بعد انطلاقة المملكة العربية السعودية من سنوات الانغلاق إلى عالم الانفتاح مع “رؤية 2030”. وبدء الاهتمام بالفنون، ونشاط السياحة وطرق أبواب استثمار اقتصادي جديدة، أصبح هذا الانفتاح محل شك سريعًا، حين تم منع عدد من الأعمال الفنية بأوامر من الهيئة العامة للإعلام؛ مبررة ذلك بالحفاظ على قيم المجتمع السعودي، وكان من هذه الأعمال مسلسل “ضحايا حلال”، الذي عُرض منه حلقتان عام 2020، وصدرت الأوامر بمنع عرضه.
ومع رفض منصة شاهد الإلكترونية أو القائمين على العمل التعليق بتاتًا على هذا المنع في حينه، فُتح بابًا من التساؤلات حول جدية خطوات الانفتاح في المملكة، ومدى تقبلها مناقشة مشكلات المجتمع بجدية ورؤية ناقدة.
يصور المسلسل زواج المسيار كظاهرة مستشرية بين جميع أطياف وأركان المجتمع السعودي، وكنوع من الجنس المقنن والمغلف بالشرعية الدينية والقانونية، وبالتالي اعتبر جميع السيدات اللاتي يقعن تحت طائلة هذا الزواج "ضحايا حلال".
يكشف المسلسل المنظومة التي يدار على أساسها زواج المسيار في المملكة، والتي تبدأ من خاطبة أو “خالة” كما يطلق عليها، تتولى أمر عدد من السيدات، ولها مأذون خاص يقوم بعقد القران، وتحصل هي على نصف الأموال من المهر ومؤخر الصداق، وتكون للفتاة النصف الآخر من الأموال. ويصف الناقد الفني عصام زكريا المسلسل في مقاله المنشور على الشرق، بأنه “جريء وغير مسبوق”في تاريخ الدراما الخليجية.
وبعدما كان ممنوعًا من العرض لمدة 3 سنوات، في منتصف مايو 2023، يتم عرض المسلسل من جديد، ما يعيد الأسئلة مرة أخرى حول أسباب المنع وأسباب العرض، وما الذي تغير خلال الثلاث سنوات؟
يحاول العمل تتبع ما تتعرض له السيدات جراء هذا الزواج، ومن يقعن في فخاخه، ومن يدير هذه الكارثة ويقف خلفها، على أساس أنها زواج عادي، ولكنه اتجار مبطن بالبشر.
والفتيات اللاتي يقعن تحت طائلة هذا الزواج في المسلسل، منهن التي تجبرها الظروف، وخضعت لزواج المسيار للإنفاق على نجلتها التي تركها والدها، وأخرى انتقلت من سوريا إلى المملكة بعد الحرب في بلادها، وثالثة مغربية قررت أن تكسب الأموال بشكل أكبر عن طريق هذا الزواج كطريقة ربح سريعة.
ومن خلال الأحداث يصور زواج المسيار كظاهرة مستشرية بين جميع أطياف وأركان المجتمع السعودي، وكنوع من الجنس المقنن والمغلف بالشرعية الدينية والقانونية، وبالتالي اعتبر المسلسل جميع السيدات اللاتي يقعن تحت طائلة هذا الزواج “ضحايا حلال”.
زواج المسيار هو، عقد زواج شرعي بالنسبة لهيئة كبار العلماء السعودية، تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها الشرعية كالسكن أو النفقة أو المبيت، وهو موضوع خلافي فقيهًا تنقسم الآراء فيها إلى ثلاث اتجاهات، فريق ضده لما يترتب عليه من مفاسد خاصة بالمرأة لاعتباره فعل مهين، وفريق قال بإباحته، وفريق يبيحه مع اشتراط عدم تحديده بوقت معين، حتى لا يتشابه مع زواج المتعة عند الشيعة.
المرأة في "زواج المسيار"، سلعة جنسية لإرضاء رغبات الرجل؛ فالعلاقة تقام بمنزلها وهذا من الشروط الأساسية، كما أنها بالسر ولا يحق لها الإنجاب.
وتعنى وزارة العدل السعودية بتحديد مدة زواج المسيار بمدة تبدأ من 14 يومًا وتمتد حتى سنتين، ولا تزيد عن هذه المدة، وفقًا لموقع السعودي اليوم، ويحتاج إلى وجود ولي عن المرأة، وموافقة الطرفين، وشاهدين عليه.
وبحسب تقرير “الأصول الفقهية… هكذا حرم فقهاء السنة زواج المتعة وحللوا المسيار” على موقع مريانا، فإن زواج المسيار ليس إلا تجلي حديث لفكرة لزواج المتعة، ويسرد التقرير أن زواج المتعة كان معمولاً به بفتوى من النبي محمد، حسبما جاء في مسند أحمد بن حنبل، وتضاربت الأقاويل حول مصيره، إذ توجد روايات تؤكد على أن النبي منعه فيما بعد، بينما تقول روايات أخرى باستمرار العمل به كزواج شرعي.
وباعتماد الفقه الشيعي لزواج المتعة، قامت منظومة الفقه السني بتحريمه، إلا أنها قامت باستدعائه في مسمى مختلف باسم زواج المسيار، وبالبحث حول الاختلاف الجوهري بين نوعين الزواج، لا نجد فرق واضح، إلا اعتبار بعض الفقهاء أن مدة زواج المسيار لا تحدد، عكس زواج المتعة.
مع أن التجارب الواقعية تشهد بعدم استدامة زواج المسيار، بين إشارات إلى أن زواج المسيار، يجرى في المملكة عن طريق خاطبة تتقاضى أجرًا، ووزارة عدل تحد الزواج بحد أدنى وأقصى من المدة.
“زواج المسيار بالأساس هو عكس الزواج الطبيعي الذي نص عليه الإسلام، فهو يفتقد لأغلب شروط الزواج، كونه غير مُعلن، ويشترط عدم سكن الزوجين معًا بنفس المسكن، وأن يكون لمدة محددة”. تقول لمواطن الحقوقية السعودية د. سهيلة زين العابدين حماد.
هل اعترفت المملكة بـ زواج المسيار، بعد سنوات من التستر عليه؟
ويعزو الباحث الاجتماعي السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، وكيل جامعة الإمام، السبب الأول في زواج المسيار، إلى رغبة بعض الرجال في إيجاد المتعة الجنسية مع السيدة التي يتزوجها بعد فقدها مع زوجته الأولى، وأنه يضمن للرجل كافة الحقوق التي يريدها، والتي قد تكون غير شريعة، و على النقيض يهدر المرأة كافة حقوقها كإنسانة قبل أي شيء.
ويضيف لـ”مواطن”، أن المرأة تعتبر في “المسيار”، سلعة جنسية لإرضاء رغبات الرجل؛ فالعلاقة تقام بمنزلها وهذا من الشروط الأساسية، كما أنها بالسر ولا يحق لها الإنجاب، وإذا أراد الرجل تطليقها بأي وقت فله ذلك، وتحول الأمر إلى تجارة لها قادتها من الخطابات اللاتي يحصلن على أموال مقابل إتمام هذه العلاقة.
وأكد أن المرأة قد تقع في اختيار هذا النوع من الزواج، للتخلص من بعض الأشياء التي تقع عاتقها؛ مثل شبح تأخر سن الزواج أو عدم وجود عائل مادي أو الترمل، وساهم المجتمع السعودي بشكل أساسي في اتجاه السيدات إلى هذا النوع من الزواج، بسبب نظرة المجتمع السيئة لهنّ واحتقارهنّ.
"لا يمكن التأكيد على سبب محدد حول سبب السماح بعرض المسلسل، في ظل غياب أية بيانات رسمية تفسر ذلك، إلا أنه يعد بكل الطرق انتصارًا ولو رمزيًا لحقوق النساء المهدرة تحت غطاء شرعي"
واتفقت “زين العابدين” مع رؤية المسلسل والباحث الاجتماعي السعودي، في أن زواج المسيار تلجأ إليه السيدات التي تقع تحت ظروف اجتماعية معينة، وأغلبها يكون قهريًا.
وعما إذا كان هناك تغير في توجهات المملكة فيما يخص زواج المسيار، يرى ابن عبد العزيز أنه قد يكون هناك مؤشرات من ‘رادة المملكة لإعادة النظر في أمر هذا الزواج، بعد أن وصل إلى نسبة كبيرة بالمجتمع السعودي، وبدأ ينتج عنه أطفال لا يعترف بهم من الآباء، وإن تم الاعتراف سيكون هناك إشكاليات كبيرة في أمر مسؤوليات هؤلاء الأطفال ورعايتهم، وكون هؤلاء الأطفال بالأساس غير مرغوب بهم وفقَا لشرط العقد.
بينما ترجح الناشطة السعودية، أن يكون عرض المسلسل خطوة ضد زواج المسيار، خاصة وهو ما اعتبرته تغيرًا واضحًا في توجهات وفكر المملكة تجاه أوضاع السعوديات المزرية والمنتهكة من هذا الزواج، والتي ينتهي بهن الأمر إلى الإحساس بأنهن عاملات دعارة بعقود رسمية.
ولا يمكن التأكيد على سبب محدد حول سبب السماح بعرض المسلسل، في ظل غياب أية بيانات رسمية تفسر ذلك، إلا أنه يعد بكل الطرق انتصارًا ولو رمزيًا لحقوق النساء المهدرة تحت غطاء شرعي؛ خاصة مع وجود ظاهرة بلا أية أرقام أو إحصاء رسمي أو غير رسمي حول مدى تفاقمها، ولم يكن مرحبًا بنقدها من قبل المملكة أو الاعتراف بوجودها.
ما نبت تحت الأرض، هل يمكن بتره؟
يشير إحدى التقارير على موقع مريانا إلى أن السعودية رائدة في زواج المسيار، وهو ما يشير إليه تقرير آخر على RT عربية، ويعزو التقرير انتشار الظاهرة إلى العام 1996 حين قام مفتي البلاد آنذاك، بإباحة زواج المسيار في المملكة.
يؤكد لمواطن الحقوقي السعودي د. محمد السهلي، أن هناك تجارة منتشرة في سوق زواج المسيار، وتوجد نساء تتزوج لفترة محددة وتطلب بعدها الطلاق، وإن لم يحدث، تهرب وتتزوج من آخر، ولوجود سرية هذا الزواج لم يُبلغ الأول بالطبع عما فعلته هي به.
ويضيف: “الأمر أصبح يشير إلى كارثة حقيقة بعد وجود ما يمكن أن نطلق عليه عصابات لزواج المسيار؛ سواء عن طريق الخطابات أو السيدات أنفسهن، ومازال هناك عرض وطلب على الأمر ولن يتوقف، طبقًا لضوابط المجتمع الذي نعيشه بسهولة”.
وأوضح أنه مع التغيرات والخطط التي تضعها المملكة العربية السعودية تجاه تغيير العديد من ضوابط المجتمع، وهذا ما شاهدناه خلال السنوات القليلة الماضية، قد يكون إعادة عرض مسلسل “ضحايا حلال” تحذيرًا للجميع بأن الأمر أصبح مكشوفًا.
ويستطرد؛ بأنه على العاملين والمستفيدين من هذه التجارة الحذر مما هو قادم، لأننا قد نكون قريبًا أمام قرارات تحد من هذا الزواج أو تمنعه مع اهتمام الدولة بمجالات حقوق الإنسان والمرأة.
ختامًا، ومع عدم وجود إحصائيات معلنة من المملكة بأعداد المقبلين على زواج، ومع عدة دلائل على شيوع زواج المسيار في البلاد، بل تصديره إلى دول أخرى من بين دول الإسلام السني، ستكون السعودية في مواجهة ما يشبه المافيا، إذا قررت القضاء أو الحد من هذا الزواج، وأنها ستتجرع ويلات السنوات التي عاشتها في سرية العلاقات بين الرجال والنساء للحصول على المتعة الجنسية. فما نبت تحت الأرض يصعب في النهاية بتره؛ بل أحيانًا يصعب مجرد الاقتراب منه.