تكمل “مواطن” هذا الشهر عشرة أعوامٍ من عمرها، وتطوي صفحة عقدها الأول وتنفتح بشجاعةٍ على عقدٍ جديد من “ما بعد الخطوط الحمراء”. عشرة أعوام من تأسيس الصحافة المستقلة الحرة في منطقة الخليج واليمن، تعرضت فيها للإغلاق، الحجب، القمع، وكذلك صحفيوها، وبقيت حتى الآن تكبر بمهنيةٍ والتزام بمبادئها الحرة، ودعم حق المواطنة المتساوية في دول المنطقة.
يعيش معظمنا في بلاد الشتات، ونحن أقرب لهذا المجتمع الممتد من الخليج للبحر وحتى المحيط، بهمٍ واحد مشترك هو الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والحق في المشاركة السياسية ودولة المواطنة المتساوية العادلة. نقدم لكم في هذه المناسبة مواطن، وعشرة أعوام من المواطنة والصحافة الحرة. ونحدثكم بلسان فريق العمل.
من مسقط كانت البداية
بدأت “مواطن” كمنبر إعلامي محلي مستقل في عُمان، وكانت الفكرة وراء إيجادها هي الفجوة الواضحة في وجود وسيلة إعلامية مستقلة في عمان؛ جميع أنواع وسائل الإعلام في عمان؛ سواء كانت خاصة أو مملوكة للحكومة، ليست مستقلة أو مشاريع سياسية تديرها الحكومة، أو تفرض رقابةً قاسيةً عليها. يضيف الفزاري: “ولذا كنا نعتقد أن الإعلام يجب أن يلعب دورًا حاسمًا في التنمية من خلال المراقبة والنقد، ولكن ذلك كان أمام نظامٍ لا يرى الإعلام إلا كأحد أدواته”.
ويقول الفزاري، مؤسس ورئيس تحرير مواطن، بأن هذا المشروع: “حلم حياة، حاولت جاهدًا أن أغرس فيه ما أؤمن به من مبادئ إنسانية عامة، ومبادئ المواطنة بشكل خاص في إطار صحفي مستقل وموضوعي”.
الصحافة الحرة ممكنة
محمد هلال، مدير تحرير مشارك في “مواطن”، صديقنا الساخر والملهم، الذي يحرص على تطوير قدرات فريق العمل بشكلٍ دائم، والأهم الالتزام بخطها التحريري. يصف “هلال” مساعي مواطن وبيئة الصحافة في الخليج: “المساحات الصحفية المستقلة والحرة في الخليج العربي محدودة جدًا، ولذا تسعى مواطن دائمًا لتقديم ما تفتقر إليه الصحافة الخليجية من معالجات صحفية حرة ومستقلة، لا تدعم الحكومات ولا تتبنى توجهات المعارضة”.
في بيئةٍ يصفها مؤشر حرية الصحافة بالخانقة، أثبتت مواطن أن الصحافة الحرة والمستقلة ممكنة. عباس طالب، صديقنا العملي والهادئ من أرض الأرز ومدير الشراكات والمناصرة، يرى أن أهم ما حققته مواطن هو: “القدرة على تأسيس عمل صحفي مستقل، هو الأول من نوعه في المنطقة، بتناوله مواضيع حساسة ومسكوت عنها في الإعلام التقليدي وشبه المستقل”.
مضيفًا: “استقلالية مواطن التامة في خطها التحريري وطريقة طرحها للمواضيع التي تخص المواطنة ونوعية المواضيع متفرد في الخليج، ولذا نتمنى أن تكون مواطن قد ساهمت في إثبات إمكان إيجاد صحافة حرة ومستقلة في الخليج”.
"من تجربة "مواطن" كمشروع مستقل ماديًا، ولأن فريقه كذلك مستقل وغير محسوب على أي طرف؛ سواء كان سياسيًا أو طائفيًا؛ نستطيع التأكيد أن الصحافة الموضوعية والحرة والمهنية ذات الخلفية العلمانية يمكن أن تكون موجودة، تحيا، تستمر، تنافس وتؤصل لمثل هكذا مشاريع رغم كل المحبطات والتحديات المحيطة".
محمد الفزاري| مؤسس ورئيس تحرير مواطن
قيم مواطن
يحدثكم محمد الفزاري عن نهج مواطن: “يرتكز نهج مواطن في الصحافة على مبادئ حقوق الإنسان، ويسعى إلى الكشف عن القضايا المحرمة التي تؤثر على حياة المواطنين في منطقة الخليج والعالم العربي، بما في ذلك المواضيع الحساسة سياسيًا ودينيًا واجتماعيًا ، وإعداد التقارير عنها”.
أما هدفنا فهو: “دولة المواطنة على أساس ثقافة الاختلاف؛ حيث تُسمع أصوات الأفراد، وتُحترم حقوقهم. من خلال الصحافة المتميزة والمستقلة، تهدف مواطن إلى إبراز أهمية حقوق الإنسان وارتباطها برفاهية المجتمع، ويسعى جاهدًا لإحداث تأثير هادف من خلال لفت الانتباه إلى القضايا الحاسمة التي تؤثر على حياة المواطنين، ومن خلال تعزيز ثقافة الشفافية، والمساءلة في العالم العربي”.
وعن قيم مواطن هكذا يقول هلال: “القيم التي نرى أنها تمثل مواطن، هي الشفافية والمصارحة للقارئ فيما يتعلق بالمانحين، ومن أين تأتي الأموال لمواطن، وأيضًا سياستنا التحريرية المبنية على قيمةٍ أصيلة؛ هي أن المواطن أولًا، وهو الذي نعمل ونسعى لكسب رضاه من خلال تقديم صحافة تحترمه وتحترم قيمة المواطنة”.
في كل عامٍ من أعوامها العشرة، سلطت مواطن الضوء على مواضيع المساواة الجندرية، انتهاكات حقوق الإنسان والواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة بعشرات القصص والفعاليات. نذهب بالقارئ لما بعد الخطوط الحمراء، وكل ما هو مسكوت عنه، نحن نناقشه في هذه المساحة الحرة التي تكبر كل عام من عمر مواطن، بجرأة وحيادية، ولكن بانحيازٍ للمواطنة وحقوق الإنسان.
في هذه القضايا، لا نقف كصحافة ناقلة؛ بل نتبنى القضايا العادلة، وبالقدر الذي تلعب مواطن فيه دور الصحافة المستقلة، تلعب مواطن دور المشروع الثقافي بالتوعية بحقوق الأقليات والمهمشين ودعم قضاياهم، وفتح المجال أمام إيجاد مساحةٍ للتفكير الحر بعيدًا عن الأحكام والقيود التقليدية.
يتحدث هلال عن هذا الدور: “تلعب مواطن دورها في دعم حقوق الإنسان، بدورٍ صحفيٍ بشكلٍ أساسي، يتمثل في تسليط الضوء على المهمشين والمضطهدين، وإيصال صوتهم للعامة، وتبني قضاياهم العادلة والحديث عنهم، والسعي باستمرار لخلق معرفة بحقوق الأقليات والمهمشين”.
إنجازات، تحديات، والتزام
حتى عامها العاشر، أصدرنا في مواطن 52 عددًا من مجلة مواطن، أطلقنا إذاعة مواطن بسلسلتي بودكاست تتجاوز الخطوط الحمراء، وتلمس القضايا التي تهم المواطن الخليجي، بستة أقسام وعشرة ملفات تغطي مختلف المواضيع “سياسة، انتهاكات، فكر، جندر، أقليات، صحافة، مجتمع، إبداع، اقتصاد، وبيئة” وبمختلف أشكال الكتابة، لننهي العام العاشر بإطلاق العدد الأول من مجلة مناصرة وافتتاح قسمي صحافة البيانات والتحقيقات.
في المقابل، لم يكن ذلك سهلًا في بيئةٍ صحفيةٍ كهذه التي في الخليج والعالم العربي، واجهتنا التحديات، محاولات الحجب والإسكات. تعرض صحفيو وكتاب “مواطن” للتهديد والاعتقال، ما أجبر الفريق على التوقف نهائيًا عن إصدارها في 14 يناير / كانون الثاني 2016، لتعود من جديد في اليوم العالمي لحرية الصحافة “الـ 3 من مايو 2017″، بأفقٍ أكبر ونطاقٍ أوسع كمشروع صحافةٍ مستقل في منطقة الخليج والعالم العربي. وفي نفس اليوم قامت السلطات العمانية بحجبها في عمان. ولاحقًا العام 2021، قامت السلطات السعودية هي الأخرى بحجب موقع شبكة “مواطن”.
يعلق هلال على هذه التحديات: “افتقار الخليج لصحافة مستقلة في الداخل، وانتشار نموذج الصحافة الموالية يخلق تخوفًا من مشاركة الصحفيين الخليجيين في الداخل، وبعض الأسماء التي نحاول استطلاع آرائها في مواضيعنا التي نتحدث عنها، هذه صعوبات يمكن أن نلخصها بشكلٍ أساسي بالترهيب والحجب والمنع الذي يهدف باستمرار لحجب صوتنا من الوصول للناس”.
نسعى لتقديم صحافة حرة مستقلة بأحدث المعايير والأدوات التقنية في الصحافة الغربية، عبر تأسيس أقسام جديدة تغطي مساحات غير موجودة في الصحافة الخليجية؛ مثل قسم صحافة البيانات، وقسم التحقيقات، والعمل على القصص المعمقة، والاهتمام بتدقيق المعلومات ما قبل النشر وبعد النشر، للحرص على تقديم صحافة نزيهة وموضوعية
محمد هلال| مدير تحرير مواطن
من فريق العمل
يارا اليوسف، كاتبة جميلة، محاورة رائعة، نسويةٌ قاسية، وجزءٌ مهم من فريق مواطن. بلسان الفريق، تختار يارا أن تتحدث عن تجربتها في مواطن؛ في داخل الفريق وفي مواجهتها اليومية لقضايا تمس إنسانية الفرد قبل أن تكون قصصًا تتحدث عن القمع والظلم.
تقول يارا: “رغم الضغوطات وتأثري النفسي أحيانًا بقصص النساء التي نعمل عليها في الخليج والعالم العربي، والانتهاكات التي تمارس بحق الأفراد، وقصص القمع والقتل والتعذيب ومصادرة الحريات التي تستهلك نفسية العاملين في هذه المساحات، جعلني العمل في مواطن في تلامس دائم مع قضايا إنسانية هامة طورت من تفكيري حتى على المستوى الشخصي، مع فريق عمل مميزٍ ومساند. ورغم اختلاف جنسيات فريق العمل؛ فبيننا تناغم من نوع خاص، وتبادل ثقافات تضفي على العمل نوع من المتعة”.
وتضيف: “مواطن” المكان الحر للتعبير عن أفكاري، أستطيع أن أفكر وأشارك أفكاري وتساؤلاتي بكل حرية، تعلمت في مواطن التفكير بحيادية وعدم التعصب الأعمى لفكرة معينة، تعلمت أيضًا المرونة وعدم الخوف من تغيير أفكاري التي تبنيتها لسنوات، حتى إن لم أكن من فريق العمل سأعطي لمواطن كامل التقدير والاحترام لدعم هذا المشروع للإنسانية والمواطنة بصفة عامة، وللنساء بصفة خاصة”.
أكملنا اليوم عشرة أعوامٍ معكم أصدقاءنا القراء، ونفتتح معكم في بيتنا الذي يكبر بكم، وبهذا الفريق عقدًا جديدًا بشغفٍ أكبر، والتزام ثابت بالقيم التي تأسست عليها مواطن، ومشاريع أكبر وصحافةٍ أكثر عمقًا واحترافية، نفتح قنواتٍ للمعلومة، للمشاركة المدنية، للتغيير والإصلاح ولـ “ما بعد الخطوط الحمراء”.