فتاة يحبها زميل الجامعة، تحاول صده؛ فيلاحقها ويتعقبها، ويهددها ويهدد أهلها، إلى أن تنتهي سلسلة تلك الأفعال بذبحها في الشارع، لينقسم الشارع فيما بعد إلى رأيين؛ رأي يدافع عن الفتاة، وآخر ينسج القصص حول حياتها وأخلاقها وملابسها، وصل الأمر بالبعض لإطلاق حملات دفاعًا عن الجاني ومطالبات بالإفراج عنه، وحتى عند إعدامه اعتبره البعض ضحية!
ليست تلك القصة الوحيدة؛ بل هناك عشرات القصص الأخرى في مصر والجزائر والأردن وغيرها من بلادنا العربية، يرتعد قلبي كلما سمعت عن واقعة قتل لامرأة؛ فمع ظهور كل ضحية جديدة للعنف كامرأة؛ يُحتمل أن أكون الضحية القادمة، تتنوع أشكال العنف ضد النساء، كالعنف الأسري مثلاً داخل البيت، أو العنف المرتبط بالتحرش، إلا أننا مؤخرًا نجد أخبارًا كثيرة حول نساء وفتيات عربيات يقتلن بسبب رفضهن لرجال تقدموا للزواج منهن أو مواعدتهن.
وإذا اعتدنا كنساء بدرجة ما على سخف وقائع التحرش في الشارع أو مقر العمل أو الدراسة، أو حتى داخل الأسرة، فهل يجب أن نعتاد أيضًا على القتل باسم الشرف أو الحب أو أي مسمى آخر؟
تأبى نفس الرجل أن ترفضه أنثى، وهو الذي نشأ على أنه الأعلى والأجدر في مجتمع ذي ثقافة ذكورية بحتة، كيف ترفضه من هي أدنى منه؟ تلك الجرائم المرتكبة في حق النساء -على حسب ادعاء الذكور مرتكبي الجرائم- بـ “دافع الحب”.
عند التأمل في وقائع القتل تلك، لا نجد أي حب من الجناة؛ بل رغبة في السيطرة، نظرًَا لاعتبار الأنثى موضوع خضوع، مفهومًا مشوهًا عن الحب يعتمد على إجبار الأنثى بدلاً من تقديم السعادة طوعًا، وكأنه محرم على النساء إبداء رأيهن في الحب خوفًا من العار، أو رفض من يتقدم لهن خوفًا من القتل؛ إذ إن بعض الرجال لا يقبلون بفكرة أن تقول لهم امراة لا.
وإذا اعتدنا كنساء بدرجة ما على سخف وقائع التحرش في الشارع أو مقر العمل أو الدراسة، أو حتى داخل الأسرة، فهل يجب أن نعتاد أيضًا على القتل باسم الشرف أو الحب أو أي مسمى آخر؟
قتل النساء بسبب قول "لا" للرجال.. ظاهرة عربية أم عالمية؟
يشاع أن ظاهرة القتل بسبب رفض النساء للرجال، على أنها ظاهرة عربية، لكن في الواقع هي ظاهرة عالمية؛ فتعاني النساء في كافة أرجاء المعمورة، بنسب مختلفة وتحت تأثير ثقافات مختلفة، إلا أن ما يجمع النساء في كل العالم، هو قمع المجتمعات الذكورية.
في الهند حاول رجل يبلغ من العمر 27 عامًا، قتل امرأة تبلغ من العمر 24 عامًا، بقطع رقبتها، والسبب رفضها حبه، عندما كانت تسير من بيتها باتجاه (المعمل) محل عملها، جاء بالدراجة وهاجمها بأداة حادة، صرحت الشرطة أن الأداة سكين لوضع المعجون على الجدران، يستخدمها الجاني، وهو عامل باليومية.
أصيبت المرأة بجروح في الجانب الأيمن من رقبتها و فخذها الأيسر، ولم ينقذها من طعناتها سوى صراخها؛ فاجتمع الناس ونقلوها إلى مستشفى، وكان المجرم عرض حبه للضحية قبل ثلاثة أشهر، ولما رفضته زاد إلحاحه عليها، إلى أن هاجمهما بسكين المعجون.
أيضًا في الهند راقصة تُدعى كولويندر كور، قتلت في إحدى حفلات الزفاف بسبب رفضها الرقص مع أحد الرجال، ما دفعه لإطلاق النار عليها.
تُقتل ست نساء على أيدي رجال كل ساعة حول العالم، وأكثر من نصف النساء المقتولات على يد رجال، كن شركاءهم الحاليين أو السابقين" ، وفقًا للأمم المتحدة
أما في إسبانيا، إثر دعوة امراة تدُعى أولفيرا إلى برنامج شهير، يشاهده حوالي مليوني مشاهد، لم تكن تعلم أن صديقها السابق سيظهر في الحلقة لمحاولة الصلح معها.
نزل على ركبة واحدة وقدم لها خاتمًا قائلاً: “أريد الزواج منك، أنت كل شيء بالنسبة لي”. رفضت أوليفيرا، ليقم بطعنها فيما بعد.
ربما لا مفر لنا كنساء من تجنب بطش ذكوري يعسف بنا حال تمردنا عليه أو لم ننصع له، فهل يحق لنا كنساء أن نرفض عروض الحب أو الزواج من الرجال دون أن يكون مصيرنا الموت!
ما ذنب النساء؟
يميل البعض إلى إلقاء اللوم على الأنثي الضحية في جرائم قتل الرفض، بسبب أفعالها أو مظهرها، مع أن القتل جريمة والجرم بين فيها، وهو ما لا نجده مع جرائم مثل السرقة مثلاً، لا يحاول المجتمع تبريرها، أو حتى جرائم القتل بين الرجال تبقى غير مبررة.
المجتمع ولأسباب ذكورية، لا يبرر الجرائم إلا إذا ارتكبت ضد أنثى، وهو ما نجده يحدث مع جرائم التحرش، وأحيانًا الاغتصاب، وجرائم القتل على الرفض العاطفي.
الاستحقاق العالي عند الذكر المعنف يأتي من اعتقاده بالقدرة، على فعل ما يريد لأي شخص، من دون وضع اعتبار لذلك الشخص؛ فهو مجرد هوس عقلي يسيطر عليه.
بخلاف النظرة الدونية للنساء باعتبارهن كائنات تابعة بلا إرادة، ما يعمق أحزان الرجال عند رفضهم من نساء، والتنشئة على أفكار عنيفة مرتبطة بالرجولة، بالإضافة إلى حالة العنف المنتشرة بين وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.
رجال لا يقبلون بكلمة "لا".. بسبب هوس الاستحقاق لديهم
الاستحقاق العالي عند الذكر المعنف يأتي من اعتقاده بالقدرة، على فعل ما يريد لأي شخص، من دون وضع اعتبار لذلك الشخص؛ فهو مجرد هوس عقلي يسيطر عليه.
إن هذا الاستحقاق الذي يشب عليه المعنفون من الذكور، هو نتاج تربية خاطئة، تعتمد على إنه في حالة لم يخرج الرجل للمجتمع بدرجة معينة من القسوة، سيكون لقمة سائغة للآخرين، ومن هنا يجب عليه التصرف حسب ذكورة سامة، تشجع على فرض السيطرة والقوة على النساء المقربات من العائلة أولا، ثم الشريكات فيما بعد.
نفس تلك التربية تنتج نساء مقهورات، معتادات على الخوف من بطش العائلة أو جلب العار لها، وهكذا تتشكل أركان الجريمة، من أنثى يتم تنميطها في صورة الضعيفة الخائفة الخاضعة للذكر، وذكر يرى أن كل ما يريده، يجب أن يصبح حقًا حصريًا له.
ما يجعل من كل أنثى في مجتمعاتنا مشروع قتيلة، وكل ذكر مشروع قاتل، حسب الظروف التي تضعهما فيها الحياة، كما يجب التنويه على أن المشكلة لا تبدأ بالقتل؛ بل تنتهي به.
ما الذي يضمن لي أنني إذا لفتّ انتباه رجل ما، وأعجب بي، وعرض علي التقرب مني ورفضت؛ ألا يثير لي المشاكل، ألا يتعقبني ويهددني، وقد أكون يومًا ما ضحية كهؤلاء النساء، اللاتي قالن "لا" في وجه رجال لم يتحملوها.
إذ إن هناك في المنتصف سلسلة من الأفعال الشنيعة كالتتبع وتشويه السمعة، ورسائل التهديد ومحاولات التحرش أو الاغتصاب، بالإضافة إلى عمليات الخطف أو إيذاء شخص من أفراد عائلة الأنثى من قبل الذكر المعنف في حالة رفضها العاطفي له.
نحو الحل
تعد قضايا قتل النساء بدافع الحب من الرجال، إحدى مظاهر العنف الاجتماعي القائمة على النوع، ما يجعل التصدي لها أمرًا صعبًا ويحتاج لتغيير ثقافة المجتمع بأكملها، إلا أن هناك بعض الأمور الناجزة التي يجب وضعها في الاعتبار من أجل حماية أكبر للنساء وتقليل المخاطر التي يتعرضن لها.
فيجب تتبع ومنع كل خطابات الكراهية ضد النساء عبر وسائل الإعلام والأعمال الفنية من خلال قوانين تنظم ذلك؛ إذ لا تندرج خطابات الكراهية ضمن مساحة حرية الرأي والتعبير؛ فخطابات الكراهية تفتح بابًا للعنف ضد النساء.
كما يجب على صناع القرار الأخذ بنصيحة الأمم المتحدة عبر تقديم خدمات شرطة وعدالة مراعية للمنظور الجنساني وقضايا النوع الاجتماعي، كما يجب أن تكون المرأة أكثر قربًا من دوائر تمنح لها، سنّ وتدبير ما يحقق حمايتها من خلال تشريعات تحفظ للنساء الحق الآمن في الحياة.
قلق، مزمن أخير
يعد شعور النساء بخصوص مسائل الأمن الشخصي، نوعًا من مرض يشبه القلق المزمن، كامراة أشعر بالخوف في المنزل، ربما أقدمت على ما يتسبب في البطش بي، وعندما أخرج للشارع يذهب معي قلقي، حيال كل رجل يمر من جواري، ربما رمى على مسامعي كلمة سخيفة، أو رماني بنظرة مزعجة، أو حاول لمسي.
في الجامعة، أو العمل أحمل معي نفس المخاوف، قد أتعرض للتحرش من أحد زملائي، قد يكون حظي جيد ولا يتواجد في محيطي متحرشين، وقد لا يكون، لكن ما الذي يضمن لي أنني إذا لفتُّ انتباه رجل ما، وأعجب بي، وعرض علي التقرب مني ورفضت؛ ألا يثير لي المشاكل، ألا يتعقبني ويهددني، وقد أكون يومًا ما ضحية كهؤلاء النساء، اللاتي قالن “لا” في وجه رجال لم يتحملوها.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.