“لقد حان الوقت لإنهاء دعم الوقود الأحفوري، ووقف توسيع استكشاف النفط والغاز؛ فنحن في سباق مع الزمن، وإدماننا على الوقود الأحفوري يقتلنا”.
بهذه الجملة طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قادة العالم بضرورة التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، واستبداله بمصادر الطاقة المتجددة، باعتباره البديل الآمن والأكثر صداقة للبيئة، حفاظًا على مستقبل الأجيال المقبلة.
تعد دول الخليج من أكبر موردي الوقود الأحفوري حول العالم، وسُجلت دوله من أعلى مصدري الانبعاثات الكربونية عالميًا، وقد كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة الطاقة يوليو الماضي، أن الدول العربية تضم 66 قنبلة كربون من أصل 195 قنبلة تتواجد حول العالم، نصيب دول الخليج منها 60 قنبلة، بانبعاثات إجمالية تقدر بـ 221 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
قنابل الكربون مصطلح جرى استخدامه على نطاق واسع في دوائر المناخ خلال السنوات الماضية، لوصف مشروعات الوقود الأحفوري الكبيرة التي تضخ ما لا يقل عن مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار حياتها.
وهناك علاقة وطيدة بين الوقود الأحفوري (الفحم – النفط – الغاز) وأزمة المناخ التي نعاني منها حاليًا؛ فهو المساهم الأكبر في هذه الظاهرة؛ إذ يشارك بأكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا، وحوالي 90% من جميع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، وجميعها تحبس حرارة الشمس التي تصل للأرض، فترتفع متوسطات درجات الحرارة عالميًا، فيما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تُسبب تغيرًا في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد، ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة على كوكب الأرض.
السعودية الثانية عالميًا، وقطر الرابعة
وفقا للدراسة التي حددت حجم وعدد قنابل الكربون في العالم العربي؛ فإن 6 دول خليجية بها 60 قنبلة كربون، في مقدمتها السعودية، والتي تحتل المركز الثاني عالميًا برصيد 24 قنبلة، بانبعاثات إجمالية حوالي 108 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون، ثم قطر بـ 13 قنبلة، تليها العراق بـ 11 قنبلة، والإمارات 7 قنابل، والكويت 4 قنابل، وفي المرتبة الأخيرة تأتي البحرين برصيد قنبلة واحدة، بانبعاثات تقدر بـ 1.4 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
يقول كيل كوين، باحث بجامعة ليدز في المملكة المتحدة، والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد قنابل الكربون التي تحويها، وتأتي قطر والعراق في المركزين الرابع والخامس على مستوى العالم، وهو ما يشير إلى حجم الانبعاثات الكربونية التي تتسبب فيها صناعة الوقود الأحفوري بدول الخليج.
قطر والكويت لا تتوقفان
يضيف “كيل” لـ مواطن، أن بعض دول الخليج تحاول غسل سمعتها البيئية عبر التصريح بأنها تقلل حجم الانبعاثات الكربونية، وتضع خططًا لتقليل الاعتماد على الاقتصاد النفطي، بينما لا ينعكس الأمر على سياساتها فى أرض الواقع؛ فهذه الدول تضخ استثمارات جديدة في قطاعات النفط والغاز الأحفوري.
حقول الغازات الشمالية في قطر صُنفت كأكبر قنبلة كربون جديدة على مستوى العالم، في الوقت الذي تخطت فيه قنابل الكربون الحديثة فيها نصف عددها الإجمالي، وبلغ إجمالي انبعاثات القنابل الحديثة 80% من إجمالي انبعاثات الكربون داخلها، وفقا لـ كيل.
كما يؤكد المؤلف الرئيسي للدراسة، أن نصف قنابل الكربون الموجودة في الكويت هي مشروعات حديثة أيضًا، وقنبلة الكربون الموجودة في البحرين هي الأخرى مشروع مستحدث، بينما تبلغ قنابل الكربون الحديثة في السعودية ربع العدد الإجمالي لقنابل الكربون داخلها.
ويشير الباحث في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، إلى أنه يجب إيقاف 40% من مشروعات الوقود الأحفوري التي لم تبدأ في ضخ إنتاجها في السوق العالمي بعد، مؤكدًا أن استمرار استهلاك الوقود الأحفوري سيدفع الحضارة الإنسانية إلى الهاوية، وينبغي على الدول المنتجة للوقود الأحفوري أن تضع في اعتباراتها الخسائر الكبيرة التي يتكبدها البشر حول العالم جراء استمرار الاستثمار في هذه الصناعة.
درجة حرارة الشرق الأوسط ترتفع ضعف المعدل العالمي
وبسبب حجم الانبعاثات الكربونية في الشرق الأوسط يُعاني سكانه من أزمة المناخ أكثر من غيرهم حول العالم؛ حيث يرتفع متوسط درجة الحرارة بها بمقدار يفوق ضعف المعدل العالمي، وفقًا لدراسة بحثية صادرة عن معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهد قبرص سبتمبر الماضي، وهو ما يعرض أكثر من 400 مليون شخص لكوارث مناخية عدة؛ مثل تزايد معدلات الجفاف وتهديد الأمن الغذائي وانتشار الفيضانات والحرائق، وارتفاع نسب الوفيات جراء ارتفاع درجات الحرارة، علاوة على خطر غرق بعض مدنها.
وبينت الدراسة زيادة متوسطة قدرها 0.45 درجة مئوية لكل عقد في منطقة الشرق الأوسط والحوض الشرقي للبحر المتوسط، بناءً على بيانات جُمعت بين عامي 1981 و2019، بينما بلغ متوسط الزيادة العالمية 0.27 درجة لكل عقد، وتوقعت الدراسة ارتفاع متوسط حرارة المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، ما لم يجر تغيير جذري، وهو ما يتجاوز العتبات الحرجة للتكيف البشري، وسيواجه سكان المنطقة تحديات صحية ومعيشية كبيرة.
مناخ الخليج الأكثر حساسية لارتفاع الحرارة
وعن المخاطر المباشرة لأزمة الاحتباس الحراري على الشعوب العربية، يقول أحمد عادل (اسم مستعار)، طالب دكتوراه في مركز بحثي بيئي في جامعة بريطانية، قطري الجنسية، إن جغرافيا دول الخليج العربي جعلها مشمولة في مخاطر التغير المناخي، وتعتبر شديدة الحساسية أكثر من غيرها، نظرًا لطبيعة مناخها الصحراوي القاري الذي يتميز بالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وتتفاقم الأزمة خلال الصيف جراء الارتفاع المبالغ به في درجات الحرارة، وبالتالي فإن أجهزة التبريد على سبيل المثال، ستبدأ في فقد جدواها وكفاءتها تدريجيًا، وقس على ذلك ارتفاع منسوب مياه البحر بالنسبة للدول التي تضع منشآت صناعية على خطها الساحلي، أو يقطن معظم سكانها قرب البحر.
وأضاف عادل لـ مواطن، أنه حال استمرار ارتفاع متوسطات درجات الحرارة عالميًا؛ فإنه لا يمكن تفادي مخاطرها أو تجنبها أو منعها؛ فكثير من المنشآت الصناعية تقع على الخط الساحلي لدول الخليج وتُشكل مصدر دخل قومي، وهو ما يؤثر على النمو الاقتصادي، مصحوبًا بنقص المنتجات التي تنتجها هذه المنشآت، علاوة على مصاحبتها لمجموعة من إجراءات التكيف تتناسب مع حجم الخطر.
وأشار إلى أن للتغيرات المناخية فاتورة اقتصادية كبيرة على دول الخليج، ممثلة في حجم الإنفاق لتجهيز البنية التحتية اللازمة كي تتناسب مع ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب المياه، ما سيؤثر بدوره على البعدين الاجتماعي والنفسي للمواطنين، باعتبارهما امتدادًا للواقع الاقتصادي الذي تعيشه معظم دول الخليج.
فاتورة اقتصادية وصحية واجتماعية كبيرة
من جانبها تقول فاطمة ياسين، طالبة دكتوراة في المواد الحيوية والبوليمرات من الجامعة اللبنانية، إن ظاهرة الاحتباس الحراري لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على كل شيء في حياتنا؛ الملبس والمأكل والمسكن، موضحة أنها تهدد الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط بسبب تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، جراء ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وتذبذب معدلات سقوط الأمطار، وبالتالي تتصحر الأراضي وتقلّ المساحات المزروعة بالمحاصيل التي توفّر الأمن الغذائي للشعوب؛ خاصة الزراعات المعتمدة على الأمطار وشبه الجافة، علاوة على نقص المياه العذبة الصالحة للشرب نتيجة تبخر المياه السطحية العذبة الموجودة على كوكب الأرض.
تضيف “ياسين” لـ مواطن، أن سكان المنطقة لا يدركون بشكل مباشر الأخطار المتعددة للتغيرات المناخية وتأثيرها على حياتهم بعكس الكوارث الطبيعية، موضحا أن نقص معدل تساقط الأمطار يتسبب في حدوث جفاف ومجاعات، بينما تتسبب زيادته في حدوث فيضانات تأكل الأخضر واليابس.
وتشير إلى أن دول الخليج باتت تتعرض مؤخرًا لعواصف ترابية ورعدية مصحوبة بفيضانات غزيرة؛ علاوة على تكرار حدوث الأعاصير المدارية، وهو ما يتسبب في خسائر بشرية ومادية واقتصادية كبيرة، ما يُلقي بظلاله السلبية على الشعوب والحكومات على حد سواء، موضحة أن الأمور تتفاقم في ظل تحذيرات من تجاوز درجات الحرارة في بعض دول الخليج حاجز 60 درجة مئوية، بحلول منتصف القرن الجاري.
تحاول بعض دول الخليج غسل سمعتها البيئية عبر التصريح بأنها تقلل حجم الانبعاثات الكربونية، وتضع خططًا لتقليل الاعتماد على الاقتصاد النفطي، بينما لا ينعكس الأمر على سياساتها فى أرض الواقع
وكشفت دراسة بحثية نُشرت في مجلة MBIO عام 2019، أن ارتفاع درجات الحرارة يضر بصحة الإنسان، وبعيدًا عن التأثير المباشر مثل الإصابة بالنوبات القلبية أو ضربات الشمس أو ارتفاع ضغط الدم، هناك تأثير غير مباشر؛ إذ تعتمد الثدييات في دفاعها ضد العوامل الممرضة على درجة حرارة الجسم المرتفعة التي تزيد عن درجة الحرارة المحيطة بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان. وفي العادة، لا تتحمل العوامل المُمرضة أجسام الثدييات الدافئة، التي تبلغ 37 درجة مئوية، لكن ارتفاع درجات الحرارة تدريجيًا يمنح العوامل الممرضة فرصًا إضافية للتأقلم والتغلب على درجة الحرارة المرتفعة داخل جسم الإنسان.
شعب وحكومة وشركات.. مسؤولية مشتركة
وعن الدور الذي يمكن أن يُساهم به سكان الخليج للتعامل مع أزمة المناخ، يقول عادل، إن المزارعين ورواد البيئية يلعبون دورًا أساسيًا للتكيف مع التغيرات المناخية، والحلول القائمة على الطبيعة حسب المنطقة الجغرافية هي الحل الأمثل للتعامل مع التغير المناخي، وفيما يتعلق بوقف الانبعاثات الكربونية يرى عادل أنه ينبغي على أصحاب المشاريع تبني إطارًا يهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني، كما فعلت قطر في ملف استضافة كأس العالم 2022؛ فبقدر ما كانت هناك انبعاثات كان هناك برامج تعويضية.
وعن الدور المنوط على الحكومات أو شركات النفط للحد من الانبعاثات الكربونية، يضيف عادل لـ مواطن، إنه يتوجب على الحكومات وضع تشريعات بيئية تنظم انبعاثات الغازات الدفيئة، وتنفيذ سياسات تضمن الحد من الانبعاثات الكربونية في جميع القطاعات. وبالنسبة لشركات النفط، فإن المسؤولية التاريخية تختلف وتحتكم لنظام عالمي، ومع تطبيق مبدأ المسؤولية المشتركة، ولكن المتباينة (CBDR)؛ فمن الضروري أن يكون لشركات النفط الكبرى والقديمة دور في تولي المسؤولية؛ بينما الشركات النفط الجديدة يجب أن تكون أكثر وعيًا من سابقيها.
من جانبه يرى خالد سليمان، الخبير البيئي العراقي، أنه من الصعب في الوقت الحالي وفي ظل الغزو الروسي لأوكرانيا، الحديث عن التخلي عن الوقود الإحفوري والتوجه نحو الطاقة المتجددة؛ فالاقتصاد العالمي والصناعات والأنماط البشرية في استهلاك الطاقة بحاجة إلى مزيد من مصادر الطاقة الأحفورية، وبناء عليه يصعب التفكير في استغناء الشركات النفطية العالمية والوطنية في الشرق الأوسط، تحديدًا في دول الخليج الغنية بالنفط، عن الإنتاج والتوجه إلى الطاقة النظيفة.
الحل الوحيد هو الوصول لصفر كربون خلال فترة لا تتجاوز سنة 2050
وأضاف سليمان لـ مواطن، أن الحل الوحيد هو الوصول لصفر كربون خلال فترة لا تتجاوز سنة 2050، لأن الكمية الهائلة من الكربون في الغلاف الجوي ترفع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، حتى ولو بدأ العالم بتصفير الكربون من اليوم، مشيرًا إلى أنه ليس هناك خطة واضحة لمساهمة الشركات النفطية لإيجاد حلول مناخية، هناك لوبي إعلامي بهذا الخصوص فقط.
وأشار الخبير العراقي إلى أن المسألة لا تتعلق بمساهمة دول الخليج في خفض الكربون فقط؛ بل تحتاج إلى قرار عالمي يلزم كل الدول الصناعية والمساهمة الرئيسية في الانبعاثات الحرارية، بالالتزام بمبادئ اتفاقية باريس عام 2015، ووضع سقف زمني للوصول إلى اتفاقية عالمية بخصوص تصفير الكربون.
إدمان الوقود الأحفوري يقتل الكوكب
من جانبه طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قادة الدول باتخاذ قرارات وجهود عاجلة للتخلص من استخدام الفحم بشكل نهائي، والتوقف عن توسيع نطاق استكشاف النفط والغاز، وذلك من أجل الحفاظ على متوسط ارتفاع درجة حرارة عند 1.5 درجة مئوية، مقارنة بما كانت عليه قبل عصر الثورة الصناعية.
وقال غوتيريتش: نحتاج إلى التوقف عن قتل كوكبنا ، وقتل بعضنا بعضًا، وقتل فرص البلدان في التعافي، دعونا نتحد خلف التي يمكن أن تحول عالمنا إلى الأفضل حفاظًا على السلام العالمي، مطالبًا بالانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة ودعم الاقتصاديات والوظائف الخضراء، والبعد تمامًا عن الوقود الأحفوري، معتبرًا أن الإدمان على الوقود الأحفوري هو تدمير بطئ للحياة والكوكب.
Thanks for sharing. I read many of your blog posts, cool, your blog is very good.