قررت وزارة التربية الكويتية، في 15 مارس/آذار الماضي، إنهاء خدمات أكثر من 2000 عامل في قطاع التعليم من المقيمين في البلاد، منهم 1815 معلمًا ومعلمة، و209 يشغلون وظيفة رئيس قسم، اعتبارًا من نهاية العام الدراسي الجاري، وذلك “ضمن إحلال وتكويت (توطين) الوظائف التعليمية”.
وأوضحت الوزارة، في البيان الذي نشرته عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، أن ذلك جاء بتوجيهات مباشرة من وزير التربية ووزير التعليم العالي حمد العدواني، “تماشيًا مع التوجّه الحكومي وخطة الدولة لتنفيذ سياسة إحلال وتمكين العناصر الوطنية”، وأنه “حفاظًا على احتياجات المناطق التعليمية، وعدم الإخلال بميزانياتها، مما سينعكس إيجابًا على مصلحة العملية التعليمية واستقرار الميدان التربوي، كما سيساهم في انخفاض معدلات البطالة، وتوفير فرص عمل أكبر للمواطن الكويتي”.
لطالما عبّرت الحكومات الكويتية المتعاقبة عن كونها تهدف إلى توطين الوظائف العامة، وإلى معالجة خلل التركيبة السكانية؛ حيث تبلغ نسبة المقيمين في البلاد 66 %، بعدد يُقدّر بحدود 3 ملايين نسمة، بينما تُشكّل نسبة الكويتيين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة 34%، وفق بيانات “الهيئة العامة للمعلومات المدنية” حتى شهر يونيو/حزيران الماضي.
وفجّرت تداعيات تفشي وباء كورونا قبل ثلاثة أعوام، أزمة العمالة المقيمة في البلاد من شتى جوانبها، والتي رافقها موجة تسريح غير مسبوقة بسبب التداعيات الاقتصادية جراء تهاوي أسعار النفط ووقف الأعمال التجارية، أدى إلى فقدان سوق العمل -بحسب بيانات رسمية- إلى قرابة 200 ألف وظيفة وافدة، فيما وصفه خبراء اقتصاديون حينها بأنه الأكبر في تاريخ الدولة، لكن ذلك دعا الحكومة إثر تصاعد غضب المواطنين بعدما اعُتبرت المناطق التي يسكنها المقيمون “بؤر انتشار الفيروس”، إلى أن تتعهد بمواصلتها “معالجة الخلل الكبير في التركيبة السكانية”، من خلال “التكويت وإنهاء خدمات المقيمين”، بحسب تصريحات أدلى بها مسؤولون.
مؤخرًا، تضمّن برنامج عمل الحكومة الكويتية للأعوام من 2022 إلى 2026، الذي قدّمته في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى مجلس الأمة (البرلمان)، في “محور القوى العاملة” على “تعديل الخلل في التركيبة السكانية من حيث العدد والكفاءة”، و”تنظيم شؤون إقامة الأجانب”، إلا أن الغموض ما زال يكتنف رؤيتها في هذا الملف، إلى جانب التخبط المستمر والمتفاوت بالتعامل معه.
تُخصص دولة الكويت ضمن موازنتها العامة إلى وزارة التربية أكثر من مليارين سنويًا، يُنفق منها نحو 95 % على بند الرواتب فقط.
وتعليقًا على سياسة الوزارة تجاه توطين مهنة المعلم، قال الموجه الفني لمادة اللغة العربية، يوسف المحميد، في حديثه مع “مواطن“: إن “التوطين ليس سياسةً تنتهجها وزارة التربية بناءً على خطة تسعى إلى تحقيق أهداف تربوية وتعليمية واضحة المعالم؛ بل هو سياسة فُرِضت على الوزارة كما فُرِضت على غيرها من الوزارات”.
وأضاف: “وهنا مكمن المشكلة؛ فالدولة تنظر إلى وزارة التربية على أنها جهة تُسهم في الحد من مشكلة البطالة، وتنظر إلى العاملين فيها كما تنظر لغيرهم في بقية الوزارات؛ فهم مجرد أرقامٍ لها تأثير في بند الرواتب من الميزانية من جهة، وتُسهم في تقليل التذمر الشعبي من جهة أخرى، أما جودة العمل ومدى تحقيقه لأهدافه فهي لا أهمية لها في نظر أصحاب مثل هذه القرارات، لذا فالمشكلة ليست في اتباع وزارة التربية سياسة التوطين العشوائي؛ بل في اتباع الدولة بأكملها هذه السياسة، إن صحّت تسميتها سياسة”.
من جانبه، أكّد أمين سر جمعية المعلمين الكويتية، سعد عقاب الجنفاوي، لـ “مواطن“، على أن “توجّه الدولة إلى سياسة الإحلال والتكويت هي سياسة عامة في جميع الوزارات وليست على وزارة التربية فقط، ولكن لا بد أن تكون ضمن أسس ومعايير حسب احتياجات كل وزارة على حدة”.
وأضاف: “وزارة التربية من ضمن الوزارات التي تسعى إلى تطبيق سياسة الإحلال والتكويت، ولكن عليها أن تأخذ في الاعتبار جميع المعايير التي لا تضر بالعملية التعليمية، والحفاظ على الكفاءات وعدم الإخلال بسير العملية التربوية داخل البيئة المدرسية”.
أما الأستاذ المشارك في كلية التربية في جامعة الكويت، ليلى الخياط، قالت في حديثها مع “مواطن“: إنها “مع التكويت، وأبناء البلد أولى بالوظيفة بدلًا من العطالة أو الغربة للحصول على عمل”، وأردفت أنه “يجب على الوزارة قبل ذلك التأكد من توافر العدد المطلوب قبل إنهاء خدمات المعلمين الوافدين، كما يجب إعطاؤهم مهلة وعِلم مُسبق بالقرار، حتى يتمكنوا من توفير وظائف بديلة لهم، إما في دولهم أو في دول أخرى”.
يُذكر أن دولة الكويت تُخصص ضمن موازنتها العامة إلى وزارة التربية أكثر من مليارين سنويًا، يُنفق منها نحو 95 في المائة على بند الرواتب فقط، وخلال السنة المالية 2022-2023 سجلت مصروفات الوزارة أكثر من 2.231 مليار دينار كويتي (حوالي 7.27 مليار دولار تقريبًا)، منها 2.118 مليار دينار كويتي (6.88 مليار دولار تقريبًا) عبارة عن رواتب شهرية.
كما تُعدّ وزارة التربية من أعلى الجهات الحكومية في المصروفات من ميزانية الدولة، وتشهد تزايدًا مستمرًا عامًا بعد عام، كما استحوذت على ما مجموعه 13.6 مليار دينار كويتي من الميزانية في آخر 5 سنوات.
واستهدفت الوزارة بقرارها الأخير في التوطين 6 تخصصات للذكور، هي التربية الإسلامية، والتاريخ، وعلم النفس والاجتماع، والحاسب الآلي، والاجتماعيات؛ بينما اشتمل التوطين على 14 تخصصًا للإناث، وهي بالإضافة إلى تخصصات الذكور، تضم كلاً من اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والجغرافيا، والعلوم، والأحياء، والجيولوجيا، والتربية الفنية، والديكور.
في المقابل، ما زالت وزارة التربية تعاني من احتياج إلى معلمين ومعلمات في عدد من التخصصات التي لم يشملها الإحلال، وكانت صحيفة “القبس” الكويتية واسعة الانتشار في البلاد، قد كشفت في يناير/كانون الثاني الماضي، عبر مصادرها في الوزارة، أن الاحتياج يُقدّر بـ “نحو 700 معلمًا ومعلمة في 12 تخصصًا لسد النقص في المدارس الحكومية”.
وعن قرار الوزارة الأخير بالاستغناء عن خدمات المعلمين المقيمين وإحلال مواطنين في وظائفهم، قال المحميد: “لا أعتقد بأنه صدر عن دراسة، بل لا أعتقد أن وزارة التربية تصدر قراراتها بناءً على دراسات علمية، ومن دلائل ذلك أن القرار شمل كثيرًا من الفئات المستثناة؛ كأبناء الكويتيات والكويتيين البدون”.
ولفت إلى أن “المعلمين الوافدين الذين اسُتغني عن خدماتهم من خيرة المعلمين والمعلمات، الذين تعتمد عليهم أقسامهم في التقليل من الآثار السيئة الناتجة عن تكديس معلمين ومعلمات من ذوي الأداء المتدني، ومن أشباه الأميين الذين تصدّرهم للميدان كليات إعداد المعلمين التي تتبع سياسة النجاح المضمون لطلابها، حتى لو كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة، لذا فأنا على يقين بأن متخذ القرار تعامل مع أرقام لا معلمين، وهذه من مصائبنا”.
تُعدّ وزارة التربية من أعلى الجهات الحكومية في المصروفات من ميزانية الدولة، وتشهد تزايدًا مستمرًا عامًا بعد عام
بينما أعرب الجنفاوي عن “تفاجؤ الميدان التربوي” من قرار الوزارة الأخير، وقال: “من المُفترض أن يكون له دراسات واقعية من الميدان التربوي، وليس التعامل معهم على أنهم مجرد أرقام، وأن يُراعى مدى الاحتياج إلى الكفاءات، وأن تكون خطة الإحلال مدروسة من الجانب الفني، ومرتبطة فعليًا بالإصلاح التربوي والتعليمي”.
وعن مدى تأثير هذا القرار على مستوى جودة التعليم، قال: “سوف يكون له أثره على الميدان في العام الدراسي القادم، وعلى سير العملية التعليمية، ما لم يُتدارك بحلول مناسبة”.
بدوره، قال المحميد: “جوهر قرار الإحلال أن يُستغنى عن ذوي الخبرة من المعلمين والمعلمات، ثم ملء الوظائف الشاغرة بخريجي كليات إعداد المعلمين الذين لا يمتلكون علمًا ولا خبرة، وفي ظل تخفيض المعايير والشروط لشغل الوظائف الإشرافية، فإننا سنكون أمام مشرفين سيئين يشرفون على معلمين سيئين، وهذا يعني استدامة التردي”، وبيّن قائلًا: “قد يبدو هذا الرأي متطرفًا، ولكنني مؤمن بأننا نتبع كل الخطوات اللازمة للمحافظة على أوضاع لا تستجيب للإصلاح، ولعل المستقبل القريب سيظهر حجم المشكلة التي يُنكر وجودها كثير من المتابعين للشأن التربوي”.
بينما تعتقد الخياط أنه “إذا طُبّق القرار وفق تخطيط وبتوافر البدلاء فلن يؤثر على التعليم بشكل سلبي، لأن المعلم الكويتي معلم متميز ومعطاء، وقد يكون أفضل مستوى من المعلم الذي يعطي كل جهده في الدروس الخصوصية، في مقابل عطائه أقل القليل في فصوله الدراسية”.
على صعيد متصل؛ تقدمت “جمعية المعلمين الكويتية” إلى وزارة التربية، باقتراح “تأجيل قرار الإحلال للمعلمين”، على أن تطلب الوزارة “تقريرًا من التوجيهات الفنية حول أثره الفني والعملي على الميدان التربوي”.
وتضمّن مقترح الجمعية 4 بنود، أولها: “تأجيل العمل بالقرار هذا العام”، بينما ثانيًا: “عرض كشوف الأسماء على التوجيهات الفنية العامة، وطلب تقرير من كل توجيه بأثر القرار على مجاله الدراسي، وما يترتب عليه من تبعات فنية وعلمية تؤثر على المتعلم والمعلم، وارتفاع الأنصبة”، وأما ثالثًا: “طلب إدارة التنسيق من مراقبي المراحل التي سيشمل معلميها الإحلال تقريرًا بأثر القرار على المدارس والنقص المتوقع وارتفاع الأنصبة”، وأخيرًا: “وضع خطة تدريجية وفق جدول زمني لتطبيق القرار؛ بحيث لا يتأثر به الميدان التربوي، ويُمكّن المعلمين المشمولين بالقرار من تسوية أمورهم وترتيب أوضاعهم”.
تتراجع الكويت في مؤشرات جودة التعليم الدولية تراجعًا ملحوظًا، ومن غير الواضح حتى اللحظة مدى انعكاس قرارات مثل الإحلال والاستغناء عن خدمات المعلمين المقيمين من ذوي الخبرات على مستوى التعليم في البلاد
وأشار الجنفاوي إلى أن مقترح الجمعية جاء “بهدف التأكد من استقرار الميدان التربوي، وانتظام العملية التعليمية بلا معوقات تعطل العمل في العام الدراسي القادم، نتيجة النقص المتوقع في أعداد المعلمين، الذي ستعاني منه كثير من المدارس، وتفريغ الميدان من عدد كبير من المعلمين والمعلمات أصحاب الخبرة والكفاءة نتيجة قرار الإحلال”.
وشدد على أن “جمعية المعلمين باعتبارها لسان حال المعلمين، والممثل الشرعي والرسمي لأهل الميدان التربوي، فإنها تؤمن بالشراكة الفعالة مع وزارة التربية في جميع ما يخص تطوير العملية التعليمية والتربوية، فدائمًا ما تحرص على تقديم المقترحات والمطالبات، ونقل آراء أهل الميدان التربوي، وتقديم المشاريع التطويرية، والدفاع عن قضايا المعلمين، عبر اللقاءات والاجتماعات واللجان المختلفة مع الوزارة”.
وتتراجع الكويت في مؤشرات جودة التعليم الدولية تراجعًا ملحوظًا باستمرار، ومن غير الواضح حتى اللحظة مدى انعكاس قرارات مثل الإحلال والاستغناء عن خدمات المعلمين المقيمين من ذوي الخبرات على مستوى التعليم في البلاد بشكل عام؛ سواء على المدى القريب أو البعيد.
فيما لا تلوح في الأفق أية سياسات واضحة أو نهج يُعبّر عن رؤية الدولة اتجاه إصلاح التعليم، على الرغم من تقديم العديد من الأكاديميين والتربويين عددًا من المبادرات الجادة، آخرها مبادرة “من هنا نُبحر”، التي عرّفها القائمون عليها أنها “مبادرة وطنية لإصلاح وتطوير التعليم في الكويت”، ورسموا خلالها “خارطة طريق إلى إيقاف تدهور التعليم والنهوض به مرة أخرى” على حد تعبيرهم.
لا شك أن التعليم في الكويت ينتظر عناية فائقة من أعلى المستويات في البلاد، تأخذ على عاتقها إصلاح المنظومة برمّتها، وفق رؤى جادة وفعالة يُشرك بها أصحاب الشأن من ذوي الكفاءات المشهودة؛ حيث هي عملية شاقة وعسيرة لا تظهر نتائجها بشكل مباشر، بل تحتاج إلى تراكم طويل للجهود، بينما بقاؤه على حاله لن يفاقم الوضع ألا سوءً على مختلف المستويات، ولا تُبنى الدول المحترمة وتُستدام إلا بأجيالها ابتداءً من بوابات المدارس.