“لا أستطيع الجزم بنجاح التجربة ولكنها بالتأكيد مُختلفة” يلُخص باهر دحدوح، 32 عامًا، سعودي من محافظة الرياض، تجربة زواجه لمدة 3 سنوات من أجنبية داخل وطنه، والتي تتساوى فيها العيوب بالمميزات، حسبما قال. وهو واحد ضمن 2583 سعوديًا لجؤوا إلى الزواج من أجنبيات خلال العام 2020 وفق بيانات وزارة العدل السعودية.
الزوجات الأجنبيات لسن فقط غير قادرات على الاندماج ثقافيًا واجتماعيًا، ولكن حتى قانونيًا تحرم الزوجة الأجنبية في السعودية من إعطائها الجنسية إلا بشروط محددة، كذلك أبناؤها.
حول الزواج من أجنبية
يحكي دحدوح لمواطن: “الأجنبيات لهن ميزة في الزواج؛ وهي انخفاض التكاليف التي يطلبونها، فلم يكلفني الأمر سوى أوراق وإجراءات روتينية تكلفتها منخفضة، وخاتم العرس، في الغرب ليس لديهم ثقافة الذهب الكثير أو الشبكة والمهر”.
على الجهة الأخرى عدة أزمات تعرض لها خلال تجربته في الزواج من أجنبية، وهي اختلاف الثقافات، في الغرب لديهم كل شيء مباح، أم المملكة نحن دولة إسلامية في الأساس، تسير على نهج الشريعة وقيودها في الإحلال والتحريم، حسبما أكد.
واستطرد؛ أن أغلب المشاكل بينهما تقوم على ذلك الأمر: “لا ترى مانعًا في أن يكون لها أصدقاء من الرجال يأتون إلى المنزل، وهو الأمر الذي كان يرفضه دحدوح وتحدث بسببه المشاكل بينه وبين زوجته، وكذلك ارتداء الملابس المكشوفة دومًا، على الرغم أنها تدين بالإسلام، ولكنها أكثر تفتحًا؛ فنحن مختلفون كلية في النشأة الاجتماعية ومن هنا ينشأ الخلاف”.
الزوجات الأجنبيات لسن فقط غير قادرات على الاندماج ثقافيًا واجتماعيًا حسبما حكى دحدوح، ولكن حتى قانونيًا تحرم الزوجة الأجنبية في السعودية من إعطائها الجنسية إلا بشروط محددة، كذلك أبناؤها.
تسير السعودية على نظام النقاط لمنح الجنسية؛ فالبرغم من مرور 3 سنوات على زواج باهر، إلا أن زوجته لم تحصل سوى على 3 نقاط فقط، ولا بد أن تحصل على 23 نقطة لبحث طلب جنسيتها.
يعتمد نظام النقاط في القانون على أشياء منها أنها إذا أقامت بالمملكة 10 سنوات متتالية تحصل على 10 نقاط، إذا كان تحمل شهادة الدكتوراه في الطب أو الهندسة تحصل على 13 نقطة، أما الدكتوراه في العلوم الأخرى 10 نقاط فقط، الماجيستير 8 نقاط والبكالوريوس 5 نقاط.”
بعيدا عن صعوبة حصول الزوجة الأجنبية على الجنسية في السعودية، اجراءات الزواج من أجنبية ليست يسيرة، ويشرح أحد العاملين في إمارة منطقة مكة في السعودية –فضل عدم ذكر اسمه- طريقة توثيق الزواج بين السعودي والأجنبية، بأنه لا بد أن تكون الزوجة مقيمة في الدولة، وعلى صعيد السعودية يتم تقديم الأوراق للإمارة التابعين لها.
ويوضح لـ”مواطن” وجود ولي أمرها وموافقته شرط أساسي، لأن هناك نماذج ورقية تخصه لا بد من تعبئتها من قبله وموافقته عليها، ثم ترفع الأوراق من الإمارة لوزارة الداخلية ثم الانتظار حتى الحصول على الموافقة.
ووفقًا له فإن الموافقة لها معايير حتى تخرج؛ منها إذا كانت الزوجة مقيمة قديمة تأخذ من 3 إلى 5 أشهر، وإذا كانت جديدة تأخذ من 6 أشهر إلى سنة، وعلى حسب عمرها وعمر الزوج لا بد أن يكون متخطيًا الـ35 عامًا: “الإجراءات ليست سهلة ورغم ذلك زادت خلال السنوات الماضية عقود زواج أبناء الخليج من الأجنبيات”.
الزواج من الأجنبيات في الخليج وأثاره
يتفق الدكتور حمد القحطاني، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت، مع ما حكى باهر؛ إذ يعزي ظاهرة الزواج من أجنبيات، إلى قلة طلباتهن في الزواج والاحتياجات، ومصروفات المنزل قليلة بعكس الخليجية.
ويضيف لمواطن: “المرأة الخليجية تحتاج خادمًا وسائقًا ومربية وغيرها من الأمور التي تزيد كاهل الزوج بالمصروفات”. كما أكد على أن ارتفاع المهور في دول مجلس التعاون الخليجي، وحفلات العرس باهظة الثمن ساهم في تعزيز الأمر، مبينًا أنه على عكس الأجنبية يكون التجهيز والعرس أبسط ما يمكن، كذلك وقت الولادة أو السفر، وكلها أمور ترهق كاهل الزوج لذلك يلجأ لفكرة الزواج من أجنبية.
طلاق، وهوية أبناء مشتتة
يوسف حسين، شاب كويتي، تزوج من أجنبية منذ 6 سنوات ولديه منها ثلاثة أبناء، إلا أن الخلافات دبت بينهما وأدت إلى الانفصال نتيجة اختلاف الثقافة، وأخذت حضانة الأطفال، فأصبح أبناؤه يعيشون في بلد مختلفة كلية عن الكويت وعاداتها وثقافتها.
وصل عدد عقود الطلاق في الكويت إلى 8041 عقد طلاق وفق وزارة العدل الكويتية خلال 12، بينما في السعودية 57 ألفًا و595 عقد طلاق العام 2020، وفي البحرين هناك 1986 حالة طلاق العام 2022.
كانت الصراعات بين يوسف وزوجته حول الثقافة وانعكاسها في تربية الأبناء، هي التي أحدثت الصدع في علاقتهما؛ إذ يؤكد أن ما كان يراه خطأ لابنائه كانت تبيحه هي وفق ثقافتها؛ ما أدى إلى تشتت هوية الأبناء بينهما، ومن ثم الطلاق في نهاية المطاف.
تلك النقطة يشير لها الدكتور القحطاني بأن الأطفال يعيشون حالة من التشتت والتذبذب بين ثقافتين مختلفتين؛ جهة ترفض بعض الأفعال، وجهة أخرى تقبلها وتبيحها، ويسبب الأمر مشاكل نفسية للأطفال كالتوحد والهروب المجتمعي ولفظ الثقافتين.
ويرى أنه لا بد من أن تعيد المرأة الخليجية النظر في أسلوب حياتها والتقليل من الطلبات؛ منها المهور والحفلات السخية والهدايا، حتى يتم خفض أعداد الزواج من الأجنبيات.
يختتم حديثه لمواطن: “هذه الطلبات والمهور المثيرة تؤثر على عزوف الشباب عن الزواج من الفتاة الخليجية، وتزيد من التأخر في سن الزواج بين النساء بشكل كبير، ويتضح ذلك في أن دول مجلس التعاون الخليج، أصبحت تقدم القروض للشباب من أجل الزواج، لكبح جماح التأخر في سن الزواج بين النساء والطلاق”.
يتسق ذلك مع دراسة للدكتور يوسف عبدالفتاح أستاذ علم النفس في كلية الآداب بجامعة عين شمس في مصر، والتي كانت بعنوان: “الزواج من أجنبيات وأثره على أبناء الخليج العربي”، والتي درست الأثر الناتج عن تلك الزيجات على الأبناء.
ويوضح الدكتور أن الأثر يظهر في إطار الصراع الذي يقع فيه الأبناء، والناتج من وقوعهم أمام توجهات مختلفة من كلا الوالدين، تلك التوجهات التي تعكس قيم وتقاليد الأب من جهة، وقيم وتقاليد الأم المختلفة عن قيم وتقاليد الأب من ناحية أخرى، ما يؤدي للطلاق في أغلب الحالات.
"تزوجتها كي لا أدفع كثيرًا، وانفصلنا لنفس السبب"
سبب آخر لعدم نجاح تجربة الزواج من أجنبية يرويه علي عيسي، بحريني، والذي تزوج بأجنبية بسبب مروره بضائقة مادية: “الأمر كان صعبًا للغاية؛ فهناك إجراءات مطولة للزواج بأجنبية في البحرين وعموم الخليج مقارنة بالزواج بفتيات البلد”.
ونفس السبب الذي تزوج لأجله عيسى من أجنبية هو الذي دفعه للانفصال: “لم يكلفني الزواج بأجنبية على الصعيد المادي كثيرًا، ولكنها صُدمت بمستواي المادي المنخفض مقارنة بالمستوى المادي الذي كانت تعيشه برفقة أهلها، ما سبب مشاكل مادية وصراعات بيننا”.
زاد معدل إقبال البحرينيين على الزواج من أجنبيات من نسبة 21.4% العام 2018 إلى 24.5 العام 2019، وبلغ عدد زواج البحرينيين الذكور من الأجنبيات 1074 زيجة، وانخفض عدد زيجات البحرينيين الذكور العام 2019 إلى 4565، في حين ارتفع عدد زواجهم من غير بحرينيات إلى 1120 زيجة.
بينما ارتفع إجمالي عقود الزواج من الأجنبيات في الإمارات من 589 عقد زواج في عام 2019 إلى 674 عقد زواج بنهاية العام الماضي 2020، بينما ارتفع إجمالي عدد حالات زواج المواطنين من غير المواطنات من 486 عقد زواج في عام 2019 إلى 562 عقد زواج خلال عام 2020 بزيادة قدرها 76 عقد زواج بنسبة وصلت إلى 15%.
يقول عيسى: “كانت زوجتي تعيش حياة مرفهة نوعًا ما في بيت والدها، وعلى الرغم من أن المهر والذهب أمور لا تعني الأجنبيات أثناء عقد الزواج، إلا أنهن لا يتحملن الفقر أو الظروف المادية القاسية، مثل الفتيات أبناء البلد وهو ما دفعنا للانفصال قبل أن نرزق بأطفال”.
وهو ما تشير إليه المحامية البحرينية ابتسام الصباغ، في تصريح صحفي لجريدة الوطن البحرينية، بأن هناك حالات تتعرض فيها الزوجة الأجنبية الغريبة لعنف اقتصادي أو مادي ومعنوي، وليس لها أهل وقدرة مادية، وتواجه ظروفًا قاسية وتضحي بأبنائها ويدفع الأطفال الثمن.
ربما لا يختلف الوضع كثيرًا بين بلد وآخر في الخليج، دحدوح من السعودية، وعلي من البحرين، وحسين من الكويت، شباب خليجي، لجؤوا للزواج من أجنبيات هربًا من الأزمات المادية وارتفاع التكاليف، إلا أنهم اصطدموا باختلاف الثقافات مع زوجاتهم، ما أدى لارتفاع نسب التأخر في سن الزواج بين النساء الخليجيات، وكذلك تنامي عقود الطلاق بين الخليجيين بشكل عام.