رزقت صديقتي مؤخرًا بطفل، وبعد فترة قصيرة انفصلت عن زوجها، حدثتني عن نظرة المجتمع لها كمطلقة تعيش مع طفلها الرضيع بمفردها، وعن مخاوفها من تربية طفل وحدها، في مجتمع أبوي عانت من قهره كثيرًا.
قالت لا أريده أن يكون مثل أبي الذي عنفني جسديًا ونفسيًا، لأنني أخبرته عن رغبتي بخلع الحجاب، بحجة أن الناس سيتحدثون على عائلتنا بالسوء مما سيقلل من فرصتي بالحصول على زوج صالح.
وتضيف: “اعترض على مشاركتي في وقفة إحتجاجية تتعلق بقانون الأحوال الشخصية للنساء بحجة اني أتشبه بالرجال، وكأن الرجال فقط هم من يخرجون في وقفات أو مظاهرات للمطالبة بالحقوق، أمعن أبي في سيطرته بجعلى أتزوج من رجل لا أريده”.
الذكورة والأنوثة كلاهما تكوينات وتراكمات إجتماعية ليست مرتبطة بيولوجيًا بالأشخاص أنفسهم؛ بل هي هويات اجتماعية مكتسبة ومتغيرة حسب تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والأفكار السائدة في المجتمع.
كانت تتمنى ألا ترى طفلها معنفًا مسيطرًا، متطرف في ذكوريته مثل والداها، الذي ظل يفتعل المشكلات بشتى الطرق لكي تترك عملها بحجة أنه يؤثر على اهتمامها بشؤون بيتها، وتعقب: “أريد أن أربي ابني ليصبح إنسانًا، من دون أن يتعرض للضغط، ليصبح رجلًا من وجهة نظر ذكورية قاسية”.
بعد انتهاء الحديث، دار في بالي سؤال حول معنى الرجولة والأنوثة، وجدت أن تعريفات الذكر والأنثي مرتبطة بإرث اجتماعي وسياسي واقتصادي معين، مما يوصلنا بأنه لايوجد تعريف محدد وعابر للتاريخ.
الرجولة والأنوثة كلاهما تكوينات وتراكمات إجتماعية ليست مرتبطة بيولوجيًا بالأشخاص أنفسهم؛ بل هي هويات اجتماعية مكتسبة ومتغيرة حسب تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأفكار السائدة في المجتمع.
الرجولة هي نوع اجتماعي، المسؤولية والشجاعة لا تصنع رجلًا ولا أنثى، ولكن تصنع إنسانًا واعيًا بحقوقه
ولكن حسب التطور الذي حدث في المجتمعات البشرية لمصطلح رجل، وانتقاله من مدلول لغوي أصلي لمدلول عرفي؛ فقد أصبحت الرجولة في المجتمعات المتغيرة عبر التاريخ، مرادفًا لكبت المشاعر والقوة الدائمة، بالإضافة إلى العنف ضد النساء والتسلط عليهن، كما تمنح بعض الأسر امتيازات للصبي على حساب البنت، كما يشاع أن الرجل لا يعيبه إلا ما في جيوبه من أموال، ولكني أعتقد أن تلك الصفات ليس من الرجولة في شيء، الرجولة لي أن تكون إنسانًا قادرًا على التعاون والبذل والتضحية والمشاركة واحترام المرأة؛ سواء كانت أمًا أو أختًا او صديقة أو زوجة.
الرجولة هي نوع اجتماعي، المسؤولية والشجاعة لا تصنع رجلًا ولا أنثى، ولكن تصنع إنسانًا واعيًا بحقوقه، مؤديًا واجباته تجاه مجتمعه وأسرته، إنسانًا واقعيًا يدرك أن المرأة شريكة معه وليست تابعة له، إنسانًا يملك غضبه ولا يقوده ذلك الغضب، إنسانًا يعتني بنفسه؛ يشكو ويطلب المساعدة عند مرضه، يخطئ ويصيب ويعترف وليس منزهًا عن الخطأ.
أدرك أن مشوارها في تربية ابنها ليس سهلاً، في مجتمعات تمنح نوعًا من الذكورة السامة؛ فبمجرد أن يخرج للدراسة ويبدأ تكوين الصداقات تتلاشى كل قيمه، في مجتمع أبوي يفرض عليه سلسلة من الصفات الذكورية الرجعية.
الذكورية السامة هي كوكبة من السمات الاجتماعية [الذكورية] الانحدارية التي تعمل على تعزيز الهيمنة، وتقليل قيمة المرأة، ورهاب المثلية الجنسية، والعنف الوحشي؛ بحسب تعريف مجلة مدرسة علم النفس.
تؤدي الذكورية السامة وما يتبعها من سلوكيات لمشكلات متعددة، كالتعرض للصدمات النفسية، وعدم وجود صداقات حقيقية، كما تقود للسجن أحيانا كنتاج لأفعال العنف المنزلي أو الاعتداءات الجنسية.
وحسب جمعية علم النفس الأمريكية؛ فإن مخاطر محاولة التمسك بهذه الصفات الذكورية المبالغ فيها خوفًا من المحيط الاجتماعي، أو لأي سبب آخر، يعاني الرجال والفتيان الذين يُجبرون على التمسك بهذه الصفات السامة من آثار ضارة، وقد يواجهون مشاكل؛ كالاكتئاب أو تعاطي المخدرات، واضطرابات على مستوى الأداء الاجتماعي.
علاوة على ذلك؛ فنظرًا لأن الشعور بالعاطفة أو التحدث بصراحة عن المشاعر يتعارض مع القيم الذكورية التقليدية؛ فهناك خطر إضافي يتمثل في أن الرجال الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية قد لا يسعون للحصول على رعاية مهنية، أو حتى التحدث عن صراعاتهم مع الأصدقاء أو العائلة.
الرجل بشر؛ يمكنه الشعور بالضعف والتعبير عنه والبكاء أو حتى الصراخ، دون أن ينتقص ذلك منه، الرجولة ليست ذكورة سامة، تقلل من المرأة، وتنظر لها نظرة دونية، وتكبت مشاعر الرجل.
وهنا أتذكر قصة شخص أعرفه، كان يعاني من الوسواس القهري، بكل ما يصحب هذا المرض من أعراض أوقفت سير حياته، إلا أنه أنكر حاجته للمساعدة؛ لأن المجتمع ينظر للمرض النفسي كوصمة عار، في النهاية وبسبب ضغط المرض، مع إهمال العلاج النفسي، انتحر بسبب فكرة واحدة؛ وهي أن طلب الدعم النفسية والعلاج يعني عدم الكفاءة والضعف، ويعمق تصورات عند الرجال بأنهم “أقل من الرجال”.
الذكورية السامة هذه، هي ما تخشي صديقتي على طفلها، والتي تطالب المجتمع برجولة شاملة تعددية لا تقتصر على صورة واحدة ومفهوم أوحد؛ ليس من أجل طفلها فقط؛ ولكن من أجل كل الأطفال، بدلا من الذكورية السامة المهيمنة، سيتحقق ذلك بإعادة النظر في أخلاق وسلوكيات المجتمع تجاه النساء والأقليات دينيًا وفكريًا.
أتمنى مثلما تتمناه صديقتي؛ بأنه إذا خرج طفلها عن الإطار الذي يرسمه المجتمع الأبوي، لا تصبح رجولته مشكوكًا فيها، ولتحقيق مثل تلك الأمنية يجب تطوير النظم التعليمية وإدخال مناهج مختصة بتدريس الذكورية من وجهة إنسانية لا تفضل الذكر على الأنثى، ولا تلزمه بكبت مشاعره والخجل من التعبير عنها.
يجب تعليم الصبية الصغار كيف يصبحون رجالاً دون الحاجة للعنف، أو استخدم القوة المفرطة، وبلا حاجة لممارسات مثل التسلط والقمع. الرجل بشر؛ يمكنه الشعور بالضعف والتعبير عنه والبكاء أو حتى الصراخ، دون أن ينتقص ذلك منه، الرجولة ليست ذكورة سامة، تقلل من المرأة، وتنظر لها نظرة دونية وتكبت مشاعر الرجل.
هناك الكثير من الرجال حول العالم يدافعون عن حقوق النساء، وهو ما يعيد إلى أذهاننا دلالات إيجابية لا تتعارض مع الرجولة؛ بل ويجب أن ترتبط بها. الرجولة غير السامة هي حلم النساء، ما تريده البنات والزوجات، رجلاً يحترم حقوقها ولا يضطهدها ولا يقمعها، يرى أنها حرة ويدعم هذه الحرية فيها.
النساء الحرائر قادرات على الوقوف ضد التيار والعيش وفق مبادئها الرافضة للوصاية التعجيزية، وهو ما يجب عليهن تمريره لأبنائهن مثل صديقتي. والرجال الحقيقيون قادرون على اتخاذ مواقف ضد الذكورة السامة، ورفض الهيمنة والقوالب والعادات الاجتماعية البالية، هذه المواقف من الشركاء الرجال والنساء الحرائر، ستجعل التغيير قادمًا يومًا ما.