لا تقبل المجتمعات العربية أصحاب الرأي والفكر المختلف عن السائد، وحالة عدم التقبل هذه تتنج حالة من محاولة القمع، التي تبدأ بالملاحقات والسباب والهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصل إلى دعاوى الحبس بتهم ازدراء للدين، أو إطلاق الأحكام بالكفر، كلها أفعال تهدف إلى أمر واحد، ألا وهو كتم أفواه كل من يغرد خارج السرب.
يعيش المفكر العلماني، حاملُ قضايا التنوير في حالة صراع مع مجتمعه، وسط عقول مبرمجة آليا، على نبذ وعدم تقبل كل من يختلف معها، ومع هذا تتضاعف المعاناة، إذا كان من يرفع لواء فكر التنوير امرأة، فتتعرض لهجوم أشرس وأشد عنفًا، التقت مواطن بفاطمة ناعوت، وهي واحدة من هؤلاء النساء، الصامدات في وجه حملات الهجوم عليها، والسبب أنها كاتبة تقدم دعوات تنويرية.
ناعوت، كاتبة وصحفية وشاعرة مصرية، كما عينت سفيرة الإنسانية للفنون في الأمم المتحدة، ولها 36 كتابًا، ما بين الشعر والنقد والترجمة وعالم الفكر، فازت بالعديد من الجوائز الأدبية العالمية منها المركز الأول في جائزة الشعر بهونج كونج ٢٠٠٦، وجائزة جبران العالمية في سيدني الأسترالية ٢٠١٤. وقبل كل هذا هي أم لابنين، مازن مهندس معماري ومدرس مساعد بكلية الهندسة. وعمر ابن متلازمة أسبرجر، وكان معها هذا الحوار، حول الأمومة والكتابة ومسائل التنوير.
- الأم المثقفة سوف تواجه العالم بابنها الجميل ومع ابنها الجميل.
- ليس الشعرُ هو ما يكتبه الشعراءُ وحسب؛ الشعرُ موجودٌ حولنا في كل بقعة من بقاع الكون.
- الدموع ليست رمزًا للضعف؛ بل هي رمزٌ للحياة. الدموعُ ظاهرة بيولوجية وفسيولوجية طبيعية، ومنحة ربّانية.
- دائمًا ما أعتبر أن للمرأة أعداءً كلاسيكة ثلاثة، هم: المجتمع الرجعي، والرجل المصدوع، وسوء تأويل النص الديني.
- يقول الأديبُ الجميل يوسف إدريس: “إن الحريات التي يتمتع بها جميع الكتّاب العرب مجتمعين، لا تكفي كاتبًا واحدًا ليبدع”.
- هل يُسألُ المرءُ العاقلُ عن أسباب رفضه القتل ونحر الرقاب وسبي النساء والأطفال؟
- المواطنة تتعارض مع مفاهيم “تيار الإسلام السياسي”، لكنها تتفق تمامًا مع مفاهيم “الدين الإسلامي”.
- الكتابة رحمةٌ من رب الكون. العنفُ قتلٌ للجمال. ومازلت ولا أزال، وسوف أظلُّ أحلم بعالم جميل، لا قتل فيه.
“عمر، هو قلبي الذي يخفق خارج جسدي وينبض أمامي”، هكذا وصفتي طفلك الاستثنائي، وبطل كتابك الذي صدر مؤخرًا مع معرض القاهرة الدولي للكتاب ٢٠٢٣.. أخبرينا عن شيء مميز غيره عمر فيكِ خلال رحلتك معه؟ وما الذي تغير منذ معرفتك بإصابته بالتوحد منذ كان عمره 3 سنوات، وحتى في الـ 26 من عمره؟
من العسير اختصار ستة وعشرين عامًا في فقرة من حوار صحفي. لهذا أوجز الكلام بأنني عشت طوال سنوات أشعر بالرعب على مستقبل ابني المتوحد “عمر”، لكنني اكتشفت مع الوقت تفرّده وجماله، وبدأت أتعلّم منه سماتٍ رفيعة في النظام والإتقان وغيرها من الصفات النبيلة؛ مثل عدم الأنانية والصدق المطلق والإيثار والطيبة. وكتبتُ عن هذا في الفصل الأخير من كتابي “عمر من الشرنقة إلى الطيران”، وعنوان الفصل: “ماذا تعلمت من عمر؟”.
سوف أحكي عن موقف واحد لكي يستطيع القارئ الكريم تكوين صورة عن “عمر” المريض بالجمال. عوّدتُ “عمر”، ابني أن يعطي بعض المال لأيّ سائلٍ من السابلة المتسوّلين في الطريق، واعتدتُ أن أملأ محفظته بأوراق مالية كثيرة من فئة العشرة جنيهات لهذا الغرض، وأصبحتْ تلك عادةً متأصّلة لديه يفعلُها تلقائيًّا ببساطة. وفي أحد الأيام كنّا جالسين مع مجموعة من الأصدقاء على أحد المقاهي على البحر في مدينة الإسكندرية الجميلة.
العزلة هي جوهر وأخطر أعراض "طيف التوحد"؛ فكيف نعالجُ المرضَ عن طريق تكريس وتأكيد "عَرَض" من أعراضه؟
مرَّ سائلون عديدون، وكان “عمر” في كل مرة يفتحُ محفظته بشكل “آليّ ميكانيكي”، شأن المتوحدين، ويُخرج ورقة من فئة العشرة جنيهات ويمنحها للسائل قائلا: “اتفضّل”، دون أن ينظر في عينيه. فالمتوحدون لا ينظرون في عيون الناس، كما تعلمون. ثم مرّت بنا فتاةٌ مليحة عمرها حوالي الخامسة عشر من عمرها أو أقل قليلاً؛ مدّت يدها لـ”عمر” ليعطيها شيئًا، فنظر إليها “عمر” برهةً، ثم أطرق برأسه، ولم يفتح محفظتَه كالمعتاد لكي يعطيها العشرة جنيهات؛ بل امتدت يدُه نحو الڤازة الصغيرة الموضوعة في منتصف الطاولة أمامنا، وانتزع منها زهرة بيضاء، وأعطاها للصَّبيّة، نظرت إليه الصبيةُ مشدوهةً، ثم نظرت إلى الزهرة في يدها، وظلّت تنقلُ عينيها من الزهرة إلى عيني “عمر”، وهي غير مصدقة ما حدث!
لكن “عمر” لم ينظر إلى عينيها، كما تعلمون، بل رمقها خِلسة بطرف عينيه، ثم أطرق غارقًا في صمته المعتاد، ومضت الصبيةُ إلى حال سبيلها دون كلمة. ربما هذه أولُ زهرة تُقدَّم لها في حياتها، لا أدري. ولكن الأكيد أن شيئًَا ما دار بذهن الجميل “عمر” جعله يستصعبُ أن يمنحَ الفتاةَ الجميلةَ حفنةَ مال! هذا لا يليق. فالجميلاتُ تليقُ بهنّ الزهورُ الجميلة، وليس الأوراق النقدية! كنا جالسين مجموعة من الأصدقاء، بيننا: الكيميائي الحيوي د. “رامز سعد”، ومهندس “مدحت سالم”، ودادا “عفاف” مديرة منزلي، وآخرون.
وظللنا ننظرُ إلى بعضنا بعضًا في دهشة من هذا المشهد الذي استغرق دقيقةً واحدة، لكن حُفِر في وجدان كل منا، ولا أظنّه سوف يُمحى من ذاكرتنا أبدًا. بعد هذا المشهد تَدثّرنا جميعًا بالصمت برهةً، ثم غرقنا في الضحك، وظللنا نُمطرُ “عمر” بالثناء والإطراء على تصرفه الجميل الراقي. وكان بيننا مَن تندّر مازحًا حول أن الفتاةَ كانت تُفضِّلُ الجنيه على الوردة، وأن عمر قد خذلها برومانسيته تلك، إلى غير هذا من “الألش” المصري الظريف! لكن “عمر” لم يعبأ بكل ما نقول، ولا نظرَ حتى نحونا.
هو بالتأكيد لا يفهمُ لماذا كلّ هذا الإطراء والمديح أو حتى الهزار حول أمر بسيط فطري فعله بمنتهى التلقائية، وفق “البرمجة النبيلة” التي خلقه اللهُ عليها، وفق “منظومة المتوحدين”. لم يعبأ “عمر” بكل ما فعلنا من صخب، وراح ينظر نحو البحر قائلا: “البحر جميل”. قطع الأصدقاء ضجيجهم وقالوا: “البحر جميل فعلاً يا عمر، وأنت جميل”.
أصبح هذا المشهدُ العفوي الخاطف الذي فعله “عمر” بتلقائية وبساطة في ثوان قليلة، حكايةً نحكيها لأصدقائنا لنتأمل فرادة عقول المتوحدين الذين ينظرون إلى العالم من نافذة خاصة جدًّا، على غير ما ننظر نحن إليه. ألم أقل لكم إنه “مرضُ الجمال”؟!
تخشى بعض الأمهات اكتشاف الآخرين أن طفلها مصاب بالتوحد، وتعمل على إخفائه، في رأيك ما السبب؟
للثقافة هنا تأثير كبير، الأم المثقفة سوف تواجه العالم بابنها الجميل ومع ابنها الجميل. إخفاء الطفل المختلف جريمةٌ قصوى يعاقبُ عليها اللهُ تعالى، ولابد أن يُسنّ قانونٌ يعاقبُ مثل أولئك الأمهات أو الآباء الذين يخفون أولادهم عن العالم، لأن العزلة هي جوهر وأخطر أعراض “طيف التوحد”؛ فكيف نعالجُ المرضَ عن طريق تكريس وتأكيد “عَرَض” من أعراضه؟
تعتمد لغتك الشعرية على المفارقة، هلا حدثتني عن ملامحها وحدودها؟
الحياةُ زاخرة بالشعر من حولنا، ليس الشعرُ هو ما يكتبه الشعراءُ وحسب؛ الشعرُ موجودٌ حولنا في كل بقعة من بقاع الكون؛ فكما أن بسمة الطفل شعرٌ والزهرة الجميلة شعرٌ؛ فإن “البركان” كذلك بحممه وويلاته شعرٌ، ولسانُ النار شعر، والطلل والخرائب شعرٌ، تأمّلي وهجَ النار لتري الجمالَ والقبح سويًّا في تواشج عجيب. شكلُ النيران من أبدع ما خلق الله، ومع ذلك هي نذيرُ موت وعذاب. مفارقة! هنا شعر.
ألاحظ تداخلاً وتقاطعًا بين الملفوظات الشعرية والملفوظات التشكيلية، والملفوظات الأجنبية في شعرك، ما استراتيجيتك الإبداعية من وراء ذلك؟
وما المرء إلا حفنةٌ من مكونات معرفية وخبراتية عديدة تتواشجُ وتتجادل لتكوّن دماغه وروحه، أنا أكتب نفسي، ومن ثم تتجلى مفرداتُ عوالمي في تجربتي الشعرية؛ شأني شأن كل كاتب. “الحارة” هي عالم “نجيب محفوظ”، مثلما “الصحافة” هي عالم “فتحي غانم”، مثلما “التشكيل” عالمي، أولاً بوصفي أهوى الرسم، وثانيًا بحكم مهتني ودراستي كمهندسة معمارية، مادتي الأولى هي الرسم. من الطبيعي أن يحضر التشكيلُ بقوة في عالمي الشعريّ.
فأنا أمتلك عينًا تشكيلية تزن الجماليات البصرية بميزان الذهب. وأعتبر أن الفنَّ على إطلاقه هو محاولة لضبط الميزان التشكيلي للحياة ولو عبر بعثرته وإشاعة الفوضى بين جنباته. وعن حضور بعض الكلمات الأجنبية هنا وهناك على قلتها؛ فهي محاولة مني للإفلات من أسر اللغة العربية التي أعشقها والتمرد على سطوتها عليّ، واختبار مني لفتح المعجم الشعري على أقصاه، فليس ثمة مفردة شعرية وأخرى غير شعرية برأيي، الشعر رؤية للعالم وإعادة رسم علاقات جديدة بين الموجودات. لهذا فالشعرُ يكسر جميع الحواجز التي تفصل بين المعارف والعلوم والفنون والظواهر والمنجز البشري على إطلاقه.
قلتِ في كتابك "صانع الفرح": "لكنك لا تقدر أن تبكي/ فكيف تنتظرُ أن تنبتَ زهرةٌ/ على صدر حبيبتك". فهل يجبرُ المجتمعُ الرجالَ على نمط معين للظهور، في قالب من القوة، وهل يسبب ذلك ظلمًا للرجال؟ ولماذا ترين ذلك؟
ربما يفعلُ المجتمعُ والأعراف التقليدية ذلك بالفعل. لكنني أؤمن أن الإنسان، بشكل عام، يبكي، ومن لا يبكي لا يحيا بل هو ميتٌ. الدموع ليست رمزًا للضعف؛ بل هي رمزٌ للحياة. الدموعُ ظاهرة بيولوجية وفسيولوجية طبيعية، ومنحة ربّانية منحنا إياها الله لكي نُفرغ طاقات الحزن من أعماقنا.
بالطبع ما ذكرتِ من كتابي جاء في صيغة المجاز الشعري، لكنه واقعٌ مع هذا؛ فقد صورتُ في قصيدتي الرجلَ الجافَّ الغليظ الذي لم يعرف الدمعُ طريقه إلى عينيه وكأنه صحراءُ قاحلة، فكيف ينبتُ فيها الزهر؟ رجل غليظ وضع رأسه على صدر حبيبته، وغلبه الحزنُ لكنه لم يبكِ، فكيف تنبتُ الزهورُ على صدر حبيبته دون رِيٍّ من ماء الدمع؟ صدر الحبيبة هنا هو بستان الزهر الذي يرتوي بماء الرحمة. هذه صورة مجازية وشعرية للفكرة.
في حوار لك مع مجلة "الحرة" قلتِ إن المرأة في بعض الأحيان تتواطأ مع الآخرين ضد نفسها" من وجهة نظرك كيف يحدث ذلك التواطؤ وأهم أسبابه؟
دائمًا ما أعتبر أن للمرأة أعداءً كلاسيكة ثلاثة، هم: المجتمع الرجعي، والرجل المصدوع، وسوء تأويل النص الديني. لكن العدو الأخطر دائمًا هو العدو الرابع. وهو المرأة نفسُها حين ترى نفسَها أقلّ قيمة من الرجل؛ فتتعاون مع الأعداء الثلاثة التقليديين السابقين ضدّ نفسها؛ جاعلةً من نفسها عدوًّا رابعًا على نفسها، وهو الأشرس. فكثيرًا ما نرى النساء يزدرين النساء؛ فيفضلن الطبيب الذكر، والمحامي الذكر، والمهندس الذكر، والبرلماني الذكر، والكابتن طيار الذكر، مهما أثبتت المرأةُ نفسها في جميع المجالات المذكورة وغير المذكورة.
والمحزن أن نرى الرجل أكثر دعمًا للمرأة من المرأة ذاتها. ولكن ذلك النوع من الرجال يختلف عمّا أسميته بالرجل “المصدوع”. لأن الرجل الواثق المثقف يكون دائمًا داعمًا للمرأة مؤمنًا بقيمتها وقدراتها، على عكس الرجل المنهزم المهزوز الذي يرى في المرأة منافسًا وعدوًّا، بدلاً من أن يراها داعمًا وشريكًا وعونًا له في رحلة الحياة الشاقّة. أؤمن أن على المرأة تأكيد أنوثتها بالعمل والاجتهاد والتفوق، لأن تلك السبل هي الطريق الأوحد للندّية التي تنشدها، وليس بالصراخ والعويل والمظاهرات ورفع راية الانهزام والاضطهاد والمظلومية.
تعرضت من قبل لقضية ازدراء أديان، فما رأيك في هذا القانون؟ وكيف يفرض قيودًا على حرية الفكر من وجهة نظرك؟
يقول الأديبُ الجميل يوسف إدريس: “إن الحريات التي يتمتع بها جميع الكتّاب العرب مجتمعين، لا تكفي كاتبًا واحدًا ليبدع”. الحرية صنو الإبداع. والخوف خصيم الإبداع. تلك المادة “98” من قانون العقوبات، والمسمّاة بقانون ازدراء الأديان، هي مجرد سيف مسلط على أعناق أشقائنا المسيحيين، والمستنيرين من الكتاب المسلمين لكي تكسر شوكة أقلامهم، ولو نجحت تلك المادة في تخويف الكتّاب وغرس سطوة “الرقيب” داخل أرواحهم، غالبًا سوف يخرج إبداعُهم هزيلا هشًّا. الفكرُ يواجه بالفكر، والقلمُ يواجه بالقلم، والكلمة تواجه بالكلمة وليس بالسجن والقتل والترويع.
مواضيع ذات صلة
قلتِ لمهددينك على وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك “فلتذبحوا فاطمة ناعوت”، من أين أتيت بهذه القوة والتحدي؟
لأنني لا أخشى إلا الله ربي وهو أرحم الراحمين، وهو ملء قلبي؛ فكيف -واللهُ قد ملأ قلبي- أخشى عبادَه وعبيده؟
الدين الإسلامي الذي استمر مئات السنين، لماذا قد يحتاج إلى قانون كقانون إزدراء الأديان من وجهة نظرك؟
الإسلامُ دينٌ متينٌ ودينٌ قيّم، لا يحتاج إلى من يزود عنه؛ إنما هو ارتجاف القلوب الراجفة والنفوس الضعيفة التي تخلق من حولها سياجًا يحميها.
لماذا ترفضين الإسلام السياسي، ما أبرز نقاط رفضك لهذا التيار؟
“تيار الإسلام السياسي” هو: تنظيم “داعش”، وتنظيم “القاعدة”، وتنظيم “طالبان”، وتنظيم “بوكو حرام”، وتنظيم “الإخوان المسلمين” وغيرها من التنظيمات الجهادية والإرهابية التي دمرت العالم؛ فهل أحتاج إلى سرد أسباب رفضي كل ما سبق؟! هل يُسألُ المرءُ العاقلُ عن أسباب رفضه القتل ونحر الرقاب وسبي النساء والأطفال؟
يعتبر البعض أن لحوم علماء الدين مسمومة، ومن يحاول نقد أفكارهم يقابل بالتكفير وتشويه صورة الإسلام، كيف ترين مسألة تقديس رجال الدين لهذا الحد؟
تقديسُ البشر دليلٌ على فقر الإيمان، لأن القداسة لله القدوس وحده عزّ وجل، وكل بني آدم يؤخذ منه ويُردُّ. حتى الأنبياء عليهم السلام كانوا يجادلون الناس بالحسنى، والله تعالى سمح لسيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يجادله في الخلق والبعث من الموات، وسمح للملائكة بأن تسأله وتجادله؛ فكيف لا نناقش بشرًا عاديين يصيبون ويخطئون؛ خصوصًا لو كانت فتاواهم تؤثرُ على المجتمع سلبًا؟
قال الشيخ الشعراوي “تارك الصلاة كسلاً يستتاب ثلاثة أيام ثم يقتل”، رغم ذلك نجد الكثيرين من تاركي الصلاة كسلاً يدافعون عن الشعراوي، ما رأيك في دفاع هؤلاء عن الشيخ على الرغم من أنه يجب قتلهم طبقًا لأحكامه؟
أنتظرُ أن يجيبَ عن هذا السؤال “تاركو الصلاة” أنفسهم، قبل قتلهم بفتوى الشيخ الشعراوي رحمه الله وسامحه.
قلتِ إن “من لا قوامة له على غرائزه، لا يزعم القوامة على النساء”، من وجهة نظر أخرى تخالف هذه المقولة، فكرة القوامة للرجال في الدين، فكيف ترين مفهوم القوامة في الإسلام؟
بالعكس، مقولتي لا تتعارض مطلقًا مع فكرة القوامة في الإسلام؛ بل تؤكدها. القوامةُ قوةٌ ومسؤولية؛ فكيف لرجل ينهارُ ويضعف أمام فستان امرأة أو جديلة شعر؟ أن يكون قادرًا على حماية أسرته والقوامة عليها؟!
زواج القاصرات مازال معترفًا به في أغلب الدول وتحت إطار “قانوني”؛ فهل ذلك تطبيع مستتر مع البيدوفيليا؟، وما أهم أسباب هذا الزواج من وجهة نظرك؟
شرطُ الزواج الموافقةُ والقبول؛ فكيف لطفلةٍ لا تدري من أمرها شيئًا أن توافق أو تقبل أو ترفض؟ زواج القاصرات هو شكل صريح من أشكال التحرش الوقح والاغتصاب العلني، ولكن في ثوب شرعي زائف.
هل تتعارض فكرة المواطنة مع مفاهيم الإسلام السياسي من وجهة نظرك؟ ولماذا؟
المواطنة تتعارض مع مفاهيم “تيار الإسلام السياسي”، لكنها تتفق تمامًا مع مفاهيم “الدين الإسلامي”، لأن الإسلام يأمر بالعدل والقسط والاحترام الكامل لحقوق المختلف العَقَدي.
هل ما زلت تحلمين بعالم مختلف حتى لو على الورق في ظل ما يعصف بالعالم من حروب؟
حين أتوقف عن الحلم سوف أموت. الكتابة رحمةٌ من رب الكون منحها لمن يكتب. العنفُ قتلٌ للجمال. ومازلت ولا أزال، وسوف أظلُّ أحلم بعالم جميل لا قتل فيه ولا عنف ولا ظلم، مع ثقتي أنني لن أشهد ذلك اليوم البعيد السعيد. لا أستطيع أن أتصور أن الإنسان بعدما عاش ملايين السنين فوق الأرض، مازال ينتظمه قانونُ الهمج والبقاء للأقوى مثلما عصور الظلامية الأولى. القتل والاستقواء والظلم والطائفية هي أشياء قبيحة تحدث فوق هذا الكوكب. وصمتنا عن كل هذا أشدُّ قبحًا. لهذا لا أصمت ولو في قصائدي ومقالاتي وكتبي؛ فأنا لا أملك سوى قلم مسنون وروح ترفض القبح، وحلم بالجمال ورجاء في غد أجمل.
ماذا تعني الحرية الإبداعية لكِ؟
أن أصنع من أوراق قصائدي أجنحةً لأطير!