“في تلك الليلة، نمت كما لم أنم في عمري، استغرقت في نوم طويل، ربما بسبب المهدئات الكثيرة، أو ربما كنت أهرب من ثقل الليلة على قلبي، كأن الجاثوم يطبق على صدري لساعات طويلة، مع حلم مكرر لم يتوقف، إنه قد عاد إلى بيتي، وألغى فكرة زواجه الثاني، ولم يحتفل في هذه الليلة بعروسه الجديدة، لكن عندما استيقظت، كانت صور زفافه قد انتشرت عبر كافة صفحات أهله وأصدقائه، تؤكد أن كابوس الواقع قد بدأ ولن ينتهي قريبًا”.
هكذا تحدثت ، لمواطن سعاد (اسم مستعار)، لامرأة من الكويت، عن تجربتها مع الزواج عليها، لم تنجح المبررات الشرعية والاجتماعية، أو حتى الدوافع الكثيرة التي قالها الزوج في تهدئة نفسها المشتعلة بالغضب والحسرة، ربما على حبها الضائع، أو سنوات العمر التي قضتها مع رجل أنجبت له 4 أبناء، لكنه قرر بعد أن بلغت الأربعين من عمرها، هجرها والزواج من أخرى دون أي ذنب اقترفته، ليس لشيء سوى أن الشرع قد أباح.
نسب صادمة، حول التعدد في الخليج
تتصدر دول الخليج المنطقة العربية من حيث نسب تعدد الزوجات، وقد جاءت الكويت في مقدمتها مسجلة أعلى نسب تعدد الزوجات وفق تقرير“حالة الزواج في العالم العربي” الأخير، تليها قطر ثم البحرين، فيما لم يوفر التقرير بيانات حول بقية الدول، لكن إحصاءات أخرى تؤكد ارتفاع النسب بشكل كبير أيضًا في السعودية والإمارات وعمان.
هذه النسب المرتفعة لحالات تعدد الزوجات، تواجه حالة من الرفض المجتمعي غير المسبوق، خاصة مع ارتفاع نسب التعليم، وكذلك النهوض الثقافي والمجتمعي لدول الخليج، خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا الرفض لم يمنع تلك المعدلات من التصاعد.
لكن هاجس الزوجة الثانية لم يراوحها مطلقًا، كانت تعلم أن الزوج، سيخطو على طريق الأب والعم والخال، في زواجه بامرأة أخرى
وتعقب الناشطة الحقوقية الكويتية، سارة المكيمي لموطن إن أمر الإباحة في مسألة تعدد الزوجات قد ارتبط بالعديد من الشروط، ربما لم تعد موجودة في الكثير من الزيجات التي تحدث بنسب كبيرة في دول الخليج في الوقت الراهن، وتسبب قهرًا للنساء، لشعورهن بالعجز وقلة الحيلة، حيال أمر يتم تصديره باعتباره متوافقًا مع مبادئ الدين والشريعة.
بحسب المكيمي، فالمبرر الشرعي في عصور سالفة كان حل مشكلة اليتامى والأرامل في وقت عزت فيه الحلول الأخرى، لكن اليوم لدينا حلول أكثر منطقية وعدلاً من مسألة الزواج باليتيمات أو الأرامل، أبرزها الرعاية الحكومية في دولة تفرض المساواة بين مواطنيها، لذلك باتت الضرورة التشريعية لمسألة التعدد منتفية في الوقت الراهن.
لماذا علينا القبول بالعيش في الجحيم؟
تتساءل سلمى، وهو (اسم مستعار) لسيدة أربعينية سعودية، “لماذا علينا أن نعيش في الجحيم بقلب راض ونفس هادئة؟”. وتحكي أنها تزوجت في سن السابعة عشرة، قبل أن تكمل تعليمها، لم يسمح لها زوجها باستكمال التعليم أو الخروج للعمل، لذلك وجدت نفسها مضطرة للإنجاب وتربية الأبناء ورعاية شؤون الأسرة.
لكن هاجس الزوجة الثانية لم يراوحها مطلقًا، كانت تعلم أن الزوج، سيخطو على طريق الأب والعم والخال في زواجه بامرأة أخرى، وعلى الرغم من تعدد التجارب حولها، التي كان من الممكن أن تضفي على الأمر قدرًا من الاعتياد، إلا أنها لم ترض يومًا عن فكرة ارتباط زوجها بأخرى واعتبرته نوعًا من الخيانة والاحتقار وإذلال النفس.
ما كان يزيد الأمر صعوبة لدى سلمى الأم لسبعة أبناء، هو عدم تفهم أهلها لطبيعة مشاعرها الغاضبة تجاه قرار الزوج بالتعدد؛ فعندما وقع أمر الزواج وذهبت لبيت والدها غاضبة، اعتبر الأب الحزن نوعًا من الدلال غير المقبول، أما الأم فنصحتها بالرضا والقبول بشرع الله وعدم الاعتراض.
وعلى الرغم من مرور خمس سنوات، لم تنس سلمى ما حدث أبدًا، لم تستطع التجاوز والعيش برضا، ولم تنجح في تجاوز الغيرة والحزن في تلك الليالي التي تتقاسمها مع سيدة أخرى، ولا الرائحة التي تجدها دائمًا في ملابسه، لكنها اضطرت للعيش من أجل سبعة أبناء، ليس لهم مستقبل سوى العيش في كنف أبيهم، كما تقول، أو تفارقهم وتعيش في جحيم آخر “مطلقة” في بيت والدها.
دعوات لتعدد الزوجات، بعضها من نساء!
ربما إحدى الظواهر التي تحتاج للتوقف أمامها طويلًا لتناول أسبابها النفسية بشكل عميق، هي المطالبة من جانب بعض السيدات بالتعدد بين الحين والآخر، والدفاع عن الأمر.
وللهدف نفسه، دعا مؤسس موقع للتوفيق بين الزوجين السعودية، يدعى يوسف القعيط، السلطات السعودية بإصدار قانون يعاقــب الرجل، الذي يستطيع أن يعدد الزوجات وعنده قدرة مالية وجسدية، لكنه لا يعدد.
أما في الإمارات فقد دعت المرشحة للانتخابات عن الاتحاد الوطني عام 2019، خولة عبد العزيز راشد آل علي، إلى تعدد الزوجات، وطالبت مواطنيها بالزواج ثانية وثالثة ورابعة، ووضعت المقترح على رأس برنامجها الانتخابي معتبرة أنه حل مثالي لأزمة تأخر سن الزواج لدى النساء.
في الواقع نماذج المطالبة بالتعدد، تتكرر كثيرًا في المجتمعات العربية، على اختلاف ثقافتها ومدى تقبلها للأمر من عدمه، بعضها يحاول تصدير الأمر كحل لمشكلة، والبعض الآخر كواجب شرعي وديني، يجب تنفيذه.
ربما الزوجة الثانية، "تعاني أيضًا"
سميرة (اسم مستعار)، لامرأة من الإمارات وزوجة ثانية، تعمل مدرسة بإحدى الجامعات، وتبلغ من العمر الآن 45 عامًا، وتحكي أنها لم تتخيل يومًا أن تكون زوجة ثانية، لأنها كانت ضد فكرة التعدد برمتها، وتعتبرها امتهانًا لكرامة المرأة، لكن كل شيء تغير بعد تعرفها لزميل يعمل أستاذًا بالجامعة نفسها وبالقسم ذاته الذي تشرف عليه.
تبدو كافة الأطراف في دائرة "تعدد الزوجات". تعساء، زوجة أولى أو ثانية أو ثالثة، حتى الرجال يعاني بعضهم ضغوطًا نفسية بسبب التعدد؛ فهل تستحق التجربة كل هذه المعاناة؟
في تلك الفترة، كانت تعاني من تبعات مرض خطير ألمّ بها وكادت تفارق الحياة، وكان هو بجانبها طوال الوقت، وفي الوقت ذاته كان يعاني من تفاقم المشكلات الأسرية مع زوجته أم الأولاد الثلاثة، وسريعًا تطورت العلاقة بينهم لتجد نفسها قد تعلقت به ووقعت في حبه. حسبما قالت
لكنها فضلت الابتعاد عنه، وبالفعل طلبت نقلها لمدينة أخرى وابتعدت تمامًا، إلا أنها وبعد تكثيفه المحاولات للزواج منها، وافقت.
ربما كانت تحاول تجاوز الوضع النفسي والهروب من الوحدة، أملًا في حياة هادئة ومستقرة، لكنها لم تشعر يومًا أنها صاحبة الحق في زوجها، دائمًا كان وقته وأولوياته لأسرته الأولى، كان جزء من المشكلة شعوره برغبة في تعويضهم عن قرار الزواج، وجزء آخر أنها لم تتمكن من الإنجاب لظروف صحية، الأمر الذي جعلها تشعر دائمًا بأنها اختيار ثانوي في حياة الزوج.
تقول سميرة، إن قرارها كان خاطئًا وربما حدث نتيجة ظروف ودوافع نفسية عديدة، لكنها لم تشعر بالأمان؛ خاصة أن قلبها كان يحترق من الغيرة، وهي غير قادرة على الحياة إلى جوار الرجل الوحيد الذي أحبته، وعلى الرغم من أنها فكرت مرارًا بالانفصال، إلا أنها تراجعت عن الفكرة خوفًا من العيش وحيدة.
تبدو كافة الأطراف في دائرة “تعدد الزوجات”. تعساء، زوجة أولى أو ثانية أو ثالثة، حتى الرجال يعاني بعضهم ضغوطًا نفسية بسبب التعدد؛ فهل تستحق التجربة كل هذه المعاناة؟
ما الحل؟
الأمر يحتاج لوقت طويل، وأن يحدث التغيير بشكل تدريجي، خطوة تلو الأخرى، بمعنى أن يحدث تقنين للأمر في البداية، قد يصل لرفض مجتمعي وربما تجريم قانوني في المستقبل؛ خاصة في ضوء الضرر الواقع على الأبناء بسبب التعدد؛ الأمر الذي سيدفع أجيالاً قادمة للبعد عن هذا الأمر تمامًا. حسبما عقبت سارة المكيمي
تعتقد المكيمي، أن هناك ضرورة مُلحة لتقنين الوضع الحالي على الأقل، وعدم تركه للأهواء الشخصية، وأن يكون هناك قانون يوجب على الزوج إعلام الزوجة قبل الزواج، والحصول على موافقتها كشرط أساسي لحدوث الزواج، ويكون من حقها القبول أو الرفض أو الانفصال في وقتها.
وتضيف، إن ساعدت زوجة رجلا في تكوين حياته، وقدمت له كافة أشكال الدعم، ليس من العدل، تركها بمنتصف الطريق، والزواج من أخرى. وتستطرد حول فكرة العدل بين الزوجات قائلة “أن يكون وقتك ومشاعرك وكل أمر تفعله مقسومًا بالعدل بين الزوجتين، وهذا أمر صعب، إن لم يكن مستحيل التحقق”.
يمكن وصف التعدد بأنه أزمة اجتماعية وإنسانية ربما عصية عن الحل قريبًا، لأنها يتوفر لها غطاء شرعي وبعض المبررات الاجتماعية، لكن مع وقوع ضرر بين على الجميع في هذه الدائرة، وسن قوانين تدعم حقوق النساء في مختلف الدول العربية، ربما تتغير نظرة المجتمع؛ خاصة المجتمع الخليجي حول هذا الأمر، وربما يحدث حالة نفور نفسي لدى أجيال قادمة من الفكرة ويفضلون الابتعاد عنها مثل العديد من العادات القديمة التي تم التخلي عنها مع الزمن.