بالرغم من المواقف المتطرفة في السياسة الخارجية السعودية التي لم تتوان فيها عن استخدام القوة العسكرية في مناسباتٍ مختلفة، تثق المملكة في قدرة قوتها الاقتصادية على تخطي آثار تقلبات السياسة الخارجية. وكأكبر وأغنى بلدٍ في المنطقة، منحت الثروات السعودية عاملًا مهمًا في مرونة التحولات السياسية السعودية وقدرتها على صناعة علاقات سياسية تلعب على نقائض المتغيرات وتحفظ لها ذات التأثير السياسي في محيطها الإقليمي والدولي.
في ضوء تبعات الحرب الروسية الأوكرانية والنزاع الصيني الأميركي، تسعى القوى العظمى مثل روسيا والصين لفرض معادلة عالمية جديدة للمشهد السياسي والاقتصادي في العالم خارج ما تسميه الهيمنة الأميركية. تضم إلى جانبها القوى الإقليمية المتضررة من السياسة الأميركية في المنطقة مثل إيران. في الداخل الأميركي يبدو المشهد أيضًا قد تحول لساحة الرهانات السياسية التي تعتمدها دول المنطقة الخليجية بالمشاركة في لعبة الفرقاء السياسيين في الولايات المتحدة.
هذه المتغيرات ألقت بظلالها أيضًا على إدارة المملكة العربية السعودية لملف سياستها الخارجية، في الوقت الذي تسعى فيه لإحداث نقلة اقتصادية في تنويع مواردها الاقتصادية وطي صفحة الاقتصاد الريعي. يصف هذه الإدارة السعودية لسياستها الخارجية، الكاتب المختص في شؤون الشرق الأوسط، كريستيان كوتس، على غرار خطواتها في تنويع اقتصادها بـ “تنويع دبلوماسيتها“.
منذ وصول الإدارة الأميركية الجديدة العام 2020، بدأت السعودية حل الملفات العالقة في إطارٍ إقليمي ودوليٍ بعيدًا عن الولايات المتحدة، بدءً بإنهاء الأزمة الخليجية مع قطر، وانتهاءً بالاتفاق على عودة العلاقات مع طهران برعاية صينية، والسعي في تسوية سريعة في اليمن.
الأكاديمية والمحللة السياسية الكويتية الدكتورة سلوى سعيد تقول في حديثها لـ”مواطن: “هناك تغير في المنظور السعودي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية نحو تدوير الزوايا وتصفير الأزمات، من أجل التركيز على تعظيم الدور السعودي واستغلال تعدد المحاور الذي دخل مرحلة جديدة بتراجع الدور الأمريكي في المنطقة لصالح الصين وروسيا”.
في اليمن.. لماذا تخسر السباق إذا أمكنك شراء الإسطبل!
للخروج بقراءةٍ أكثر شمولية للسياسة السعودية، نحتاج للعودة إلى الوراء في تعاملها مع مشاكل الجوار؛ ففي ستينات القرن الماضي، دعمت مصر الثوار الجمهوريين اليمنيين – الضباط الأحرار- في حربٍ مفتوحة ومباشرة، شارك فيها الجيش المصري طوال سبع سنوات ضد النظام الملكي الزيدي في اليمن. مولت السعودية الطرف الملكي وشاركت في دعمه عسكريًا، وحين خسرت الحرب، كانت الأموال السعودية قادرةً على شراء الطرف المنتصر الذي يواجهها في الخندق المقابل من المعركة.
استطاعت الأموال السعودية عبر ما سمي باللجنة الخاصة، التي كانت ولا زالت تدفع رواتب لمشايخ القبائل والسياسيين ورجال الدين اليمنيين أن تضمن تأثيرًا على صناعة القرار في الداخل اليمني. بعد خسارتها للحرب ضد المد الناصري في اليمن، اتبعت المملكة سياسة شراء الولاءات داخل البنى الاجتماعية اليمنية، بغض النظر عن الخلفيات السياسية والدينية لهذه الولاءات. ولضمان استحكام تأثيرها على المشهد السياسي في اليمن، دفعت السعودية رواتب مستمرة لشيوخ القبائل الداعمين للنظام الجمهوري، كما دفعت مخصصات لرؤوس المذهب الزيدي الداعمين للنظام الإمامي، واستمرت بعد ذلك طوال العهد الجمهوري في اليمن.
قليلة هي المصادر التي تتحدث عن وجود اللجنة الخاصة التي تمارس السعودية شبكة نفوذها في الداخل اليمني عبرها. يحيى السواري، باحث وصحفي يمني، أعدّ سلسلة وثائقية عن التاريخ السياسي الحديث لليمن على يوتيوب بعنوان “السفر عبر اليمن“، أثناء بحثي عن مصادر تتحدث عن اللجنة الخاصة ودورها، استعنت به، والذي أجابني ساخرًا: “اللجنة الخاصة في الساحة السياسية اليمنية شيء أشبه بالإله، لا نراها لكنها موجودة”.
يحيى السواري في حديثه لـ”مواطن” يحكي عن التحول الأول في السياسة السعودية تجاه اليمن الجمهوري وطريقة إدارة نفوذها، يقول: “في ثورة سبتمبر 1962 استقبلت الرياض مشايخ جمهوريين في السنة الثالثة للحرب، وبحسب المذكرات الشخصية لبعض المشايخ؛ فقد بدؤوا باستلام مخصصات شهرية سعودية منذ تلك الزيارة، برغم أنهم بقوا في الجانب الجمهوري”.
ويضيف: “رغم دعمها السخي والصريح للإماميين في حرب الستينات؛ إلا أنها أبدت استعدادها للتفاهم مع قيادات الجمهوريين؛ خصوصًا “مشايخ القبائل”، وهذا كان نقطة تحول في سياسة السعودية تجاه اليمن، في ثورة 1948 الدستورية تواصل الثوار بالديوان الملكي السعودي لطلب النجدة وإيقاف زحف القبائل على العاصمة صنعاء بقيادة نجل الإمام المقتول ووريث عرشه يحيى حميد الدين، وبخ السعوديون الثوار على قتلهم للإمام وأغلقوا قنوات التواصل”.
في وثيقة للمخابرات المركزية الأميركية (CIA) تحمل عنوان “شمال اليمن: علاقات مضطربة مع السعودية”، تعود للعام 1985، ورفعت السرية عنها في العام 2011. تصف الوثيقة القبائل اليمنية بـ “المتاحة” لمن يدفع أكثر، متحدثةً عن طريقة السعودية في إدارة نفوذها وملف سياستها الخارجية مع اليمن، الأموال.
تشير الوثيقة بأن السعودية تمارس نفوذها المباشر متجاوزة السلطات الرسمية عبر مشايخ القبائل اليمنية الذين تعتمد لهم مخصصات شهرية، ويحمل بعضهم الجنسيتين اليمنية والسعودية، ويلتقون مباشرة بمسؤولي وزارة الدفاع السعودية. وتقول: “يقدّر مسؤولو السفارة الأميركية في صنعاء، أن ما يزيد عن ألف شيخٍ قبلي على قائمة المعونات السعودية، بمخصصات شهرية تتراوح بين الـ 400 و الـ 1600 دولارٍ أميركي لصغار المشايخ، إلى 20 ألف دولارٍ أميركي لكبار المشايخ ومشايخ القبائل القوية”.
الأزمة التقليدية الجديدة
في تقاطعاتها مع الطموحات الإيرانية في المنطقة، استخدمت السعودية ورقة الحل العسكري لمواجهة الحوثيين في حدها الجنوبي في حربٍ هي الأكبر والأطول في التاريخ الحديث للمنطقة. ولدعم عودة الحكومة الشرعية بعد انقلاب الحوثيين سبتمبر 2014، تخوض السعودية حربًا منذ ثماني سنوات لم تستطع فيها تحرير العاصمة صنعاء من الحوثيين، وإعادة الحكومة الشرعية أو تحقيق أهداف حملتها العسكرية؛ بل وخرج الحوثيون منها أكثر قوة. فيما بقيت السعودية عالقةً في حرب استنزاف وصلت لاستهداف مصالحها الاقتصادية في الداخل السعودي، لكن السعودية تمتلك الحل دائمًا.
مطلع العام 2022، استطاعت الجهود الأممية التوصل لهدنةٍ بين أطراف الصراع الأهلي في اليمن، وفشلت في تمديدها لاحقًا، لكن بقيت الساحة العسكرية خاضعةً لها إلى حدٍ كبير دون وجود هدنةٍ رسمية، في وقت تسعى فيه السعودية لطي صفحة الحرب في اليمن والتوصل لصيغة حلٍ سياسي تحفظ لها دورها في اليمن.
في العام 2019، تحدث السفير الأميركي الأسبق في اليمن، جيرالد فايرستاين، لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، بأن الحل في اليمن يكمن في شراء الحوثيين من قبل السعودية، قائلًا: “كان رأيي دائمًا أن الحوثيين ليسوا أغبياء؛ فهم يعرفون من هي الدولة التي تقع على حدودهم. هم يعرفون أن إيران بعيدة وغير قادرة على فعل الكثير من أجلهم. لطالما كنت أعتقد أن الحوثيين سيتخلون عن علاقتهم بإيران ويتفقون مع السعوديين في ظل الظروف المناسبة.
وأضاف بأن اجتماعاته بالحوثيين في صنعاء حين كان سفيرًا لم تكن ذات نتيجة، لكنهم كانوا دومًا يسألون عن السفير السعودي.
فجأةً ودون مقدمات سوى بعض التسريبات عن وجود محادثات جانبية متجاوزة للحكومة الشرعية بين الحوثيين والسعودية، اعتاد الطرفان عقدها في فترات مختلفة طوال الحرب، صرح نائب وزير خارجية الحوثيين بأن الحرب قد انتهت: “كل رفاق السلاح هنا مقاتلون استثنائيون.. وفيما وراء الحد أباطرة حرب ومقاتلون أشداء، لقد جربنا معًا حومات الوغى، وبقي أن نجرب معًا السلام وحسن الجوار”.
رئيس المجلس السياسي لحركة الحوثيين المنشق، صالح هبرة، والمقيم في معقل الحوثيين، محافظة صعدة، صرح على صفحته في فيسبوك عن انتهاء الحرب ووصول مساعداتٍ سعودية قدمتها للحوثيين طوال الشهرين الماضيين. حسب هبرة، رفعت السعودية الحصار عن ميناء الحديدة، وقدمت سفنًا مختلفة من البضائع والوقود المجانية للحوثيين، بالإضافة لوعودٍ بإقامة مشاريع مختلفة في مناطق الحوثيين، أحدها تطوير مطار صعدة. وبالتأكيد الكلفة أكبر من ذلك.
وجهت في “مواطن” بعض الأسئلة للباحثة اليمنية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ميساء شجاع الدين، حول التسويات السعودية مع الحوثيين والمتجاهلة للوضع الداخلي اليمني، تتحدث ميساء عن القرار السعودي وراء هذه التسوية: “قررت السعودية تأمين حدودها، بغض النظر عن تداعيات التسوية المستعجلة، المقتصرة بالتعامل مع الحوثيين وتجاهل الأبعاد الداخلية للصراع. شعرت السعودية بأن الحرب اليمنية مستنقع هي في حاجة للخروج منه بأي شكل من الأشكال، والتركيز على رؤية 2030 لا يمكن أن يتم دون إنهاء هذه الحرب وتأمين حدودها بالاتفاق مع الحوثيين”.
بعد زيارة للسفير السعودي لصنعاء الهادفة لإنهاء الحرب، والتي استمرت لأيام منتصف أبريل، قامت أطراف النزاع بتبادل الأسرى وكبار الشخصيات المحتجزة في سجون الحوثيين منذ ثماني سنوات، مثل وزير الدفاع الصبيحي ومحمد صالح ابن أخي الرئيس الراحل صالح. الزيارة السعودية للحوثيين بعد ثمان سنوات من الحرب تأتي في سياق زيارات قادمة وفق تصريحات لقياداتٍ في جماعة الحوثيين. كشفت صحيفة عكاظ عن التوافق على تمديد الهدنة المنتهية نهاية العام 2022 وتقديم مساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار لتقوية الاقتصاد اليمني وتثبيت العملة.
تضيف ميساء بأن هذه التسوية من الممكن أنها لن تنهي الحرب ببعدها المحلي، لكنها ستؤدي لتأمين حدود السعودية وتطمين هواجسها الأمنية.
المصالح الأميركية والعرش السعودي.. حالة عدم اليقين
على مدى يقارب القرن من الزمان، اتخذت السياسية الخارجية السعودية أشكالًا مختلفة من المواقف التي تتقاطع مع مصالح الدول المؤثرة في المنطقة، لكن كحليفٍ استراتيجيٍ هو الأول للولايات المتحدة في المنطقة، كانت مصالح الولايات المتحدة أيضًا محددًا هامًا من محددات السياسة السعودية ونشاطها الاقتصادي، إلا أنه على ما يبدو قد انتهى شهر العسل.
يقول الباحث الأميركي “إيريك هوجلاند” في دراسته ضمن “دراسة دولة: السعودية- مكتبة الكونغرس الأميركي” بأن علاقة الرياض بواشنطن كانت حجر الزاوية في السياسة الخارجية السعودية، ومن إعلان الرئيس روزفلت مطلع أربعينات القرن الماضي اعتبار مسألة الدفاع عن السعودية مصلحة أميركية إلى سياسة البترودولار لرعاية وحماية المصالح الأميركية، والوقوف في وجه خصومها في المنطقة، كانت السياسة الخارجية السعودية تضع المصالح الأميركية كأولوية مشتركة للبلدين، وكانت العلاقة بين البلدين مثالية إلا أنها على ما يبدو كانت علاقةً مليئةً بالشكوك الدائمة بين أكبر موردٍ للطاقة وأقوى بلدٍ في العالم.
على الرغم من توتر العلاقات، حافظت الولايات المتحدة على التزامها بأمن المملكة العربية السعودية في الإطار العام المحدد لعلاقة البلدين، وظلت تؤكد عليه في مناسبات مختلفة من استهداف الحوثيين لأهداف داخل السعودية. في نوفمبر الماضي، تبادلت واشنطن والرياض معلومات استخبارية عن تخطيط طهران توجيه ضربة عسكرية للسعودية خلال أيام على خلفية الاحتجاجات الداخلية التي تتهم السعودية بدعمها.
"أثلج صدورنا قيام الولايات المتحدة بمشاركتنا معلوماتٍ استخباراتية بشأن تهديد إيراني موثق ووشيك مؤخرًا".
الأمير تركي الفيصل - رئيس جهاز الاستخبارات السعودية السابق
الأمير تركي الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، أكّد صحة المعلومات الأميركية مثمنًا مشاركة واشنطن هذه المعلومات مع الرياض؛ موجهًا مبررات توتر العلاقة مؤخرًا. وصف الفيصل الحالة التي تمر بها العلاقة السعودية الأميركية بحالة “عدم اليقين” للتعبير عن شكوك السعوديين حول مدى التزام واشنطن بأمن السعودية.
سياسة تطمين الشكوك.. علاقة حذرة
في وثيقة لتقريرٍ يحمل عنوان “القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية السعودية” مصنفة بـ “عالي السرية” للمخابرات الأميركية، تعود للعام 1981، ورفع عنها السرية العام 2008، تظهر العلاقة السعودية مع واشنطن متشككةً من جدوى الجهود الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، ومن التزامها بحاجتها للأمن أمام المد السوفيتي في حينه.
"أصيب السعوديون بخيبة أمل في السنوات الأخيرة من جهود السلام الأميركية في الشرق الأوسط، وشعروا بالمرارة إزاء ما يعتبرونه عدم استجابة الولايات المتحدة لاحتياجاتهم الدفاعية. علاوة على ذلك، لم يعودوا متأكدين من قدرتهم على الاعتماد على الولايات المتحدة في إيقاف التوسع السوفيتي أو اتباع سياسات تتماشى مع المصالح الأمنية السعودية الأساسية. ساهمت هذه العوامل في تآكل الثقة السعودية في الولايات المتحدة، الأمر الذي يهدد بتقويض "العلاقة الخاصة".
القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية السعودية CIA، 1981. Tweet
يضيف التقرير أيضًا أن اجتياح السوفييت لأفغانستان دون ردٍ أميركي في ذلك الوقت شكّك السعودية في مدى التزام واشنطن بحاجات الرياض الأمنية. حاليًا، وعلى خلفية خارطة النزاعات الإقليمية الجديدة، يبدو أن الوضع لم يتغير كثيرًا. الأمير تركي الفيصل في تصريحاته حول المعلومات التي شاركتها واشنطن معهم نوفمبر الماضي قال بأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان جعل العلاقة تدخل في حالة عدم اليقين، وجعل السعوديين غير متأكدين من التزامات واشنطن الأمنية.
تطرق الكاتب والباحث الفرنسي، ديلان موتن، خلال حواره مع “مواطن” لعوامل توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن. يقول ديلان موتن: “كانت إدارة بايدن قاسيةً مع القيادة السعودية؛ وخصوصًا الأمير محمد بن سلمان”. لكنه لا يرى بأن هناك تغيرًا في الاصطفاف السعودي، وإنما العالم هو من يتغير.
في إيران استثمارات واعدة
على الرغم من استياء العلاقة بينهما، وجهت الولايات المتحدة تحذيرًا للمملكة العربية السعودية عن ضربةٍ وشيكة ستنفذها إيران ضد السعودية خلال أيام في نوفمبر 2022. سبق ذلك مظاهراتٌ هي الأقوى والأكثر انتشارًا في إيران، فعلى مدى شهرين عجزت السلطات الإيرانية في احتواء التظاهرات وأعمال الشغب على خلفية مقتل الشابة “مهسا أميني” على يد شرطة الأخلاق. وأمام هذا الفشل، يبدو أن خيار المواجهة العسكرية كان خيارًا مطروحًا في حسينية جمران.
بعد احتجاجات هي الأوسع والأكثر تأثيرًا في القرار الإيراني الداخلي، خرج زعيم أهل السنة والجماعة في إيران، مولوي عبد الحميد، والمدعوم من السعودية للمطالبة باستفتاء على النظام الإيراني. وجهت الخارجية الإيرانية وقيادات الحرس الثوري أصابع الاتهام صوب السعودية، متهمةً قناة إيران انترناشونال المدعومة من السعودية بقيادة وتنظيم أعمال الشغب في إيران؛ الأمر الذي يزيد من منطقية المعلومات الأميركية حول عزم الإيرانيين توجيه ضربةٍ عسكرية للسعودية قد تحرف الأنظار عن قمعها للاحتجاجات وتنقل المواجهة لمربع آخر.
ومن زوايةٍ أخرى يكشف مدى سوء العلاقة والتراجع عن التفاهمات التي كانت الدولتان قد توصلت إليها طوال المحادثات التي استضافتها بغداد العامين الماضيين، الأمر الذي جعل من الخبر المفاجئ، للولايات المتحدة نفسها، بتوقيع البلدين اتفاقًا لإعادة العلاقات في بكين غير منطقي، لكن هذا ما يمكن للمال السعودي أن يفعله؛ ففي اليوم التالي للاتفاق يصرح وزير المالية السعودي بأن هنالك فرص استثمارٍ واعدة في إيران قد تحدث بسرعة.
"النفط يعني المال، والمال يتحدث، وطالما لا يزال العالم في حاجةٍ لما لدى السعودية، فسيبقى للسعودية ثقلها الدبلوماسي في أروقة العالم".
تيم مارشال - كاتب ومراسل بريطاني/ Power of Geography Tweet
في ضوء هذه المتغيرات في ملف السياسة الخارجية السعودية أمام عالمٍ قلقٍ يتأرجح بين الثبات وتشكل نظامٍ عالميٍ جديد، هذه مقدمة لسلسلة من القصص الصحفية التحليلية تقدم قراءةً جديدة للسياسة الخارجية السعودية بمعطيات التحولات التاريخية في مواقفها وعلاقتها ببلدان المنطقة والعالم.
نعتقد بأن الادارة السعودية الحالية تكتب تاريخا جديدا للمملكة ولعلاقاتها الدولية، ولا سيما إرث هذه العلاقات التي ظلت لما يقرب من قرن حبيسة زواج مبكر مع واشنطن!
فالاتجاه نحو الشرق وتحديداً “الصين” لا يعكس التغير في سياسة الرياض الخارجية -على المستويين الإقليمي والدولي- فحسب، بل برغبتها بالإطاحة بهرم الغرب وعلى رأسها “أمريكا”
فمالم يكن بالأمس ممكناً أصبح اليوم حقيقة فعلية!
يبدو ان اتجاه الرياض نحو الشرق يعني عزم الممكلة ليس على تغيير سياستها الخارجية إقليميا ودوليا فحسب، بل رغبة القيادة الشابة والطموحة بهز جسر التحالف الذي ارتبطت به المملكة بزواج مبكر مع واشنطن منذ ما ربو عن قرن من الزمن، والى الحد الذي يعني مطالبة المملكة بالخلع من هذا الارتباط المجحف!