النسوية في الشرق الأوسط، هي المرادف المثير دائمًا للجدل، دون محاولة من المجتمعات “المحافظة” إلى مناقشة وفهم أهداف الحركة التي مثلت منذ نشأتها في خمسينات القرن الماضي، حالة من الاشتباك والتشاحن الاجتماعي والعقائدي دائمًا، لم يخلُ من الطابع السياسي في بعض الأحيان، لذلك شهدت الحركة النسوية في الدول العربية بوجه عام درجات عالية من التفاوت، تزامنت مع تحولات اجتماعية وتاريخية كبيرة، إلا أن الشاهد في الأمر، وعلى الرغم من الحقوق المكتسبة للمرأة العربية بفضل الحراك النسوي، إلا أن المأمول منها لا يزال بعيد المنال.
وفي الخليج، الذي شهد أيضًا تحولًا جذريًا فيما يتعلق بمنح حقوق عادلة للمرأة على مدار السنوات القليلة الماضية، نجد أن الحركة النسوية، ورغم الديناميكية السريعة التي تسير لها منظومة الدعم من جانب بعض النظم السياسية، نجدها لا تزال مكبلة بالعديد من القيود الاجتماعية والدينية والقبلية والسياسية أيضًا.
ماذا حققت المرأة الخليجية من مكتسبات؟
لا يمكن تعميم التجربة الخليجية في تقدير حجم المكتسبات التي حصلت عليها المرأة، خلال السنوات الماضية، ربما يحمل التعميم قدرًا من التقصير أو المبالغة، لأن التجربة بشكل عام يغلب عليها التفاوت، بدرجات تحددها عدة عوامل؛ أبرزها الإرادة السياسية في منح الحقوق للمرأة، ومدى قدرة المجتمع على تجاوز العادات والتقاليد الجامدة، وتقبله للدور النسوي أيضًا، والأهم تجاوز الفكر العقائدي الراسخ، والمغلوط في معظم الأحيان حول حقوق النساء.
لكن يمكن المرور سريعًا على تجارب دول الخليج فيما يتعلق بنشاط حقوق المرأة على مدار السنوات الماضية، كنماذج يمكن الاستدلال بها في فهم موضوع النسوية في الخليج.
ففي السعودية على سبيل المثال، تعيش النساء “عصرهن الذهبي”، على حد وصف بعض الخبراء والمراقبين، بعد حزمة إجراءات سياسية أقرها ولي العهد محمد سلمان منذ عام 2016، مكنت السعوديات من اقتناص جملة من الحقوق بعد سنوات من التهميش.
أبرز تلك الحقوق كان الحصول على جواز سفر ورخصة للقيادة للمرة الأولى، والسماح للنساء بالسفر دون رجل مرافق (محرم)، وإلغاء هيئة الأمر بالمعروف الدينية التقليدية التي طالما مثلت قيدًا صارمًا ضد النسوة، وزيادة عدد النساء في الوظائف الحكومية، ومنحهن حرية أكبر فيما يتعلق بالملبس، وعدم الالتزام بالزي التقليدي الذي كان فرضًا على النساء منذ نشأة الدولة.
مع ذلك لاتزال بعض الانتهاكات بحق الناشطات السعوديات -مؤخرًا- محل انتقاد الكثير من المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج؛ لعل أبرزها، قضايا الناشطات: سلمى الشهاب ونورة القحطاني. بالإضافة إلى لجين الهذلول من قبل.
أما الإمارات أقرت بين عامي 2015 و2021 قانونًا إصلاحيًا شاملًا لمنح أكبر مساحة من الحقوق للمرأة الإماراتية، لتمكينها من العمل السياسي والاجتماعي والحقوقي، وأيضًا شهدت البلاد تمثيلًا تاريخيًا للنساء في المجالس النيابية والحكومية؛ فقد وصلت نسبة التمثيل البرلماني للمرأة إلى 50% في المجلس الاتحادي، أيضًا برزت الكوادر النسائية بمختلف الوزارات والجهات التنفيذية.
وفي قطر، أصبحت تعيش النساء أيضًا حالة من الانفتاح الكبير في ضوء منحها كافة حقوق المشاركة السياسية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك بترشح 28 سيدة للمنافسة على 30 مقعدًا في انتخابات مجلس الشورى التي جرت في البلاد إبان عام 2021.
ووفقًا لتقرير التنمية البشرية لعام 2022، والذي يصنف عدم المساواة بين الجنسين، صعدت قطر من المرتبة 44 في عام 2020 إلى المرتبة 42 في عام 2021.
وفي الكويت أيضًا تحظى النساء بدعم كبير على المستوى السياسي والحقوق الاجتماعية، وقد وافقت الحكومة الكويتية عام 2021 على اتفاق للشراكة مع البنك الدولي يتضمن بنودًا للمساواة بين الجنسين، في خطوة عدها مراقبون تحولًا نحو مساحات أكثر رحبة للحقوق.
كما تعطي الكويت الأولوية للتمكين الاقتصادي للمرأة في أدوات السياسة الرئيسية الأخرى؛ مثل الخطة الوطنية الجديدة للكويت، المسماة رؤية الكويت 2035 “كويت جديدة”.
أما في عمان، فمن الصعب وضع توصيف محدد للمرحلة التي تمر بها حقوق النساء، لأن التناقض يبدو سمة غالبة بين الرواية الرسمية التي تشير دائمًا إلى التقدم الكبير في مجال الحقوق الممنوحة للنساء، وكذلك الآراء المؤيدة لهذه الرواية.
وفي المقابل، هناك رواية أخرى تؤكد أن حقوق المرأة في البلاد لاتزال مقيدة بالكثير من القيود الثقافية والاجتماعية والسياسية أيضًا، وما حدث ليس سوى معالجات سطحية للقضايا لم تقدم حلولًا قانونية.
ففي حين استعرضت السلطنة مطلع عام 2021 من خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان العديد من المزايا، التي حصلت عليها المرأة خلال السنوات الماضية، إلا أن الأوضاع الراهنة للنساء لا تتوافق مع مسوغات التقرير لحد يصل إلى التناقض، كما أن أوضاع المؤسسات النسوية في البلاد، تعد -وفق تقارير عديدة- مؤشرًا على تراجع الدور النسوي مقابل التمثيل الحكومي الرسمي، الذي يرفض منح المرأة أي مساحات جدية في الحياة السياسية والاجتماعية.
تواجه معظم دول الخليج الانتقادات ذاتها فيما يتعلق بحقوق المرأة إضافة إلى وجود بعض الفوارق فيما يتعلق بسياقات التعاطي القانوني مع النسويات، لكن غالبية تلك الانتقادات تتمحور حول عدم منح الخليجيات الحق في تجنيس أبنائهن أسوة بالرجال، وهو المطلب المعروض غالبًا و بإلحاح من جانب كافة المؤسسات المعنية بحقوق النساء. كما تنتشر بدرجات متفاوتة حوادث عنف تصل إلى القتل بالطعن أو الحرق ضد النساء. كما تلاحق بعض الأنظمة الخليجية الناشطات النسوية بضراوة.
حول الأوضاع الراهنة للنساء الخليجيات
أصبح الخطاب النسوي حاضرًا وبقوة في معظم دول الخليج خلال السنوات الأخيرة، مدعومًا بالغطاء الحكومي الرسمي، وميل المجتمع إلى الانفتاح بفعل الكثير من العوامل؛ ربما في مقدمتها سياسات الانفتاح الثقافي التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن ارتفاع مستوى التعليم والتحول نحو بيئة أكثر قدرة على تقبل الآخر ومنحه حقوقًا عادلة دون تقييمات جندرية.
المرأة الخليجية لاتزال تطالب بحقوقها ومكتسباتها، بذريعة أنها ليست رجلًا، حسبما عقبت الكاتبة الكويتية، الجازي السنافي لمواطن
وإجابة على السؤال السابق تؤكد الأكاديمية الإماراتية، فاطمة الصايغ لمواطن، إنه بالحديث عن المرأة الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص، يمكن القول بأن المرأة الإماراتية قد نجحت خلال السنوات الماضية في الحصول على الكثير من المكتسبات، ما يمكن وصفه الآن بأنه “حرق المراحل وتجاوز العقبات”.
وتضيف الصايغ، أن المرأة في الإمارات تمثل حجر زاوية داخل المؤسسات الحكومية والتنفيذية ودوائر صنع القرار، وتذكر على سبيل المثال أن الحكومة بها 10 وزيرات، إضافة إلى التمثيل المتميز للمرأة في المجلس الاتحادي، إضافة إلى الاستثمارات الضخمة التي تديرها النساء داخل الدولة.
أما الكاتبة الكويتية الجازي طارق السنافي، فترى أن المرأة الخليجية لاتزال تطالب بحقوقها ومكتسباتها بذريعة أنها ليست رجلًا.
وتقول السنافي لـ”مواطن” إنه بالرغم من كل الجهود المبذولة وكل المطالبات، والرؤية المتطورة، والتطلعات العصرية، إلا أن المرأة الخليجية لاتزال تبحث عن حقوقها أسوة بالرجل الخليجي الذي يتمتع بجميع المزايا لمجرد أنه ولد ذكرًا.”
وتشير السنافي إلى أن الحقوق بالنسبة للنساء في دول الخليج متفاوتة؛ فلكل دولة مزاياها وعيوبها من ناحية حقوق المرأة، فعلى سبيل المثال، حرية التعبير والمطالبات بالحقوق وإبداء الرأي في بعض القضايا تختلف من دولة لأخرى، حرية التنقل والسكن تختلف من بلد لآخر، تمرير الجنسية للأبناء من أب غير مواطن تختلف من بلد لآخر، ولكن نظام الوصاية ربما يكون مشترك.
وعلى الرغم من ذلك، ترى السنافي أن المرأة الخليجية تنعم بمميزات لا توجد في البلدان الأخرى، ونقصد بالمزايا المالية والوظيفية، والعملية، أما اجتماعيًا فلا زالت في بعض المناطق- تعتبر مواطنًا من الدرجة الثانية.
يبدو مفهوم العدالة الاجتماعية في المجتمعات العربية، بوجه عام “مشوشًا”، على حد كبير، وتحكمه العديد من المؤثرات؛ بعضها سياسي والآخر اجتماعي بحت، لذلك يصعب قياس أنماط الدعم النسوي بميزان واحد في دول تختلف فيها القوانين والدساتير إضافة، لأنماط المعيشة والثقافات، لكن يمكن القول ومن خلال التجارب السابق ذكرها، بأن المرأة الخليجية قد وصلت إلى مستوى جيد، لكن يبدو أمامها طريق طويل إذا ما كانت ترغب بالوصول إلى حقوق عادلة مكتملة.
ترى فاطمة الصايغ أن حقوق المرأة بشكل عام يمكن أن تحظى بقدر عال من العالية طالما أنها مدعومة بقرارات القيادة السياسية وتحددها قوة القانون والتشريعات التي تمنحها حقوقًا متساوية. وتستطرد “أن مساندة الجهات الحكومية للمرأة تعفيها من الصدام المباشر مع المؤسسات الدينية والاجتماعية، وتوفر لها ضمانات حقيقية لممارسة حقوقها دون مغالطات أو ضغوط تتعلق بالدين أو المجتمع”.
النسوية الخليجية وتابوهات الدين والمجتمع
على الرغم من الدعم السياسي والتحفيز المؤسسي للمرأة في دول الخليج؛ فلا تزال القيود الاجتماعية والدينية تمثل العائق الأهم أمام تطلعات المرأة للحصول على مزيد من الحقوق.
ترى الكاتبة الكويتية السنافي إن الحركة النسوية في الخليج تبدو مشتتة، خريطتها غير واضحة ومموهة، وهناك الكثير من المطالبات والحركات التي أثمرت فعلًا سن قوانين جيدة تصب في صالح المرأة الخليجية. وتضيف: “كوني مواطنة كويتية، أرى أن المطالبات قد أتت بنتيجة إيجابية في العديد من القضايا؛ منها قضايا التحرش، وإيواء المعنفات، وقضايا الطلاق والنفقات وغيرها.”
وتتابع: “نحن نصارع من أجل القضايا الاجتماعية وقضايا التفكير التقليدي التي تهمش المرأة وتستبعدها في أمور عديدة؛ فالقانون يسمح بالتعليم، ولكن بعض العقول لا تسمح بذلك بحجة العادات والتقاليد، والقانون يسمح بالعمل ولكن بعض العقليات تحرم المرأة من العمل بحجة العادات والثوابت”.
“ويصب القانون المدني أيضًا في صالح المرأة، ولكن العادات البالية هي ما تقف حجر عثرة في وجه التقدم، والمطالبات والأصوات عالية تجاه هذه القضية التي تعتبر (شائكة) لدى البعض، وفي بعض المجتمعات التي نسميها (بالرجعية)؛ فهناك من النساء من تتمنى أن تخرج بمفردها أو تسافر بمفردها أو تسكن بمفردها، والقانون يسمح لها بذلك، لكن الأعراف الاجتماعية ترفض، وقد تتعرض المرأة للعنف لمجرد إبداء رأيها في هذه المواضيع”، وفق السنافي.
ومن جهتها تعتقد الصايغ؛ الأكاديمية الإماراتية، أن حالة الصراع مع الدين والمجتمع لا تتفق مع الحقوق الممنوحة من جانب الدولة، وتؤكد في هذا الصدد على ما ذكرته سابقًا، فيما يتعلق بأن الدور الحكومي والمؤسسي للدولة قد نجح في دعم المرأة لتجاوز هذا النوع من المعارك، وفرض الحقوق على الجميع استنادًا للقانون.
تطلعات الحراك النسوي في الخليج
المرأة في الخليج قد حصلت على الكثير من الحقوق خلال السنوات الماضية، لكن ما لم تحصل عليه حتى الآن يتعلق ببعض الحقوق المدنية، كتلك الموجودة في الدول الغربية، منها على سبيل المثال، حقها في أن تمنح جنسيتها لأبنائها، حسبما أكدت الأكاديمية الإماراتية، فاطمة الصايغ
تتوافق تطلعات النساء في أي دولة مع أنماط التحول الاجتماعي والتقدم الحضاري، وأيضًا توجهات النظم السياسية على اختلافها، إضافة للمؤثرات الثقافية والاجتماعية، لذلك يبدو مفهوم العدالة في الحقوق الممنوحة، نسبيًا إلى حد كبير، وتبعًا له مقياس الرضا حول تلك الحقوق، ما يعني أن العديد من العوامل قد تحكم سلوك وتطلعات الحركة النسوية في كل دولة تختلف عن الآخرى.
تقول الصايغ إن المرأة في الخليج قد حصلت على الكثير من الحقوق خلال السنوات الماضية، لكن ما لم تحصل عليه حتى الآن يتعلق ببعض الحقوق المدنية، كتلك الموجودة في الدول الغربية التي تمنحها المساواة التامة مع الرجل في مختلف الحقوق المدنية؛ منها على سبيل المثال، حقها في أن تمنح جنسيتها لأبنائها، الأمر الذي يشكل هاجسًا كبيرًا لدى قطاع كبير من النساء في الخليج في الوقت الراهن.
وترى السنافي أن المرأة في الخليج تتطلع لمزيد من الحريات، ومزيد من القوانين التي تحميها وتصب في صالحها، بعيدًا عن العواطف والعادات القديمة، كما تتطلع لشغل وظائف أكبر دون تمييز.”
وتضيف “نحن في تطور من هذه الناحية، وخاصة أن المرأة الخليجية، والكويتية تحديدًا تبوأت منصب قاضٍ ووكيل نيابة ووزير ومستشار، ونائب في مجلس الأمة، وأصبحت سفيرة في الخارج، ونحن نطمح لتمكينها في مجالات أخرى ومزيد من الحقوق.”
إجمالًا، لا يمكن غض الطرف عن المكتسبات التي حققها الحراك النسوي مدعومًا بالقرارات السياسية التي أيدت حقوق المرأة في دول الخليج، لكن يبدو الأمر بحاجة إلى مزيد من التفاهمات الاجتماعية حول المطالب المأمولة لدى النساء للوصول إلى مستوى العدالة الاجتماعية.