لم تسلم المرأة اليمنيّة من أضرار الحرب ومخلفاتها على مدى السنوات الثماني التي اشتعلت فيها بين أطراف الصراع في اليمن، وأثقلت كواهل النساء ونالت من حرياتهنّ، كما زادت من معاناتهنّ بمختلف نواحي الحياة.
تسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015م، بحرمان المرأة من أبسط حقوقها في الحريّة والعيش والعمل، رغم القوانين، والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تجرّم المساس بالنساء، أو إدخالها في مغبّة النزاع والصراعات.
فقد نصّت المادة (11) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم 13 لعام 1994م، “أنّ الحرية الشخصية مكفولة، ولا يجوز اتهام أيّ مواطن بارتكاب جريمة ولا تقيّد حريته إلا بأمر من السلطات المختصة”، وأكدت ذلك المادة (7) من نفس القانون، بأنّ الاعتقالات غير مسموح بها إلا ما يرتبط بالأفعال المعاقب عليها قانونيًّا”.
ويعتبر الإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة، الذي اعتمد ونُشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1974، جميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللا إنسانية للنساء والأطفال أعمالًا إجرامية، بما في ذلك الحبس والتعذيب والإعدام رميًا بالرصاص والاعتقال بالجملة والعقاب الجماعي، وتدمير المساكن والطرد قسرًا، التي يرتكبها المتحاربون أثناء العمليات العسكرية أو في الأقاليم المحتلة.
ومع استمرار وتفاقم الصراع في اليمن، كان للنساء اليمنيات النصيب الأكبر من المعاناة التي تجشّمنها خلال سنوات الحرب، وارتُكبت بحقهنّ العديد من الانتهاكات الجسيمة، والتي تنوَّعت بين نفسية واجتماعية واقتصادية وجسدية، ظلَّت جرائم الاعتقال والإخفاء القسري بحقهنّ، هي الأكثر ظلمًا وألمًا تعرضنَ لها منذ بداية الحرب، بحسب حقوقيُّين مهتمّين بقضايا المرأة.
فقد كشف تقرير حقوقي صادر في شهر مارس 2021م، عن منظمة سام للحقوق والحريات، يحمل عنوان “النساء في اليمن: معاناة ممتدة وانتهاكات مروعة“، تسجيل أكثر من 4000 حالة انتهاك تعرضت لها المرأة اليمنية منذ بداية الحرب وحتى نهاية 2020م، من قبل أطراف النزاع في اليمن، شملت: القتل والإصابات الجسديّة، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، ومنع من التنقل”.
ووثقت منظمة سام في التقرير ذاته احتجاز عدد كبير من النساء في العاصمة صنعاء، وقالت في بيانها بأنها تحتفظ بأكثر من ثلاثين اسمًا”، وهو جزء من عدد أكبر من النساء اللواتي اعتقلن في سجون سرية تتبع أحد القيادات الأمنية البارزة التابعة لجماعة الحوثي، وفق ما أشارت المنظمة.
إخفاء مركّب للنساء
ورغم كل التقارير الحقوقية التي تتحدث عن اعتقال النساء في اليمن، إلا أنّ الأرقام الحقيقة تظل غائبة عن متناول المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، نتيجة تحفّظ أسر المعتقلات من الحديث حول اختطاف نسائهنّ، نظرًا للعادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع اليمني.
تقول رئيس رابطة أمهات المختطفين أمة السلام الحاج، في حديثها لـ “مواطن“: “أعداد كبيرة من النساء معتقلات في اليمن، لكننا لم نستطع أن نوثّق هذه الأعداد، ولم نستطع الوصول إليهنّ، نظرًا لظروف المجتمع اليمني، وقضية العيب والعار؛ حيث أغلب الأسر تخفي أن تكون ابنتها مختطفة”.
وتضيف أمة السلام الحاج، “حاولنا الوصول إلى العديد من أسر النساء المعتقلات، لكنهم أحجموا عن ذكر أيّ معلومات عنهنّ، وأحيانًا يرفضون تمامًا أن يبلّغوا أو يدلوا ببيانات حول النساء داخل السجون”؛ مؤكدة أنّ جماعة الحوثي تتهمهنّ بقضايا أخلاقية، مما يجعل أهلهنّ يتخلون عنهنّ، وهو ما تحدّثت به تقارير حقوقية خلال السنوات الماضية.
صفقات تبادل منقوصة!
وخلال سنوات الحرب الماضية تمت العديد من صفقات التبادل للأسرى والمختطفين بين أطراف الصراع في اليمن؛ سواءً عبر وساطات قبلية أو جهود فردية، وكذا عبر مشاورات رسمية برعاية دولية عبر الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكنها صفقات منقوصة، كما تشير بعض الحقوقيّات والناجيات من السجون، لأنها كانت خالية من النساء المعتقلات.
أعداد كبيرة من النساء معتقلات في اليمن، لكننا لم نستطع أن نوثّق هذه الأعداد، ولم نستطع الوصول إليهنّ، نظرًا لظروف المجتمع اليمني، وقضية العيب والعار؛ حيث أغلب الأسر تخفي أن تكون ابنتها مختطفة
وقد شهد اليمن في منتصف إبريل الماضي من العام الحالي ثاني أكبر صفقة تبادل بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا من جهة، وبين جماعة الحوثي من جهة أخرى، شملت نحو 900 أسير ومختطف من الطرفين، وبعد عدّة جولات ومشاورات برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقد خلت من النساء إلا من امرأة واحدة أصرت جماعة الحوثي على إخراجها من سجون الحكومة الشرعية، رغم أنها متهمة بقضايا جنائية، حسبما أشارت رئيس رابطة أمهات المختطفين.
النساء المعتقلات خارج صفقات التبادل.. لماذا؟
حمّلت عضو اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأستاذة فاطمة غنّام، أطراف الصراع تجاهل النساء المعتقلات من صفقات التبادل التي تمت خلال الفترات الماضية، وأوضحت بأنّ قرار تحديد من سيتم الإفراج عنهم إن كانوا رجالاً أو نساءً، يتم الاختيار عليه بين أطراف النزاع”.
وأضافت “غنّام” في حديثها لـ “مواطن“، “اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي فقط التي تؤمن عملية تبادل الأسرى والمختطفين، وتقدم الدعم اللوجستي للعملية”. مُضيفة بأنّ اللجنة الدولية لا تتدخل بتحديد أسماء من يتم اختيارهم لعملية التبادل”.
وقال المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي في مفاوضات الأسرى والمختطفين – وكيل وزارة حقوق الإنسان الأستاذ ماجد فضائل: “إن الوفد الحكومي المفاوض يرفض إدخال النساء المعتقلات في صفقات ومساومات التبادل لأنها غير عادلة ولن نجد لهنّ بدلاء من جهة، ومن جهة أخرى لا نقبل أن نعرّض النساء للابتزاز”. مشيرًا إلى أنّ جماعة الحوثي ستتخذ النساء ورقة رابحة في حال التفاوض حول هذا الملف.
وتابع “فضائل” حديثه لـ “مواطن“: “سنرى غدًا جماعة الحوثي تختطف أخواتنا وأمهاتنا وتستخدمهنّ كرهائن لمبادلتهم بمجرمين ومتمردين”؛ مبيّنًا أنّهم دائمًا ما يدعون إلى الإفراج عن النساء المعتقلات دون قيد أو شرط.
وتصف رئيس رابطة أمهات المختطفين الأستاذة أمة السلام الحاج، ملف النساء اليمنيات المعتقلات بأنّه شائك. وترى أنّ هذه قضية لا يجب تسيسها، حتى لا تدخل ضمن الصراعات السياسية، ويتم البيع والشراء فيها، على حدّ تعبيرها.
وتحدّثت “أمة السلام الحاج” بقولها: “بالنسبة لملف النساء المعتقلات هو شائك، ولا نستطيع أن نزج به في مسألة التبادل، لأن المختطفات مدنيات، لم يشاركن في أيّ صراع، ولم يجندن مع أحد، وتم اختطافهن على خلفية سياسية أو رأي”.
نحن النساء ظلمنا مرتين، ظلمنا ونحن داخل المعتقلات من جماعة الحوثي، وظلمنا أيضًا ونحن نبحث عن مأوى بعد أن شُردنا من العاصمة صنعاء
أمّا رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات المحامية هدى الصراري؛ فقد عدّت تجاهل النساء من صفقات التبادل نمطًا سلبيًا قد يعرضهنّ لمزيد من الانتهاكات والتمييز، مضيفة أنّ ذلك يمكن أن يزيد من معاناتهن ويؤدي إلى تجاهل حقوقهنّ وتهميشهنّ بشكل أكبر.
تضيف المحامية هدى الصراري لـ “مواطن“: “يجب أن يتم الضغط ومطالبة طرفي الصراع المتفاوضة لتبادل الأسرى والمعتقلين بالإفراج الفوري عن النساء المختطفات، فمن المعيب إدراجهنّ في صفقات التبادل لأنهنّ لم يكنّ محاربات أو تم اعتقالهنّ وأسرهن في جبهات القتال؛ إنما خطفن من أعمالهن أو على خلفية أنشطة تعارض توجههم، أو نتيجة لعدم انصياعهنّ للعمل معهم، أو تعرضن للخطف من منازلهن”، محمّلة جماعة الحوثي الطرف الوحيد باعتقال النساء واختطافهنّ، وهو ما أشار إليه تقرير فريق لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة الأخير المعني باليمن بقوله: “إن الحوثيين يواصلون إخضاع المدنيين، -بما فيهم النساء- للإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب؛ مما يشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي”.
واعتبرت منظمة “مساواة” للحقوق والحريات – في بيان لها صادر منتصف أبريل من العام الحالي- هذا التجاهل المريب والتجاوز المخزي، والاستبعاد غير المبرر لملف المعتقلات والمخفيات قسريًا في سجون الحوثيين من أجندة المفاوضات، بأنها سقطة إنسانية لا تغتفر للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولكل من رحب بهذا الاتفاق المشوه الذي خرجت به هذه المفاوضات بصيغته الحالية.
المعتقلات ومعاناة السجون.
تتحدّث الناجية من سجون جماعة الحوثي سونيا صالح، -وهي ناشطة حقوقية اعتُقلت في 6 مارس 2019م من أحد شوارع العاصمة صنعاء على خلفية رأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي- وهي تحبس أنفاسها، وتدخل بحالة نفسية سيئة عندما تتذكر المعتقل: “بأنّ المعتقلات يتعرضن لأبشع الانتهاكات داخل السجون، والتعذيب النفسي والجسدي”، وتعتب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، ترك المعتقلات في السجن وتجاهلهنّ من صفقات تبادل الأسرى والمختطفين.
وتواصل “سونيا” حديثها لـ “مواطن”، “بالنسبة لتجاهل النساء من صفقات التبادل، هم يحسبونها (الحكومة الشرعية) بطريقة مختلفة، لكن المرأة السجينة هي التي تعاني، وكان الأجدر بهم أن يبادلونا بأسرى، أو أيًّا كان، أهم شيء يخرجونا، بس هم ليسوا شاعرين بمعاناتنا في المعتقلات”.
تختتم الناجية “سونيا” بالحديث حول المعاناة التي تلاحقهنّ بعد الخروج من المعتقل، نتيجة إهمال ملف الناجيات من قبل وزارة حقوق الإنسان والحكومة الشرعية، وتقول: “نحن في الحقيقة ظلمنا مرتين، ظلمنا ونحن داخل المعتقلات من جماعة الحوثي، وظلمنا أيضًا ونحن نبحث عن مأوى بعد أن شُردنا من العاصمة صنعاء”.
وعلى واقع الحياة الإنسانية التي تعيشها البلاد، تظل المرأة اليمنيّة حبيسة الانتهاكات المختلفة، وأكثر الفئات الاجتماعية معاناة، وتفتقر إلى أبسط وسائل الحماية والوقاية من هذه الانتهاكات التي تعصف بها من كل جانب، نتيجة الحرب.
تقرير رائع جدا