبيات عادية، وبعد الزواج أيضا توثق إذا كان الزواج حصل بالداخل أي في ليبيا تضبطه قوانين ولوائح، وإذا حصل بالخارج تضبطه إجراءات أيضًا لكن مختلفة بعض الشيء.
مواضيع ذات صلة
وفيما يتعلق بمسألة حقوق الأبناء المتزوجات من أجانب، قال عون: قد لا يستفيدون بشكل كامل، وأكد أنه لا توجد مشكلة مع أبناء غير الليبيين من نظر مصلحة الأحوال المدنية نهائيا. وأضاف أن القوانين الليبية تُسنّ لكي يستفيد منها الليبيون، في هذه الحالة أبناء غير الليبيين قد تنظر لهم الدولة وفق مسارات بديلة كي تساويهم بغيرهم من الليبيين، وهو قرار يعود حينها للدولة عبر إجراءات لا تخضع لنفس القوانين.
أما فيما يخص الرمز وضع حرف F قبل الرقم الوطني الخاص بهن صرّح السيد عون بأن هذا الرمز لا يعنى شيئًا، وهو مجرد تصنيف خاص بالمنظومة لديهم، وللعلم سوف يستدرك في الفترة القادمة؛ فقد اتخذت إجراءات لتعديله.
وعن معاناة النساء المتزوجات بغير ليبيين في صعوبة الحصول على شهادات الميلاد وأرقام القيد، قال عون: بإمكان تلك النساء الحصول على المستخرجات الخاصة بهن بكل سهولة في حال يوجد توثيق للحالة بالسجلات؛ سواء كانت شهادة ميلاد أو غيرها، وتصعب عند عدم إتمام إجراءات التوثيق؛ حيث البعض منهن يتزوجن من أجانب ليس لديهم مستندات ووثائق في البلاد، وهنا المصلحة لا تتحمل مسؤولية النتائج؛ بل تحرص على توثيق ذلك حفاظًا على حقوق تلك النساء، وأكد بأن هناك حالات لم تتمكن من إتمام إجراءاتها بسبب عدم توفر أوراق الزوج بحجة خروجه من البلاد دون أن يترك أي مستند له؛ الأمر الذي يجعل الزوجة تتحمل المشاق والصعاب المترتبة على انعدام الأوراق، وإذا تعرضت أي من تلك الحالات إلى صعاب قد تواجهها من موظف بسيط؛ فهي لا تمثل توجه المصلحة؛ فنحن على أتم استعداد دائمًا لتقديم الخدمة على الوجه المطلوب.
إجراءات المصلحة حيال هذه النساء
أكد عون بأن المصلحة على أتم الاستعداد لمساعدتهم وايجاد الحلول وفق اللوائح والقوانين وأضاف، بأنهم قاموا بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتوفير البيانات المطلوبة والمشاركة في تقديم العون لبعض المعنيين بإجراء بحوث ودراسات لهم، وتسهيل الخدمات لهنّ قدر الإمكان.
إسقاط الحقوق المدنية لهن
تابع عون قوله: “لا تسقط أي حقوق نهائيًا بخصوصهم، ما يحدث هو عدم استفادتهم من بعض القوانين التي تشمل الليبيين فقط، وهذا أمر عادي بكل دول العالم، وقد يكون لهم استثناء وفق التشريعات بالوطن، وهنا لا يفسر ذلك بحرمان من الحقوق، فبمجرد زواج المرأة من أجنبي ترتبط مباشرة بقوانين دولة الزوج وأبنائهم أيضًا؛ فهم رعايا دولة أخرى غير ليبيا.
وبعد قرار رئيس الوزراء بتشكيل لجنة رئيسية من قِبل عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وتشكيل اللجان الفرعية الثلاث في مدينة طرابلس في الغرب وبنغازي في الشرق وسبها في الجنوب، وذلك لاستقبال ملفات طلبات الليبيات المتزوجات من أجانب بالحصول على الجنسية لأزواجهن وأبنائهن، باشرت هذه اللجنة عملها في الفروع المذكورة، ولم يمض وقت على بدئها حتى توقفت ومع صعوبة وشح المصادر في ليبيا، وتحديدًا من المسؤولين الذين دائمًا ما يتحججون بعدة أسباب للتهرب من المقابلات الصُحفية.
ولكن تحصلنا على بعض الإجابات من الرائد محمد المحجوب رئيس قسم شؤون العرب والأجانب فرع جوازات بنغازي الذي صرح بأنه: “تم تشكيل لجنة فرعية في مدينة بنغازي بناء على تعليمات رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وكانت اللجنة الفرعية بنغازي برئاسة العميد مفتاح بوخريص، وباشرت في استلام الملفات لمدة شهرين عن طريق نماذج معينة وصلت من اللجنة الرئيسية في طرابلس بشروط ومصوغات معينة”.
وتابع المحجوب “بعد بدء اللجنة في استقبال الطلبات والملفات صدر قرار من النائب العام بإيقاف عمل اللجنة، ولايزال العمل متوقف حتى هذه اللحظة”. حيث أعلن في إحدى اجتماعات مجلس الوزراء عن الموافقة على منح الجنسية لبعض أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي وذلك لظروف إنسانية حسب وصف رئيس مجلس الوزراء، ولم يتم البتُ الحقيقي في هذا الأمر ولم يصدر في حقهم منح الجنسية حتى هذه اللحظة.
توقف عمل اللجنة المخولة بقبول طلبات الحصول على الجنسية لأبناء النساء المتزوجات من أجانب مؤقتًا من قِبل السيد النائب العام الليبي، لأسباب مجهولة لم نتمكن من معرفتها حتى هذه اللحظة، وتوقفت فرحة هذه الأمهات اللواتي حرمن من كل الحقوق، كان من الهام جدًا التواصل مع الأطراف الاجتماعية والمنظمات الحقوقية لمعرفة الدور الذي قامت به هذه المنظمات حيال هذه النساء.
أكدت الأخصائية الاجتماعية خيرية الفرجاني المدير التنفيذي لمنظمة طموح لرعاية حقوق المرأة إن زواج الليبيات من غير الليبيين هو زواج مشروع جدًا وغير محرم قانونًا ولا شرعا، ولكن لاتزال قضية الليبيات المتزوجات من غير ليبيين تُثير الجدل المجتمعي منذ بدء السلطات في وضع ترتيبات تشريعية جديدة، تخص منح مواطنيها أرقام وطنية جديدة قبل أعوام، ومن هنا بدأت المُشكلة وآثار الأمر تهديدًا لبعض الأسر بعد حرمان أبناء هذه الفئة من الأرقام الوطنية أو حق المواطنة.
وتابعت الفرجاني: لأن بعض الجهات لا تعترف بزواج الليبية من غير ليبي، ويستنكر البعض الآخر هذا الزواج وينظر إليه كزواج غير كفء، ويجب على بناتنا عدم القبول بأمثال هؤلاء الرجال، ويجب أن تبقى الفتاة بدون زواج ولا تتزوج من غير ليبي، وهذا ظلم كبير في حق المرأة الليبية في تقرير مصيرها في هذا الزواج، ويجب عليها بناء حياتها كما تراها.
حقوق الجنسية
وأشارت الفرجاني بأن هناك نساءً يستغثن؛ فهل من المعقول أن يُحرم أبناء الليبيات من حقوقهن؛ كمنح الجنسية لهم على الرغم من أنهم من مواليد ليبيا، أليس من حقهم الجنسية الليبية بناء على ميلادهم في ليبيا.
بالرغم من قوانين الجنسية رقم 17 لسنة 1954 وقرار رقم 7 لسنة 1963 وقرار رقم 18 لسنة 1980 وقرار رقم 6 لسنة 1984، كل هذه القرارات تنص على منح الجنسية العربية للمتزوجات من غير الليبيين، في المادة رقم 5 من الفقرة (أ) من قانون الجنسية من القرار رقم 18 لسنة 1980، مع العلم بأن أبناء الزوج الليبي المتزوج من الأجنبية من الطبيعي والمتعارف عليه أن يتحصل أبناؤه على الجنسية الليبية من الأب دون أي عوائق، هنا يجب أن يكون هناك نصوص في القانون تنص على مبدأ التعامل بالمثل.
وضربت الفرجاني مثالاً في الجارة مصر التي يُمنح فيها أبناء المصريات المتزوجات من ليبيين الجنسية بشروط معينة؛ ولكنها تُمنح، فإذا كانت أغلب الدول العربية منحت الجنسية لأبناء الليبيين المتزوجين من عربيات، لماذا تنكر ليبيا هذا الحق على بناتنا، لا أعرف لماذا يُرفض هذا الأمر؟ لذا فمن حقهن المطالبة بالجنسية لأبنائهن.
نظمت وشاركت الفرجاني في عدة أنشطة تتحدث عن اضطهاد هذه الفئة في المجتمع الليبي، وأكدت على أهمية مطالبتهن بحقوقهن من عدة جهات تشريعية وتنفيذية، والمنظمات المحلية والدولية لشرح الصعوبات التي تواجههن والمطالبة بحقوقهن حتى يتمكنّ من ضمان مستقبل أبنائهن. وترى بأن هناك صعوبات كبيرة في إتمام إجراءاتهن لأنهن مصنفات كأجنبيات بناء على إدراجهن في خانة الأجانب؛ بالرغم من كونهن ليبيات، وهذا إجحاف واضطهاد لهذه الفئة.
أبرز المشاكل التي تعاني منها هذه الفئة
وتقول بأن المجتمع الليبي ينظر لهن نظرة سلبية، فيها كم كبير من الاحتقار، بالإضافة إلى لائحة التعامل مع الطلاب في الجامعات؛ هي لائحة تحمل ظلمًا كبيرًا لأبنائهن في التسجيل، إلى جانب المبالغ المالية الكبيرة التي يدفعونها، كما أن هناك صعوبة في الحصول على الرقم الوطني للأم من السجلات المدنية لإتمام إجراءات أبنائهن، بالإضافة إلى الرقم الوطني للأبناء في الدراسة كعائق كبير، ومشكلة تسجيل الممتلكات لأزواجهن وأبنائهن بسبب عدم الحق في تملك غير الليبي في ليبيا، وصعوبة الإجراءات في السجل المدني، ومشكلة الأبناء بعد وفاة الأم، الحقوق السياسية كالمشاركة في الانتخابات، وتعتبر الليبية المتزوجة من غير ليبي محرومة من حق الانتخاب لأنها مصنفة بالمتزوجة من أجنبي، كما أن نظرة الموظفين في السجلات الرسمية تحمل كمًا كبيرًا من الازدراء، لأنها مصنفة في خانة رعاية الأجانب، ومحرومة من الحصول والتسجيل في منظومة الحج، بالإضافة إلى منحة الدولار التي قُدمت من الدولة كإعانة لمواطني الدولة الليبية، لم تحصل هذه الفئة على هذه المنحة، هذه بعض الإشكاليات القليلة من الكم الكبير من المشاكل التي تعاني منها هذه الفئة.
شددت الفرجاني بضرورة حصول هذه الفئة على حقوقهن والاستفادة من الكفاءات الكبيرة لأبناء تلك النساء المؤهلين؛ الذين سوف يقدمون الكثير من الخدمات للمجتمع الليبي. واختتمت قولها بأن الأم الليبية المتزوجة من غير ليبي تظل ليبية، ومن حقها أن تحصل على كافة حقوقها أسوة بكل مواطني الدولة، ويجب احترامها كونها سيدة ليبية، ويجب أن نتشرف ونفتخر بها ويجب الوقوف معها في كل مطالبها.
الصعوبات الكبيرة والصراع داخل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور على ضمان حقوق هذه النساء وأبنائهن وذلك بضمان إضافة نصوص مواد في الدستور الليبي الجديد، ومع كل هذا التخبط الكبير في أغلب مؤسسات الدولة الليبية بسبب الفوضى الكبيرة التي تشهدها البلاد، وعدم صدور الدستور بشكل رسمي حتى اللحظة، وذلك بسبب الخلافات على بعض المواد والبنود لأسباب حزبية وتوجهات سياسية، تقابلنا مع الدكتورة ابتسام أبحيح عضو لجنة الحقوق والحريات والتدابير الانتقالية بلجنة صياغة مشروع الدستور الليبي.
هل وضعت هيئة صياغة مشروع الدستور شريحة الليبيات المتزوجات من أجانب ضمن بنودها؟
تقول أبحيح وضعنا في اعتبارنا أن المرأة الليبية من حقها منح الجنسية لأبنائها، ووضعنا أسس المواد التي تمنح هذا الحق، وصدر هذا النص في مخرجات اللجان النوعية في مادة نصت على حق منح المرأة المتزوجة من غير ليبي جنسيتها لأبنائها
وتنص المادة السادسة بأن يتمتع أبناء هذه الفئة بالحقوق المدنية الكاملة عدا الحقوق السياسية، حتى يتم مناقشتها في الجلسات العامة، ولكن رفض هذا الطرح في المشروع الأخير ولم يضمن منح الجنسية وأحيلت للقانون.
وتابعت: “في العمل التراكمي للهيئة اختلفت اللجان النوعية حول هذا الأمر، أما فيما يتعلق بلجنة الحقوق والحريات؛ نصت بشكل واضح على أن المرأة الليبية بصفة عامة من حقها منح الجنسية لأبنائها أسوة بالرجل، وهذا من مبدأ المساواة، ولكن هذا الأمر اختلف بعد العمل التراكمي ما بعد لجنة العمل، رفض نص المشروع على أساس موضوع الجنسية من قبل لجنة العمل؛ وهم 12 عضوًا إلا عضوًا واحدًا قد وافق على منح المرأة الليبية الجنسية لأبنائها.
اعترضت أبحيح على هذا الرفض من زملائها، فقررت الذهاب بهذا الاعتراض للجلسات العامة، وبعد ذلك انتقلت الهيئة للعمل من صلالة، وسمي مشروع صلالة، آنذاك توافقوا على التلاعب بهذا النص؛ فتمت الموافقة على أن يكون ليبيًا من ولد من أب ليبي، أما المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي يسجل أبناؤها بحق القانون على أن ينظر القانون لهم لاحقًا.
بعد ذلك قامت اللجنة النوعية الخاصة بالحقوق والحريات والتدابير الانتقالية منح المرأة الليبية حق منح جنسيتها لأبنائها، ثم سُلب منها من قبل لجنة العمل، ومنحت بديلاً عنه “الحق في الكرامة الإنسانية” بحيث يُمنح أبناؤها حقوق المواطنة عدا الحقوق السياسية، وفي المشروع الأخير باعتبار أن مشروع صلالة تم إسقاطه بموجب حكم قضائي، أسقط المشروع الأخير الحقوق بتاتًا، وأصبحت المرأة الليبية دون حق؛ فليس لها أي حق في الجنسية وفي الكرامة الإنسانية لها ولأبنائها.
تم إحالة موضوع الجنسية للقانون، ولم يحسم أمره إطلاقا وألغيت فقرة الكرامة الإنسانية بالكامل، وبالتالي فإن المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي أصبحت في مهب الريح في المشروع الأخير.
هل سيكون هناك نصوص قانونية لضمان حق هؤلاء النساء وأبنائهن في المستقبل القريب؟
إذا كان في إطار الهيئة والعقلية التي يتمتع بها أعضاؤها؛ فلن يكون هناك أي تقدم في هذا الخصوص ما لم يتم إبعاد الهيئة عن هذا المشروع، أو أن تُطعّم الهيئة بخبراء لهم علاقة بموضوع الحقوق والحريات.
لماذا تعاني النساء الليبيات المتزوجات بأجانب من كل هذا الإقصاء؟
تضيف أبحيح: “نحن نعيش في مجتمع ذكوري لا يعترف بالواجبات بين الرجل والمرأة، وأن المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي أصابها الضرر؛ كونها تزوجت من غير ليبي، بدليل أنها عانت من إقفال كل السبل أمامها بإقفال كل منظمات الدولة عليها؛ منها منظومة الانتخابات والمنح من الدولة، ومنظومة الحج، وكل المنظومات رفضتهن بسبب الرمز F قبل رقمها الوطني، وبالتالي لن تكون لهن أي حقوق مالم تكن هناك مناصرة من قبل الناس التي تعي مفهوم المساواة والحق في منح الجنسية لأبناء هذه الشريحة.
وعند سؤالنا عن مدى علمها بالمذكرة التي صدرت عن النائب العام بإيقاف عمل اللجنة التي باشرت في استلام ملفات منح الجنسية لأبناء الليبيات المتزوجات بأجانب، قالت أبحيح: لم أسمع بها إلا من خلال هذه المقابلة، وأكدت بأنها سوف تسعى للبحث عن أسباب تقديم هذه المذكرة بإيقاف عمل هذه اللجان.
ومن خلال هذا التقرير اتضح لنا بالفعل بأن هناك عرقلة كبيرة، وهناك أشخاص يقفون وراء منع حصول النساء الليبيات المتزوجات من أجانب على الجنسية لأبنائهن وحصولهن على أبسط حقوقهن.
فيما أشارت المحامية والناشطة الحقوقية عواطف العويني أن لجنة منح الجنسية التي شُكلت من السيد رئيس الحكومة، عقدت آخر اجتماع لها في نهاية فبراير 2022، كانت كل اجتماعات اللجنة الرئيسية بحضور ممثلين من مكتب النائب العام، وبعد ذلك يصدر النائب العام كتابًا بإيقاف عمل اللجنة، هذا أمر غير منطقي.
وتابعت: طالما أنه ليس هناك قانون يحمي حق منح الجنسية؛ فإن كل ما يصدر يظل مجرد قرارات إدارية فقط ليس إلا، لأن حق اكتساب الجنسية يجب أن يكون عن طريق نص قانون وليس قرارًا، لأن هذا الأمر يعتبر من الحقوق العامة.
وأشارت العويني أن قانون الجنسية الليبي رقم 54 في نص المادة رقم 3 نظم آلية اكتساب الجنسية، وذلك بتقديم طلبات الحصول على الجنسية من إدارة شؤون الجنسية بمصلحة الجوازات، ومن ثم البت في هذه الطلبات، وأن يكون المتقدم على الجنسية خاليًا من السوابق، وألا يكون قد ارتكب جناية أو جنحة، القانون نظم هذه الآليات، ومن بين هذه الفئة أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي، وهناك مادة تنص على أن تكون إقامة هذا الزوج الأجنبي قد زادت عن 15 سنة حتى يتحقق شرط الحصول على الجنسية.
أما د. ابتسام أبحيح عضو لجنة الحقوق والحريات والتدابير الانتقالية بلجنة صياغة مشروع الدستور الليبي. فتقول أبحيح وضعنا في اعتبارنا أن المرأة الليبية من حقها منح الجنسية لأبنائها، ووضعنا أسس المواد التي تمنح هذا الحق، وصدر هذا النص في مخرجات اللجان النوعية في مادة نصت على حق منح المرأة المتزوجة من غير ليبي جنسيتها لأبنائها
وتنص المادة السادسة بأن يتمتع أبناء هذه الفئة بالحقوق المدنية الكاملة عدا الحقوق السياسية، حتى يتم مناقشتها في الجلسات العامة، ولكن رفض هذا الطرح في المشروع الأخير ولم يضمن منح الجنسية وأحيلت للقانون.
وتابعت: “في العمل التراكمي للهيئة اختلفت اللجان النوعية حول هذا الأمر، أما فيما يتعلق بلجنة الحقوق والحريات؛ فقد نصت بشكل واضح على أن المرأة الليبية بصفة عامة من حقها منح الجنسية لأبنائها أسوة بالرجل، وهذا من مبدأ المساواة، ولكن هذا الأمر اختلف بعد العمل التراكمي ما بعد لجنة العمل، رفض نص المشروع على أساس موضوع الجنسية قبل لجنة العمل وهم 12 عضوًا إلا عضوًا واحدًا قد وافق على منح المرأة الليبية الجنسية لأبنائها.
اعترضت أبحيح على هذا الرفض من زملائها، فقررت الذهاب بهذا الاعتراض للجلسات العامة، وبعد ذلك انتقلت الهيئة للعمل من صلالة، وسمي مشروع صلالة، آنذاك توافقوا على التلاعب بهذا النص؛ فتمت الموافقة على أن يكون ليبيًا من ولد من أب ليبي، أما المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي يسجل أبناؤها بحق القانون على أن ينظر القانون لهم لاحقًا.
بعد ذلك قامت اللجنة النوعية الخاصة بالحقوق والحريات والتدابير الانتقالية منح المرأة الليبية حق منح جنسيتها لأبنائها، ثم سُلب منها من قبل لجنة العمل، ومنحت بديلاً عنه “الحق في الكرامة الإنسانية” بحيث يُمنح أبناؤها حقوق المواطنة عدا الحقوق السياسية، وفي المشروع الأخير باعتبار أن مشروع صلالة تم إسقاطه بموجب حكم قضائي، أسقط المشروع الأخير الحقوق بتاتًا، وأصبحت المرأة الليبية دون حق؛ فليس لها أي حق في الجنسية وفي الكرامة الإنسانية لها ولأبنائها.
تم إحالة موضوع الجنسية للقانون، ولم يحسم أمره إطلاقا وألغيت فقرة الكرامة الإنسانية بالكامل، وبالتالي فإن المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي أصبحت في مهب الريح في المشروع الأخير.
وبشأن نصوص القانون لضمان ما: إذا كان في إطار الهيئة والعقلية التي يتمتع بها أعضاؤها؛ فلن يكون هناك أي تقدم في هذا الخصوص ما لم يتم إبعاد الهيئة عن هذا المشروع أو أن تُطعم الهيئة بخبراء لهم علاقة بموضوع الحقوق والحريات.
Your article helped me a lot, is there any more related content? Thanks! https://accounts.binance.com/si-LK/register?ref=V2H9AFPY