يراقب رشاد حمود (52 عامًا) الموظف الحكومي في العاصمة اليمنية صنعاء مستجدات الأحداث، وينتظر بفارغ الصبر، لحظة توقيع أطراف النزاع على الهدنة المرتقبة؛ فهو كالملايين من اليمنيين يتطلع إلى السلام، وإنهاء الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين، ونزوح الملايين، وخلف أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت الأزمة اليمنية تحركات دبلوماسية دولية وإقليمية مكثفة لتثبيت هدنة إنسانية، وبدء عملية سياسية شاملة؛ خاصةً عقب التقارب السعودي الإيراني المفاجئ الذي حدث مؤخرًا، والذي من شأنه أن ينعكس إيجابيًا فهما الدولتان اللتان تملكان قرار إيقاف الحرب في اليمن .
“جاءت الهدنة نتيجة الضغوطات الإقليمية على أطراف النزاع المحلية، ندرك جميعًا بأنه لو لم يكن هنالك تقارب سعودي إيراني لما قبلت جماعة الحوثي بتلك المحادثات والوصول إلى ما يشبه الهدنة ومعالجة بعض الجوانب الإنسانية الأخرى”. حسبما علق الباحث والمحلل السياسي اليمني د. عادل دشيلة لمواطن.
ويكمل: “لا أتوقع أن تكون الهدنة مقدمة لحل سياسي شامل بدون وجود ضمانات دولية وإقليمية، ومعالجة جذور الأزمات اليمنية بما فيها نزع سلاح الجماعات المسلحة في الشمال وفي الجنوب”.
هدنة مرتقبة، ومؤشرات إيجابية
يتفاءل حمود بالأخبار المتداولة في وسائل الإعلام المحلية والدولية عن قرب توصل الأطراف المتنازعة في اليمن إلى اتفاق لتمديد الهدنة، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية، ومن بينها صرف الرواتب الحكومية، ويقول لمواطن: “عادت لنا الحياة من جديد، ووجدنا بصيص أمل نتطلع به إلى الحياة الكريمة، والسلام العادل الذي يضمن حقوق الجميع”.
ويضيف: “الحرب وانعكاساتها السلبية أنهكت كواهلنا وقلبت حياتنا رأسًا على عقب، نحن -شريحة الموظفين الحكوميين- بلا رواتب منذ سبع سنوات، وصل الكثير منا حد العجز عن تأمين الغذاء لأفراد عائلته، نتألم حين ننظر إلى أطفالنا وهم يختبرون جوعًا بسبب استمرار انقطاع مصدر دخلنا الوحيد، نريد العيش بأمان، وصرف الرواتب “.
"لا أتوقع أن تكون الهدنة مقدمة لحل سياسي شامل بدون وجود ضمانات دولية وإقليمية، ومعالجة جذور الأزمات اليمنية بما فيها نزع سلاح الجماعات المسلحة في الشمال وفي الجنوب". حسبما علق المحلل السياسي د. عادل دشيلة لمواطن
عقب الهدنة التي بدأت في أبريل/ نيسان 2022، واستمرت حتى مطلع أكتوبر/ تشرين، وتوقف الأعمال القتالية نسبيًا بعدها، قادت عُمان جولة مباحثات بين الحوثيين والسعودية دون تحقيق تقدم، لكن المباحثات أثمرت بفعل التقارب السعودي الإيراني والذي من شأنه أن يساهم بوضع مسار للتفاوض لإنهاء الحرب التي تعصف باليمن منذ ثماني سنوات.
في مطلع أبريل / نيسان صرح مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز جروندبرج، لوكالة “أسوشيتيد برس” أن: “اليمن هو الأقرب الآن لتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام الدائم”، وذلك بالتزامن مع وجود ترتيبات سياسية بوتيرة متسارعة، آخرها زيارة الوفدين السعودي والعماني للعاصمة صنعاء في 8 أبريل، حيث استمرت الزيارة 6 أيام تمت خلالها مناقشة الملفات المتعلقة ببنود مسودة الهدنة ضمن جهود التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب في اليمن.
“تنص مسودة بنود الإتفاق على إيقاف العمليات العسكرية بشكل كامل، ورفع الإجراءات والقيود عن كافة الموانئ اليمنية الجوية والبحرية والبرية ومعالجة القضايا الإنسانية، بما في ذلك استكمال الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، والقضايا الإنسانية، وصرف الرواتب وصولاً الى الحل السياسي الشامل”، حسبما شاع عبر تقارير صحافية، وهو ما أكده مصادر مطلعة لمواطن.
في سياق متصل أعلن السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، أن زيارته إلى صنعاء تهدف إلى تثبيت الهدنة، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية، مضيفًا في تغريدة على تويتر أن” الزيارة تهدف إلى تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن”.
استمراراً لجهود المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية ودعماً للمبادرة التي قدمتها المملكة في ٢٠٢١م، ازور صنعاء وبحضور وفد من سلطنة عمان الشقيقة بهدف تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن. pic.twitter.com/AtQMLQ69I9
— محمد ال جابر (@mohdsalj) April 10, 2023
بدورها رحبت الحكومة المعترف بها دوليًا، وقالت على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني نرحب بـ”الجهود الاستثنائية التي تبذلها المملكة العربية السعودية لإحلال السلام في اليمن”، مؤكدًا في تغريدة على تويتر” دعمها الكامل لمساعي السعودية في تحقيق السلام في البلاد والمنطقة، والانتقال بها من مرحلة النزاعات والاقتتال الداخلي، الى مرحلة يسودها الاستقرار والأمن والتركيز على تحقيق تطلعات شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل من الرخاء والازدهار والتكامل الاقتصادي”.
● أكدت الحكومة الشرعية منذ اللحظة الأولى للحرب التي فجرها الانقلاب الحوثي المدعوم من ايران، وعلى مختلف المستويات وفي مختلف المنابر والمراحل والظروف التي مرت بها بلادنا، حرصها وسعيها لتحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام، الذي يضمن عدم تكرار دورات الصراع، ويحفظ تضحيات شعبنا وحقه…
— معمر الإرياني (@ERYANIM) April 10, 2023
من جانبه علق الناطق باسم جماعة الحوثي ورئيس وفدها المفاوض محمد عبد السلام في تغريدة له على موقع تويتر: “أنهت الوفود أعمال التفاوض في العاصمة صنعاء بعد نقاشات اتسمت بالجدية والإيجابية، وبتقدم في بعض القضايا على أمل استكمال البحث في القضايا العالقة في وقت لاحق، متقدمين بالشكر الجزيل للأشقاء في سلطنة عمان لما بذلوه من جهود مسؤولة لتذليل الصعاب ودعم خيار السلام”.
أنهت الوفود أعمال التفاوض في العاصمة صنعاء بعد نقاشات اتسمت بالجدية والإيجابية، وبتقدم في بعض القضايا على أمل استكمال البحث في القضايا العالقة في وقت لاحق إن شاء الله تعالى، متقدمين بالشكر الجزيل للأشقاء في سلطنة عمان لما بذلوه من جهود مسؤولة لتذليل الصعاب ودعم خيار السلام.
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) April 14, 2023
وبالعودة لنتائج المباحثات السعودية الحوثية الأخيرة في صنعاء وموعد التوقيع على الهدنة المرتقبة، قال مصدر مقرب من جماعة الحوثي فضل عدم الكشف عن هويته: “من المتوقع عودة الوفد السعودي خلال الأيام القادمة لليمن، ومن ثم قد يعقبها زيارة وفد حوثي إلى المملكة، مشيرًا إلى وجود مؤشرات إيجابية حول التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب”.
تطلعات للسلام
في خضم التحركات الدبلوماسية المكثفة والمؤشرات الإيجابية، يترقب الشارع اليمني لحظة توقيع الأطراف المتنازعة على الهدنة الإنسانية، وإنهاء الحرب الذي أدخلت البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ودفعت اليمنيين إلى حافة المجاعة.
يتطلع إبراهيم القدسي (45 سنةً) سائق حافلة في مدينة تعز جنوبي غرب اليمن، إلى عودة الحياة الطبيعية، ويقول لمواطن: “الشارع اليمني متفائل بإنهاء الحرب، لسان حال اليمنيين حاليًا هو “حي على السلام” العامل، الموظف، التاجر، والجميع؛ رسالتنا إلى الأطراف المتنازعة أنه آن الأوان بأن يعودوا إلى جادة الصواب”.
تمامًا مثل القدسي تتطلع السيدة عهد عثمان ( 40 سنةً) من مدينة عدن جنوبي اليمن إلى إنها الحرب وتقول لمواطن: “لم يعد بإمكان المواطن تحمل مزيد من الفقر والجوع، الناس تأكل من الزبالة، الأوضاع المعيشية أصبحت مزرية وصعبة للغاية، باعدت الحرب بين أسفارنا، معظم الطرقات الرئيسية مغلقة بين المحافظات، لقد حان موعد السلام، نتطلع إلى إنهاء معاناة اليمنيين بعد سنوات من الجحيم”.
الأكاديمي المختص في الرياضيات بجامعة إب اليمنية الدكتور أكرم عطران هو الآخر يتطلع إلى السلام ويقول في تدوينة له على فيسبوك: “قلوب وعقول اليمنيين تهفو وتترقب لحظة الاتفاق، تنتظر السلام الصادق والعادل والمشرف، ولا عزاء أو إصغاء للأصوات النشاز التي تقتات على طول معاناة وآلام الشعب، أكثر من مليون موظف، و30 مليون محاصر، و5 مليون نازح ينتظرون الفرج وإنها الصراع.”
أما مستشار وزير الإعلام الصحافي مختار الرحبي فقد غرد عبر تويتر بأنه يتابع ردود فعل إيجابية من كل الأطراف للمشاروات في صنعاء، وتفاؤل وفرحة لدى عامة الناس، مضيفًا في تدوينة له على تويتر: “إنهاء الحرب هو هدف كل يمني حر وكل من يحمل الحب لليمن، 8 أعوام واليمن يعاني من حرب وصل أثرها إلى كل منزل يمني بطريقة أو بأخرى، وإيقاف الحرب سيعيد الفرح والسرور لكل الشعب الصابر المنتظر للسلام”.
اتابع ردود فعل إيجابية من كل الأطراف للمشاروات في صنعاء وتفائل وفرحة لدى عامة الناس، إنهاء الحرب هو هدف كل يمني حر وكل من يحمل حب لليمن، ثمانية أعوام واليمن يعاني من حرب وصل اثرها الى كل منزل يمني بطريقة او بأخرى وإيقاف الحرب سعيد الفرح والسرور لكل الشعب الصابر المتنظر للسلام .
— مختار الرحبي (@alrahbi5) April 14, 2023
من جانبه يقول الأكاديمي بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي: “نريد اتفاق سلام وجبر ضرر، وليس اتفاق تقاسم سلطة، دمر المتحاربون اليمن أرضًا وإنسانًا، وفككوا النسيج الاجتماعي، وأعادوا رسم الخارطة الاجتماعية اليمنية على أساس الهويات الطائفية والمناطقية، ونشروا الفقر والبؤس والبطالة، وأزهقوا أرواح عشرات الآلاف من شباب اليمن، وحرموا موظفي الدولة من مرتباتهم لسبع سنوات، والآن يقفون على تل الخراب، يتبادلون الابتسامات والتحايا، ويجلسون متقابلين على طاولة حوار تآمري، وكأن شيئًا لم يحدث”.
ويشترك في حالة عدم التفاؤل بالهدنة مع الشرجبي، الخبير في الشؤون الإستراتيجية د. علي الذهب، قائلًا لمواطن: “لست متفائلاً من أي عملية سلام مع الحوثيين، لأن عقيدتهم السياسية مبنية على نظرية تعتقد أنها ثابتة؛ وهي الاستئثار بالحكم”.
مستقبل الهدنة والتسوية
يضيف علي الذهب لمواطن: “في حال تم التوصل إلى هدنة، سوف نكون أمام اتجاهين؛ إما توسيع الهدنة، وبالتالي سوف يحدث خرق للهدنة وعودة محتملة لأي صراع في أي جبهة؛ سواء كانت في جبهة طارق في الساحل الغربي، أو الانتقالي في الضالع، أو الحكومة في مأرب، هذا في حال فشلت الهدنة”.
ثم يضيف: “أما إذا تحولت الهدنة إلى وقف شامل لإطلاق النار، فهذا يعني وجود مراقبين دوليين، وذلك سوف يعقد المسأله أكثر”.
تجدر الإشارة إلى أن الهدنة الإنسانية المرتقبة سبقتها هدنة استمرت أكثر من 8 أشهر، لكنها لم تنعكس على حياة المواطنين، ولم تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية بمختلف المحافظات اليمنية
وتابع: “أعتقد أن الهدنة لن تخرج إلى طريق، وقد تتضاعف الأزمة أكثر، ربما ينخفض العنف قليلًا، ولكنه قد يشتعل في أي لحظة. أما بالنسبة للخارج فأعتقد أن السعودية ضمنت إلى حد ما، عدم تعرضها لأي هجمات، أو عودة العنف إلى المناطق الحدودية في صعدة وحجة”.
ومن جانبه يؤكد دشيلة لمواطن: “مستقبل بقاء الهدنة الإنسانية بين الأطراف المتنازعة في اليمن ونجاحها يعتمد على مدى التفاهمات الإقليمية؛ ففي حال كان هناك تفاهم إقليمي واقعي، يمكن الضغط على الجماعات المسلحة في الداخل على الاستمرار الهدنة وبناء تسوية سياسية شاملة”.
يستطرد: “قد تستمر الهدنة، لكن المشكلة تمكن عند مناقشة القضية السياسية والعسكرية والأمنية في ظل تمسك أطراف النزاع بـ مشاريعهم، نتحدث عن الانتقالي الجنوبي الذي لا زال يسعى إلى إقامة دولته، و الحوثيون يتمسكون بالسلاح ويريدون أن يكونو دولة داخل الدولة لذلك الوضع معقد نوعًا ما”.
ويختم: “في حال تكاتفت الأطراف المحلية، ووجد هناك دعم دولي وإقليمي؛ فبالإمكان أن ترضخ الجماعات المسلحة في نهاية المطاف لتسوية سياسية شاملة وعادلة، تفضي إلى الحفاظ على الجغرافيا السياسية اليمنية، وإقامة نظام ديمقراطي عادل يشارك فيه الجميع”.
تجدر الإشارة إلى أن الهدنة الإنسانية المرتقبة سبقتها هدنة استمرت أكثر من 8 أشهر، لكنها لم تنعكس على حياة المواطنين، ولم تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية بمختلف المحافظات اليمنية، سواء الواقعة تحت الحكومة المعترف بها دوليًا، أو مناطق سيطرة مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي حين يتطلع اليمنيون إلى السلام، ثمة مخاوف بين أوساط المواطنين من أن الهدنة والتسوية وسيلة لتقاسم السلطة بين الأطراف المتنازعة؛ لاسيما أن رعاتهم الإقليميين والدوليين قد توصلوا إلى تسويات لخلافاتهم، وأنهم قد جمعوا ثروات ضخمة تكفيهم وتكفي عدة أجيال من أبنائهم وأحفادهم.
وعلى واقع التحركات الدبلوماسية المكثفة واقتراب موعد توقيع الأطراف المتنازعة في اليمن على هدنةٍ إنسانيةٍ ببنود موسعة، تبقى آمال اليمنيين معلقة بأن تساهم مخرجات الهدنة بتخفيف معاناتهم القاسية، وأن تكون مقدمة لتحقيق السلام وعودة الحياة الطبيعية كما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.