ترى رشيدة نافع، كاتبة وناشطة نسوية وخبيرة في النوع الاجتماعي، وواحدة من أبرز الناشطات اللاتي عملن للقضاء على التمييز ضد المرأة في حقوق الجنسية، أن دولة المغرب عرفت كسائر الدول العربية تحولات اجتماعية مؤثرة؛ من أهمها الزواج المختلط؛ فقبل التسعينيات من القرن الماضي كان الرجال المغاربة هم من يتزوجون من أجنبيات بحكم الهجرة إلى أوربا وأمريكا، لكن بعد ذلك أصبحنا نرى تزايدًا في عدد المغربيات المتزوجات بأجانب من جنسيات مختلفة حتى الآن؛ إما داخل الوطن بأجانب مستقرين أو خارج البلاد، حينما تسافر الفتيات للدراسة أو الشغل، فيتزوجن في أرض المهجر.
تعمل البروفسورة رشيدة نافع كباحثة وأستاذة تعليم عال في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء المغربية، وكانت عميدة كلية العلوم الإنسانية بالمحمدية، بين عامي (2008-2017)، كما تشغل عضوية الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، وهي من أبرز الناشطات والناشطين المؤثرين الذين عملوا على حشد الجهود في المطالبة بالمساواة بين الجنسين في حقوق الجنسية في المغرب، قبل تعديل قانون الجنسية المغربي عام 2007 والذي كرس قدرة المرأة على منح جنسيتها لأبنائها بالمساواة مع الرجل.
بدأ الحديث عن المساواة في الجنسية في المغرب منذ بداية التسعينيات، تم تصاعد الاهتمام أثناء عمل اللجنة الملكية لمدونة الأسرة، والتي خرجت إلى حيز التطبيق سنة 2004، صادفت هذه الفترة من العمل الدائم للمجتمع المدني مصادقة المغرب على بنود كان متحفظًا عليها؛ من بينها المساواة في الجنسية؛ فأصبح من البديهي المطالبة بتغيير بعض بنود مدونة الجنسية من أجل تحقيق الانسجام مع ما جاءت به مدونة الأسرة، حينما نصت على أن الزواج هو شراكة ومسؤولية الرعاية مقتسمة بين الزوجين.
رشيدة نافع هي رئيس جمعية “مركز دراسات التغيير الاجتماعي والحكم الإقليمي“، ورئيس هيئة المساواة بمحافظة المحمدية، ومتحدثة في المغرب والخارج حول قضايا المرأة والاجتماعية، كما تشغل عضوية ADFM، ولديها الخبرة في تقييم المشاريع الاجتماعية، ومسؤولة عن عدة مشاريع بحثية (وطنية ودولية) حول البيئة وأوضاع المرأة والتنمية الإقليمية، كما تساهم في تدريب وبناء القدرات للمنظمات غير الحكومية (القيادة، النهج التشاركي، نهج النوع الاجتماعي وإعداد المشروع)، وهي أيضًا امرأة متضررة مباشرة من التمييز ضد المرأة في الحقوق الجنسية.
لا بد من إرادة سياسية لا تخاف من تنوع التركيبة المجتمعية، لأن فيها غنى حضاريًا واقتصاديًا ومجتمعيًا كبيرًا
تزوجت “نافع” بشاب عربي مسلم يدرس في المغرب، وتؤمن بالأمة العربية والإسلامية، لم تكن على دراية بقانون الجنسية حينها، ولم تشك أن أولادها لن يكونوا مغاربة تلقائيًا، لكنها اصطدمت بالواقع، وقررت أن تكون أول من يعمل على تغيير هذا الأمر؛ فانخرطت في المجتمع المدني ووجدت في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب العتيدة ذات المصداقية، وكانت الملاذ والسند لها؛ فتم تكليفها بالملف شخصيًا وعُيّنت متحدثة رسمية.
عملت “نافع” منذ العام 2002 مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب والمجتمع المدني على استراتيجية طويلة الأمد من أجل المساواة في حق الجنسية، وكان من أبرز نقاطها:
دراسة ميدانية وإحصائية لتحديد حجم الضرر الواقع على النساء المغربيات جراء التمييز ضدهن في حق الجنسية، واستنفار الإعلام الرسمي والوطني والدولي؛ حيث تم تنشيط برامج توعوية وتصريحات في فترات الأخبار الرئيسية في التلفزيون والإذاعة العمومية والخاصة، والقيام بتنشيط أيام تواصلية مع البرلمان، وعقد لقاءات مع ممثلي أحزاب يؤيدون الحق في المساواة في الجنسية؛ كحزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي وغيرها من الأحزاب.
كما شاركت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في شبكة وطنية للمطالبة بالحق وشبكة عربية، لعب فيها CDRTDA Beirut دورًا كبيرًا، إضافة إلى جمعيات من مصر والبحرين والأردن وغيرها، تم من خلالها توحيد الشعارات والمنهجيات.
وفي العام 2007 عُدّل قانون الجنسـية المغربي ليكـّرس قــدرة المرأة علــى منــح جنسيتها لأولادها بالمساواة مــع الرجــل، وبأثر رجعي، وفي هذا الصدد تُنوّه رشيدة نافع بالإرادة الملكية السامية للملك محمد السادس -حفظه الله-، والذي ظل يساند النساء المغربيات ولازال؛ فمنذ خطابه الأول كملك البلاد في 1999، خص النساء بالتكريم، وطالب برفع الحيف عنهن، كما بشر المغربيات والأسرة المغربية في 2004 (مدونة الأسرة) وفي 2007 (قانون الجنسية) بتغييرات هامة من أجل المساواة، وتغيير العقليات وتحقيق العدالة بين الجنسين. وننوه بالتضامن الكبير الذي أبداه المغاربة وتأثرهم البالغ بالمشكلة، والتضامن الملتزم لكافة وسائل الإعلام، والمواكبة العلمية من طرف بعض الفرق الجامعية؛ التشبيك بين مؤسسات المجتمع المدني، والاعتصامات السلمية الهادئة والمؤثرة.
حقق قانون الجنسية المساواة بين النساء والرجال في منح الجنسية لأطفالهم، واعتبر أن المغربي هو كل من ولد لأب أو أم مغربية، كما رسّخ الاستقرار وشجّع الكثير من الشباب إلى بلادهم لزيارتها والاستثمار فيها، ومكّن كل أبناء النساء المغربيات مهما اختلف دينهم أن يكونوا مغاربة. ويعتبر الدستور (2011) الذي ينص على المساواة بين الجنسين وعلى المناصفة ومدونة الأسرة (2004) قانون الجنسية (2007)؛ هي من أهم المنجزات التي شكلت تغييرًا جذريًا في المجتمع المغربي.
وحاليًا هناك تفكير في إدخال تعديلات على مدونة الأسرة بشكل يضمن استقرارًا أفضل للأسرة المغربية التي تعرف تحولات عميقة؛ فلا تزال المغرب لا تمنح المرأة الحق في تمرير الجنسية لزوجها على قدم المساواة مع الرجل، الذي يمكنه منح الجنسية لزوجته غير المغربية.
تؤمن “نافع” أن إعطاء حق منح الجنسية للرجال الأزواج يبقى من حق سيادة الدولة في سياق التغيرات والأزمات السياسية الحالية، لكن هناك من الأزواج من قضى عشرات السنين، ويساعد في تنمية البلاد ويظهر انتماءً حقيقيًا للمغرب؛ لذلك نتمنى أن تتم مساواتهم مع الزوجات الأجنبيات اللاتي يحصلن على الجنسية بعد 5 سنوات.
وحول رؤيتها في إمكانية الاستفادة من التجربة المغربية لكل من يناضل من أجل المساواة في حقوق الجنسية حول العالم؛ تري “نافع” أنه لا بد من إرادة سياسية لا تخاف من تنوع التركيبة المجتمعية، لأن فيها غنى حضاريًا واقتصاديًا ومجتمعيًا كبيرًا؛ من منطلق حقوق الإنسان، والإيمان بالقضية والابتعاد عن مقاربة الرأفة والإحسان، والمطالبة بالحق في مواطنة كاملة، والاشتغال في إطار المجتمع المدني والتواصل مع الإعلام، والقيام بأفلام وثائقية واستجوابات لعرض الحالات الصعبة على الرأي العام، وإنتاج مسلسلات تلفزيونية حول المشكلة، إضافة لاستغلال وسائل التواصل المحترمة كأداة لتغيير العقليات.