عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في 10 مارس/آذار الماضي برعاية الصين، تحدث مراقبون عن انعكاسات ذلك على القضايا التي تشهد تأزمًا على خلفية صراعات الرياض وطهران، ومن بين ذلك قضية المعارضة الشيعية في البحرين، التي تتهمها السلطة بالولاء لإيران، كما تتهم المنامة إيران بتقديم الدعم المالي وتزويد معارضين شيعة بالسلاح لزعزعة الاستقرار وقلب نظام الحكم في البلاد.
بينما تتهم طهران البحرين بتهديد أمنها عبر استضافة قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل التي تعتبر العدو الرئيسي لإيران؛ فضلًا عن موقف إيران المندد بما تراه اضطهادًا للمكوّن الشيعي في البلاد.
على وقع التقارب السعودي الإيراني
ظهرت بعد ذلك عدة مؤشرات حول إمكانية استئناف البحرين وإيران علاقاتهما الدبلوماسية، أسوةً بما فعلته دولتا الإمارات والكويت، اللتان أعادتا علاقاتهما مع إيران (الكويت في أغسطس 2022، والإمارات في أبريل 2023)، لكن طبيعة العلاقات الثنائية بين المنامة وطهران أشد تعقيدًا.
ذكر موقع “أمواج ميديا” أنّ طهران والمنامة عقدتا مباحثات ثنائية خلال الأشهر التي سبقت توقيع الاتفاق الإيراني السعودي. وفي شهر مايو/أيار زار وفدان إيرانيان المنامة؛ الأول برلماني للمشاركة في لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية المستدامة في الجمعية البرلمانية الآسيوية، والثاني فني لبحث أوضاع الممثليات الدبلوماسية، وسبق ذلك تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بأن بلاده لا تستثني أي دولة من سياسة حسن الجوار. وقال: “لطالما رحبنا بالعلاقات الطبيعية بين طهران والمنامة، عبرنا عن العقبات الموجودة في هذا الاتجاه، وطرح الجانب البحريني بعض الأفكار، ونحن في صدد الحوار والمشاورات غير المباشرة من خلال سلطان عمان حول هذه المسألة”. فضلًا عن تصريحات برلمانية بحرينية عن بحث استئناف الرحلات الجوية بين المنامة وطهران.
طرحت “مواطن” سؤالًا حول انعكاس الاتفاق السعودي الإيراني على البحرين. أجاب النائب البرلماني البحريني السابق ورئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، جواد فيروز، بأنّه لضمان النأي عن التأثيرات السلبية في الصراعات الإقليمية؛ بما في ذلك الخلافات السياسية لدول المنطقة ودول الجوار في الخليج تحديدًا، والتي تشمل الخلافات الخليجية الإيرانية، وحتى العلاقات الإيرانية الأمريكية، على الشأن المحلي؛ فإنه على النظام في البحرين تحصين الجبهة الداخلية من خلال توطيد العلاقة بين الحكم والشعب. وشدد فيروز لـ”مواطن” على ضرورة التوافق على نظام سياسي مبني على المبادئ الديمقراطية في الشراكة السياسية لإدارة شؤون البلاد، وضمان بأن الشعب مصدر السلطات، التي يجب الفصل بينها في إطار تحقيق دولة المواطنة وحكم القانون والمؤسسات الدستورية بعد التوافق على الدستور العقدي.
شهدت العلاقة بين السلطة الحاكمة في البحرين وقوى المعارضة السياسية، بما فيها رجال الدين الشيعة محطات عديدة من الصدام والتهدئة
بدوره يقارب الكاتب والروائي البحريني جعفر سلمان، إجابة السؤال من منظور آخر، ويرى أنّه لفهم تأثير التقارب السعودي الإيراني على الوضع في البحرين؛ يجب فهم طبيعة شيعة البحرين، من زاوية الامتداد القبلي والعشائري والعربي مع شيعة المنطقة الشرقية في السعودية؛ مثل القطيف وتاروت والأحساء.
ويتابع سلمان لـ”مواطن“، بأنّ “التحولات الإيجابية التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي عززت مواطنة الشيعة في السعودية، أدت إلى تخفيف الشرخ الطائفي، وبناءً على ارتياح شيعة السعودية لمواطنتهم، انعكس ذلك بشكلٍ إيجابي على شيعة البحرين، باعتبار الامتداد بينهما”. وأضاف: هيأ ذلك أرضية لقبول، والنظر بإيجابية، للتقارب السعودي الإيراني من جهة شعبية بين شيعة البحرين.
وللمضي في المسار الإيجابي، ذكر الروائي البحريني ضرورة وجود اتفاقيات على خفض التوتر وعدم التدخل في شؤون البحرين والخليج مع وإيران، وهو ما سينعكس على الشارع البحريني، عبر تخفيف إيران الدعم الذي تقدمه للحراك الشيعي.
طبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة
لكنّ للبلدين؛ البحرين وإيران تاريخًا طويلاً مع تأزم العلاقات بينهما؛ سواء في مرحلة ما قبل استقلال البحرين، حين كانت تحت الوصاية البريطانية، والتي انتهت بعد إجراء استفتاء برعاية الأمم المتحدة عام 1971. مع الاستقلال انتهت مطالب الشاه بضمّ البحرين إلى إيران، بعد اتفاقيات بريطانية وإيرانية وخليجية.
وظهرت المرحلة الثانية من الخلافات بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي عملت على تصدير الثورة إلى دول الجوار. تلك المرحلة -بخلاف الأولى- كان لها تأثير على المكوّن الشيعي في البلاد؛ فبينما أيد جميع الشعب البحريني الاستقلال، بما يعني رفض الانضمام لإيران الإمبراطورية، سيظهر لاحقًا ارتباط بين جزء من الشيعة في البحرين ونظام الحكم الديني في إيران.
وإجمالًا شهدت العلاقة بين السلطة الحاكمة في البحرين وقوى المعارضة السياسية، بما فيها رجال الدين الشيعة محطات عديدة من الصدام والتهدئة. ولفهم كيف يمكن للتقارب السعودي – الخليجي مع إيران التأثير على واقع المعارضة الشيعية اليوم في البحرين، ستكون البداية لرصد علاقة المعارضة بالسلطة منذ ولاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 1999؛ حيث تتأسس علاقة تلك المعارضة بالنظام الحاكم مع كل أمير (ملك لاحقًا منذ عام 2002) على حدة.
مع تولي الملك “حمد” السلطة، شهدت العلاقة مع المعارضة انفراجة كبيرة، شملت الإفراج عن جميع السجناء السياسيين، وحلّ محكمة أمن الدولة وإلغاء مرسوم 1974 بشأن أمن الدولة، بالإضافة إلى ذلك سُمح للعديد من المواطنين البحرينيين بالعودة بعد عدة سنوات من المنفى في الخارج، وأسست المعارضة الشيعية الدينية جمعية الوفاق الوطني الإسلامية عام 2001، وشاركت في الحياة النيابية.
في ظل تلك الظروف، طرحت السلطة ميثاق العمل الوطني لاستفتاء شعبي في 14 فبراير 2001، وحظي بموافقة أغلبية البحرينيين عليه بنسبة 98.4%. وأسس ذلك الميثاق علاقة جديدة بين السلطة والمعارضة، قبلت فيها الأخيرة بالإصلاحات التي طرحتها السلطة، والتي منها؛ إنشاء مجلسين نيابيين، الأول مُعين؛ وهو مجلس الشورى، والثاني مُنتخب؛ وهو مجلس النواب، ومعًا يكونان (المجلس الوطني)، وعدد كل منها 40 عضوًا. وتبعًا للاستفتاء على الميثاق أُدخلت تعديلات على الدستور، تضمنت ما تم إقراره في الميثاق الوطني.
وبحسب الدستور وتعديلاته؛ فإنّ الحياة الديمقراطية التي تتحدث عنها السلطة بعد إقرار الميثاق الوطني لا وجود لها؛ حيث تمّ إفراغ فكرة العمل النيابي من جوهرها، عبر وجود مجلس الشورى المُعين من الملك، والذي يحوز صلاحيات مماثلة للمجلس المُنتخب من جانب، ولديه القدرة على تعطيل عمل ذلك المجلس من جانب آخر.
جاء في المادة (82) من الدستور، ما يلي: “إذا لم يوافق مجلس الشورى على مشروع قانون أقره مجلس النواب؛ سواء كان قرار مجلس الشورى بالرفض أو بالتعديل أو بالحذف أو بالإضافة، يعيده رئيس المجلس إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه”، وحال رفض مجلس النواب قرار مجلس الشورى، تحدد المادة (85) أنّ يجتمع المجلس الوطني برئاسة مجلس الشورى للتباحث، على أنّ يصدر القرار بأغلبية الحاضرين، وفي تلك الحالة ستكون أصوات 40 عضوًا يمثلون مجلس الشورى بالإضافة إلى الأصوات المؤيدة للسلطة في مجلس النواب كفيلة بضمان التغلب على أي توجه للمعارضة.
وفي موضوع الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، تنصّ المادة (67-أ) على أنه: “لا يُطرح في مجلس النواب موضوع الثقة برئيس مجلس الوزراء”. وينظم الدستور موضوع العلاقة بين الطرفين عبر الملك، الذي بيده إقالة الوزارة أو حلّ مجلس النواب.
الربيع العربي في البحرين
تبعًا للتعديلات الدستورية في 2002، أُجريت انتخابات مجلس النواب، وهي الانتخابات النيابية الثانية في تاريخ البلاد، والأولى منذ حلّ مجلس النواب في 1973، وقاطعتها قوى المعارضة المتمثلة في: جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي وجمعية التجمع القومي الديمقراطي وجمعية العمل الإسلامي. في انتخابات عام 2006 شاركت جمعية الوفاق في الانتخابات، وحازت على 17 مقعدًا، ثم شاركت في انتخابات عام 2010 وحازت على 18مقعدًا.
تبدلت تلك العلاقة شبه التوافقية بين السلطة والمعارضة مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي في البحرين عام 2011، والتي ستُعرف باسم أحداث/ثورة 14 فبراير، وعلى أثر سقوط قتلى من المحتجين استقالت كتلة الوفاق من مجلس النواب، وصدر قرار بحلّ جمعية الوفاق في عام 2016.
وشكلت الاحتجاجات تحوّلًا في علاقة السلطة والمعارضة الشيعية؛ نحو الصدام بعد التوافق النسبي. ومنذ العام 2011 تعرض الآلاف للاعتقال، وجُرد البعض من جنسياتهم، وتم إبعاد آخرين. وبحسب منظمات إنسانية اتهمت السلطة بممارسة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. في هذا السياق يمكن مقاربة الاحتجاجات في البحرين مع نظيراتها في البلاد العربية الأخرى؛ وخصوصًا مصر.
بدايةً رفع المحتجون وهمّ من الشيعة وحضور من السنّة في البحرين مطالب بإسقاط النظام الملكي، على غرار ما حدث في مصر، وكان في البلدين حضور كبير منظم لقوى الإسلام السياسي، وانتهت الاحتجاجات في البلدين باستخدام القوة في البحرين، ثم القوة لاحقًا في مصر عام 2013 ضد الإخوان المسلمين ومؤيديهم، مع وجود اختلافات في مسار البلدين.
وإجمالًا بعد 12 عامًا على الربيع العربي في البلدين، تحولت القضية من مطالب ثورية إلى مطالب حقوقية، تتمثّل في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإنهاء الموقف السلطوي الرافض للمعارضة، وبمعنى آخر العودة إلى أوضاع ما قبل الربيع العربي. وكما يُطرح سؤال نقدي في مصر حول أداء المعارضة مع الاحتجاجات، يُطرح آخر مماثل حول أداء المعارضة البحرينية.
وأثناء الاحتجاجات؛ دعمت إيران مطالب المتظاهرين، وشهدت البلاد مظاهرات تأييد لهم. الجدير بالذكر أنّه في عام 2009 قال ناطق نوري مستشار آية الله علي خامنئي إن البحرين هي “الولاية الإيرانية رقم 14″. من جانبها اتهمت السلطة في البحرين إيران بدعم الاحتجاجات والتدخل في شؤونها، وخلال الأعوام التالية صادرت السلطات شحنات أسلحة، وألقت القبض على متهمين، واتّهمت الحرس الثوري بتزويد معارضين بالسلاح.
الآراء الفقهية لعلماء الدين الشيعة في البحرين حول سعة وضيق سلطة الفقيه المتصدي للشأن العام تتفاوت من عالم لآخر، ولكن بالتأكيد لا يوجد بينهم من يطالب بتطبيق النظام السياسي لولاية الفقيه على الواقع البحريني الحالي
بسؤاله حول التخوفات من وجود رجال دين شيعة على رأس المعارضة، وربط البعض بين ذلك وإيران، أجاب النائب البرلماني البحريني السابق ورئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، جواد فيروز، بأنّه يجب التأكيد على حق عموم المواطنين بممارسة حقوقهم السياسية والمدنية، بغض النظر عن آرائهم السياسية أو توجهاتهم الدينية والمذهبية، وبما في ذلك طبيعة المهنة أو الطبقة الاجتماعية، ويشمل هذا رجال الدين بمختلف أدوارهم ومسؤولياتهم الدينية. وربط فيروز ذلك، بالالتزام بالعقد الاجتماعي التوافقي والدستور العقدي للبلاد، واحترام القانون العادل الصادر من سلطة تشريعية شرعية.
وعن طبيعة رؤية رجال الدين الشيعة المعارضين للعمل السياسي، وهل رؤيتهم مبنية على أيديولوجيا ولاية الفقيه، قال: بأنّ واقع الحال والشواهد التاريخية تؤكد بأن أبرز علماء الدين الشيعة في البحرين شاركوا في المجلس التأسيسي لصياغة دستور البلاد الذي أُقرّ في عام ١٩٧٣، وكذلك أصبح العديد منهم أعضاء في أول مجلس وطني منتخب للبلاد في ذات العام، كما أنّه معروف بأن أبرز علماء الدين الشيعة في البحرين من المطالبين بإصلاح النظام السياسي الحالي في البلاد، وتحقيق دولة المواطنة بدون أي تمييز بين المواطنين من حيث الانتماء الديني أو المذهبي أو القبلي أو العائلي أو الفكري.
وحول تبني رجال الدين الشيعة المعارضين لمبدأ “ولاية الفقيه”، أوضح أنّ الآراء الفقهية لعلماء الدين الشيعة في البحرين حول سعة وضيق سلطة الفقيه المتصدي للشأن العام تتفاوت من عالم لآخر، ولكن بالتأكيد لا يوجد بينهم من يطالب بتطبيق النظام السياسي لولاية الفقيه على الواقع البحريني الحالي.
في السياق ذاته، يقول أمين عام حركة خلاص البحرينية، عبد الرؤوف الشايب، بأنّ السلطة لا يعجزها تقديم المبررات القانونية والإعلامية؛ فهي من يضع القوانين وتفصلها بالطريقة التي يحلو لها، وكذا في الجانب الإعلامي، تسعى لخلق رأي عام مناهض للمطالب المشروعة للمعارضة، ولديها في كلا الجانبين كافة الامكانات.
وردًا على سؤال حول علاقة المعارضة بإيران، أجاب لـ”مواطن” بأنّ السلطة قدمت مثل تلك المبررات بشكل مباشر؛ فلم تتوار عن اتهام المعارضة بمختلف التهم الباطلة، بما في ذلك الارتباط بأجندات خارجية مدعومة؛ أحيانًا بقطر وأخرى بلندن وثالثة بإيران. وأضاف بأنّه حتى منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع الدولي والأمم المتحدة لم تسلم من هذه الادعاءات. وقال: “أي موقف منصف شيئًا ما من أي طرف، سيتم اتهامه بالارتباط بالمعارضة، واتهام المعارضة بتطبيق أجندات خارجية، هذا هو ديدن الحكومات التي لا تعرف لغة الحوار والمنطق، نراهم يلجؤون للتشهير وتلفيق التهم لتشويه الحركات الحقوقية والالتفاف على مطالبها”.
من جانب آخر، يقول الكاتب والروائي جعفر سلمان المنتمي إلى المكوّن الشيعي، بأنّه على المستوى السياسي لشيعة البحرين؛ فهم في الغالب يكون انتماؤهم للإسلام السياسي الشيعي. وأضاف: “لا يخفى على أحد أنهم يعتمدون على دعم سياسي وربما غير سياسي (مالي) في بعض الأوقات من إيران؛ باعتبار أنها الأم للحركات السياسية الإسلامية الشيعية في المنطقة ككل؛ من لبنان إلى العراق والبحرين.”
اضطهاد للشيعة أم تضييق على المعارضة
ولتحديد طبيعة التأثيرات على البحرين جراء التوافق السعودي الإيراني، تحتاج المسألة الشيعية إلى مزيد من التوضيح، ويمكن طرح ذلك في سؤال، هل ما يحدث في البحرين اضطهاد بحق المواطنين الشيعة؟ أم موقف سلطوي من المعارضة الشيعية؟
بدايةً؛ لا يميز الدستور بين المواطنين على أساس مذهبي، وتنصّ المادة (18) من الدستور على أن “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.”
يقول الروائي جعفر سلمان، بأنّه لا يوجد تضييق على الشعائر الدينية، بينما هناك منع من استعمال الشعائر لأغراض سياسية. وأضاف بأنّه في البحرين على سبيل المثال في موسم عاشوراء تقوم الدولة بالتنظيم، وتقدم الحكومة والملك دعمًا ماليًا لهذه المناسبة، وتتشح المنامة بالسواد.
وحول منع عدد من صلوات الجمعة في جامع “الإمام الصادق” في منطقة الدراز، صرح سلمان بأنّ ذلك لمنع استعمال المنبر الديني في المساجد لأجل التدخل في السياسة؛ موضحًا أنّ البحرين عانت كثيرًا بسبب تدخل رجال الدين في السياسية، وحاليًا لا تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
أما عن الانتهاكات، بحسب المعارضة يوجد 1314 معتقلًا سياسيًا، يقبعون داخل أقبية السّجون، سيئة الصيت في البحرين. ويقدم تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رؤية محايدة بين السلطة والمعارضة حول واقع حقوق الإنسان في البحرين. وأشار التقرير الذي صدر عام 2022، بعد مراجعات لأعوام سابقة، إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، مع الإشارة إلى تحسن ضئيل في التزام البحرين بقوانين وبنود في المعاهدات الدولية المعنية بتلك الحقوق.
وهذه مقتطفات من التقرير: “أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن القلق إزاء الادعاءات المتعلقة بصدور أحكام بالإعدام على أساس اعترافات انتزعت بالإكراه أو تحت التعذيب.” ومن بين مخاوف اللجنة ما يلي؛ زيادة في الآونة الأخيرة في استخدام العنف من موظفي إنفاذ القانون أثناء المظاهرات السلمية، حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين وخارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأمن، بما في ذلك الاحتجاز مع منع الاتصال، والقيود الخطيرة المفروضة على حرية التعبير، والعدد الكبير من الاعتقالات والمحاكمات التي شملت الأفراد الذين ينتقدون سلطات الدولة، أو الشخصيات السياسية، بما في ذلك من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، إلى جانب تقارير تفيد بفرض قيود على منظمات حقوق الإنسان وجماعات المعارضة، وغير ذلك من الملاحظات التي وردت في التقرير.
وبشأن التمييز ضد المواطنين الشيعة، جاء في موضعين إشارة إلى وجود تمييز؛ منها: “لاحظت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن أفراد الطائفة الشيعية يواجهون حسب التقارير الواردة التمييز في ممارسة حقوقهم الثقافية.” لكن هذه الإشارات إلى التمييز ضد المواطنين الشيعة على أساس المذهب تبدو بسيطة مقارنةً بالإشارات التي وردت في التقرير حول التمييز بحق المرأة البحرينية. وفي موضع آخر اعتبر التقرير الموقف من المعارضة الشيعية تمييزًا، على الرغم من أنّه يعتبر قرارًا سياسيًا وليس تمييزًا على أساس المذهب.
آفاق الحلول الممكنة
يمكن الوصول إلى خلاصة حول طبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة الشيعية في البحرين؛ مفاداها أنّ أسباب تأزم العلاقة بين الطرفين هي سلطوية في الأساس وليست عقدية؛ إذ إنّ السلطة لن تقبل أي شكل من المعارضة حتى لو خرج من الطائفة السنّية، فضلًا عن أنّ الارتباط بين جزء من المعارضة الشيعية وإيران يعزز من تعقيد العلاقة بين المعارضة والسلطة، بسبب إدخال البُعد الإقليمي الذي يوازيه تدخل السعودية لدعم السلطة.
وواقع الحال اليوم في البحرين لا يجعل السلطة في حاجة إلى التفاوض مع المعارضة؛ حيث نجحت عبر القمع السياسي في تفتيت الحراك الشعبي؛ فضلًا عن أنّ المسار الذي اتخذه الربيع العربي في كل البلدان العربية لا يقدم أية محفزات لتنازل السلطة عن صلاحياتها وشمولها، إلى جانب أنّ النموذج الإيراني الذي ترتبط به معظم المعارضة الشيعية الدينية لا يقوم هو الآخر على المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويمكن القول بأنّ الربيع العربي في البحرين مثل الربيع العربي في دول أخرى؛ أُفرغ من مضمونه على يد السلطة والمعارضة، وتحول إلى حراك في إطار صراع محاور إقليمية.
في هذا السياق، يقدم موقف المعارضة الدينية الشيعية من جمعية التجديد الشيعية مثالًا على ازدواجية المعارضة بشأن الحريات والحقوق والديمقراطية. وبحسب رصد واسع قامت به “مواطن” للمواقف من جمعية التجديد من خلال آراء رموز وشخصيات في المعارضة على “تويتر”، وهي منشورة تحت وسم (هاشتاج) باسم “بدعة_السفارة وجمعية_التجديد” يتضح أنّ قضايا الحريات وحقوق الإنسان التي ترفعها المعارضة مرتبطة برؤية محددة لهذه الحقوق نابعة من مفاهيم الإسلام السياسي.
يقول الروائي جعفر سلمان: إنّ الأزمة مع جمعية التجديد أظهرت للجميع على الأقل الوجه الآخر للحراك الإسلامي السياسي الشيعي؛ حيث اتضح خواء شعارات الديمقراطية والدولة المدنية التي طالما رفعوها. وتابع بأنّ “الدولة المدنية تعني حياد الدولة أمام جميع الأديان، بالتالي إذا كنت تؤمن بالدولة المدنية كيف لا تستطيع تحمل جمعية التجديد؟”
وبحسب الروائي البحريني؛ فإنّ سبب الخلاف بين جمعية التجديد والمعارضة الدينية الشيعية، هو خلاف حول تفسير القرآن ومسألة التقليد في الفقه الشيعي، لكن هذه الأمور البسيطة جلبت على أعضاء جمعية التجديد حملة شعواء، اشتملت على التهديد والسباب على المنابر والتشهير والمنع من دخول المساجد والحسينيات. يرى “سلمان” أنّ ردّ الفعل ذلك الذي يتكرر مع الإسلام السياسي في المواقف المشابهة يبرهن على فشله؛ سواء كان شيعيًا أم سنيًا في تقبل الأفكار الحداثوية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما يرى بأنّ حرب المعارضة الشيعية ضد جمعية التجديد أضعفتهم من ناحية المصداقية أمام العديد من المثقفين وأبناء الشعب البحريني خصوصًا الشيعي، وجعلت الشارع الشيعي يعيش صدمة بسبب هذا التناقض. وبحسب سلمان، لم يُضيع الحراك السياسي الشيعي في البحرين إلا ارتهانه للإسلام السياسي، ولم يضيع هذه الحركات إلا ارتهانها لإيران.
تحقيق مزيد من التهدئة بين إيران والخليج العربي بشكلٍ عام والبحرين تحديدًا، سيصب في صالح التهدئة بين السلطة والمعارضة الشيعية في البحرين، لكن دون إقدام السلطة على تغييرات جوهرية في الشأن السياسي.
أما موقف المعارضة، يقول أمين عام حركة خلاص البحرينية عبد الرؤوف الشايب، بأنّ رؤية الحركة هي الخلاص من هذا النظام من الجذور؛ لفشل كل محاولات إصلاحه منذ عقود، ولا سيما بعد أنّ ارتمى في أحضان الكيان الصهيوني، وهناك من يشاطر المعارضة هذا الرأي. وتابع، لكن هذا لا ينفي وجود أطروحات أخرى في المعارضة ترى إمكانية التعايش مع النظام فيما لو تخلى عن حالة الإدارة المركزية وعمل بالملكية الدستورية.
وأوضح بأنّه لو تخلت السلطة عن كثير من صلاحياتها الحالية وقدمت الضمانات لعدم العودة للعهود البائدة وقدمت حصانات دستورية لحفظ النظام الجديد، حينها قد يختار شطر كبير من الشعب التعايش ما دامت الخيارات الأخرى غير ممكنة بحسب الظروف الراهنة، ولتجنب تقديم المزيد من التضحيات والمعاناة. لكن بحسبه لو كان أمام الشعب الخيار لاختار نظامًا ديمقراطيًا غير منقوصٍ.
بدوره يطرح البرلماني السابق جواد فيروز، خطوات مطلوبة من السلطة لتحقيق انفراجة مع المعارضة. ويعتقد بضرورة وجود خارطة طريق لتحقيق المصالحة الوطنية، تشمل الإفراج عن جميع سجناء الرأي بدون استثناء، ومنهم قيادات المعارضة، وتبنّي مشروع إصلاحي حقوقي وسياسي شامل وجذري، ومن ثم بدء حوار مع قيادات المعارضة ومختلف التيارات السياسية للوصول الى توافق وطني لتحقيق الإصلاح المنشود.
لكن ماذا عن رؤية السلطة؟ يقدم الروائي جعفر سلمان قراءته لموقف السلطة، ويرى أنّها غير مستعدة للتعامل مع نفس الوجوه التي كانت موجودة في الأزمة عام 2011، لأنّها كانت السبب في تأزيم الشارع والوضع ورفضت المبادرات.
وأضاف، أنّ السلطة لم تعد تراهم -أساسًا- وجوهًا قابلة للتفاهم معها حول المراحل السياسية المستقبلية، وبالتالي محاولات التأزيم التي تصدر من الإسلام السياسي الشيعي ستخف كثيرًا بعد الاتفاق السعودي الإيراني، الذي من المفترض أن يوازيه آخر بحريني إيراني. وأشار إلى أنّ قاعدة الإسلام السياسي لا تزال قوية لكنها تزعزعت، ولم تعد بنفس قوة 2011، وباتت قدرته على توتير الأوضاع أقل بكثير.
خلاصة
بعد العرض السابق، يمكن الخروج بعدة خلاصات، على رأسها أنّ تحقيق مزيد من التهدئة بين إيران والخليج العربي بشكلٍ عام والبحرين تحديدًا، سيصب في صالح التهدئة بين السلطة والمعارضة الشيعية في البحرين، لكن دون إقدام السلطة على تغييرات جوهرية في الشأن السياسي.
كما أنّه بوضع قضية المعارضة السياسية في البحرين باعتبارها حركة إصلاحية في السياق العام للمنطقة، بما لها وما عليها، يمكن القول بأنّه كلما مرّ الوقت ستنحصر في المطالب الحقوقية، وتفقد شعاراتها الكبرى، وصولًا إلى مرحلة قد تشهد انفراجة مع السلطة، لكن ليس في المنظور القريب؛ حيث تشعر السلطة بالارتياح للوضع الحالي، بعد أنّ تمكنت من التغلب على ما تراه تهديدًا لوجودها.
وبالنظر إلى العوامل الداخلية في البحرين التي قد تكون محفزًا لصالح تغيرات أو تنازلات من السلطة لصالح المعارضة؛ فإنها تبدو بسيطة مقارنةً بالوضع في مصر. على سبيل المثال تبلغ نسبة الفقر في البحرين 7.5% بعدد سكان يبلغ 55 ألف نسمة في 2021 بزيادة عن 2010 التي سجلت 39 ألف نسمة، بحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وهي نسبة محدودة مقارنة بعدد السكان البالغ 1.5 مليون نسمة، بحسب تقديرات الحكومة الأمريكية، والتي قدرت عدد المواطنين الشيعة بين 55 – 65%.
أخيرًا؛ فإن الآمال بإحداث تغير في علاقة المعارضة والسلطة نحو الانفراجة تبدو محتملة أكثر مع تولي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة العرش في المستقبل؛ حيث العادة في الأنظمة الخليجية أنّ يؤسس كل حاكم لعلاقة جديدة مع شعبه، لكن تلك الانفراجة لن تخرج عن الجانب الحقوقي في الغالب؛ حيث ستظل مسألة الملكية الدستورية والديمقراطية الحقيقية رهن ما يحدث في المنطقة العربية والإقليم بشكلٍ عام.