في خضم الحرب والمعاناة، فوجئ اليمنيون في أواخر يناير / كانون بنشر سجلات لحوالات مالية مُعمرة وغير مستلمة من قبل أصحابها منذ أكثر من أربعة أعوام؛ إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي عقب تسريب كشوفات تلك الحوالات ، وطالب المواطنون شركات الصرافة بسرعة إعادة الأموال إلى أصحابها منتقدين غياب الرقابة من قبل السلطات المختلفة في البلاد.
في خضم الحرب والمعاناة، فوجئ اليمنيون في أواخر يناير / كانون بنشر سجلات لحوالات مالية مُعمرة وغير مستلمة من قبل أصحابها منذ أكثر من أربعة أعوام؛ إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي عقب تسريب كشوفات تلك الحوالات ، وطالب المواطنون شركات الصرافة بسرعة إعادة الأموال إلى أصحابها منتقدين غياب الرقابة من قبل السلطات المختلفة في البلاد.
ظلت الحوالات المنسية لسنوات في شبكات الصرافة، حتى قيام موظف سابق في إحدى شركات الصرافة بنشر كشوفات تضم مجموعةً من الحوالات المالية، التي لم يتم صرفها من قبل الشركة تقدر بحوالي 6 مليارات ريال يمني
يقول الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد لمواطن: “الحوالات المعمرة هي ظاهرة مصرفية بمختلف قطاعات الصرافة عالميًا، وليس في البلاد فحسب؛ لكن “الصرافيين في اليمن استطاعوا التحايل على السلطات النقدية في إخفاء عشرات الآلاف من الحوالات المنسية واستثمروها لصالحهم لسنوات”.
ويضيف: “ماحدث مؤخرًا والذي بات يعرف بـ فضيحة الأموال المنسية، كان نتيجة لتصادم مصالح بين شركات صرافة وشبكات تحويلات”، لافتًا إلى أن البعض من شبكات التحويلات تعرضت للابتزاز من قبل مهندسي تقنية”إيتي”؛ مشيرًا إلى أن الحوالات المنسية التي كشفت عنها شبكات التحويلات المالية العاملة في اليمن تقدر بنحو مليون حوالة”.
أموال منسية
ظلت الحوالات المنسية لسنوات في شبكات الصرافة، حتى قيام موظف سابق في إحدى شركات الصرافة بنشر كشوفات تضم مجموعةً من الحوالات المالية التي لم يتم صرفها من قبل الشركة تقدر بحوالي 6 مليارات ريال يمني، وهي شركة حديثة النشأة مقارنة بالشركات الأخرى؛ حيث من المتوقّع أن تكون لديها أضعاف متراكمة خلال تلك الفترة .
فوجئ خالد أحمد 36 عامًا بنشر اسمه ضمن كشوفات الحوالات المتأخرة في إحدى شركات الصرافة في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي
وتداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي كشوفات مسربة لشركة الامتياز أسفرت عن وجود نحو 60 ألف حوالة غير مستلمة من قبل أصحابها بمبلغ إجمالي يتجاوز ملياري ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 2 مليون دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في بنك عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليًا.
وعلق لمواطن المهندس أحمد العليمي الذي انفرد في تسريب كشوفات الحوالات المنسية في شركة الامتياز المصرفية في اليمن على موقع فيسبوك قائلًا: إذا تأخرت الحوالة أكثر من شهر فسوف تذهب بعدها إلى مكتب الصرافة، وهي غير متوفرة، ومن ثم يقول لك الصراف بأن رقم الحوالة غير صحيح لأنها لم تعد تظهر بالنظام”.
وأضاف: ” تلك الحوالات قد تصل في شبكة واحدة إلى أكثر من 2 مليار ريال يمني وأكثر من 20 مليون ريال سعودي، وأكثر من أربعة مليون دولار، هذا في شبكة واحدة، عوضًا عن بقية الشبكات التي تصل في شمال اليمن إلى أكثر من 22 شبكة مصرفية “.
فوجئ خالد أحمد 36 عامًا بنشر اسمه ضمن كشوفات الحوالات المتأخرة في إحدى شركات الصرافة في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران عقب تسريب كشوف حوالات معمرة في شركات الصرافة في اليمن.
يضيف خالد لمواطن : “في منتصف عام 2021 كان لدي حوالة مالية بمبلغ 100 ألف ريال يمني، وبسبب الانشغال في العمل تأخرت في استلامها لفترة، وذهبت بعد ذلك إلى محل الصرافة، لكن رد محل الصرافة بأن رقم الحوالة غير صحيح، وتابعت مرسل الحوالة لكن بلا فائدة، حتى اضطررت لترك متابعتها، وحاليًا ظهرت في كشوفات الحوالات المنسية وتمكنت من تسلمها”.
شدد خبراء مصرفيون على أهمية الوعي بالتعامل المالي الصحيح بالنسبة للمرسل والمستلم، وضرورة أن يكون الاسم صحيحًا كما في البطاقة والجواز، ويفترض أن يكون الرقم الوطني مرجعية مهمة في تسليم الحوالات المالية حتى يتم حفظ أموال المواطنين
وعن الأسباب، يقول الاقتصادي والمصرفي اليمني وحيد الفودعي لمواطن: إن من أبرزها النسيان، وكذلك الحوالات السياسية التي لم يتجرأ بعض الأشخاص على سحبها بسبب خوفهم من أن يتم إلقاء القبض عليهم من قبل السلطات، بالإضافة إلى عدم علم أصحاب الحوالات، وعدم إبلاغهم سوى من قبل المرسل أو شركات الصرافة التي يفترض أن ترسل رسالة نصية إلى المستفيد، وتكرر إرسالها عدة مرات أو التواصل الشخصي مع أصحاب الحوالات.
من جانبه يضيف الحداد؛ الخبير الاقتصادي: “من الأسباب أيضًا حدوث خطأ في اسم المرسل والمستلم وعدم وضع أرقام تليفونات صحيحة للمستلم، وعدم إبلاغ المستلم من قبل المرسل، وكذلك قيام منظمات دولية بإرسال مستحقات للكثير من الذين كانوا عاملين فيها، أو كمساعدات، ولم تتابع وصول تلك الأموال، بالإضافة أن هناك أموالًا تابعة لتجار متنازعين، بالإضافة إلى وجود مبالغ مالية كبيرة تم وضعها في شركات الصرافة كضمان وفق أحكام قبلية، وتسبب تعثر حل القضايا وبقت الأموال دون أن يتم إعادتها”.
غياب الرقابة
يرى العليمي بأن “موضوع الحوالات المعمرة ليست وليدة اللحظة، وقد تكلم عن هذا الموضوع الكثير منذ سنوات، ولكن لم يتم الانتباه للموضوع، ولم تكن هناك جدية في إرجاع هذه الأموال لأصحابها إلا عندما تم توضيح المبالغ المخيفة لهذه الحوالات، وتم تطبيق ذلك بشكل عملي وبالأرقام”.
يضيف العليمي: ” الاجراءات التي تم القيام بها بخصوص الحوالات المنسية هي خطوات صحيحة لإرجاع الاموال لأصحابها، وبشكل يحفظ خصوصية بيانات الناس، ولا يتسبب في الإضرار بشبكات التحويل والبنوك”.
في سياق متصل؛ شدد خبراء مصرفيون على أهمية الوعي بالتعامل المالي الصحيح بالنسبة للمرسل والمستلم، وضرورة أن يكون الاسم صحيحًا كما في البطاقة والجواز، ويفترض أن يكون الرقم الوطني مرجعية مهمة في تسليم الحوالات المالية حتى يتم حفظ أموال المواطنين.
وفي حين يشدد الخبراء على أهمية الوعي في التعاملات المالية؛ يقول الحداد الخبير الاقتصادي لمواطن: “فضيحة الحوالات المنسية كشفت عن مشاركة الصرافين في السطو على حقوق الناس، وعدم إبلاغ المستفيدين منها، والاكتفاء بالرسائل دون التواصل والاتصال بأصحاب تلك الحوالات هاتفيًا أو إبلاغهم بأي طريقة أو وسيلة”.
يضيف الحداد: ” أدى تراكم الحوالات المنسية إلى وقوع شبكات التحويلات للابتزاز من قبل أصحاب الشركات الذين حاولوا تقاسم الشبكات وتشغيل تلك الحوالات لصالحهم دون عائد أو أرباح، مشيرًا إلى أن لمشكلة مصادرة الأرقام الهاتفية وبيعها من قبل شركات الاتصالات دورًا رئيسيًا في تصاعد هذه الظاهرة”.
تدهور وانقسام نقدي
كما هو الحال مع العديد من القطاعات الخدمية في اليمن؛ لم يكن القطاع المصرفي بعيدًا عن تأثيرات الحرب؛ إذ شهد القطاع تدهورًا كبيرًا خصوصًا عقب قرار الحكومة المعترف بها دوليًا نقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن في سبتمبر/ أيلول 2016، بالإضافة إلى قيام السلطات المختلفة في البلاد باتخاذ سلسلة من الإجراءات والممارسات الخاطئة تسببت بالانقسام النقدي خلال السنوات الماضية.
وخلال الفترة الماضية عملت السلطات المختلفة في البلاد على توسيع الانقسام النقدي؛ إذ أعلن البنك المركزي في عدن في فبراير/شباط 2018 عن طباعة عملة ورقية جديدة بمواصفات مختلفة، لمواجهة أزمة السيولة، لكن سلطات الحوثيين في صنعاء واجهت القرار؛ إذ أعلنت حينها عن منع تداول الأوراق النقدية الجديدة في مناطق سيطرتها، لينعكس ذلك سلبًا على القطاع المصرفي وحياة المواطنين، وفاقمت من معاناتهم اليومية في بلد تعصف به الحرب منذ أكثر من سبع سنوات.
ومع استمرار الصراع الوحشي في اليمن، يرى الباحث الفودعي بأن “الحرب ساهمت بتدهور القطاع المصرفي، وأدت إلى حدوث الانقسام النقدي، مشيرًا إلى الازدواجية في القرارات من قبل السلطات تعليمات من عدن، وتعليمات نقيضة لها من صنعاء، مضيفًا لمواطن: “وضع القطاع المصرفي مؤازري، مشيرًا إلى غياب الرقابة على شركات الصرافة المنتشرة بشكل غير مسبوق في عموم محافظات البلاد “.
ومع غياب الرقابة يقول الحداد لمواطن: “شركات الصرافة تمارس عملية تلاعب واضحة بـ السيولة النقدية من العملات الصعبة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل سابقت نحو الثراء الفاحش على حساب المواطن المغلوب الذي يعيش ظروفًا معيشية قاسية”.
وأضاف الحداد: “استغلت شركات الصرافة في مختلف المحافظات اليمنية حالة الانقسام النقدي والمالي بين مناطق سيطرة جماعة الحوثي ومناطق سيطرة الحكومة في الإضرار بالمواطنين، والاقتصاد الوطني ومصادرة حقوق عشرات الآلاف من اليمنيين”.
إجمالا فإن أساس المشكلة التي أدت إلى تراكم الحوالات المعمرة في شبكات الصرافة هو حالة الانقسام النقدي والمالي، وغياب الرقابة من قبل السلطات النقدية المختلفة في البلاد بسبب استمرار الحرب، ومن شأن أي إتفاق أو تسوية سياسية بين الأطراف المتنازعة أن تحل جملة من المشكلات بما فيها القطاع المصرفي.