بعد سنوات يصفها بالقاسية في وطنه سوريا؛، قرر مهند الديوان، 26 عامًا، اللجوء إلى إحدى دول الخليج، إلا أنه وجد الطريق صعبًا للغاية؛ فاستقر به الحال في صربيا مع ابنه آدم، ومن دون زوجته التي توفيت في حصار الغوطة الشرقية مايو 2013.
كانت محاولة اللجوء الفاشلة إلى المملكة العربية السعودية، “دول الخليج تعطي إقامة للاجئين ولكنها محدودة لاسيما إذا كانت الإقامة الدائمة للاجئ مقترنة بالعمل؛ فلا بد من تأشيرة عمل وخطاب رسمي، وكان من قبل لا بد من خطاب لكفيل يكفل اللاجئ”. حسبما يحكي مهند لمواطن.
تواجه دول الخليج اتهامات بتمويل المساعدات الإنسانية دون استقبال اللاجئين أو تسهيل دخولهم للبلاد
بعد رفض لجوئه إلى السعودية، اضطر مهند إلى الفرار نحو تركيا عبر البحر، مُعرضًا حياته للخطر في رحلته البحرية غير الشرعية؛ “نحن مصممون على اللجوء لأن ما لنا بلدًا آمنة”، عبر محافظة أزمير غرب الأناضول، ومنها إلى جزيرة ليروس في اليونان، ثم العاصمة أثينا ومنها إلى ألبانيا، وحتى استقر به المطاف في صربيا.
يعلق مهند على الرحلة التي فقد فيها ثلاثة من زملائه فيها: “أوروبا تفتح أبوابها للاجئين من أجل الإقامة والعمل، والامتيازات في أوروبا أكثر من الخليج والدول العربية، ولكن بعد رحلة قد تكلفهم حياتهم”.
مهند، واحد من ضمن 12 مليون لاجئ من دول العالم تحتضنهم أوروبا؛ والتي تُظهر مساعٍ نحو توطينهم، بينما تواجه دول الخليج اتهامات بتمويل المساعدات الإنسانية دون استقبال اللاجئين أو تسهيل دخولهم للبلاد، في وقت لم تُوقع فيه بعض دول الخليج، كالسعودية على اتفاقية اللاجئين 1951 التي تحدد حقوق وواجبات اللاجئين تجاه الحكومات، كما كانت المملكة تتبع حتى العام 2018 نظام الكفالة للمهاجرين الفارين من قسوة الحرب في بلادهم.
في العام 1990 وقت حرب العراق على الكويت، كانت دول الخليج هي الأعلى في استقبال آلاف اللاجئين من الكويت، ولكن حينما شهد الشرق الأوسط أكبر موجة نزوح في العام 2011؛ (هناك لاجئ كل ثانيتين) كانت دول الخليج الأقل في استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط بحسب تقارير أممية.
وأوضاع اللاجئين الآن في كل دول العالم ليست بأفضل حال؛ ففي نوفمبر العام 2022 حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن أوضاع اللاجئين في العالم قاسية، وأن ملايين الأشخاص من أوكرانيا وأفغانستان وعبر الشرق الأوسط، والمهجرين بسبب الصراعات أو الاضطهاد يواجهون شتاءً محفوفًا بالمخاطر في العراء، مشددة على ضرورة وجود بلدان تأويهم.
يعزي الدكتور عايد المناع، الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي زيادة اللاجئين في أوروبا عن دول الخليج، بأن اللاجئين يحاولون البحث عن مصادر رزق لهم ولأسرهم، ولذلك يتجهون إلى البلدان التي يعتقدون بإمكانياتها في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
يضيف المناع لمواطن: “يعرف اللاجئون أن الدول العربية سواء ثرية أو نامية، لا تسمح لهم بالدخول بدون إقامة، وإذا دخلوا وقُبض عليهم يتعرضون للمساءلة أو يعادون من حيث أتوا”. وعلى العكس من ذلك في أوروبا من حيث تيسير الإقامة، وعدم الإجبار على المغادرة والترحيل.
ويشير ختامًا إلى أن “بعض الدول الأوروبية أصبحت تحد من تدفق اللاجئين، وتعمل على خلق حواجز بينها وبين البلدان؛ مثل ليبيا أو أي دولة مجاورة لأوروبا تصدر اللاجئين”.
فهل تعيق تنمية الخليج استقبال اللاجئين؟
يرى الدكتور محمد صالح الحربي، الخبير السياسي والاستراتيجي السعودي، أسباب جغرافية أخرى لاستقبال أوروبا للاجئين بكثرة عن الخليج، وهي وجود ممرات قريبة عن طريق تركيا أو البحر الأبيض المتوسط والمسافات القريبة بين أفريقيا والقارة الأوروبية.
“كما يضع الخليج ضوابط لاستقبال اللاجئين؛ فلا بد أن يكون هناك تقدير للحالات الإنسانية حتى يُسمح لها بالإقامة والدخول”. حسبما عقب الحربي لمواطن.
كما وضح أن الضوابط على دخول اللاجئين لدى دول الخليج، موجودة حتى لا تحفز وتشجع اللاجئين، في الدول ذات الصراعات أو غير المستقرة سياسيًا التوجه إلى منطقة الخليج، وختم حديثه: “الخليج لديه تنمية في منطقته، وميزانيات مخصصة لها، ولا تريد الدول أن يكون الباب مفتوحًا على مصراعيه لأي لاجئ أو نازح”.
هناك 89.3 مليون شخص فرّ من داره (لاجئ) حول العالم، 83% تستضيفهم بلدان ذات دخل منخفض أو متوسط، بينما البلدان ذات الدخل المرتفع تستضيف 17% منهم، وأعلى 5 دول في استضافة اللاجئين هم: “تركيا، كولومبيا، أوغندا، باكستان، ألمانيا”.
يعزز ذلك الطرح ما أعلنت عنه منظمة العفو الدولية بأن دول الخليج لم تقدم أماكن لإقامة هؤلاء اللاجئين؛ بل سجلت ما وصفته بـ”موقفًا شائنًا” مع اللاجئين لعدم استقبالها لهم ، على رغم أنها من الدول الأكثر ثراءً في العالم، ما يجعل اللاجئين يخاطرون بأرواحهم بالاتجاه نحو أوروبا، وطالبت بتوفير أي أماكن لإعادة توطين اللاجئين السوريين في الخليج.
مساعدات دون استقبال
يُرجع خالد المجرشي، الكاتب والمحلل السياسي، والأمين العام المساعد لاتحاد المنتجين العرب، الانتقادات التي توجه للخليج بالرفض الدائم لعمليات اللجوء، إلى اعتقاد اللاجئين بأنهم إذا ذهبوا إلى دولة أوروبية، يحصلون على مميزات أكثر وتسهيلات للدخول أفضل من الخليج والدول العربية.
يصف ذلك الطرح بأنه “فكرة مغلوطة” بناء على إرث وثقافة قديمة: “السعودية تحديدًا تسمي اللاجئين مقيمين، وهناك سوريون منحتهم المملكة إقامات دائمة للعمل، وأصبح لهم مميزات ضخمة من حيث العمل والعلاج والتعليم”.
كما يرى أن أي لاجئ أو متأثر بالحرب في الإقليم إذا دخل بطريقة مشروعة إلى الخليج، يكون مرحبًا به ويمنح الإقامة والعمل، والعكس من ذلك يرى أن أوروبا الآن تلفظ اللاجئين من أفريقيا والدول العربية”.
حينما شهد الشرق الأوسط أكبر موجة نزوح في العام 2011؛ (كان هناك لاجئ كل ثانيتين) كانت دول الخليج الأقل في استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط، بحسب تقارير أممية.
تعول بعض دول الخليج بأنها لا تستقبل اللاجئين، ولكن تقدم مساعدات مالية وعينية لدول النزاعات من أجل مساعدتهم. وصلت المساعدات إلى أكثر من 500 مليون دولار خلال عامين ونصف العام، في وقت توضح فيه الأرقام أن 95% من اللاجئين السوريين تستضيفهم 5 دول فقط؛ وهي لبنان والأردن وتركيا ومصر والعراق في منطقة الشرق الأوسط. حسب منظمة العفو الدولية.
في العام 2017 وجهت نائب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين “كيلي تي كليمينتس” دعوة إلى دول الخليج لاستقبال مزيد من اللاجئين عن أوروبا، أثناء زيارة لها في الكويت لتوقيع اتفاق مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار للاجئين السوريين، حتى لا يزيد التدفق نحو أوروبا فقط.
سيناريوهات، لا يقبلها الخليج
يشير صالح الحربي، الخبير السياسي والاستراتيجي السعودي، بضرورة وجود توازن جغرافي وسياسي في استقبال اللاجئين بين الخليج وأوروبا: “الأزمة أخذت طابعًا سياسيًا واجتماعيًا، وهناك نزاعات إيديولوجية في وقت يعاني فيه اللاجئون للوصول إلى أوروبا”.
فيما يؤكد الدكتور عايد المناع، الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، أن لاجئي دول الشرق الأوسط يفرون إلى البلدان الأوروبية، على أمل أن يحسنوا أوضاعهم، بالإضافة إلى البحث عن الحريات الاجتماعية أو الفردية أو السياسية”.
وبين أن قليلًا ما ينجح اللاجئون في الوصول سالمين إلى أوروبا: “تحظى ألمانيا بالعمالة الشرق أوسطية القادمة من الدول العربية وبعض دول إفريقيا للعمل بصورة غير قانونية، ويعملون بأي أعمال وأجور متدنية، في وقت تضجر أوروبا بهم بسبب زيادة القوى العاملة المهاجرة في تلك الدول وتأثيرها على العمالة الوطنية، وهو سيناريو لا تقبله دول الخليج”.
بينما يرى الدكتور عبد المجيد المراري، المحامي المتخصص في حقوق الإنسان ومدير قسم الشرق الأوسط في منظمة “AFD” الحقوقية، حسب تقرير منشور في العربي الجديد، أن اللاجئين في السعودية لا يحصلون على مزايا اللاجئ المنصوص عليها في القوانين الدولية؛ ومنها اتفاقية 1951، حيث يُعاملون كسائر الجنسيات الأجنبية.
ويشير إلى أن الخليج يملك قوانين للعمالة الوافدة ولكنها مجحفة، وأن السعودية لا تعترف بمصطلح لاجئ؛ بل تقوم باستخدام عبارات مثل؛ (أخوة، أشقاء، ضيوف) مشيرًا إلى أن هذا المصطلح منمق، وهدفه التغطية على عدم استقبال اللاجئين.
وعلى الرغم من كل التحليلات، والتوجهات السياسية، لازال مهند يتنقل بين الدول للبحث عن مكان آمن له ولابنه، في وقت تنحدر فيه أوضاع اللاجئين في كل دول العالم، وتتعامل أوروبا بين الاحتضان فترة والطرد فترات؛ بينما يتمسك الخليج بالمساعدات المالية عن الاستقبال للاجئين.