مسألة اليهود في دول الخليج العربي أو البلدان العربية بشكل عام، تمثّل إشكالية مُركّبة ومثيرة للجدل ثقافيًّا وسياسيًّا ودينيًّا وشعبيًّا؛ لا سيما بعد تراكم التطوُّرات المتشعبة التي أعقبت إقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، قبل ما يزيد عن سبعة عقود، وصولًا إلى “اتفاق أبراهيم” الذي سلّط الضوء على هذا الوجود مجددًا.
بعيدًا عن الأسباب السياسية لهذا التحوُّل؛ يظل تاريخ وجود اليهود في شبه الجزيرة العربية محلّ جدل هائل؛ فوجودهم في المنطقة العربية، وفقًا لوجهة النظر اليهودية، جاء على مراحل؛ فبحسب ما جاء في العهد القديم فإنّهم وصلوا إلى شبه الجزيرة العربية بعد السبي البابلي على يد نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد، أمّا مع ظهور الحركة الصهيونية، توالت الهجرات على المنطقة العربية؛ فمنهم من هاجر إلى فلسطين، ومنهم من هاجر إلى منطقة الخليج العربي.
أثرٌ بعد عين
تاريخ اليهود في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي يمكن وصفه بالتاريخ الصامت والخجول؛ فحتى محاولات استرجاع هذا التاريخ كانت على استحياء حتى بدايات القرن الـ 21، وبحسب ما جاء في كتاب اليهود في الخليج لأستاذ التاريخ بجامعة الكويت، يوسف المطيري، فإنّ التركّزُ الأكبر لليهود كان في اليمن وعدن، وحضرموت، والبحرين، والكويت والأحساء، وعمان.
وتشير الدكتورة خيرية قاسمية في كتابها يهود البلاد العربية، إلى أنَّ أغلبية اليهود بقيت في وادي القرى حتى القرن الحادي عشر، وكذلك وجدت طوائف منهم في جهات تيماء في القرن الثاني عشر، ثم انعدم وجودهم في الحجاز بسبب الضغط الشديد الذي حلّ بهم في عصور الاضطرابات التي حدثت بعد ضعف الدولة العباسية.
بشكل عام؛ فإنَّ الطوائف اليهودية في بلدان المشرق العربي، انقسمت إلى سبعة مراكز رئيسية هي: العراق، وكردستان، وإيران، وأفغانستان، وبخارى الواقعة بوسط آسيا، واليمن، وعدن، وهو التقسيم الذي يتفق مع التقسيم السياسي بشكل عام في الفترة من 1850 إلى 1950.
وترجع أصول هذا التقسيم، بحسب كتاب اليهود في البلدان الإسلامية (1850 – 1950) لصموئيل أتينجر، ونقله للعربية رئيس قسم اللغات السامية السابق بكلية الألسن جامعة عين شمس، الدكتور جمال الرفاعي، إلى الماضي السحيق، وتشكّلت ملامحه بشكل نهائي خلال المائة والخمسين عامًا الماضية بتأثير التغييرات السياسية والتغييرات الاجتماعية اللاحقة بها.
فمثلًا في الكويت أغلبية يهودها جاءت من العراق، واستقر بعضهم في أوائل حكم الشيخ عبد الله بن صباح نحو عام 1860، تشهد مقبرتهم أنّهم كانوا لسنين طويلة بين المجتمع الكويتي يتزاوجون ويولدون ويكبرون، ويعملون بالتجارة، وورث أبناؤهم أيضًا نفس المهنة، وبلغ عددهم في ثلاثينيات القرن العشرين نحو 200 عائلة.
حسب ما جاء في العهد القديم فإنّهم وصلوا إلى شبه الجزيرة العربية بعد السبي البابلي على يد نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد
وربما من أقدم الجاليات اليهودية التي عرفتها دول الخليج كانت في البحرين، ويبدو أنّها هاجرت من بابل وجنوب العراق منذ القرون الميلادية الأولى وربما أبكر، وقبيل عام 1955 وصل عدد اليهود نحو 250 تقريبًا، نقص هذا العدد في 1959 إلى 149 يهوديًّا، وحاليًّا يوجد كنيس يهودي يتوسّط المنامة القديمة بُني في عام 1931.
أمَّا يهود عمان، فقد توافرت عنهم بعض الإشارات منذ القرن الـ 15؛ حيث وُجد نحو 15 إلى 20 عائلة يهودية في مدينة مسقط، وتزايدت أعدادهم بعد عام 1828، بعد تضييق الوالي العراقي داود باشا عليهم، كما اكتُشفت مقبرة يهودية في صحار عام 1958 وتحتوي على نحو 200 قبر تقريبًا، تعود لـ 600 ميلادية.
أمَّا يهود الإمارات فكانت هناك قرية في إمارة الفجيرة يُطلق عليها اسم شعبية قبر اليهودي، وأُزيلت مع بناء الشعبيات والبيوت الجديدة في القرية، لكنّ لا دليل على وجود جالية يهودية في المنطقة، الأمر ذاته مع قطر والسعودية في العصر الحديث.
على الجانب الآخر؛ يشير المطيري في كتابه الذي يشتمل على دراسة في تاريخ الأقليّة اليهودية في منطقة الخليج العربي وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية منذ القرن 19 وحتى منتصف القرن العشرين، إلى أنَّ المصادر التاريخية صمتت عن أي وجود تاريخي لليهود في منطقة الخليج العربي بسبب وصول اليهود لمناطق الهند وبلاد فارس لأسباب أمنية واجتماعية واقتصادية.
وبحسب الكتاب، فإنَّ صمت المصادر التاريخية استمر حتى مطلع القرن السادس عشر؛ حيث عاد ذكر التواجد اليهودي في الخليج العربي مع إنشاء الإمبراطورية البرتغالية في الشرق بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1488 م، مما أدى إلى عودة الاهتمام بالمنطقة من قبل الدول الأوروبية ومجموعة كبيرة من الرحالة الأوروبيين والتجار والعاملين في الحملة البرتغالية حيث ضمّت أعدادًا من اليهود.
دون دليل ماديّ
يؤكد إيريك كفيندزلاند ، المؤرخ النرويجي للشرق الأوسط الحديث في حديثه لـ”مواطن” عدم وجود دليل مادي على وصول اليهود من فلسطين إلى شبه الجزيرة العربية خلال بحثه عن أحوال الطوائف اليهودية في دول الخليج العربي، وأنّه “من الصعب العثور على أي دليل منذ بدايات القرن التاسع عشر على وصول اليهود من فلسطين إلى منطقة الخليج العربي أو شبه الجزيرة العربية”.
لكنّ كفيندزلاند، والذي تدور أبحاثه حول فلسطين وإسرائيل والخليج العربي، وصاحب دراسة “أعمال الشغب في البحرين 1947: يهود البحرين بين فلسطين وسياسة العمل الخليجية“، يوضّح أنّ وصول اليهود مع بدايات القرن التاسع عشر نحو 1820 إلى 1914 مع بدايات الحرب العالمية الأولى كانت من العراق، حين كانت تحت السيطرة العثمانية، وإيران تحت سيطرة الإمبراطورية القاجارية، وبعد حدوث تغييرات سياسية واقتصادية في بغداد سعوا إلى فرص أفضل في الخليج، ومحاولة الإمبراطورية البريطانية السيطرة على الدور القبلية التي أصبحت دولًا فيما بعد”.
ولا يؤمن الباحث الذي يتحدّث العربية والعبرية أنّ “اليهود عانوا من اضطهادات اجتماعية أو سياسية أو دينية، ولكن الإمبراطورية البريطانية آمنت بذلك، في محاولة منها لاستخدام الأمر كذريعة لتوسيع نفوذها في المنطقة وحماية الأقليّات الدينية؛ فهدفها الأوّل كان حماية مصالحها في الموانئ الخليجية التي كانت صغيرة في ذلك الوقت، لكنّها كانت جاذبة لليهود الذين يعملون بالتجارة”.
يستطرد: “مع بدايات السيطرة البريطانية، حصل جزء من يهود العراق على جوازات سفر بريطانية، وأصبحوا مواطنين بريطانيين، لكنّ الغالبية العظمى ظلّت تعيش في العراق كعثمانيين، وأصبحت الكويت والبحرين على سبيل المثال، ملاذًا ليهود العراق وإيران الذين تعرّضوا لمضايقات سياسية واجتماعية”.
يستشهد المؤرخ بأنّ اليهود الذين كانوا يواجهون مضايقات في تجارتهم، في بغداد والبصرة في العراق، وشيراز وأصفهان في إيران، كانوا يذهبون إلى الموانئ الخليجية للحصول على الحماية البريطانية والحفاظ على تجارتهم في مجتمعاتهم الخاصّة في العهد العثماني”.
يتفق ميكو بيليد، الكاتب والناشط المناهض للصهيونية، ومؤلف كتاب “ابن الجنرال: رحلة إسرائيلي في فلسطين“، في حديث لـ “مواطن” مع كفيندزلاند، الذي يرى أنَّ الشعب اليهودي عاش في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي بما في ذلك فلسطين، إلى أن جاء مؤيدو الصهيونية وجلبوا العنف والعنصرية، يضيف: “كان اليهود يتمتعون بعلاقات جيدة مع جيرانهم العرب والمسلمين، وحتى فترة حياتهم في الخليج لم تكن تحمل أي شيء من العنصرية أو العنف، فإذا كان اليهود يريدون العيش في المجتمعات الخليجية حاليًّا ليس هناك ما يمنعهم من ذلك، لكن “ما يقلقني هو أن الصهاينة سيحصلون على موطئ قدم في الدول العربية ويعملون كعملاء لدولة إسرائيل”، وفقًا لتعبيره.
"لم نكن نحلم"
تتكيف دول الخليج مع اتفاقيات إبراهيم في واقع جديد، مع تنامي الحضور الإسرائيلي؛ ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي التي تتبناها سلطات هذه الدول، ولكنّ أيضًا على المستوى الديني والاجتماعي، بدءً بالإعلان عن بناء أماكن تجمُّع لليهود، وصولًا إلى إنشاء الروابط التي تجمع اليهود معًا في الخليج، من بينها إنشاء محاكمهم الخاصّة، كما ذُكر في الإعلان عن رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية.
فبعد خفوتٍ دام لأكثر من قرن من الزمان، يمكن لليهود حاليًّا- والحديث هنا حول معتنقي الديانة وليس مؤيدي الصهيونية، رغم أنّ مؤيّدي الصهيونية والإسرائيليين يمكنهم الذهاب بحريّة- إظهار عقيدتهم دون الخوف من المساس بهم؛ فالطعام الكوشر (الحلال في العقيدة اليهودية) يمكن تناوله الآن علنًا، وفتح مطاعم خصيصًا له في عدد من دول الخليج، كما يمكن الاحتفال بالأعياد اليهودية بشكل علني، كما يحدث في الإمارات والبحرين.
الرابطة تضم نحو ستّ دول خليجية: الإمارات، البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، لكنّ اللافت في إعلان الرابطة هو إنشاؤها لأوّل محكمة حاخامية تنظر في النزاعات والأحوال الشخصية والميراث والطقوس اليهودية، حسبما أعلن إبراهيم نونو، رئيس الرابطة البحريني اليهودي من أصل عراقي.
أمَّا يهود عمان، فقد توافرت عنهم بعض الإشارات منذ القرن الـ 15؛ حيث وُجد نحو 15 إلى 20 عائلة يهودية في مدينة مسقط، وتزايدت أعدادهم بعد عام 1828، بعد تضييق الوالي العراقي داود باشا عليهم
يشير جوزيف براودي، اليهودي الأمريكي، من أصل عراقي، رئيس مركز اتصالات السلام، والذي أقام مؤتمر أربيل للسلام الذي أثار جدلًا واسعًا، إلى أنَّ اتفاقيات إبراهيم خفّضت ثقافة معاداة السامية وسياسة الرفض في البلدان العربية، علاوة على تعزيزها لثقافة الشراكة مع إسرائيل من خلال إجراء تغييرات إيجابية في رسائل وسائل الإعلام والمدارس والمؤسسات الدينية، وتحديدًا في الإمارات والبحرين.
يوضّح في حديثه لـ “مواطن” أنَّ اتفاقيات إبراهيم وفّرت بالفعل اتجاهات جديدة في المنطقة العربية ككل، وليس الخليج العربي فقط؛ فقد أدّت إلى تحسين الخطاب الإسرائيلي-العربي، في تطوّر تصاعدي أدى لتحسينات في الرسائل الرسمية المتعلّقة باليهود والإسرائيليين، بالإضافة إلى تنامي الأصوات الشعبية التي تنادي بالسلام مع إسرائيل، على حد زعمه.
في 20 ديسمبر 2020، زار الحاخام الأكبر في إسرائيل، يتسحاق يوسف، دولة الإمارات، لتدشين معبد ومدرسة دينية لليهود، وروضة للأطفال، وتناول الطعام في مطعم ببرج خليفة للطعام اليهودي الحلال، علاوة على تدشين «مِقْفِيه Mikveh»، وهو مكان مليء بالماء يُستعمل من أجل الاستحمام التعبّدي (الطهارة) عند اليهود- الذي تم نقله من أيسلندا إلى أبو ظبي في عملية مُعقّدة، وفي مساء اليوم ذاته، بدأ الحاخام بكتابة أول كتاب توراة في الإمارات، وأقيم بحضوره صلاة خاصة للدعاء للعائلة المالكة ومواطني الإمارات.
الخليج أكثر أمنًا من أوروبا وأمريكا
يتجوّل اليهود الآن في دول الخليج أكثر أمنًا وأمانًا مما يتجولون في الولايات المتحدّة الأميركية وأوروبا، بحسب تعبير الموقع الإسرائيلي “يديعوت أحرونوت”، وعقد الأفراح، لكن المواقع الإسرائيلية تبالغ في عدد اليهود الذين يعيشون في الدول الستّة.
في أبريل 2022، ووفقًا لموقع “جيروزاليم بوست“؛ فإنّ الحاخام للمجلس الإماراتي اليهودي بالإمارات إيلي عبادي، زعم أنّ عدد اليهود الذين يعيشون في الإمارات نحو ألفي يهودي، بينما كشف عن أول خطّة “لتطوير أول حي يهودي مُخصص لمجلس التعاون الخليجي، يحتوي على كليات ومؤسسات لآلاف اليهود الذين جعلوا الإمارات وطنهم”.
على الجانب الآخر، يزعم موقع “يديعوت أحرونوت” أنّ عدد اليهود الموجودين حاليًّا في الست دول المذكورة نحو 10 إلى 15 ألف يهودي، لكن الجالية الأكبر في الإمارات، وتحديدًا في العاصمة أبو ظبي، وإمارة دبي.
ووفقًا لتصريحات الحاخام ليفي دوخمان، الحاخام الأكبر للجالية اليهودية في الإمارات، فإنّه أقام ما لا يقل عن 20 حفل زفاف يهوديًّا، منذ توقيع اتفاقيات التطبيع إلى 2022، دوخمان نفسه تزوّج في حفل ضمّ نحو 1500 شخصٍ، أغلبهم يهود والذي اعتُبر أكبر حفل زفاف يهودي في الخليج العربي.
لم تلق اتفاقيات إبراهيم قبولًا شعبيًّا كبيرًا وسط الشعوب العربية؛ حيث يعتبر أي اتفاقٍ يُوقع مع إسرائيل محطّ انتقادات ما لم يحقق هذا الاتفاق أي تقدّم يُذكر في حل الدولتين
في 2022 وحده التحق أكثر من 200 طالب وأفراد من المجتمع ببرامج تعليمية مختلفة في نظام التعليم اليهودي الذي أنشأه الحاخام في الإمارتين، وبحسب قوله فإن معظم اليهود الذين قدموا إلى الإمارات بعد اتفاق إبراهيم جاءوا من إسرائيل والولايات المتحدة والأرجنتين وجنوب إفريقيا وفرنسا وإنجلترا.
يستطرد المؤرخ النرويجي كيفندزلاند: “أعتقد أنّ اتفاق إبراهيم أحدث فرقًا كبيرًا؛ فقد أسهم بشكل أساسي في حرية السفر للدول الخليجية؛ خاصّة فيما يتعلّق باليهود، لكن معظم اليهود الذين يعيشون في الخليج اليوم هم يهود أمريكيون وأوروبيون يعيشون كمغتربين؛ فأغلبهم نشأ وترعرع في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، لكن لا يبدو أنّ ذهابهم إلى هذه الدول للمكوث فترات طويلة وبناء عائلات وما شابه”.
يردف: “في البحرين تم افتتاح كنيس يهودي وعليها نجمة داوود معلقة على الحائط، ليس هناك مشكلة في ذلك، يمكن أن أكثر الخليجين لديهم مشاعر مختلطة بشأن اتفاق إبراهيم، وفلسطين، ودولتهم بشأن التطبيع، ولكن اعتقادي أن ذلك لا يؤثر على معاملة اليهود في دول الخليج، في البحرين والإمارات يمارسون شعائرهم الدينية بحرية، لكن هناك فرق كبير بين البحرين والإمارات؛ ففي البحرين يوجد مجتمعات يهودية كسُكّان أصليين؛ فاليهود انتقلوا إلى هناك في القرن التاسع عشر وبقوا هناك خلال القرن العشرين، بينما اليهود الذين يوجدون في دبي وأبوظبي هم فقط مهاجرون أو مسافرون في العصر الحديث”.
بين وصمة العار والترحيب
لم تلق اتفاقيات إبراهيم قبولًا شعبيًّا كبيرًا وسط الشعوب العربية؛ حيث يعتبر أي اتفاقٍ يُوقع مع إسرائيل محطّ انتقادات ما لم يحقق هذا الاتفاق أي تقدّم يُذكر في حل الدولتين، لكنّ خبير الشؤون السياسية الاستراتيجية البحريني والرئيس الإقليمي لـ”المركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط” في المملكة المتحدة، الدكتور أمجد طه، في حديثه مع “مواطن” يرى أنّ موقف الجاليات اليهودية في المنطقة كُلّها مُرّحب به للتعايش والسلام والتقدُّم والتسامح، وللاستمرار في دعم صوت السلام؛ لذلك فإنّ الحديث عن مجتمعات يهودية داخل الدول الخليجية ليس صحيحًا، مدّعمًا وجهة نظره بأنّه هناك أكثر من مئتي جالية من جنسيات مختلفة تعيش في منطقة الخليج.
ويستشهد طه بأنّ المنطقة العربية منطقة مزدهرة ومتطوّرة، وبها رفاهية العيش وتقدير لحقوق الإنسان من كل شعوب العالم التي تعيش بها، لتحقيق مزيد من التقدُّم في حياتهم؛ أمّا فيما يتعلّق بترميم المعابد الأثرية والمناطق التاريخية اليهودية في منطقة الخليج، فيدّعم وجهة نظره بأنّ “دول المنطقة دائمًا ما تعمل على ذلك، الأمر لا يتعلق باليهود وحدهم، فهو اهتمام بالتاريخ بشكل عام، بالتالي ترميم الأماكن الأثرية يدل على استمرارية في هذا العمل البنيوي لخدمة الإنسانية والحفاظ على الأماكن الأثرية، لكنّه لم يتوقف قبل الاتفاق أو بعده”.
وحسب خبير الشؤون السياسية والاستراتيجية البحريني فإنّ اتفاق إبراهيم يتميّز بتدعيمه عملية التواصل والتعايش بين الشعوب وعلى المستوى الاقتصادي، والبنية التحتية، ومشاركة الأفكار والثقافات والتكنولوجيا، ويصبّ في مصلحة الجميع؛ فاليوم العواصم العربية كالمنامة وأبو ظبي وباقي العواصم الخليجية أصبحت مزارًا للسياحة العالمية.
وعلل طه أنّ هذا الزخم يتزايد لوجود الرفاهية والاحترام وتقدير حقوق الإنسان، ولوجود الراحة التي وصفها بأنّها “غير متواجدة في عواصم متقدّمة” لم يسمّها، بالتالي فمن الطبيعي حضور تواجد كبير وكثيف من كل الأقطار والديانات والمذاهب في الخليج العربي.
تهدف اتفاقيات إبراهيم لخلق انطباع خاطئ بأنّ العالم العربي قد قَبِلَ الاحتلال الصهيوني لفلسطين
ميكو بيليد - كاتب وناشط مناهض للصهيونية Tweet
بينما على النقيض من طه؛ فإنّ بيليد، الناشط المناهض للصهيونية، يشير إلى أنَّ اتفاقيات إبراهيم تهدف لخلق انطباع خاطئ بأنّ العالم العربي قد قَبِلَ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومستعد لتطبيع العلاقات معها، لكن بيليد يصف الاتفاقية بـ”وصمة العار وإسفين بين الدول العربية والشعب الفلسطيني”، لكن الأمر فشل.
ويستشهد بعودة العلاقات السعودية الإيرانية التي اعتبرها خير دليل على هذا الفشل، التي كان من المفترض أن يكون تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية أبرز ما في هذه الاتفاقيات، ولكنّه بعد الاتفاق السعودي الإيراني؛ فإنّ المسعى الإسرائيلي للحصول على الاعتراف الشرعي من السعودية بإسرائيل، لن يتحقق، يضيف: “بغض النظر عن موقف نظام معين، فإن العرب عمومًا لن يتوقفوا أبدًا عن دعم فلسطين”.
أمَّا عن رابطة المجتمعات اليهودية في الخليج، يراها بيليد صهيونية على الرغم من اتخاذها مسمى اليهودية، لأنّ اليهودية ديانة والصهيونية أيدلوجية، لا يرغب بيليد في وصفها “يهودية”؛ لأنّ حقيقة حصول هذه المنظمات على موطئ قدم في دول الخليج لن يعني شيئًا على المدى البعيد، على العكس من “براودي” الذي يعتقد أنَّ اتفاقيات إبراهيم ساهمت في خفض مستوى الإسلاموفوبيا بالعالم، في الماضي كان اليهود يخافون من التجوُّل في دول الخليج، لكن اتفاقيات إبراهيم وهذه الرابطة كسرت جمودًا دام لعقود.
ويعتقد بيليد أنَّ أي منظمات صهيونية يتم تأسيسها في الدول العربية ستعمل بالتأكيد كوكلاء لدولة الفصل العنصري في إسرائيل، لذلك فإنشاء مثل تلك المجتمعات والروابط “فكرة سيئة”، لكن “طه” يعتقد أنّ إنشاء المجتمعات باختلاف ديانتها وجنسيتها موجودة في خليجنا العربي، وطالما أنّ هذه المجتمعات أو هذه الروابط في إطار ما يسمح به القانون، فما المانع من وجودها؟