يهدر العالم ثلث إنتاجه من الغذاء سنويًا، بما يعادل إتلاف 1.3 مليار طن طعام كل عام، قيمته 1 تريليون دولار، وهي كميات من الطعام يمكنها انتشال 12% من سكان العالم من الجوع وسوء التغذية، وفقًا لإحصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
هدر الطعام له جوانب سلبية عدة؛ بينها مساهمته الكبيرة في أزمة المناخ، تقول إنجر أندرسن، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن كان فقد الأغذية وهدرها بلد فسيكون ثالث أكبر مصدر للاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية، كما أنه مساهم رئيس في أزمات المناخ العالمية الثلاث: فقدان التنوع البيولوجي والطبيعة، والتلوث والنفايات، إضافة إلى تسببه في إثقال كاهل أنظمة إدارة النفايات، وتفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي.
السعودية أولاً والإمارات ثانيًا
يكشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، خلال 2021، أن هدر الطعام يتزايد في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، ومن بينها منطقة الخليج التي يزيد معدل هدر الطعام فيها عن المتوسط العالمي للفرد البالغ 74 كيلوجرامًا سنويًا؛ إذ تتصدر البحرين دول الخليج في معدلات هدر الطعام للفرد بمعدل 132 كيلوجراما للفرد سنويًا، تليها السعودية بمعدل 105 كيلوجرامات للفرد.
بينما تكشف البيانات أن السعودية هي أكثر دول الخليج من حيث معدلات هدر الطعام في المنازل، بمعدل 3 ملايين و594 ألفًا و80 طنًا سنويًا، تليها الإمارات بمعدل 923 ألفا و600 طن سنويًا.
أما عن معدلات هدر الطعام في المطاعم، تتصدر السعودية أيضا دول الخليج بمعدل 880 ألفا و200 طن تقريبًا سنويًا، تليها الإمارات بمعدل 250 ألفا و800 طن تقريبًا، وتعتبر البحرين هي الأقل هدرا للطعام داخل المطاعم مقارنة بباقي الدول بمعدل 42 ألف طن سنويًا تقريبًا.
أما عن معدلات هدر الطعام في قطاع التجزئة، تحتل السعودية أيضا المرتبة الأولى بمعدل 670 ألف طن تقريبًا سنويًا، تليها الإمارات بمعدل 125 ألف طن سنويًا تقريبًا، وفي المرتبة الأخيرة تأتي البحرين بمعدل 21 ألف طن سنويًا.
وهناك فارق جوهري بين فقد الغذاء وهدر الغذاء؛ إذ يُشير الفقد إلى الأغذية التي فُقدت قبل وصولها إلى المستهلك، بسبب سوء الحصاد أو النقل أو التخزين، أما الهدر يُشير إلى كميات الغذاء التي تُفقد قبل وصولها إلى المستهلك أو خلال البيع بالتجزئة.
تؤكد إحصائيات منظمة الحبوب السعودية أن مستويات فقدان وهدر الأغذية بالمملكة تصل لـ 33% في جميع مراحل سلاسل الإمدادات الغذائية، وقدرت معدلات فقدان الغذاء بـ 14.2%، وهدر الغذاء بـ 18.9%، أما في الإمارات يتم هدر 6 مليارات درهم بسبب فقد وهدر الغذاء في الإمارات، وفقًا لـ نعمة، وهي المبادرة الوطنية الإماراتية للحد من فقد وهدر الغذاء.
هدر الطعام والمياه والاحتباس الحراري
وعن العلاقة بين هدر الطعام وأزمة المناخ، يقول المهندس عماد سعد خبير الاستدامة والتغير المناخي، ورئيس شبكة بيئة أبوظبي، إن بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” تظهر أن القطاع الزراعي مسؤول عن 23% من مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2016، وبشكل أدق؛ فإن انبعاثات غازات الدفيئة التي ترتبط بالفاقد والمهدر من الطعام تعادل ما بين 8: 10% من غازات الاحتباس الحراري بالعالم؛ أي أن الانبعاثات الناتجة عن هدر الأغذية في العالم تكاد تساوي الانبعاثات الناتجة عن النقل البري في العالم بأكمله، موضحًا أن هناك علاقة طردية بين ما نشتريه بشكل عام وهدر الطعام بشكل خاص وتغير المناخ، ما يدفعنا إلى ضرورة اعتماد نمط إنتاج واستهلاك مستدامين.
يضيف سعد لـ مواطن، أن الخطر الأكبر لهدر الغذاء هو هدر المياه التي كانت سببًا في إنتاج هذا الغذاء، وتسمى بالمياه الافتراضية (المياه التي تؤكل وتلبس ولا تشرب)، وتعتبر أحد مؤشرات أداء الاستدامة في العالم، وترتبط بمفهوم أوسع هو البصمة المائية (تشير إلى إجمالي كمية المياه العذبة التي تستخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإنتاج سلعة أو خدمة أو فعالية)، وهي توجد في كل شيء نستهلكه تقريبًا.
تشير تقديرات إلى أننا نحتاج إلى 130 لترًا من المياه لإنتاج كوب واحد من القهوة، و200 لتر ماء لإنتاج بيضة واحدة، و3300 لتر لإنتاج كيلوجرام من البيض، ونحتاج قرابة 4325 لترا من المياه لإنتاج كيلوجرام من لحم الدجاج، مقابل 15400 لتر لإنتاج كيلوجرام من اللحم البقري، بينما يحتاج كيلو جرام من الجبن لـ 10 آلاف لتر من المياه، ويحتاج لتر الحليب إلى 1000 لتر من المياه، و2500 لتر أخرى لإنتاج كيلوجرام أرز، مقابل 1300 لتر لإنتاج كيلوجرام من القمح.
استهلاك غير مستدام
يشير رئيس شبكة بيئة أبو ظبي إلى دراسة نشرتها الباحثة بمعهد البيئة والاستدامة بجامعة لويولا ماريمونت Cristina Tirad، أغسطس 2017، عنوانها “الأنماط الغذائية المستدامة لشعوب وكوكب بصحة جيدة”، أكدت خلالها أن النظم والأنماط الغذائية تؤدي دورًا مهما في تدهور البيئة وتغير المناخ؛ إذ ينتج النظام الغذائي العالمي الذي يشمل إنتاج الأغذية واستهلاكها والمُهدر منها، جزءً كبيرًا من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى التغير المناخي والبيئي. في الوقت نفسه يؤثر تغير المناخ في إنتاج الأغذية، والنظم والأنماط الغذائية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ويؤثر في نوعية نظم الأغذية وسوء التغذية.
يوضح “سعد” أن هدر الطعام يعني أنه ليس لدينا أي مسؤولية تجاه الأجيال المقبلة؛ فالنمط الاستهلاكي المستنزف لموارد الأرض منتشر بين المستهلكين؛ خاصة الطبقة الوسطى والعليا في مجتمعات دول المنطقة العربية، مؤكدًا أنه بالنهاية لن يكون هناك فرد دون آخر، ولا مجتمع أو دولة دون أخرى بمنأى عن أخطار التغير المناخي على مستوى الكوكب.
الأمن الغذائي
وعن الفاتورة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لهدر الطعام، يشير طارق الخوري، منسق إقليمي ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أن هدر الطعام يستهلك عمالة ورأس مال وأسمدة ومبيدات حشرية ومياهًا وأراضي وموارد طاقة دون جدوى، وهو ما يكلف الحكومات والشركات والشعوب قرابة تريليون دولار أمريكي سنويًا، علاوة على تأثيره السلبي على التنوع البيولوجي.
يوضح الخوري؛ في تقرير له، أن هدر الطعام يُفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي، ويثقل كاهل أنظمة إدارة الهدر؛ فقد ذهب قرابة مليار طن من الطعام إلى صناديق نفايات المنازل وتجار التجزئة ومنافذ خدمات الطعام خلال 2019، مؤكدًا أن نمط الحياة والاستهلاك في الدول العربية تحتاج إلى ترشيد، لأنها تنتج كميات كبيرة من نفايات الطعام خلال فترات قصيرة؛ إذ تظهر الأبحاث أنه يتم إهدار ما بين 25 و50% من الطعام الذي يجري تحضيره خلال شهر رمضان.
يحذر التقرير من ارتفاع نسب هدر الطعام في منطقة غرب آسيا (دول الخليج)؛ حيث تشير التقديرات إلى أنها تبلغ حوالي 34% من الطعام المقدم، وترتفع فيها كمية نفايات الطعام المنزلية للفرد الواحد؛ حيث يتم توليد بين 100 و150 كيلوجرام من النفايات لكل فرد سنويًا.
ينوه المنسق الإقليمي ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى ضرورة وضع الأمن الغذائي وتزايد عدد السكان، وندرة المياه، والاعتماد على استيراد الغذاء، وتدهور مؤشرات التنوع البيولوجي، وعدم الاستقرار السياسي في صدارة أجندة المنطقة العربية.
تحدي التنمية المستدامة
يشير ساهر عياد، باحث دكتوراه في جامعة بون بألمانيا، ومتخصص في التنمية المستدامة لموارد المياه والأراضي، إلى أن الحد من فقد الأغذية وهدرها يؤدي بالتبعية إلى تقليل استخدام موارد المدخلات الزراعية؛ (مثل المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة والأسمدة)، لذا يعتبر من أهم التدابير الواعدة لتحسين الأمن المائي والغذائي.
يُهدر سنويا ثلث الإنتاج الغذائي العالمي، ما يعني ضياع حجم من المياه الزراعية يعادل حوالي 3 أمثال مياه بحيرة جنيف
تقول إنجر أندرسن، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن الحد من هدر الطعام يحقق انتصارات متعددة الأوجه للناس والكوكب، وتحسين الغذاء، وحماية الأمن الغذائي، ومعالجة تغير المناخ، وتوفير المال وتقليل الضغوط على الأرض والمياه، وحماية التنوع البيولوجي وأنظمة إدارة النفايات، لذا ينبغي أن تلتزم الدول بالهدف 12.3 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (12.3.1 أ) و(12.3.1 ب) بتخفيض الفاقد والمهدر من الغذاء إلى النصف بحلول عام 2030.
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) يؤدّي الحدّ من الفاقد والمهدر من الأغذية دورًا هامًا في استخدام المياه استخدامًا أكثر حكمة؛ فكل سنة، يفقد أو يُهدر ثلث الإنتاج الغذائي العالمي – ويترجم إلى ضياع حجم من المياه الزراعية يعادل حوالي 3 أمثال حجم بحيرة جنيف. ويمكننا جميعًا إجراء تغييرات صغيرة في حياتنا اليومية للحد من هدر الأغذية، بطهي أطباق من بقايا الطعام وشراء ما نحتاجه فقط.
نصائح لوقف هدر وفقد الغذاء
وقدمت نعمة (المبادرة الوطنية الإماراتية للحد من فقد وهدر الغذاء) عدة نصائح وإرشادات لوقف الهدر؛ أولها وقف الهدر عبر سلاسل القيمة الغذائية خلال مراحل الإنتاج الأولي والمعالجة والتصنيع والتوزيع وقطاع الضيافة والخدمات الغذائية، وطلب كميات أقل من الطعام؛ فلا تطلب طعامًا جديدًا إلا بعدما تنهي طبقك، وإعادة استخدام بقايا الطعام في إعداد وصفات بسيطة وشهية، أو تبرع بها لشخص محتاج.
ونصحت نعمة باتباع سياسة التسوق بذكاء، عبر إعداد قائمة باحتياجاتك قبل التوجه للمتجر، والتزم بشراء ما هو مدون في القائمة فقد عند التسوق، وعدم الاندفاع خلف شراء الخضروات والفواكه ذات الأشكال الغريبة وغير التقليدية، وتفقد الثلاجة بشكل دوري واستخدم المنتجات قبل انتهاء صلاحيتها، واتباع مبدأ “ما تشتريه أولا، أستخدمه أولا”.
تنوه المبادرة أن هناك فارقًا كبيرًا بين عبارة “يفضل تناوله قبل” وتاريخ انتهاء الصلاحية؛ ففي بعض الأحيان تبقى بعض الأغذية آمنة للاستهلاك بعد الموعد المفضل تناوله؛ في حين أن تاريخ انتهاء الصلاحية يشير إلى المهلة القصوى للاستهلاك الآمن، كما تنصح بتحويل بقايا الطعام غير القابلة للاستهلاك مثل قشور الخضار والفاكهة إلى سماد عضوي لاستخدامه بحديقة المنزل.
التعليقات 1