ليس من السهل نجاح النساء، في مجتمعات تفرض عليهن قيودًا ووصاية منذ الميلاد، بفعل العادات والتقاليد المتحجرة، أو توظيف الدين في بعض الحالات، من أجل تقييد النساء لصالح قيم ذكورية أو اعتبارات جندرية.
وبالرغم من ارتفاع نسب التعليم بين الخليجيات منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أن عملية التمكين جاءت متأخرة، ومرت بمراحل متعددة من البطء والحذر تجاه الأعراف والتقاليد، ثم تسارع الدعم الرسمي الذي أحدث تحولًا حقيقًا في مجالات تمكين المرأة على كافة المستويات.
تعد البحرين الأسبق خليجيًا في ولوج المرأة إلى سوق العمل، وذلك لسبق دخولها التعليم النظامي عام، 1928 ، والانفتاح النسبي للمجتمع وقبوله لعمل المرأة، وتمثل النساء بشكل عام 44% من القوى العاملة.
وتعزى عملية تسريع وتيرة الدعم الرسمي لتمكين المرأة الخليجية اقتصاديًا وسياسيًا إلى عدة عوامل؛ أبرزها تبني الحكومات سياسات أكثر انفتاحًا نحو حقوق المرأة في التعليم والعمل، فضلًا عن التميز الذي حققته النساء بمختلف مراحل التعليم مقارنة بالرجال، وكذلك الكفاءة المهنية، ما جعل المجال مفتوحًا للمرأة، وفقًا لتقرير منشور في المركز العربي واشنطن دي سي.
حول تمكين المرأة الخليجية اقتصاديًا
تعد البحرين الأسبق خليجيًا في ولوج المرأة إلى سوق العمل، وذلك لسبق دخولها التعليم النظامي عام، 1928 ، والانفتاح النسبي للمجتمع وقبوله لعمل المرأة، وتمثل النساء بشكل عام 44% من القوى العاملة.
وتمثل النساء البحرينيات 54% من إجمالي المشتغلين البحرينيين في القطاع العام، و35% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص، وفقًا للمرصد الوطني لمؤشرات التوازن بين الجنسين، بينما تقدر نسبة إجمالي البحرينيات من القوى العاملة الوطنية 39%.
لم تشهد البحرين تقدمًا كبيرًا خلال العشر سنوات الأخيرة على مستوى ارتفاع مشاركة النساء في سوق العمل وفقًا لإحصائيات البنك الدولي، بينما شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عملية توطين العمالة بما فيها عمالة النساء البحرينيات، وما بين أعوام 2001 و2022 ارتفعت مساهمة المرأة البحرينية في القطاع بزيادة 18%، وزيادة 9% بالقطاع الخاص.
بينما منحت عمان النساء حق ممارسة السياسة عام 1994، وتشهد اليوم حضورًا نسائيًا بثلاث وزيرات في الحكومة، و12 امرأة في مجلس الدولة، وامرأتين في مجلس الشورى. وعلى الرغم من بدأ عملية تمكين المرأة في عمان، وجهود الحكومة بداية من عهد السطان قابوس، إلا أن التقدم الحادث يعد بطيئًا. وتبلغ نسب النساء 32% من القوى العاملة، بزيادة 4% خلال آخر عشر سنوات، كما أن هناك ارتفاعًا في نسب البطالة بين الإناث عن الذكور.
وتعلق بدرية الشحي، نائبة رئيس مجلس الدولة بسلطنة عمان، في إحدى مقابلتها، أن تباطؤ التمكين، سببه سياسة التدرج المتبعة من الدولة، فيما يخص قضية حساسة تتعلق بالمرأة.
وبعيدًا عن التباطؤ أو التسارع، تبقى قضية التمكين ذات أولوية بين دول الخليج. وفي أبريل 2021 نقلت القبس الكويتية بيانًا تنسبه لـ 20 جمعية نفع عام، تطالب بضرورة تمكين النساء في سوق العمل، تجنبًا لخسائر اقتصادية من المتوقع حدوثها في 2025، نتاج عدم المساواة في الدخل بين الجنسين.
إن عملية التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة في دول الخليج، تستمد قوتها من عدة محاور رئيسية؛ أبرزها حاجة المجتمع المتنامية لزيادة أعداد الكفاءات في مجالات مختلفة؛ سواء من الذكور أو الإناث، تزامنًا مع حركة التوسع في الاستثمار المحلي واتساع سوق العمل.
وصدر قرارٌ في 2022 بإلزام المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة بإنشاء حضانات للأطفال داخل مبانيها لتمكين النساء من التوفيق بين دورهن الاقتصادي والأسري، في إطار جهود الكويت لرفع نسب تمكين النساء.
بينما السعودية والتي أسست في 2010 جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وهي أول كلية للفتيات، بهدف منح الطالبات فرصًا أفضل للتعليم في مجالات يهيمن عليها الذكور مثل الطب، وعلوم الكمبيوتر والإدارة والصيدلة.
فيما كشفت تقارير عن اقتراب نسبة المنشآت التي تقودها نساء إلى التساوي مع المنشآت التي يقودها الرجال، بمعدل 45% للمنشآت تحت قيادة المرأة في مقابل 50% للمنشآت التي يقودها الرجال.
وبحسب مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين تشكّل المرأة الإماراتية 46.6% من القوى العاملة الوطنية، و66% من العاملين في القطاع الحكومي، منهن 30% يشغلن مناصب قيادية، و15% في وظائف تخصصية وأكاديمية، وتشغل 15% من النساء المناصب في مجالس الإدارة بغرف التجارة والصناعة، و20% من العاملين في السلك الدبلوماسي، و29% من المناصب الوزارية.
كما تمثل المرأة القطرية نسبة 37% من نسبة العمالة في سن (25 – 29 سنة)، وتقترب من 49%، للفئة العمرية (30 – 34 سنة)، بالإضافة إلى أن نسبة النساء من خريجي الجامعات في قطر وصلت إلى 67.5%. وتسعى دولة قطر إلى سد الفجوة بين الجنسين وفقًا لرؤية 2030.
اعتبارات الجندر وقضايا التمكين؟
بالرغم من عمل دول الخليج بدرجات متفاوتة على زيادة نسب تمكين النساء اقتصاديًا وحتى سياسيًا، إلا أن التعقيدات الاجتماعية، وهشاشة القرارات الحكومية، تبطئ من تلك العملية. وعلى مستوى سوق العمل، تعاني رائدة الأعمال والقيادات النسائية مثلما تعاني بقية النساء العاملات من أفكار ذكورية، مضافًا لها توجهات بالرفض للقيادة النسوية والتواجد في مراكز القرار.
تقول لمواطن الكويتية د. بيبي عاشور. رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني: “واجهت خلال رحلتي العملية جملة من التحديات والصعوبات، التي تعاني منها أي امرأة عربية، على مستوى القوانين أو القيود، أو حتى رؤية المجتمع لمكانة المرأة ونشاطها وعملها”.
وتستطرد أن عملية تمكين المرأة في المجتمع، لا تزال مقيدة بالعديد من الاعتبارات، منها الخلافات حول أهمية التمكين، والقيود الاجتماعية التي يفرضها المجتمع، والنظرة التقليدية غير العادلة لعمل النساء.
وتشير إلى تحدٍ آخر يتعلق بصعوبات تحقيق التوازن بين عمل المرأة وواجباتها الأسرية، والاهتمامات الشخصية، وهي مهمة لا تقل أهمية وثقلاً عن العمل العام؛ ما يضيف عقبة جديدة أمام النساء، ربما لا يعاني منها غالبية الرجال.
كذلك ترى أن ثقة المجتمع بالمرأة في العمل السياسي تحتاج إلى مراجعة، وتضيف: “أدركت ذلك من خلال تجربتي خوض الانتخابات البرلمانية في عام 2021”. وتؤكد أن “للمرأة تحديات تتعلق بالانتشار والسيطرة الذكورية على مجالات العمل الاقتصادي والسياسي، لكن المرأة قادرة على تجاوز ذلك، وتقديم نفسها للمجتمع كصاحبة قرار، وعلى درجة عالية من الكفاءة، ويمكنها المنافسة وتقديم عمل مميز”.
وتعزى زيادة التمثيل الذكوري بالمناصب السياسية مقارنة بالنساء، لأسبقية عمل الرجل في تلك المجالات، بينما مشاركات المرأة تعد حديثة، وتضيف: “إنه مع الدعم المقدم لعملية تمكين المرأة داخل الكويت، يتوقع تقدم كبير للمساهمات النسائية مستقبلًا”.
كما أن تغليف الموضوعات الخاصة بالمرأة بالطابع الديني وبعض المعتقدات، تحدٍ كبيرٌ بالنسبة لعملية التمكين والانتشار النسوي داخل المؤسسات، وتأطير المشاركة النسائية تحت شعارات دينية يعد عائقًا أمام النساء في كثير من المجتمعات العربية، بحسب بيبي.
من جهة أخرى لا ترى خلود الخلاقي، المتحدث باسم البرنامج السعودي للتنمية والإعمار في اليمن، أن المجتمعات العربية تتوقف الآن عند حدود تقويض حقوق المرأة؛ بالعكس؛ إنها تسير الحكومات نحو دعم أكبر لتمكين النساء، وما يحكم الأمر هو الكفاءة من الدرجة الأولى، ولا تتفق مع فكرة أن المجتمعات العربية تظلم المرأة.
وأشارت إلى أن التحدي الذي واجهته، كان يتعلق بمحدودية الوعي لدى عدد من فئات المجتمع بالموضوعات التي يتم العمل عليها؛ مثل أهداف الاستدامة والتغير المناخي، باعتبار أن بعضها يعبر عن مفاهيم جديدة وغير تقليدية لدى المجتمع؛ خاصة في بداية العمل على هذه المشروعات منذ عام 2016.
وعلى الرغم من الدعم المقدم من الحكومات الخليجية للنساء، إلا أن هناك نقد واتهامات عديدة؛ من قبيل أن تمكين النساء أداة دعائية من أجل تجميل صور الأنظمة، وأن هؤلاء النساء غير فعالات ومؤثرات بشكل حقيقي.
أما البحرينية زهراء باقر، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ”مركز زري العالمي للاستشارات وتنظيم الفعاليات”؛ فترى أن التحديات التي تواجه المرأة العاملة، تتمثل في طبيعة الضغط المجتمعي عليها.
وتحكي أنها في بداية حياتها العملية افتتحت مطعمًا، وأحيانًا كانت تشارك بعملية تقديم الطعام للضيوف؛ الأمر الذي عرضها لحالة تنمر شديد من المحيطين، وكانت تسمع كلمات من قبيل: لماذا العمل؟ لست في حاجة إليه.. يمكنك ممارسة عمل آخر)، وغيرها من أحاديث تقلل من طبيعة العمل الذي تحبه.
وتضيف لمواطن: “تعود المجتمع على نوعين من النساء العاملات؛ واحدة يرى أنها لا تصلح للعمل، لأنها تنتمي لطبقة اجتماعية معينة طبيعتها مرفهة، والثانية تبحث عن وظيفة لكسب العيش فقط، ويتجاهل فكرة الطموح والرغبة في التحقق، التي قد تتواجد عن النساء من مختلف الطبقات والمستويات، وتمثل دافعًا محوريًا للكفاح والاجتهاد من أجل بلوغ الهدف”.
هل تقدم الحكومات العربية دعمًا حقيقيًا لتمكين النساء؟
على الرغم من الدعم المقدم من الحكومات الخليجية للنساء، إلا أن هناك نقد واتهامات عديدة؛ من قبيل أن تمكين النساء أداة دعائية من أجل تجميل صور الأنظمة، وأن هؤلاء النساء غير فعالات ومؤثرات بشكل حقيقي.
لا تتفق خلود الخلاقي مع هذه الادعاءات، وتؤكد على أهمية وحيوية الدعم الذي تقدمه بعض الحكومات العربية في مجالات تمكين المرأة، وتشير إلى أن البرنامج السعودي للتنمية 2030، لعب دورًا هامًا في تعليم المرأة وتأهيلها لسوق العمل، وتوفير فرص للتمكين في مناصب جديدة، لم تصل إليها من قبل على المستوى السياسي والدبلوماسي وأيضًا الاقتصادي.
وترى زهراء باقر، أن البحرين كانت سباقة عربيًا، من حيث تمكين المرأة التي تولت مناصب قيادية عديدة داخل المؤسسات الوطنية، بالتزامن مع انطلاق مشروع التمكين، ومن ثم كان لها وبنات جيلها والأجيال السابقة حظ كبير في تبوأ العديد من المناصب، فضلًا عن العمل الخاص بمجالات الاقتصاد.
أما الكويتية بيبي عاشور فترى أن الحكومات لم تقدم حتى اليوم الدعم الكافي لتمكين المرأة العربية، وهناك ضرورة ملحة لمراجعة السياسات الحكومية في هذا الصدد، وتعزيز سبل تأهيل المجتمع لتقبل الأفكار الخاصة بعمل المرأة؛ خاصة في المجالات السياسة والاقتصادية.
وختامًا عبرت بيبي عن امتنانها لكونها أول سيدة تتولى رئاسة الجمعية الكويتية للإخاء، وأكدت أنها تعمل ضمن فريق كبير على تعزيز قيم التسامح والتنمية والمواطنة وغيرها من المبادئ التي تهدف إلى خدمة المرأة والمجتمع.
وإجمالًا؛ يمكن القول، إن عملية التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة في دول الخليج، تستمد قوتها من عدة محاور رئيسية؛ أبرزها حاجة المجتمع المتنامية لزيادة أعداد الكفاءات في مجالات مختلفة؛ سواء من الذكور أو الإناث، تزامنًا مع حركة التوسع في الاستثمار المحلي واتساع سوق العمل، وتنوع مجالات العمل العام.
كما تعد عملية التمكين النسوي على وجد التحديد ضرورة مُلحة لدى بعض الحكومات التي واجهت ضغوطًا حقوقية كبيرة على المستوى الدولي، بسبب إقصاء النساء، فضلًا عن أن عملية التمكين لا تنفصل عن حالة الحراك المجتمعي والسياسي التي تشهدها غالبية دول الخليج في الوقت الراهن، مع الوضع في الاعتبار بأن المساواة بين الجنسين تساهم بشكل كبير في النهوض بالاقتصاد والتنمية المستدامة للمجتمعات.
في المقابل؛ هناك عقبات تواجه المرأة، تتعلق بالعادات المجتمعية والهيمنة الدينية والسيطرة الذكورية التي تصل حد “العقد النفسية” في بعض الحالات، وبالرغم من الدعم الحكومي الكبير نسبيًا خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بتمكين النساء؛ إلا أنه من اللافت أن بعض الحكومات ما زالت بطيئة في تحقيق الأهداف المنشودة، وتكتفي بالتمثيل الأدني، وربما يتطلب دفع الأمر المزيد من الحراك الحقوقي والنسوي المدفوع بدعم دولي خلال الفترة المقبلة، للوصول إلى مرحلة التمكين “المرضية” أو “العادلة”، بتعبير أصدق.