خلال الأشهر القليلة الماضية شكا المئات من المرضى اليمنيين من مضاعفة تكاليف الخدمات الطبية في المستشفيات الخاصة بشكل غير مسبوق، ونقص الخدمات اللازمة، وغياب الرعاية الصحية بالتزامن مع عجز المستشفيات الحكومية عن استقبال المرضى إثر تدهور القطاع الصحي عقب اندلاع الحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثمان سنوات.
وذكر اليمنيون أنه منذ ذلك الحين ظهر في اليمن العديد من المستشفيات والعيادات الطبية الخاصة بمختلف المحافظات بشكل لافت، دون تقديم أدنى رعاية صحية للمرضى، و”تعاني هذه المستشفيات من شح الخدمات الطبية وتستخدم التحاليل والأدوية الرديئة؛ خاصةً مع الانتشار الواسع للأدوية المهربة بالتزامن مع غياب الرقابة من قبل السلطات المختلفة في البلاد”.
تحولت مهنة الطب في اليمن إلى مهنة تجارية؛ لا مهنة إنسانية، لذلك أصبحت المستشفيات تبحث عن كمية الحصول على الأموال، في حين أصبح الطبيب يبحث كم سيحصل على نسبة مالية من الصيدلية والمختبر وشركات الأدوية”. حسبما علق رئيس تحرير المجلة الطبية في اليمن، معين النجري لمواطن
“تحول القطاع الصحي في اليمن إلى حظيرة من دون رقابة، ومن دون قيود ولا رادع؛ سواء دينيًا أو قانونيًا، وإذا كان هنالك رقابة ومعايير توضع على أرض الواقع، ومحاسبة من المخالفين لقوانين العمل في مهنة الطب، فلا يمكن أن يشكو المواطنون من تدني الخدمات، وارتفاع تكاليف الخدمات الطبية”. وفقًا للنجري
تكاليف مضاعفة، مقابل لا شيء
في يناير / كانون مطلع العام الجاري، كانت الطفلة ماريا 12 عامًا، تشكو من ألم ومضاعفات نتيجة تعرضها للإصابة بنزلة برد، لكن شعور والدها بالخوف عليها، دفعه إلى نقلها إلى إحدى العيادات الطبية في العاصمة اليمنية صنعاء”.
“أثناء وصولنا بالسيارة إلى العيادة طلب منا في صالة الاستقبال في البداية تسجيل البيانات مقابل مبلغ مالي، ومن ثم الدخول إلى الطيب، لكني فوجئت بتكثيف الفحوصات، سألت الطيب حينها لماذا كل تلك؟ هي ليست بحاجة إلى كل هذا، هل تسعى من وراء ذلك إلى رفع التكاليف”. حسبما صرح والد الطفلة لمواطن
ثم يضيف: “بلغت تكاليف الفحوصات مع العلاجات نحو 100 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 180 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء، مع أن تكاليف الخدمات الحقيقية التي كانت تحتاج إليها الطفلة، إذا كانت المستشفيات تعمل بأمانة لا يمكن أن تتجاوز نحو 30 ألف ريال يمني أو أقل من ذلك”.
يوافقه في الرأي الطيب أيمن بشير 45 عامًا (اسم مستعار) قائلًا لمواطن” لا تكترث المستشفيات الخاصة بالوضع البائس الذي يعيش فيه المواطن اليمني، يأتي المريض إلى المشفى وتكلفة العلاج الحقيقة له لا تتجاوز في الغالب 10 ألف ريال؛ أي ما يعادل 15 دولار أمريكي، لكن الجشع وخيانة الأمانة الطبية ترفع المبلغ إلى أكثر من 50 ألف ريال. بين فحوصات لا داعي لها، وبين صرف أدوية بعيدة عما يحتاج له المريض”.
"غالبية المستشفيات الخاصة لا تقدم الخدمات الطبية بالجودة المطلوبة، أو بما يتوازى مع التكاليف التي تحصل عليها من المرضى". حسبما صرح رئيس تحرير المجلة الطبية في اليمن لمواطن
ينحدر الطبيب بشير من محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران وسط البلاد، ومؤخرًا يحاول البحث عن فرصة للعمل بمجالات أخرى بعيدًا عن مهنة الطب؛ فهو حسب قوله، لا يمكن أن يخون الأمانة عقب إجباره على صرف أدوية لا تتناسب مع ما يحتاجه المرضى بهدف تحقيق أرباح باهظة، على حساب المواطن المغلوب الذي يعيش ظروفًا معيشية قاسية.
غياب الرعاية الصحية
تفتقر المستشفيات اليمنية إلى وجود الأطباء ذوي الخبرة في المجال الطبي؛ إذ إن الغالبية ممن يعملون في القطاع الصحي حاليًا هم ممرضون وصحيون، معظمهم بلا مؤهلات ولا يمتلكون أي قدرة للتعامل مع المرضى؛ خصوصًا الحالات المرضية الطارئة.
يؤكد رئيس تحرير المجلة الطبية لمواطن: “غالبية المستشفيات الخاصة لا تقدم الخدمات الطبية بالجودة المطلوبة، أو بما يتوازى مع التكاليف التي تحصل عليها من المرضى، مستوى الخدمات الصحية رديئة؛ خاصةً في قسم الطوارئ والعناية المركزة والتي تعتبر من أهم الأقسام”.
ويضيف: “غالبية المستشفيات في اليمن تفتقد بشكل كبير لوجود الإمكانيات المتنوعة؛ سواء التقنية “الأجهزة والمعدات”، أو البشرية “أطباء ، اخصائيين، وطاقم التمريض وغيرها من مقومات العمل الطبي”.
من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة بعدد حالات ضحايا الأخطاء الطبية في اليمن، لكن ناشطين يمنيين يتداولون بين الحين والآخر عشرات القصص والحكايات المرعبة لضحايا؛ من بينهم أطفال ونساء ورجال، نتيجة أخطاء طبية
ثم تابع قائلًا: “خلال السنوات الأخيرة تراجعت مستويات الخدمات الطبية في المستشفيات اليمنية بشكل كبير، على الرغم من ارتفاع التكاليف، بالتزامن مع اضطرار المرضى للعلاج في الداخل، بدلًا من السفر خارج البلاد نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية للكثير من اليمنيين”.
وفي ظل ارتفاع تكاليف الخدمات الطبية وغياب الرعاية الصحية، يشكو اليمنيون أيضًا من مشكلة تزايد حالات حدوث الأخطاء الطبية التي باتت تفتك باليمنيين؛ سواءً في المستشفيات الخاصة أو الحكومة، وتجعلهم عرضة للموت أو الإصابة بأمراض مزمنة، في ظل تجاهل من قبل السلطات المختلفة في البلاد؛ سواء الحكومة المعترف بها دوليًا أو حكومة جماعة الحوثي غير المعترف بها.
أخطاء طبية قاتلة
من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة بعدد حالات ضحايا الأخطاء الطبية في اليمن، لكن ناشطين يمنيين على مواقع التواصل الإجتماعي يتداولون بين الحين والآخر عشرات القصص والحكايات المرعبة لضحايا؛ من بينهم أطفال ونساء ورجال، نتيجة أخطاء طبية؛ البعض منهم فارق الحياة، والبعض الآخر تعرض للإصابة بمرض مزمن.
الطفل حمزة واحداً من بين الضحايا إذ تسبب خطأ طبي في مستشفى خاص في صنعاء بوفاته بسن مبكر، مطلع فبراير /شباط من العام الجاري. على غرار العديد من المرضى الذين فقدوا حياتهم مؤخراً نتيجة خطأ طبي، في المستشفيات الخاصة و الحكومية بمختلف المحافظات اليمنية.
مصدر مقرب من عائلة الطفل البالغ من العمر خمس سنوات يروي تفاصيل وفاته قائلًا لمواطن :”كان يعاني من التهابات في الدم، وعندما تم نقله إلى المستشفى أعطاه أحد الأطباء جرعة من المضادات الحيوية، تسببت بتدمير الجهاز المناعي، حاول بعدها بعض الأطباء إنقاذ حياته، لكن الجرعة كانت قاتلة وأدت إلى وفاته”.
الآن وبعد مرور أكثر من شهر لا تزال عائلة حمزة تنتظر تحقيقات المجلس الطبي، الذي توالى القضية. لكن الناشط الحقوقي عبدالسلام حميد، يعلق لمواطن: ” المجلس أصبح جدار الصلب في حماية مرتكبي الأخطاء الطبية، ويمنحهم الحصانة لاستمرار ارتكاب الجرائم، وهم في مأمن من العقاب.
وينص القانون اليمني بأن الخطأ الطبي يعد جريمة جسيمة؛ إذ تنص المادة (241) لقانون العقوبات بأنه إذا توفي المريض تكون العقوبة بالدية المغلظة، أو السجن لمدة خمس سنوات لمن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة، ولم يقصد من ذلك قتلًا، ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت. أما في حالة عدم الوفاة تكون العقوبة بالسجن سنتين، أو غرامة مع الأرش وفقًا لنص المادة (245) من قانون العقوبات.
ومع غياب تطبيق القوانين يرى النجري، رئيس تحرير المجلة الطبية بأن “الأسباب وراء تزايد حالات الأخطاء أن المستشفيات أمنت العقاب، وذلك إما لتدني مستوى الوعي عند المريض، الذي يعتبر ما حدث قضاء وقدرًا ولا يلجأ للمقاضاة، أو لعدم قدرته المالية على دفع تكاليف المقاضاة، أو لمعرفته بتأخر المحاكم في البت بالقضايا. و سرعان ما تلجأ المستشفيات لحل القضايا بشكل ودي، أو قبلي لا يكلفها الكثير، وهذا ما يجعلها غير حريصة في عملها”.
“من الأسباب أيضًا ضعف الكادر الطبي بسبب هجرة الكثير من الكوادر الجيدة، بالإضافة إلى التساهل في التعامل مع بعض الأمراض والقضايا الطبية”. حسبما أكد
إجمالًا فإن أساس مشكلة تزايد حالة الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة، وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية وغياب الرعاية، هي نتيجة استمرار الحرب، ومن شأن التوصل إلى اتفاق سياسي بين الأطراف المتنازعة، أن ينهي دفعة واحدة جملة من المشكلات التي لحقت بالقطاع الصحي وجميع مشاكل القطاعات الخدمية الأخرى.