بين يوم وليلة، استيقظ السودانيون الآمنون على أصوات المدافع وطلقات الرصاص تحصد الأرواح، بينما كانوا يستعدون لموعد إتمام الاتفاق السياسي، بين طرفي الصراع المدني والعسكري، عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان و قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي كان نائبًا للبرهان في المجلس منذ قيام الثورة السودانية ضد الرئيس البشير.
وكان من المفترض أن يشهد شهر أبريل الاتفاق السياسي، والتوقيع على الدستور الانتقالي تمهيدًا لتشكيل حكومة مدنية انتقالية منتصف الشهر ذاته، حسب الإطار المتفق عليه بين كل القوى السياسية في السودان، والذي تم التوقيع عليه من قبل البرهان ل رئيس مجلس السيادة و حميدتي قائد قوات الدعم السريع، وبحضور ممثلين عن الآلية الدولية الثلاثية واللجنة الرباعية الدولية؛ ما يفتح بابًا لعلامات استفهام كبرى، حول خفايا التحول المفاجئ للأحداث وتصعيدها.
وكشف عدد من المسؤولين الغربيين عن أن حميدتي يحتفظ بمعظم أمواله هذه في دبي، بعد انفتاحه وتعامله المباشر مع الخليجيين، كما ازداد نفوذه، في مواجهة الجيش في ظل ما تحصل عليه من دعم خليجي.
ويعزي الكاتب السوداني محمد جميل أحمد في مقال له منشور على إندبندنت عربية عن الحرب السودانية الأخيرة، إلى الفساد الذي خلفه تيار الإخوان المسلمين من محاولات ممتدة لتخريب الجيش السوداني طوال 30 عامًا، بالإضافة إلى عجز القوى السياسية على إدارة المشهد في ظل غياب ما أسماه “بالوعي الوطني”.
بينما جاءت آراء أخرى تعيد الأمر إلى خلاف بين البرهان وحميدتي، بسبب طلب الأول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتتضارب آراء المحللين وتوجهات التقارير حول الأسباب المؤدية للصراع الأخير كل حسب توجهاته. وانقسمت أصابع الاتهام التآمرية مشيرة إلى الإخوان المسلمين، أو دور تحريضي من دولة خارجية كالإمارات.
وبرز اسم الإمارات في الأحداث مع مساعدتها في عودة الجنود المصريين من السودان، وطالبت الإمارات كافة أطراف النزاع في السودان إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار.
وكانت الإمارات عضوًا في اللجنة الرباعية، والتي ضمت أيضًا (السعودية وأمريكا وبريطانيا) للوصول لتسوية سياسية عبر الاتفاق الإطاري الموقع بالفعل في الخامس من ديسمبر 2022، كما برز اسمها في محاولات التهدئة ما بين السودان وأثيوبيا في 2021.
ومع تعالي الأصوات المشيرة لمؤامرة إماراتية في السودان عقب الصراع الأخير، علق الأكاديمي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله في تغريدة له، بأن الحديث عن مؤامرة ضد السودان “تفكير عبثي”. وأشار إلى أن الإخوان المسلمين أكبر المستفيدين من الاقتتال. الحالي.
لا احد في الخارج يود حرق السودان. الكل يدعم سودان مستقر ومدني كما جاء في اتفاق اطاري بدعم اقليمي ودولي. البحث عن مؤامرة ضد السودان تفكير عبثي عقيم. والنزاع العسكري اكبر دليل ان السودان ابتلى بحكم العسكر منذ 70 سنة منها 30 سنة بدعم من الاخوان المستفيد الأكبر من استمرار الاقتتال
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) May 5, 2023
تستند الآراء في توجيه الاتهام للإمارات بالمؤامرة في السودان إلى علاقة خاصة مع حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، والاستثمارات الإماراتية والنزوع للاستفادة من موارد السودان والهيمنة عليها، فكيف بدأت العلاقة مع حميدتي؟ وإلى أين وصلت؟ ما حجم الاستثمارات الإماراتية في السودان؟ وهل تلعب قوات الدعم السريع دورًا فيها؟
من البشير إلى حميدتي، العلاقات الإماراتية السودانية
تعود جذور العلاقة بين السودان والإمارات لسنوات مضت، إلا أنها تجسدت بشكل عميق خلال عهد الرئيس الأسبق عمر البشير، الذي اضطرته ظروف بلاده الاقتصادية، ورغبته في الاستحواذ على الدعم الخليجي إلى إعلانه الانضمام إلى ما سمي بـ”التحالف العربي” في عملية “عاصفة الحزم” عام 2015. وجاءت مشاركة السودان في حرب اليمن، بقوات أغلبها من جنود الدعم السريع
وذلك عقب انقلابه على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وقيامه بإبعاد عناصر منهم من مناصبهم بالسودان، بالإضافة إلى اتخاذه مواقف مناهضة لكيانات محسوبة على التنظيم تنفيذًا لاشتراطات أمريكية، حصل بموجبها على قرار مهم برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ سنوات طويلة وخانقة للسودان، وجاء وذلك بدعم خليجي من السعودية والإمارات.
وترجع نشأة قوات الدعم السريع في صورة تشكيلات عسكرية، إلى كونها جزءًا من “ميليشيا الجنجويد” في 2003؛ والتي اعتمدت عليها حكومة الرئيس البشير في حربها ضد المتمردين في إقليم دارفور. وفي 2013 أصبحت قوات شبه نظامية تابعة لجهاز الأمن الوطني في السودان.
وأجاز المجلس الوطني قانون قوات الدعم السريع، وبموجبه أصبحت رسميًا تحت قيادة رئيس الجمهورية مباشرة، مع تبعيتها في ذات الوقت إلى القوات المسلحة في يناير 2017.
وبعد عزل البشير أصدر المجلس العسكري الانتقالي برئاسة البرهان في 30 يوليو 2019 مرسومَا دستوريَا، عدّل بموجبه قانون قوات الدعم السريع، ما جعلها منذ ذلك التاريخ شبه مستقلة عن الجيش، ولا تستطيع قياداته عزل أو إقالة قائد قوات الدعم السريع.
وبحكم قيادته لقوات الدعم السوداني، التي شاركت في الحرب الخليجية اليمنية، توطدت الصلة وتعمقت العلاقات بين حميدتي وبين دول الخليج متمثلتين في السعودية والإمارات، اللتين بدأتا في التحول تدريجيًا عن دعم البشير، بسبب سياسته البرجماتية، واحتفاظه بعلاقات مع تنظيم الإخوان، وهو الأمر الذي أفقده ثقة دول التحالف الخليجي، وجعلهم ينقلبون عليه.
ونجح قائد قوات الدعم السريع، في تحقيق مكاسب كبيرة جراء علاقته بدول الخليج من خلال شراكاته مع شخصيات وأمراء بارزين، حتى نمت ثروته من العقارات والماشية وشركات الأمن الخاصة. بحسب تقرير منشور في النيورك تايمز.
وينفي الصحافي والكاتب السياسي السوداني، عبد الجليل سليمان، في تصريحات خاصة لمواطن، وجود أي علاقة خاصة للإمارات بقوات بالدعم السريع، ويعتبر كل هذا ترويج دعائي من الإخوان ورجال نظام البشير.
كما يعتقد أن علاقة الإمارات بالسودان علاقة طبيعية، مثل علاقة مصر والسعودية، وغيرهم من بلدان خاصة مع العمق التاريخي وقدم العلاقات الإماراتية السودانية.
وعلى النقيض كان رأي الباحث السياسي السوداني، د. مجدي الجزولي بإنه “تشير قرائن الأحوال إلى أن الإمارات العربية المتحدة، كان لها دور في تعزيز طموحات قيادات الدعم السريع وقدراتهم الحربية”
ويضيف الجزولي لمواطن، بأنه من قرائن العلاقة ما بين قوات الدعم والإمارات، عمل القوات المشاركة من السودان في حرب اليمن تحت إمرة الدعم السريع، بالإضافة إلى “علمهم كمرتزقة لصالح الإمارات”، حسب تعبيره.
وعن المشاركة في الحرب اليمنية يرى سليمان أن القرار جاء في عهد البشير ومن الحكومة السودانية، وأن البرهان نفسه كان مشرفًا على انتقاء الجنود المشاركين. ما يجعل الأمر علاقة مع الدولة السودانية، لا قوات الدعم.
لكن الجزولي يؤكد أن العلاقة قائمة بالفعل ويضيف “توفر الإمارات العربية المتحدة موطنًا آمنا لعدد من قيادات هذه المليشيا (قاصدًا قوات الدعم السريع)، كما تعمل أفرعها الإعلامية من داخل الإمارات بصورة أو أخرى”.
وعن الهدف جراء هذه العلاقة يقول “الهدف الذي تسعى الإمارات لتحقيقه عبر هذه المليشيا في السودان، أمر يصعب فهمه، ويفوق ربما قدرة الإمارات مهما عظمت على إدارة شبكة معقدة وواسعة للتجنيد والغنيمة، كالتي تمثلها قوات الدعم السريع”.
الاستثمار الإماراتي وثروات السودان
تسعى الإمارات لاستثمار زراعي كبير، وعلى مدى زمني طويل، في دار زغاوة غرب السودان، وهي المنطقة القريبة من وادي العطرون، حيث توجد مناجم الذهب وحقول البترول واليورانيوم التي تم اكتشافها مؤخرًا بالقرب من الحدود الليبية
وفي النصف الأول من عام 2018 أنتج السودان 63 طنًا من الذهب، اشترى بنك السودان الحكومي منها ثمانية أطنان فقط بأقل من سعر السوق، بينما تم تهريب البقية، وفقًا للجارديان البريطانية، والتي أشارت إلى أن الإمارات استوردت أكثر من تسعين بالمئة، من هذا الذهب ودون علم الحكومة السودانية المركزية.
كما كشفت عن وجود عمليات تهريب للذهب من أفريقيا، تقدر بمليارات الدولارات سنويًا عن طريق الإمارات، والتي اعتبرها التقرير بوابة لتهريب ثروات ليبيا والسودان إلى أوروبا.
وتمتلك السودان احتياطيًا كبيرًا من مادة اليورانيوم الخام التي تدخل في صناعة الأسلحة النووية، وذلك في عدة أماكن؛ منها دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق والبطانة وولاية البحر الأحمر، وهي مناطق يخضع جزء منها لسيطرة حميدتي، كما تسيطر قواته أيضًا على حقول النحاس السودانية وبعض مناجم الذهب.
أيضًا تسعى الإمارات لاستثمار زراعي كبير، وعلى مدى زمني طويل، في دار زغاوة غرب السودان، وهي المنطقة القريبة من وادي العطرون، حيث توجد مناجم الذهب وحقول البترول واليورانيوم التي تم اكتشافها مؤخرًا بالقرب من الحدود الليبية.
ولا يمكن فصل كل ذلك عن الاستثمار في الموانئ السودانية، والاستفادة من الموقع الهام للسودان على البحر الأحمر، في إطار سعي الإمارات للسيطرة على الموانئ الهامة في القرن الأفريقي، من خلال هيئة موانئ دبي العالمية.
وفي 2020 نشر موقع إماراتي إلكتروني رسمي عام، خبر مفاده أن هناك غضبًا كبيرًا بين السودانيين، بسبب تسريبات خاصة بتوجه نية الحكومة السودانية الانتقالية لخصخصة خمسة موانئ، وتأجيرها لشركات أجنبية، لتوفير سيولة تساعد على الخروج من الأزمة الاقتصادية المزمنة.
وأضاف الموقع الإماراتي، أن هناك ردود فعل من العاملين السودانيين في تلك الموانئ، لرفضهم ما نما إلى علمهم بأن شركة موانئ دبي تسعى للاستحواذ على أكبر ميناء بالسودان، وهو ميناء بورتسودان لمدة عقدين من الزمان.
ولم ينكر الموقع الإماراتي دور حميدتي، وأشار إلى أن “قرارًا قد صدر لتعيينه رئيسًا للجنة العليا للطوارئ الاقتصادية، ليعزز من إبرام الصفقة لصالح شركة “موانئ دبي”، نظرًا للصلاحيات الواسعة التي منحت لهذه اللجنة، وقرب الرجل من الإمارات.
وفي نهايات 2022، تم الإعلان عن توقيع الحكومة السودانية، ومجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية، وشريك سوداني بالقصر الرئاسي في الخرطوم، اتفاقية مبدئية لتشغيل ميناء أبو عمامة على البحر بمبلغ 6 مليارات دولار.
لكن هيئة موانئ أبوظبي عادت ونفت هذا الأمر في 18 أبريل 2023، بعد اندلاع الحرب بين السودانيين، وبعد مرور عدة أشهر على نشر الخبر في صحف عربية ودولية، وكان إحداها جريدة الشرق الأوسط السعودية، التي نشرت الخبر بتاريخ 13 ديسمبر 2022.
ولم تختلف آراء سليمان والجزولي السياسية للدور الإماراتي في السودان عن الاقتصادية، إذ يعتبر سليمان الاستثمارات الإماراتية مثلها مثل العلاقات السياسية طبيعية وموجودة مع الحكومة من قبل تواجد قوات الدعم السريع، ومن بعد تواجدها. إذ تشمل الاستثمارات الإماراتية دول كثيرة، لا السوادن وحدها. بينما يعتقد الجزولي أن قوات الدعم السريع، تمثل نوعًا من تسهيل المصالح الإماراتية، على الجانب الاقتصادي.
“ساهم الذهب، في تعزيز العلاقة بين الدعم السريع والإمارات، خاصة أن بعد انفصال جنوب السودان، أصبح الذهب سلعة الصادر الرئيسة للسودان. وتحكمت شركات آل دقلو في قسط مقدر من هذه السلعة، التي كان صادرها إلى العالم يعبر بالكلية عبر الإمارات”. حسبما أضاف د. الجزولي لمواطن
من جهة أخرى يستكمل الكاتب السياسي عبد الجليل سليمان حديثه لمواطن، “على الرغم من النزاعات والصراعات وعدم الاستقرار، إلا أن السودان تطل على البحر الأحمر، وبها العديد من الثروات، ما يجعلها ذو أهمية، لعديد البلدان لا الإمارت وحدها”
“نظام البشير هو من سلم منجم الذهب في جبل عامر، لقوات الدعم السريع في 2017، ثم سلمت قوات الدعم المنجم إلى الحكومة الانتقالية في 2019”. والآن يتبع للحكومة السودانية، وفقًا لسليمان.
وعلى الرغم من وجود عوامل كثيرة تؤكد على تداخل وتشابك المصالح الإماراتية، مع مقدرات السودان وثرواته، وهو ما يتفق عليه الجميع من الجانبين، إلا أن الخلاف سيظل حول الدور الذي تلعبه الإمارات، بين اتهامات بإشعال الأوضاع، وأحاديث عن مجهوداتها في محاولة تهدئة النزاعات، وعن أي وجه تحضر به الإمارات في السودان؟ أسئلة يصعب الإجابة عليه بشكل بات، مع هذا سيبقى يتردد مع كل جديد في السودان اسم الإمارات!