“المشكلة الاقتصادية اللبنانية تُحل بأسبوع”
تلخص جملة الصحفي اللبناني “محمد بركات” في لقاء تلفزيوني؛ في سياق مطالبته بحلّ الخلافات اللبنانية – العربية، وتحديدًا مع السعودية، من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية، “الصورة الذهنية النمطية عن علاقة المملكة بلبنان”، وتعتبر تلك الجملة كشعار جامع للحديث اللبناني المتكرر من القوى السياسية والشعبية التي تطالب بإصلاح العلاقات السياسية بين لبنان والبلاد العربية، أو بمصطلح أشمل؛ تطبيق سياسة “حياد لبنان”، كمدخل لعودة الدعم الخليجي الكبير إلى البلاد.
لكن المطالبة بتلك العودة تغفل الكثير من المتغيرات التي شهدتها المنطقة، والمملكة على وجه الخصوص، بينما كانت الخلافات السياسية التي لا تنتهي تأكل ما تبقى من الدولة اللبنانية. هناك عدة حقائق تطبع المنطقة ككل، ويغيب عنها لبنان، منها؛ التغيرات الكبيرة في نمط الاقتصاد العالمي، والتنافس الإقليمي على الاستثمارات ومقرات الشركات الدولية، والانشغال الداخلي لدول المنطقة الرائدة بالاقتصاد، وتعاظم مكانة دول الخليج في النظام الدولي، وتراجع مكانة الصراعات الإقليمية وقضايا المنطقة التقليدية.
تُقدم السعودية الحالة الأبرز في سياق الحديث عن لبنان؛ المملكة التي كانت توزع مليارات الدولارات لدعم سياستها الخارجية لم تعد موجودة اليوم، بعد التحوّل من الهمّ الخارجي إلى التحديات الداخلية. تُعبر رؤية “2030” التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تلك التحولات، تلك الرؤية ليست مجرد محاور تنمية فقط؛ بل هي تعبير عن تحوّلات عميقة في بنية الحكم السعودي، ألقت بظلالها على سياسة الدعم الخارجية؛ من المنح والدعم الكبير إلى الاستثمار والدعم المشروط من ناحية الكيف، ومن ناحية الكمّ لن تكرر المملكة تجارب دفع عشرات مليارات الدولارات إلى دول في المنطقة وخارجها، إلا في شكل يعود بالربح على المملكة اقتصاديًا قبل السياسة؛ فضلًا عن أن الاستثمار يفترض التنويع، وليس التركيز على دولة واحدة فقط.
المملكة التي لم تعد كالسابق
يعود الاتصال الرسمي بين السعودية ولبنان إلى عام 1952، الذي شهد استقبال الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود لرئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون؛ في ذلك التاريخ كانت المملكة -كدولة- وافدًا جديدًا على ساحة الفعل الإقليمي، وبحثًا عن دور إقليمي؛ في وقت كانت العلاقات الدولية أقل تسارعًا، وللتاريخ وزن معتبر كفاعل فيها، دخلت المملكة ودول الخليج من الباب الذي تميزت به؛ وهو “المال”، في وقت كانت الأفكار القومية والاشتراكية والصراع العربي الإسرائيلي يحرك المنطقة.
وبتراجع الأدوار التقليدية لدول المنطقة الأقدم مثل مصر وسوريا والعراق، تقدم الدور السعودي إلى حد وراثة تلك الأدوار التقليدية دون توقف، لمراجعة هذا الدور وتقييمه؛ أيصب ذلك في مصلحة السعودية؟ أم هو متابعة لأحلام القيادة بتبوء مكانة كبرى في المنطقة. لا يمكن الحديث عن تقييم للسياسة الخارجية السعودية قبل العام 2015، حين تولى الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، ثم صعود نجله ولي العهد محمد.
قدم ولي العهد رؤية للبلاد تقوم على التحوّل من نمط الدولة النفطية الريعية، إلى نمط دولة الاستدامة الاقتصادية، وفي سبيل ذلك أُطلقت خطط كبرى تُقدر بمئات مليارات الدولارات. والجانب الآخر هو أنّ صعود بن سلمان ترافق مع تحولات كبرى في المنطقة؛ أربعة أعوام انقضت على شرارة احتجاجات الربيع العربي، التي أطاحت بأنظمة سياسية كانت وريثة دولة ما بعد الاستقلال، إلى جانب سيولة سياسية كبيرة، ودور فاعل بأساليب غير تقليدية لدولتي قطر والإمارات؛ فضلًا عن التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي واجهت كل دول المنطقة، وتسارع اندماج دول المنطقة في التغيرات الدولية، والأخطاء التي وقع فيها الأمير حين كان نهجه أكثر صداميةً في بداية حكمه.
بينما كانت تلك العوامل وغيرها تدفع المملكة نحو بلورة موقف جديد لسياساتها وعلاقاتها الدولية، كانت العلاقات مع لبنان تدخل أسوأ مراحلها؛ في ظل تغوّل حزب الله على الدولة، بعدما حظي بدعم كبير من الرئيس اللبناني ميشال عون (2016-2022)، والذي انتُخب بعد فراغ في منصب رئاسة البلاد لمدة عامين حتى تحقق ما يريده حزب الله وحلفاؤه.
يقول الكاتب السياسي والصحفي في جريدة “النهار” اللبنانية، جاد فياض، بأنّ المملكة ساعدت لبنان بشكلٍ دائم، منذ ما قبل اتفاق الطائف حتى، سياسيًا وماليًا، وكانت لاعبًا أساسيًا في إعادة الإعمار، واستمرت في دعم لبنان في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. وأضاف لـ “مواطن” بأنّ المملكة كانت تعي حجم الهدر والفساد الموجود في لبنان، لكنها ساعدته انطلاقًا من كونه دولة شقيقة، ومن وجود الرئيس الشهيد رفيق الحريري في رئاسة الحكومة، صاحب العلاقة المميّزة مع الرياض.
لكن هذه السياسة انتهت قبل عقد تقريبًا، لجملة من الأسباب، يتابع فياض، بأنّ الشق السياسي يتمثّل في سيطرة حزب الله خصم السعودية وحليف إيران على القرار اللبناني منذ العام 2008، واستفادته من المساعدات الخارجية من جهة، وتقويض القرار السيادي للدولة وأجهزتها من جهة أخرى. وباختصار؛ فسيطرة حزب الله على القرار اللبناني، ثم دعم الحوثيين ضد المملكة، وتنامي تهريب المخدرات إلى الخليج، وفتح لبنان أمام منصات إعلامية مُوجهة ضد السعودية والبحرين، والتصريحات المعادية للمملكة من مسؤولين رسميين؛ هي عوامل سياسية أدت إلى تغير نهج المملكة تجاه لبنان، والحديث للكاتب اللبناني. واقتصاديًا يختصر الانهيار المالي في لبنان الأسباب التي جعلت لبنان بيئة غير جاذبة للاستثمارات الخليجية أو غيرها، ويعبر عن ذلك الانهيار تهاوي سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، من 1500 ليرة لكل دولار إلى 90 ألف ليرة لكل دولار، وفي وقت لامس عتبة الـ 100 ألف ليرة لكل دولار أمريكي واحد.
تلك العوامل اللبنانية هي جزء من التغير في علاقة الرياض وبيروت، ولكنها ليست السبب الرئيسي لسياسة المملكة الجديدة في توجيه الدعم والمنح. مطلع العام 2023 الجاري، كشفت المملكة عن نهجها الجديد تجاه الدعم، حين قال وزير المالية السعودي: “إن المملكة تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها، من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط، وأضاف: “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات”. تلك التصريحات تعكس الكثير؛ حيث كان الحديث عن خلافات بين المملكة ومصر. في ضوء ذلك نشرت “نيويورك تايمز” تقريرًا ذكرت فيه أنّ “المسؤولين السعوديين يقولون إنهم سئموا من تقديم مساعدات لا نهاية لها للدول الفقيرة مثل مصر وباكستان ولبنان”.
تُقدم السعودية الحالة الأبرز في سياق الحديث عن لبنان؛ المملكة التي كانت توزع مليارات الدولارات لدعم سياستها الخارجية لم تعد موجودة اليوم، بعد التحوّل من الهمّ الخارجي إلى التحديات الداخلية
يعلق الباحث الاقتصادي السعودي خالد الحربي، بأنّ “تصريح معالي وزير المالية عندنا حول انتهاء مرحلة التمويل أو الصرف من دون مصلحة مشتركة مع الدول، أي كما كان يحدث في السابق، يعني أنّ هذه المرحلة انتهت بلا رجعة”. وقال لـ”مواطن” بأنّ المملكة اليوم تبحث عن مصالحها، وتقوم باتفاقيات مع الدول، هدفها الشراكة والفائدة المتبادلة”.
هل فقد لبنان مميزاته؟
وكوّن المملكة تتبع نهجًا اقتصاديًا شاملًا، يعني أنّ المسألة السياسية في لبنان ليست هي المشكلة الوحيدة، وأنّ لبنان حتى لو تعدلت أوضاعه السياسية فلن تعود المياه إلى مجاريها القديمة.
تقول أستاذة القانون المتخصصة في الشؤون المصرفية، سابين الكك: في حديثها لـ “مواطن“: “حتى لو انحلت الأزمة السياسية، ما يزال لبنان بحاجة ليقنع المملكة بشكلٍ واضح وعلمي واقتصادي بنوعية الدعم الذي يمكن تقديمه، ولن تأتي شيكات على بياض مرةً أخرى”.
تجيب الأكاديمية اللبنانية عن سؤال حول: ماذا تغير في وضعية لبنان الاقتصادية بين الأمس واليوم؟ وترى بأنّ لبنان كان له مكانة اقتصادية واضحة المعالم، ودورٌ كبير في ستينيات القرن الماضي والامتداد بعدها، متمثّل في نموذج اقتصادي تقاطع مع دول الخليج والمسار الاستثماري لاستخراج النفط ومصافي التكرير، التي كانت تعمل على أراضيه، والتي أدت إلى وجود حاجة لخدمة مصرفية لبنانية، جذبت استثمارات وودائع خليجية في مرحلة الفورة النفطية.
لكن تتابع “الكك“: “فقد لبنان مع الوقت ميزاته؛ ليس بالأزمة الاقتصادية الحالية بل حتى قبلها”. وتوضح بأنّ القطاع المالي اللبناني تحول إلى قطاع ريعي أكثر مما هو نموذج اقتصادي؛ فضلًا عن أنّ التباعد السياسي بين لبنان ومحيطه العربي من قبل وبعد 2015، أدى إلى تعميق فقدان هوية لبنان الاقتصادية، ودوره الريادي. وأفادت بأنّه بعد الأزمة وانهيار القطاع المالي وخصوصًا المصرفي فقد لبنان قدراته وميزاته التنافسية؛ في وقت يشهد العالم والمحيط والمنطقة فيه تسارعًا في الاقتصاد؛ خصوصًا بعد النموذج التنموي السعودي الذي جاء بعد الإمارات. تقول الأكاديمية اللبنانية بأسف: “كم يسبقنا الزمن وما عندنا الأدوات لحتى نلاقي مميزات تنافسية جدد بسهولة!”.
هل قدمت المملكة 72 مليار دولار للبنان؟
في محاولة لتحديد حجم الدعم المالي الذي قدمته المملكة إلى لبنان على مدار عقود، يقع الجميع بين التهويل والتهوين، من يصطف في المحور البعيد عن المملكة يخسف بالرقم الأرض، ويحصره في المعلوم من منح قُدمت بعد العام 2006، بينما الطرف الآخر القريب من المملكة يكاد يصل به إلى رقم قريب من 90 مليار دولار.
بدايةً لم تصدر بيانات رسمية عن المملكة أو لبنان أو أية جهة دولية بحجم الدعم السعودي، وسنوات هذا الدعم. هناك مصدران سعوديان تحدثا عن ذلك، الأول غير رسمي؛ وهو تقرير نشرته قناة العربية في عام 2017، ذكر ما يلي عن مساعدات المملكة إلى لبنان؛ (500 مليون دولار عام 1992، 500 مليون دولار عام 1993، منحة لإعادة الإعمار دون تحديد قيمتها، ووديعة بمليار دولار عام 1996، دعم إصلاح شبكات الكهرباء التي دمرتها إسرائيل عام 1998، 700 مليون دولار لتطوير الاقتصاد في عام 2003، 570 مليون دولار لإعادة الإعمار بعد حرب 2006، وديعة بمليار دولار عام 2010، 4 مليارات دولار دعمًا للجيش عام 2014).
القطاع المالي اللبناني تحول إلى قطاع ريعي أكثر مما هو نموذج اقتصادي
بينما صرح السفير السعودي السابق في لبنان، علي عواض عسيري لقناة “الحرة” في مداخلة بأنّه اطلع على مستندات ووثائق حول الدعم السعودي المُقدم إلى الجهات الرسمية في لبنان منذ العام 1972 وحتى آخر مساعدات مقدمة، وذكر أنّ الإجمالي هو رقم “72 مليار دولار”. وإلى حين صدور بيانات رسمية عن المملكة، سيظل حجم المساعدات في حيز التكهن، إلا أنّه رقم كبير دون شك؛ حيث كانت المملكة راعية اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، وحريصةً على نجاح واحد من أهم إنجازاتها الدبلوماسية في المنطقة.
إضافةً إلى المساعدات الفعلية، ترى أستاذة القانون المتخصصة في الشؤون المصرفية، سابين الكك، بأنّ الدعم السعودي ليس بقيمته المباشرة فقط؛ بل له قيمة هامة كعامل ثقة استثماري في لبنان؛ لأن البيئة الاستثمارية بحاجة إلى عوامل ثقة. وبحسبها فإنّ أحد أهم عوامل عودة الثقة في الاقتصاد اللبناني هو “وجود المملكة كداعمة ومساندة لأي رؤية اقتصادية، وهذا ما كان يعول عليه، ولابد أن يعود”.
لماذا يتعلق اللبنانيون بالمملكة؟
إذا ما طُرح سؤال حول التكلفة التي قد تتحملها المملكة ليكون لها اليد العليا في لبنان؛ فستأتي الإجابة من السعوديين بأنّهم: “لا يريدون ذلك”. هذا الجواب مختصر حديث السياسة الرسمية السعودية، التي تريد من لبنان أن يكون فاعلًا في محيطه العربي، دون اصطفاف مع محور إيران.
لكن من جانب آخر، هناك أصوات لبنانية تُحمل المملكة جزءً من الأزمة السياسية، وهناك عددٌ من النشطاء والساسة في تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري، الذي كان الحليف المقرب من المملكة، يرون أنّ سبب التباعد بين الحريري والرياض هو عدم استجابته لمطالب المملكة الصدامية مع حزب الله، تجنبًا لفتنة سنّية شيعية. في السياق ذاته، يبدو أنّ المملكة وجدت مبتغاها الصدامي لدى حلفاء آخرين، من بينهم حزب القوات اللبنانية، الحزب المسيحي الأكبر اليوم، بعد تقدمه انتخابيًا على غريمه التيار الوطني الحر، بقيادة صهر الرئيس السابق، جبران باسيل، الذي يجمعه بحزب الله تفاهم “مار مخايل” السياسي منذ العام 2006، وهو المتهم بتوفير الغطاء المسيحي لسلاح حزب الله.
يمكن القول بناءً على حالة السياسية اللبنانية، إن المملكة لديها نفوذٌ كبير لدى معسكر سياسي وازن، دون الحاجة إلى تقديم مليارات الدولارات. وإحدى القضايا المرتبطة بتلك المسألة، هي أنّ قيمة قضايا المنطقة العربية باتت بخسة، بعد أنّ فقدت قيمتها؛ سواء لدى الفاعلين الإقليميين والأهم لدى القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة، وأنّ الوزن المتنامي لدول الخليج في النظام الدولي مرتبط بالاقتصاد الخليجي في المقام الأول، وليس بالمنطقة العربية ككل.
من يرى من أنّ انتخاب رئيس معارض لمحور الممانعة كفيل بأن يعيد المملكة إلى سابق نهجها لا يتابع رؤية الأمير محمد بن سلمان، ولا التطورات التي شهدتها المملكة، ويبني على معطيات لم تعد موجودة.
يقول الكاتب السياسي اللبناني، جاد فياض، بأنّ اللبنانيين (الشعب اللبناني وخاصة المعارض لحزب الله) دائمًا ما ينظرون إلى الخليج والسعودية على أنّهم ضمانة سياسية واقتصادية، لأن الدول الخليجية لم تترك لبنان أبدًا؛ سواء في إنهاء الحرب الأهلية وإعادة إعمار لبنان وغير ذلك، ولهذا يتطلّع اللبنانيون إلي الخليج، وخصوصًا السعودية بهذه الطريقة.
ورغم الأزمة المستعصية، يرى فياض في ذلك فرصةً لإعادة مأسسة العلاقات بين لبنان والخليج وخصوصًا السعودية. ويقول بأنّ لبنان بيئة خصبة للاستثمارات في المرحلة المقبلة؛ فبعد الانهيار شبه التام، ثمّة قطاعات عديدة تحتاج إلى الاستثمارات من أجل النهوض، مثل الطاقة والنقل واستخراج الغاز. ويرى أنّ المستثمرين الخليجيين متحمسون للاستثمار في لبنان في هذه القطاعات، لكنهم يحتاجون إلى ضمانات سياسية وأمنية واقتصادية. ولفت الكاتب اللبناني إلى أنّ المساعدات الإنسانية من المملكة لم تتوقف إلى لبنان.
لا شيكات سعودية على بياض
يقول الباحث الاقتصادي السعودي خالد الحربي، بأنّه فيما يخص لبنان فشرط المملكة معروف ومحدد؛ أن تستعيد المؤسسات دورها الفعلي، ومحاسبة الفاسدين والقضاء على الفساد، وأنّ تقوم الدولة ببسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية وخاصة المنافذ الحدودية، وانتخاب رئيس للجمهورية بإرادة وطنية. وتابع الحربي، بأنّه عندما تتحقق هذه الشروط يصبح التعاطي مع لبنان كدولة، ويتم الاتفاق معها كدولة مسؤولة، ويبُحث بالمصالح المشتركة وفق برنامج تجريبي وتمويل محدود على ضوء الواقع الجديد وبشكل شفاف. يقول لـ “مواطن” بأنّ “كل هذا بيد المسؤولين في لبنان والكرة في ملعبهم، مع التأكيد بأن زمن ضخ الأموال والصرف المجاني انتهى”.
تدرك أستاذة القانون المتخصصة في الشؤون المصرفية، سابين الكك، الواقع الجديد، وترى بأنّ من يرى من اللبنانيين أنّ انتخاب رئيس معارض لمحور الممانعة كفيل بأن يعيد المملكة إلى سابق نهجها، ومن يحكي ذلك، لا يتابع رؤية الأمير محمد بن سلمان، ولا التطورات التي شهدتها المملكة، ويبني على معطيات لم تعد موجودة.
تتطرق الكك إلى حالة مصر، وترى بأنّ النهج الجديد للمملكة يتمثّل في تولي صندوق الاستثمارات العامة مسؤولية إدارة ملف الاستثمار السعودي الرسمي في مصر، وذلك بالتفتيش عن طرق دعم مباشر في الاقتصاد، بشروط؛ منها أنّ يكون لذلك مردود ونفع على اقتصاد المملكة. وتضيف بأنّ المملكة لتحافظ على استدامة اقتصادها فهي لن تذهب إلى الطريقة القديمة في تقديم الدعم والمنح المباشرة، كما أنّ قيادة المملكة مُطالبة أمام شعبها بتبرير أي ضخ للأموال، وتوضيح المنافع التي تعود من ذلك.
من باب المقاربة، تقدم الحالة المصرية صورةً عن واقع الحال الاقتصادي في المنطقة. فيما يتعلق بجذب الاستثمار الأجنبي، بات الحصول على استثمار بمبالغ محدودة مثل عشرات ملايين الدولارات حدثًا لدى الحكومة، وهو الأمر الذي يُصّعب الوضع أمام لبنان؛ إذا كانت مصر بكل عوامل استقرارها – لا ينفي ذلك وجود مشاكل – تكافح من أجل أقل القليل؛ فكيف الحال بلبنان رغم كل التعقيدات فيها.
ومن جانب آخر، ينبئ التفاهم السعودي الإيراني وعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية برعاية سعودية وعربية، إلى مستقبل من تصفير المشاكل الإقليمية، ومنح الأولوية للتنمية والتعاون الإقليمي، بعد 12 عامًا من الصراعات بين دول المنطقة. ذلك التوجه له تأثير على لبنان؛ من ناحية؛ يراه مؤيدو تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري تصديقًا لنهجه الذي تجنب الصدام، ومن ناحية أخرى أنّه تخفيفٌ للعبء عن المملكة تجاه لبنان، وتحديًا أمام ساسة لبنان، للانتقال من أولوية الصراع السياسي إلى التحدي الحقيقي، وهو التنمية.
كتابه جميله وطويله وممتعه شكرا علي النشر