لفتت استضافة قطر لكأس العالم انتباه الجميع إلى الأهمية الكبرى التي تمثلها كرة القدم، والقدرة التي تملكها على تغيير الصورة الذهنية عند أعداد كبيرة من البشر، وإعادة تشكيلها لتكون وفق ما تريد. تلك الحقيقة لم تكن جديدة على الدول الخليجية، وهو ما ترجمته في صورة استثمارات هائلة في مجال كرة القدم، ومنها استحواذات على أكبر الأندية الأوروبية، ومحاولات مستمرة للاستحواذ على العديد من الأندية العالمية.
تتعاظم طموحات الدول الخليجية الاستثمارية بقدر تعاظم فوائض النفط، وتسعى لاقتناص الفرص الاستثمارية المميزة في أرجاء العالم ، رغبة في تنويع موارد الدخل واستعدادًا لمرحلة ما بعد النفط، مدعومين بالانتعاشة الراهنة لاقتصاداتهم التي تسير في مسار معاكس لمعظم اقتصادات الدول الكبرى التي تعاني من أزمات اقتصادية ضاغطة. وبالطبع فإن الاستثمار في لعبة الأضواء الكبرى يُشكّل أغراءً لا يُضاهى؛ فهي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والجنون بها في تعاظم من جيل لجيل.
كيف تحولت كرة القدم إلى صناعة؟
قديمًا، كانت تتألف إدارة أندية كرة القدم من مجموعة من أعضاء النادي المتفرغين، وعادة ما يكونون من أبناء المدينة التي يتبع لها النادي، وكان الهيكل الإداري للأندية أقرب في تكوينه وبنيته لمؤسسة اجتماعية وليست تجارية، ولم تكن إدارة النادي تحظى بأي مصالح مادية من نشاطها، إلى أن تحول النشاط الإداري من نشاط اجتماعي غير نفعي، إلى إمكانية الاستثمار نظرًا للإمكانيات الدعائية وحقوق الرعاية التي تستهدف شعبية الأندية، فأصبح امتلاك ناد أو جزء منه ممكنًا.
تطور الأمر بعد ذلك في أندية كرة القدم إلى مرحلة أخرى، وأصبح النادي بمثابة شركة مساهمة يجري طرح أسهمها في بورصة الأوراق المالية، وكان “نادي توتنهام” الإنجليزي أول نادٍ يتم تداول أسهمه في البورصة عام 1983، وتبعه بعد ذلك نادي مانشستر يونايتد عام 1991. وقبل انتهاء القرن العشرين كانت كرة القدم قد شهدت عملية تنمية اقتصادية واسعة اتجهت معها بقوة إلى عصر الاحتراف، وتحولت اللعبة من رياضة عادية إلى صناعة اقتصادية، وتعاظمت مكانة رياضة كرة القدم على المستوى العالمي، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، نظرًا لارتباطها واندماجها مع بقية الانشطة الاقتصادية بطريقة مباشرة وغير مباشرة؛ حيث نجد الشركات والعلامات التجارية الضخمة ترعى مسابقات وبطولات اللعبة، كما ترعى الأندية وتُدر عليها عقودًا مالية ضخمة. كما أن تطور البث التلفزيوني ساهم في زيادة شعبية اللعبة ووصولها إلى مليارات الناس حول العالم، وهو ما زاد من قيمة تأثيرها، وأضاف لأهميتها أبعادًا أخرى، وجعلها في مرتبة متقدمة من مراتب التأثير المعنوي العابر للحدود. ومن هنا ظهر إمكانية استخدامها كأداة للقوة الناعمة.
تمتلك الإمارات مجموعة "سيتي جروب" التي تستحوذ على 13 نادي كرة قدم في 5 قارات حول العالم.
وتحولت الأندية إلى الشركات وعلامات تجارية يشتعل التنافس فيما بينها؛ ليس فقط على المستوى الفني داخل الملعب أو المستوى الرياضي من خلال التسابق على البطولات والألقاب، وإنما على المستوى الاقتصادي؛ حيث تتنافس في الحصول على أكبر عوائد مالية ممكنة. وفي ظل هذا التنافس ظهرت الحاجة إلى مستثمر/ مالك للنادي على استعداد للاستثمار وضخ الأموال فيه، وتوقع ربح مادي تحققه تلك الاستثمارات، عن طريق اجتذاب أفضل اللاعبين وتهيئة البنية التحتية اللازمة للنادي لتحقيق بطولات تُدر عليه مدخولات مالية عالية بشكل مباشر وغير مباشر.
فائض النفط الخليجي ينتقل إلى لعبة الأضواء الكبرى
في الوقت الذي ازدادت فيه فوائض الثروة المالية الناتجة عن صادرات النفط، وأدت إلى بناء احتياطيات ضخمة في صناديق الثروة السيادية لدول الخليج، بدأ الاهتمام الخليجي بالاستثمار في صناعة ترفيهية مربحة ودائمة ككرة القدم. وكانت سنوات الأزمة المالية العالمية في العام 2008 هي الفرصة المناسبة لتنتقل فيها دول الخليج من اتفاقات الرعاية التجارية إلى الاستحواذ المباشر على الأندية الأوروبية التي عانت من الأزمة، وكانت تبحث عن مستثمرين قادرين على ضخ أموال طازجة تساعد الأندية وصناعة الترفيه الكروي الخروج من الأزمة.
كانت البداية لدولة الإمارات في عام 2008 عبر صندوقها السيادي من خلال الاستحواذ على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي ليكون نواة لمجموعة “سيتي جروب” التي ستتوسع بعد ذلك فتستحوذ على 13 ناديًا، وبعد الإمارات بعامين استحوذ الصندوق السيادي القطري على نادي العاصمة الفرنسية “باريس سان جرمان”، وتوالت الصفقات صولًا إلى آخر صفقة استحواذ كبرى للدول الخليجية في ميادين الكرة الأوروبية، والتي قام بها “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي بالاستحواذ على نادي “نيوكاسل الإنجليزي” في أكتوبر عام 2021. وطوال تلك الفترة كانت هناك محاولات عديدة للاستحواذ على العديد من الأندية الأوروبية من قبل صناديق الثروة الخليجي.
الإمارات: التوسع والانتشار جغرافيًا باستخدام كرة القدم
تمتلك الإمارات مجموعة “سيتي جروب” التي تستحوذ على 13 نادي كرة قدم في 5 قارات حول العالم. وأشهر هذه الأندية نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، وتؤول ملكيتها إلى صندوق الثروة السيادي التابع لدولة الإمارات “مبادلة للاستثمار”، الذي يديره الشيخ “منصور بن زايد آل نهيان” نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير ديوان الرئاسة، وشقيق رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد. وتصل قيمة الأصول التي يمتلكها الصندوق إلى 243 مليار دولار، ويُعد من أكبر الصناديق السيادية في العالم. وبالإضافة لمانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي الممتاز تمتلك المجموعة أندية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وملبورن سيتي في استراليا، ومجموعة من الأندية في إسبانيا والصين واليابان والهند وأوروغواي وبوليفيا وبلجيكا.
الصحفي والمحلل في الجوانب المالية والاقتصادية لرياضة كرة القدم في “اقتصاد الشرق” عبد الرحمن الشويخ في حواره مع “مواطن“، يقول: إن: “سبب توسع “السيتي جروب” جغرافيًا يعود إلى رغبة المجموعة في تنمية وتوسيع علاماتها التجارية حول العالم، وهو ما يدفعها لزيادة استثماراتها بشراء مزيد من الأندية في مختلف القارات، من أجل تثبيت دعائمها كقوة ناعمة مؤثرة في صناعة الرياضة حول العالم، وهو الاتجاه نفس الذي بدأ يسلكه “جهاز قطر للاستثمار” في الوقت الحالي، لأن الانتشار وتنمية العلامة التجارية يعني المزيد من الشعبية وتعزيز التواجد عالميًا”. وتصل قيمة الأصول المالية للنشاطات الرياضية التي تديرها المجموعة قرابة خمسة مليارات دولار، وأضخم هذه الأندية هو نادي مدينة مانشستر الإنجليزية، التي تتخطى قيمته 4 مليارات دولار.
استحوذ الصندوق الإماراتي بقيادة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان على نادي مانشستر سيتي في أعقاب الازمة الاقتصادية عام 2008 مقابل 150 مليون يورو؛ حيث انتشل النادي الإنجليزي من الانهيار المالي الذي كان يعانيه، وحقق بذلك الشيخ منصور طموحه الشخصي بأن يتملك نادي كرة قدم عالميًا. وعلى الرغم من أن النادي تأسس منذ عام 1880، إلا أن نجاح النادي ومكانته العالمية الحالية في كرة القدم، لم تتحقق إلا منذ اللحظة التي استحواذ اللاعب الاستثماري الإماراتي عليه.
قطر: الاستثمار الرياضي كوسيلة لحماية الأمن القومي
أولى محاولات الاستحواذ القطرية على الأندية الأوروبية كانت للشيخ عبد الله بن ناصر الأحمد آل خليفة، عندما استحوذ على نادي “ملقا” الإسباني عام 2010، بقيمة تصل إلى 25 مليون يورو بعد مشاكل مالية كان يعاني منها النادي وتسببت في اقترابه من الإفلاس. واستطاع الشيخ عبد الله أن يستعيد استثماره بعد موسمين فقط، وهو ما فتح شهية الدولة القطرية للاستثمار في الأندية الأوروبية بالتوازي مع الاستثمارات الرياضية الضخمة التي كانت تضخها في التجهيزات لاستضافة بطولة كأس العالم 2022.
وبعدها أتى استثمار قطر الأشهر في الأندية الأوروبية، عندما استحوذت مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية، التابعة للصندوق السيادي على 70% من أسهم نادي “باريس سان جيرمان” الفرنسي عام 2011، وبعد عام اشترت المؤسسة التي يملكها رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي النسبة المتبقية، لتكون المالك الوحيد للنادي بقيمة استحواذ بلغت نحو 100 مليون يورو، وهي أقل من نصف المبلغ الذي سيدفعه النادي بعد ذلك في التعاقد مع اللاعب البرازيلي نيمار، في صفقة هي الأكبر في تاريخ كرة القدم، حيث كلفت خزائن النادي 222 مليون يورو. وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن أنفقت مؤسسة قطر للاستثمار أكثر من 4 مليار دولار في التعاقد مع العديد من اللاعبين المُميزين.
يرى “عبد الرحمن الشويخ” في حديثه مع مواطن أن الاستثمار في الرياضة هو استثمار طويل الأجل، وينبغي عدم التسرع في تقييمه والحكم عليه، ويقول: “تحتاج نتائج الاستثمار الرياضي لسنوات طويلة للظهور وحتى يمكن الحكم عليه، والنادي الفرنسي رغم وجود عجز في ميزانيته يصل إلى 370 مليون يورو، لكنه بين أكبر 5 أندية تحقيقًا للعوائد. وإدارة “باريس سان جيرمان” تركز بشكل أكبر على استقطاب أكبر النجوم، وهو ما يكلف النادي رواتب كبيرة جدًا، لكن ذلك رفع القيمة السوقية للنادي بشكل كبير، والتأثير السلبي يأتي من ضعف الإيرادات في الدوري الفرنسي، ويضع باريس سان جيرمان تحت ضغط أنه لابد من ضبط أموره المالية مستقبلًا حتى يستطيع الوصول للهدف المطلوب بتحقيق عوائد مالية تفوق مصروفاته”.
وعلى العكس من الإمارات أو السعودية اللذين يبحثون عن استثمار ثرواتهم في الرياضة واستغلال القوة الناعمة لكرة القدم، فإن قطر لا تبحث عن هذا فقط، وإنما ترى الاستثمار في الرياضة أداة دفاع؛ حيث أن شعبية اللعبة العالمية تحقق لها الحماية وتضمن لها الحفاظ على أمنها القومي ضد أي عداء محتمل من جيرانها، ومازالت التجربة المريرة عند حصار جيرانها من الدول الخليجية لها في 2017 حاضرة في وجدانها، وقد ساعدها حينها امتلاك استثمارات رياضية عالمية واسعة، من خلال امتلاك نادي العاصمة الفرنسية وشبكة “بي إن سبورت” الرياضية، والرعاية التجارية لدى “طيران قطر” مع أكبر الأندية الأوروبية وكونها البلد المنظم لكأس العالم، في المناورة وكسب جولات إعلامية، والحصول على دعم وتعاطف دولي على المستوى الدبلوماسي والشعبي. وبحسب مصادر “ذا أثليتك” فإن المقربين من الأسرة الحاكمة في قطر، يقولون انهم لا زالوا يخشون حدوث توغلات مستقبلية من قبل جيرانهم، وقد افترضوا أن إحدى الطرق لكسب المزيد من الدعم والنفوذ العالمي في حالة الخلافات الإقليمية هو زيادة استثمارات قطر في مجال الرياضة.
السعودية: تغيير صورة المملكة عبر كرة القدم
سعت المملكة العربية السعودية مؤخرًا إلى تعزيز استثماراتها في قطاع الرياضة داخل وخارج المملكة، كجزء من “رؤية 2030” التي تسعى إلى تنويع الايرادات الاقتصادية للدولة، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية. ولم تبدأ رحلة استحواذ السعودية على الأندية الأوروبية إلا في وقت متأخر، وكانت البداية في عام 2013، عندما اشترى الأمير السعودي “عبد الله بن مساعد” نصف حصص نادي “شيفيلد يونايتد” الإنجليزي الذي كان يعاني من الديون، وفي عام 2019 استطاع شراء الحصة الباقية من النادي، لتصبح ملكيته بالكامل سعودية. وفي عام 2019 قام “تركي آل الشيخ” بشراء نادي” ألميريا”، وهو أحد أندية دوري الدرجة الثانية الإسباني. ثم تحولت الاستثمارات السعودية في الأندية الأوروبية من الصفقات ذات الطابع الشخصي إلى الاستثمار الرياضي المباشر للصندوق السيادي السعودي، تحقيقًا لرؤية المملكة لعام 2030.
ولكن هذا الاستثمار تأخرت نسبيًا بسبب قضايا تجارية وحقوقية تتعلق باتهامات شبكة “بي إن سبورتس” القطرية للمملكة بالقرصنة المتعمدة بغية إلحاق الضرر بالشبكة وقت الحصار الخليجي لقطر، إضافة لاتهامات أخرى تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان. احتاجت المملكة إلى الدخول في معركة طويلة استمرت قرابة عامين قبل أن يتمكن “صندوق الاستثمارات العامة” الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي في أكتوبر عام 2021، بمبلغ يقدر بـ 370 مليون دولار، لتسير السعودية على خطى استثمارات الدول الخليجية في الأندية الأوروبية.
ويُعد الاستثمار في نادي “نيوكاسيل” تحديًا كبيرًا بالنسبة للصندوق السيادي السعودي؛ إذ يُعد النادي من أعرق الأندية العالمية وتأسس منذ 130 عامًا، ويُصنف ضمن أكبر الأندية ذات القاعدة الجماهيرية في إنجلترا، في مدينة يبلغ عدد سكانها 950 ألف نسمة، ويشجع معظمهم النادي، حيث يملؤون مقاعد ملعب الفريق الذي يتسع لأكثر من 50 ألف متفرج في كل مباريات الفريق المحلية تقريبًا.
دخلت المملكة في معركة طويلة استمرت قرابة عامين قبل أن تتمكن من الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي
ويبدو أن “صندوق الاستثمارات العامة” انجذب بشكل خاص إلى فكرة شراء نادٍ متعطش للنجاح، ولا يملك حجم الضغوط والتحديات المتواجدة في أندية عملاقة بحجم “مانشستر يونايتد” و “ليفربول”، ويمكنه الاستفادة من قاعدته الجماهيرية المتحمسة في تحقيق انطلاقة مدوية لا يعيقها عائق، وبحجم استثمارات منخفض نسبيًا؛ فالقيمة السوقية للنادي لا تتخطى الـ 10% من القيمة السوقية لتلك الأندية العملاقة.
ويقول “الشويخ” لمواطن “: “أنه قياسًا بما تم من إنفاق مالي من حيث سعر النادي وما تم من استثمار فيه، تبدو التجربة وهي في بدايتها الأفضل بين التجارب العربية؛ فحجم الاستثمار أتى سريعًا بالنتائج؛ فتأهل الفريق لدوري أبطال أوروبا سيكون علامة فارقة في التجربة، وسيفتح الباب أمام تدفقات مالية أكبر، وقد نرى نيوكاسل واحدًا من القوى العظمى في كرة القدم في العالم بغضون أقل من 5 سنوات”.
التنافس الخليجي يشعل العُشب الإنجليزي
كشف تقرير صحيفة “ذا أثليتك” أنه بمجرد قيام “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي بالإعلان عن الاستحواذ على نادي “نيوكاسل” الإنجليزي، تحرك مالكو نادي “مانشستر سيتي” الإماراتيين، وبعدها بأيام قليلة سارع صندوق أبو ظبي السيادي “مبادلة للاستثمار” الذي تقدر قيمة أصوله بنحو ربع تريليون دولار بتوقيع عقود رعاية جديدة مع “مانشستر سيتي” عبر الشركات المساهمة في الصندوق، ومنها شركة “الدار العقارية” و”أبو ظبي الوطنية للفنادق”، إلى جانب العديد من الشركات المملوكة لأبو ظبي، بهدف منح تدفقات مالية للـ “سيتي”، ليعزز من سلاحه المالي الذي مكنه من التفوق على منافسيه طوال السنوات الماضية، في مواجهة “نيوكاسل” الذي أصبح بعد توقيع هذه الصفقة يملك سلاحًا مُماثلاً، بتبعيته للصندوق السيادي السعودي، الذي ربما يمده بعقود رعاية تجارية من الشركات التابعة له إذا احتاج النادي.
ويمكن شرح طبيعة السلاح المالي الذي انفرد به مانشستر سيتي، دون غيره من الأندية على المستوى المحلي والأوروبي، عبر النظر إلى قانون “اللعب المالي النظيف” الذي بدأ العمل به بدايةً من عام 2012، ويجبر الأندية الأوروبية على ألا تتخطى إيراداتها مصروفاتها، ومن يخالف هذه القواعد يعاقبه الاتحاد الأوروبي بعقوبات تصل إلى المنع من المشاركة في المسابقات أو الحجب تمامًا. ولكن أبو ظبي امتلكت من الحيل ما مكنها من ضرب القانون عرض الحائط دون مخالفته، عبر قيام شركات يمتلكها صندوق “مبادلة للاستثمار”، بتوقيع عقود رعاية تجارية ضخمة تفوق القيمة السوقية الواقعية للنادي، وبالتالي تمنح الفريق إيرادات مالية ضخمة من أجل إنفاقها في التعاقد مع اللاعبين المُميزين ومنحهم أجورًا عالية، وتطوير بنية النادي دون الوقوع في مشكلة تخطي المصروفات حجم الإيرادات.
تقوم الأندية الأوروبية بحملات شرسة ضد الأندية المملوكة للدول الخليجية، وكان آخرها قيام أندية الدوري الإنجليزي الممتاز بتكوين تكتل لمحاصرة الناديين المملوكين للإمارات والسعودية، وصوت 18 ناديًا من أصل 20 لصالح قانون يحظر أي عقود رعاية تجارية مع الشركات التي لديها علاقات مباشرة مع النادي؛ سواء كانت هذه الشركة أو الكيان تابعين لنفس الهيئة التي تملك النادي، أو تعود ملكيتها إلى أفراد العائلة أو المقربين لمالك النادي، ويشمل الحظر إذا كانت الشركة من نفس جنسية الدولة التي تموله. صممت تلك اللوائح لمنع أندية “نيوكاسل” و”السيتي” من إبرام عقود رعاية مع شركات خليجية بتقييمات مبالغ فيها. صوت نيوكاسل ضد الحظر المؤقت وهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الدوري الإنجليزي الممتاز، فيما امتنع السيتي عن التصويت.
ويبدو أن تلك المحاولة لم تحقق النجاح الكامل، ويواجه مانشستر سيتي من قبل رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، اتهامات بخرق قواعد اللعب المالي النظيف؛ حيث أعلنت الرابطة مؤخرًا إحالة النادي إلى لجنة مستقلة، بسبب انتهاكات مزعومة لقواعده المالية، وفي حالة ثبوت إدانته، قد يواجه السيتي عقوبات تصل إلى الطرد من الدوري الإنجليزي الممتاز وهبوطه إلى الدرجة الدنيا.
كل هذا وتستعد قطر لدخول الدوري الإنجليزي الممتاز؛ إذ لم تكتف بحجم الثروة الضخمة التي أنفقتها في تنظيم كأس العالم 2022، ولم تتشبع من النجاح التي حققته خلال البطولة. وبحسب “ذا اثليتك” فإن أمير قطر “تميم بن حمد” أخبر “ناصر الخليفي” رئيس مجلس إدارة “جهاز قطر للاستثمارات الرياضية” أنه يرغب في وضع قدم في دوري كرة القدم الأكثر شعبية في العالم “البريميرليج”، على غرار ما يمتلكه جيرانه ومنافسوه الإقليميين في المنطقة. وفي فبراير الماضي تناولت شبكة “بي إن سبورت” القطرية أنباء قيام الشيخ جاسم بن حمد بن جاسم آل ثاني بتقديم عرض رسمي للاستحواذ الكامل على فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي.
ويخطط العرض الذي تصل قيمته لنحو خمسة مليارات جنيه إسترليني، إلى إعادةِ النادي لمجده السابق داخل وخارج الملعب. وبحسبِ البيان فسيكون العرض خاليًا من الديون؛ حيث سيسدد مديونية النادي كاملة، التي تصل إلى نصف مليار جنيه استرليني، بخلاف ضخ أكثر من مليار جنيه استرليني لتطوير ملعب أولد ترافورد والمركز التدريبي في النادي، بالإضافة إلى البنية التحتية، وترى مؤسسة جاسم بن حامد أن عرضها السخي يقوم على دعم تمـيز مانشستر يونايتد والنظر إليه كأعظم نادي لكرة القدم في العالم.
ترى قطر الاستثمار في الرياضة أداة دفاع؛ حيث أن شعبية اللعبة العالمية تحقق لها الحماية وتضمن لها الحفاظ على أمنها القومي ضد أي عداء محتمل من جيرانها
وبحسب الشويخ، فإن العرض القطري بعيد عن “جهاز قطر للاستثمار” الذي يمتلك نادي “باريس سان جرمان، لأن لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تمنع امتلاك كيان إداري واحد لأكثر من نادي، لذا ستؤول إدارة نادي مانشستر يونايتد إلى الشيخ جاسم بن حمد رئيس “مصرف قطر الإسلامي”. ويضيف الصحفي المتخصص في اقتصاديات كرة القدم، فإن هناك أنباء غير مؤكدة عن قيام مجموعة من رجال الأعمال السعوديون الذين لا ينتمون إلى الصندوق السيادي السعودي الذي يملك نيوكاسيل بتقديم عرض منافس للعرض القطري، بهدف الاستحواذ الكامل على نادي مدينة مانشستر.
أما رئيس القسم الرياضي في جريدة الدستور المصرية سعيد علي خلال حديثه مع مواطن يرى أن صفقة شراء قطر لمانشستر يونايتد ربما تكون الأكثر واقعية، وهي الصفقة التي يتوقع حدوثها. ويضيف: “أن الاستحواذ على نادي عريق مثل اليونايتد، كونه أكبر الأندية الإنجليزية وأكثر الأندية تحقيقًا للقب الدوري، بالإضافة إلى امتلاكه قاعدة جماهيرية ضخمة حول العالم، وتفوق إعلامي واقتصادي واضح، كل ذلك يُرضي طموحات قطر المُنتشية بنجاحها في تنظيم كأس العالم”. وعلى المستوى الرياضي والاقتصادي ستُعد هذه الصفقة مميزة، لأن النادي يمتلك أغلى علامة تجارية من بين أندية العالم، ولا يضاهيها إلا العلامة الخاصة بريال مدريد الإسباني، وهو ما يجعل قطر لا تحتاج إلى ضخ أموال هائلة في النادي لتنمية هذه العلامة. مثلما اضطرت الإمارات في السابق، وستضطر له السعودية في الوقت الحالي”.
مكاسب الاستثمار الكروي.. كيف تُحتسب الأهداف؟
هناك الكثير من الانتقادات التي توجه لدول الخليج حول الاستثمار في رياضة كرة القدم، والزعم بأن تلك الصفقات ما هي إلا هدر للأموال دون طائل، لكن تلك الدول تدرك أن الاستثمار في كرة القدم هو أداة من أدوات القوة الناعمة، وفرصة لامتلاك نفوذ عالمي يدعم مصالحها السياسية.
علينا ألا نغفل حقيقة اختلاف توجه الدول الخليجية عن غيرها من الدول، ومن الخطأ تقييم تجربة الاستثمار الكروي بالنظر إلى الأرباح المالية المباشرة فقط، لأن هذه الدول تحقق أرباحًا ومنافع أخرى بشكل غير مباشر، فمثلا؛ حجم الأموال التي استثمرها صندوق “مبادلة للاستثمار” الإماراتي والتي تقدر بحوالي أربعة مليارات دولار، لا تتخطى نسبة 2% من حجم أصول الصندوق التي تقدر بحوالي ربع تريليون دولار؛ فبالرغم من أن الصندوق يمتلك استثمارات ضخمة في العديد من دول العالم وفي قطاعات مختلفة، ويحقق من خلالها أرباحًا؛ فإن تلك الاستثمارات لا يعرف معظم الناس عنها شيئًا، ولكن مئات الملايين من مشجعين اللعبة حول العالم يعرفون أن الإمارات تمتلك هذا النادي أو ذاك، ويتغنى جماهير مانشستر سيتي الإنجليزية في المدرجات باسم الشيخ منصور المدير التنفيذي لصندوق الإمارات السيادي والأخ الأصغر لحاكم الدولة، كما أن عشرات الملايين من مشجعي النادي يرتدون تيشيرت الفريق الذي يحمل اسم وشعار شركة “الاتحاد للطيران” الإماراتية، وغيرها من الشركات الإماراتية التي تعقد شراكة تجارية مع النادي الإنجليزي وتستفيد منه في الترويج لعلامتها التجارية.
والأمر نفسه ينطبق على استثمارات الصندوق السيادي القطري في نادي “باريس”، وبالرغم من حجم الاستثمارات الضخمة أنفقت على النادي؛ فإن نسبتها لا تكاد تتخطى (1%) من حجم أصول الصندوق التي تقارب النصف تريليون دولار؛ حيث يستثمر الصندوق في قطاعات الطاقة والصحة والعقارات والأوراق المالية، في عشرات الدول حول العالم، ولكن القليل يعلم بها مقارنة بحجم الصخب الإعلامي الهائل المتعلق بامتلاكه لنادي العاصمة الفرنسية، وكوكبة النجوم أصحاب الشعبية الكبيرة عالميًا تلعب في الفريق، وأهمهم “ليونيل ميسي” اللاعب صاحب أكبر شعبية في العالم بجانب رونالدو، والذي يلعب للنادي الباريسي ويحمل على قميصه الذي يرتديه عشرات الملايين من محبيه حول العالم، اسم شركة “طيران قطر”.
وفوق كل ذلك لتلك الرياضة سحرها الخاص، ولا شيء أكثر إغراءً لمستثمر من الاستثمار في اللعبة التي لا يضاهي شعبيتها أي شيء آخر في العالم، رياضة الأصوات الصاخبة والأضواء اللامعة التي لا تهدأ ولا تخفت.
I am truly thankful to the owner of this web site who has shared this fantastic piece of writing at at this place.