قبل عدة أيام من موعد دورتي الشهرية، ينبهني تطبيق متابعة الطمث على هاتفي بالموعد المنشود، لا أحتاج تنبيه الإشعارات من التطبيق؛ فجسدي ينبهني بطريقة آخرى، تأتيني في شكل مجموعة من الآلام، وأدخل في حالة من المعاناة النفسية تعرف بـ “متلازمة ماقبل الطمث“، تبدأ بتقلبات مزاجي مع عدم رغبة في الطعام أو شراهة في تناوله، مع صداع وبكاء وحالة من السخط العام، أشعر بأنني مذنبة ولا أعرف ما الذنب!
يتملكني شعور عدم الرغبة في فعل شيء، وعدم الحركة تجعلني أسخط على أيام دورتي الشهرية القادمة، أشعر بحمل نفسي ثقيل، أحدث ذاتي بأن حياة النساء صعبة، أفكار تجول في عقلي كانت تجعلني ناقمة على حياتي في صغري، اعتدت القول “أنا ناقمة لأنني أنثى، وأمر بهذه التجربة البغيضة (الدورة الشهرية).
ذهبت إلى الصيدلية لشراء الفوط الصحية ومسكنًا جيدًا للألم. فاعتذر الطبيب الصيدلي لعدم وجود ورق جرائد لكي يلف به علب الفوط الصحية، قبل أن يضعها في حقيبة الصيدلية، على الرغم من أنني لم أطلب منه ذلك، أخبرته أن لا مشكلة لدي في أن أحملها مكشوفة هكذا.
تكرر ذلك الموقف من قبل مع طبيبة صيدلانية في منطقة أخرى، فاستغربت الأمر، وسألت نفسي: “هل من العيب أن أحمل علب الفوط الصحية، وأمشي بها في الشارع، من دون أن تكون مخبأة جيدًا من أعين البشر؟ أم أن دورتي شئ محرم وسر لا يجب أن يعلم به أحد؟”.
وما الدورة الشهرية، إلا سلسلة من التغيرات التي تحدث في جسم المرأة شهريًا بشكل منتظم، لتهيئة الرحم للحمل وتكوين البويضات، لكن مجتمعنا يأبى أن يتعامل مع الدورة الشهرية، كأمر عاديا بل جعلها وصمة خجل و عار.
علينا أن نتألم في صمت
تعرضت إحدى زميلاتي في المرحلة الإعدادية لموقف سيئ عندما أتى موعد دورتها الشهرية في الصف الدراسي، طلبت الإذن للخروج إلى دورة المياه، ولم تسمح لها المعلمة؛ ما جعلها تنتظر انتهاء الصف، في وضع كان محرجًا جدًا لخوفها من تبقع زيها المدرسي بالدم.
حدثتني صديقة أخرى، وكانت تدرس الشريعة والقانون، عندما كانت تحضر محاضرة في مسجد الجامعة، وطلبت الإذن من محاضرة المادة للذهاب إلى دورة المياه لأنها في موعد دورتها الشهرية، فوبختها المحاضرة أمام جميع زميلاتها لأنها نجسة وما كان عليها دخول المسجد هكذا.
شعرت صديقتي بالخجل والخوف، لم تكن تعرف سببا لهذه الإهانة ووصفها بأنها نجسة، شعرت أنها منبوذة وقت دورتها الشهرية وعليها أن تختفي وتنعزل.
كان تأثير الدورة الشهرية عليهن سيئًا؛ فشعورهن بوجوب العزلة حتى لا يشعر أحد بأنهن في فترة الطمث، لأنها أمر مخجل يجب إخفاؤه والتستر عليه.
العمل، أيام الطمث
يوثق معاناتنا كنساء مع دورتنا الشهرية أثناء أيام العمل، فيلما تتجاوز مدته الثلاث دقائق بثوانٍ معدودة، يروي معاناة كثيرات مع تحمل الاَلامهم التي يصبن بها نتيجة الدورة الشهرية، ومشقتهن في الذهاب إلى العمل خلال أيام الحيض، والقيام بالمهام الوظيفية، على الرغم من شدة الوجع الذي يتعين عليهن تحمله في صمت بسبب الوصمة التي يفرضها عليهن المجتمع.
الفيلم يحمل اسم “دورة..شهرية / عندك إيه يعني؟ يقدم في إطار درامي قصة فتاة تكابد الاَلم أثناء الدورة الشهرية، بينما يصر مديرها على الحضور إلى مقر العمل، حتى بعد أن أعلمته بتعبها الشديد.
اعتدت القول "أنا ناقمة لأنني أنثى، وأمر بهذه التجربة البغيضة (الدورة الشهرية).
بطبيعة الحال لم تستطع أن تفصح عن السبب وراء الاَلم، ولم تجب على سؤاله المُستَنكِر “عندك إيه يعني؟”، وذهبت بالفعل إلى العمل، وعلى الرغم من تواجدها بالمكتب، والأوراق بين يديها تحاول إتمام قدر ما يمكن من المهام، يصر مجددًا على استفزازها باللوم وتكرار سؤاله مُستهزِئًا.
فوط صحية، ذات أسعار عالية
يمارس النظام الأبوي نوعًا من التحكم في ببنية المجتمع، ويحدد مجموعة قضايا وأمور متعلقة بالمرأة، ضمن الخطوط التي لا يمكن للأفراد كسرها، ويربطها بشكل مباشر بالعار وشرف العائلة ومن ضمنها الدورة الشهرية.
"هل من العيب أن أحمل علب الفوط الصحية، وأمشي بها في الشارع، من دون أن تكون مخبأة جيدًا من أعين البشر؟ أم أن دورتي شئ محرم وسر لا يجب أن يعلم به أحد؟".
وصمة العار التي تسببها الصور النمطية حول الدورة الشهرية، لها تأثير على جميع الجوانب الخاصة بحياة الفتيات والنساء، بما في ذلك حقوقهن، في توفير الرعاية الصحية ومنتجات الدورة الشهرية والماء النظيف.
وضع المجتمع الذكوري مجموعة من المعايير المختلفة التي تضر بالمراة، واعتبر أن الدورة الشهرية وصمة عار، لأنها متعلقة بالأعضاء التناسلية للمرأة، وهي من أشكال التمييز ضد المرأة في المجتمع.
وهو الأمر الذي دفع امرأة حرة مثل السيناتورة الكينونة غلوريا أروبا، أن أن تظهر في جلسة لمجلس الشيوخ الكيني، ملطخة ملابسها بصبغة حمراء تظهر أنها في فترة الحيض، ضمن حملة شعبية ورسمية لتوفير الفوط الصحية مجانا للفتيات في بلادها.
بعد معاناة، صرت أتقبل جسدي، ودورتي الشهرية
لم أكن أختلف كثيرًا عن صديقاتي، عانيت مثلهن في كل مرة مع دورتي الشهرية، كنت ناقمة عليها جدًا، لكن بعد أن تغير جزء من تفكيري، وأصبحت أكثر انفتاحا على فهم جسدي، وكل ما يمر به أثناء دورتي الشهرية، تخلصت من نظرة المجتمع المخجلة لجسدي، تخلصت من تابوهات ومحاذير عن ما يجب أن أشعر به، أو أتحدث فيه حول دورتي الشهرية. لم أعد أكترث لإخفاء الأمر، ولست مضطرة لتخبئة علب الفوط الصحية بعد شرائها.
أعتقد الآن أن دورتي الشهرية، هي هبة الحياة لي، لأنني أنثى أمنح الحياة، أصبحت أتقبل ما يفرضه علي تكويني البيولوجي، ولكن لا مانع من أن أمنح ذاتي فرصة الشعور بالنقمة، من حين لآخر لأنني حرة في مشاعري.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.