تحديات كثيرة تواجهها الإمارات منذ الموافقة على طلبها لاستضافة مؤتمر (كوب 28)؛ إذ تلقى انتقادات واسعة منتشرة في مختلف أنحاء العالم، من مؤسسات ومنظمات بيئية تعارض وتندد بانعقاد المؤتمر المناخي على أراضيها، باعتبارها واحدة من أكبر منتجي الطاقة ذات الانبعاثات الضارة بالبيئة.
كما يواجه الوزير الإماراتي سلطان الجابر حملات اعتراضًا على تعيينه رئيسًا لمؤتمر المناخ، نظرًا لكونه مديرًا لشركة بترول أبوظبي، التي يرتبط نشاطها بالوقود الأحفوري، ويساهم في التغيرات المناخية السلبية حول العالم.
(كوب 28)، هو مؤتمر الأطراف ( Conference of Parties)، المعروف بمؤتمر المناخ، وهو حدث سنوي تنظمه أي من الدول الأعضاء باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ UNFCCC، والتي تم التوقيع عليها عام 1992، ودخلت حيز التنفيذ مع حلول عام 1994، وكانت تهدف إلى تقليل خطر التدخل البشري في التسبب بالتغير المناخي، من خلال عدد من التدابير الملزمة للدول الموقعة على الاتفاقية.
تزداد المخاوف من قبل المعترضين من تحول المؤتمر المناخي إلى حدث صديق للوقود الأحفوري في ظل إعلان الإمارات عن توسيع جميع عملياتها واستثماراتها النفطية، وكذلك في الغاز والفحم، الأمر الذي يتناقض مع أهداف المناخ العالمية.
ويعد السجل الحقوقي من الانتهاكات، والموقف الإماراتي المتناقض من قضايا التغير المناخي؛ خاصة معارضتها التخلص من الوقود الأحفوري، أهم أسباب الحملات المضادة التي طرحها ناشطون مناخ وحقوقيون في شتى أنحاء العالم.
اعتراضات جمة على الإمارات "الالتفات إليها"
وقع 100 عضو في الكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي عريضة احتجاجية للمطالبة بإبعاد سلطان الجابر، رئيس شركة النفط الإماراتية العملاقة “أدنوك” من منصب رئاسة مؤتمر (كوب 28).
وقام 27 عضوًا ديمقراطيًا في الكونجرس الأمريكي بإرسال رسالة إلى المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المناخ جون كيري، لحثه على إقناع مضيف (كوب 28) بسحب الجابر.
ومن بين الموقعين في الولايات المتحدة عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيين؛ بيرني ساندرز وإليزابيث وارين، بينما معظم الموقعين من الاتحاد الأوروبي ينتمون لحزب الخضر وتيار اليسار.
تضمنت رسالتهم التي بعثوا بها إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والأمم المتحدة، تعبيرهم عن “قلق عميق” من أن ملوثي المناخ من القطاع الخاص سيكون بوسعهم “ممارسة تأثير لا داعي له” على (كوب 28) الذي سيعقد في دبي.
وأبدت رئيسة مؤسسة المناخ الأوروبية لورانس توبيانا، إحدى مهندسات اتفاق باريس للمناخ في 2015 عدم ارتياحها لهذا الاختيار، وطالبت أن تكشف رئاسة مؤتمر (كوب 28) بسرعة عن طموحها في التوجه إلى مصادر الطاقة المتجدّدة .
كما اعتبرت ناشطة المناخ السويدية الشابة جريتا تونبرغ أنه من “السخف” أن يترأس “سلطان أحمد الجابر” الجولة القادمة من محادثات المناخ العالمية في دبي.
وترى زينة خليل الحاج مديرة الحملات في منظمة org.350 غير الحكومية، والتي تعنى بالبيئة وقضايا المناخ، بأن تعيين سلطان الجابر هو بمثابة تعيين “رئيس شركة تبغ لقيادة مؤتمر لمعالجة السرطان!
من جانبها علقت شبكة العمل المناخي “آر إيه سي” التي تضم نحو عشرين منظمة غير حكومية فرنسية، على هذا الأمر، واصفة إياه بأنه “يثير الكثير من الشكوك حول نواياه الحقيقية لتسريع مكافحة تغير المناخ”، كما أن رئاسته تسبب تضاربًا في المصالح يقوض مصداقية الإمارات على الساحة الدولية، ويخاطر بالتأثير على نتائج المفاوضات”.
وقال فريدريك أوتو، المحاضر البارز في المناخ في معهد جرانثام في إمبريال كوليدج لندن: “إذا سُئلت عن كيفية إنجاح Cop28؛ فلن أضع رئيس شركة للوقود الأحفوري مسؤولًا عن تنظيمها”.
سلطان الجابر، هو وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، ورئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، التي تحتل رقم 12 ضمن قائمة أكبر شركة نفط في العالم من حيث الإنتاج.
وتعتبر الإمارات أن الجابر يتمتع بالخبرة في مجال العمل الصديق للبيئة، إضافة لما قام به من دور محوري في تنمية محفظة أصول الطاقة المتجددة لبلاده، كما أنه يشرف على تسريع استراتيجية خفض الانبعاثات الكربونية في أدنوك التي تم إقرارها أواخر 2022.
وتزداد المخاوف من قبل المعترضين من تحول المؤتمر المناخي إلى حدث صديق للوقود الأحفوري في ظل إعلان الإمارات عن توسيع جميع عملياتها واستثماراتها النفطية، وكذلك في الغاز والفحم، الأمر الذي يتناقض مع أهداف المناخ العالمية.
وهناك تقرير لمؤسسة متخصصة كشفت عن قيام الإمارات بممارسة ضغوطها مع أوبك – وهي عضو رئيسي فيها – لإزالة الشارات الداعية إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من تقرير لـ “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” عام 2022.
وذكرت الجارديان البريطانية أنه بعد حصول الإمارات على استضافة (كوب 28)، قامت بدفع تكاليف باهظة لتوظيف عدد من الشركات الأمريكية المتخصصة في العلاقات العامة من أجل عمليات ترويجية؛ ما يعكس التحديات التي تستشعرها الإمارات وتحاول التغلب عليها.
ويعلق لمواطن الخبير العربي في اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل قائلًا: “إن الانتقادات الموجهة للإمارات ولرئيس (كوب 28) غير مبررة، لأن الإمارات تستثمر في الطاقة الأحفورية؛ أي النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي التي تحرك الاقتصاد العالمي، يعتمد عليها العالم بشكل أساسي للنقل والصناعة والسفر، وحتى توليد الطاقة الكهربائية”.
ويضيف: “إن تقليص الاستثمار أو التوقف عن الاستثمار مع عدم وجود طاقة متجددة بديلة وكافية، سيقود إلى ركود اقتصادي، بطالة عالية، فقر وكساد ونقص في الوقود، تقليل رحلات الطائرات وطوابير خارج محطات الوقود وبأسعار عالية جدا”.
كما يرى إسماعيل أن الإمارات تستثمر مبالغ ضخمة في الطاقة المتجددة النظيفة، وأن عملية التحول للطاقة المتجددة ستكون بطيئة وتدريجية، وأن الإمارات والسعودية تلعبان دورًا قياديًا في الإسراع لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 و 2060.
وفيما يتعلق بمؤتمر (كوب 28) يقول خبير الطاقة “إن هذه المؤتمرات هي منصات لتبادل الآراء وطرح مقترحات وتحديد أهداف، ولكن درجة الالتزام والاستثمار لتنفيذ التوصيات والعمل الجاد هو أمر آخر.
على جانب آخر اعترف خبير كويتي في مجال البيئة (رفض ذكر اسمه) بصعوبة مواقف الدول المنتجة للنفط، باعتباره من أكبر ملوثات البيئة في العالم، ويرى أن هذه الدول ومنها الإمارات تواجه حرجًا كبيرًا من هذا المنطلق.
مضيفًا أن العالم يسعى للوصول إلى مستوى “زيرو كربون“، مع انتصاف القرن الحالي للحفاظ على البيئة في محاولة لخفض درجات الحرارة، ومنعها من التفاقم؛ ما يتطلب سرعة تحرك الدول النفطية نحو مصادر الطاقة البديلة والنظيفة.
وفيما يتعلق بتنظيم (كوب 28) وتحدياته، يبدي الخبير الكويتي عدم ارتياح لاختيار رئيس لشركة نفط كبرى في بلاده، ليكون رئيسًا لمؤتمر بيئي، ويرى في ذلك تناقضًا كبيرًا وازدواجية غير منطقية تنال من مصداقية المؤتمر ومناقشاته بحسب قوله، لأنه بطبيعة الحال سيكون للمشروعات، والاستثمارات النفطية دورها وتأثيرها على توجهاته وهذا ما يخشى منه.
وختم حديثه: “أعتقد أن إدارة المؤتمر والإمارات عليها عبء كبير لإثبات حسن النوايا وإزالة الشكوك الكثيرة لدى ناشطين البيئة والمناخ، وفي ظل هذه المعطيات ننتظر لنرى ما ستسفر عنه فاعليات (كوب 28)، ومدى تأثر نتائجه بالتحديات التي تواجهها الإمارات والانتقادات التي تلقاها عالميًا”.
تحديات حقوقية
كما شملت الاعتراضات، السجل الحقوقي، واتهمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الإمارات بأنها بعثت برسالة تخويف من خلال منظمي “القمة العالمية للتنبؤ بمستقبل صحي 2023 في أبو ظبي إلى المشاركين”، وتحذيرهم من انتقاد الحكومة أو الشركات أو الأفراد أو التعبير عن الاحتجاج أثناء وجودهم في الدولة، وهو ما اعتبرته المنظمة مصدرًا للقلق والمخاوف على المشاركين في (كوب 28).
وكشف موقع إمارات 71 عن قيام 40 منظمة حقوقية بمطالبة السلطات في أبوظبي بالإفراج الفوري، وغير المشروط عن جميع المحتجزين تعسفيًا بسبب ممارستهم لحقهم بالتعبير، وإنهاء جميع الاعتداءات والمضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وذلك قبل مؤتمر (كوب 28).
وتحدث الموقع عن عريضة تحتوي على أسماء ما لا يقل عن 60 من الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين ممن تم اعتقالهم قبل أكثر من عشر سنوات.
تواجه الإمارات تحديات كبيرة وحرجة خاصة مع ارتفاع أصوات الحملات المناهضة لاستضافتها (كوب 28)، الأمر الذي وصفته الجارديان البريطانية بأنه ارتباكًا كبيرًا يجعل نجاح المؤتمر في أبو ظبي على المحك.
ودعا الموقعون على هذه العريضة أبوظبي إلى إنهاء القيود المفروضة على الحيّز المدني، ودعم الحق في حرية التعبير، مؤكدين أن مثل هذه القيود تتعارض مع “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ” (كوب 28) الذي تستضيفه الإمارات نوفمبر القادم.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت بيانا تندد فيه بالسجل الحقوقي للإمارات وبممارستها لسياسات أدت إلى إغلاق الحيّز المدني، وفرض قيود صارمة على حرية التعبير على شبكة الإنترنت وخارجها، وتجريم المعارضة السلمية.
وفي وقت آخر أظهرت وثيقة من الأمم المتحدة، أن الإمارات تحتجز قسرًا نحو 12 من ناشطين حقوق الإنسان بعد أن أكملوا بالفعل فترة عقوبتهم بالسجن، بعد أن تم احتجازهم “على أسس تمييزية بسبب وضعهم كمدافعين عن حقوق الإنسان وآرائهم السياسية، أو آراء أخرى تتعلق بمحاسبة السلطات”؛ بحسب الوثيقة الدولية.
في ظل هذه المعطيات تواجه الإمارات تحديات كبيرة وحرجة خاصة مع ارتفاع أصوات الحملات المناهضة لاستضافتها (كوب 28)، الأمر الذي وصفته الجارديان البريطانية بأنه ارتباكًا كبيرًا يجعل نجاح المؤتمر في أبو ظبي على المحك.