في فبراير عام 2021 أعلنت المملكة العربية السعودية في قرار مفاجئ أنها لن تتعامل مع أي شركة أجنبية لديها مقر إقليمي خارج المملكة، وأنها ستقصر عقود القطاع العام على الشركات التي يقع مقرها الإقليمي داخل الدولة اعتبارًا من عام 2024؛ ما يعني إخراج هذه الشركات من السوق السعودي، وذلك بالنظر لكون التعاقدات الحكومية هي المصدر الرئيسي للمشروعات التنموية داخل البلاد.
ويبدو الهدف من هذا القرار هو انتزاع مقرات كبرى الشركات الدولية من إمارة دبي، إضافة إلى وضع الشركات التي تريد الاستثمار في المنطقة أمام خيار صعب؛ وهو إما الاستثمار في مدينة دبي مركز المال والأعمال الأبرز في الخليج، أو الحصول على قطعة من الكعكة والاستفادة من الطفرة الكبيرة التي تحدث في الرياض المتوجهة بسرعة نحو التحول إلى مركز اقتصادي وإقليمي، يتوقع أن يكون الأكبر والأهم في المنطقة.
وبشكل عام تشترك السعودية والإمارات ومعهما بقية الدول الخليجية على هدف أساسي؛ وهو تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن موارد النفط، والسعي لاستغلال فوائضها المالية واستثمارها لضمان استمرار تدفق الثروات المالية في المستقبل، بعد أن يقل الطلب على النفط وتتدهور أسعاره، أو عندما تنضب آبار النفط والغاز، بما يضمن لها استمرار الرخاء الاقتصادي والمحافظة على وجودها واستقرار الأوضاع الداخلية، وتلبية حاجات الأعداد المتزايدة من سكانها؛ فضلًا عن الحفاظ على المستوى المعيشي المعتاد.
لكن هذا السعي قد يخلق حالة من المنافسة الاقتصادية، وربما الصراع بين هذه الدول الغنية بالموارد الطبيعية. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية خلال الفترة الماضية أنها لن تتخلى أو تتنازل عما تراه حقها في الزعامة والريادة الاقتصادية والسياسية في المنطقة؛ وذلك استنادًا إلى ما تمتلكه من موارد وحجم اقتصاد هما الأضخم في الشرق المتوسط، وما تتمتع به من مكانة دينية، إضافة إلى التحديات التي تفرضها عليها من العامل الجغرافي وعدد السكان.
تفوق إماراتي يهدده طموح سعودي
منذ ثمانينيات القرن الماضي انفردت إمارة دبي وحدها بكونها مركزًا ماليًا للشركات متعددة الجنسيات الراغبة في التواجد في المنطقة، وإقامة مقر إقليمي لها بهدف إدارة نشاطاتها التجارية، وذلك بسبب توفير دبي لكافة التسهيلات التي قد تحتاجها أي شركة، بالإضافة إلى تقديمها كل المميزات التي تمكنها من مباشرة أعمالها من خلال المدينة، وطوال كل هذه السنوات ركزت الإمارة على بناء اقتصاد خدمي متطور ومستدام، يولد موارد مالية ويخلق فرص نمو لدولة الإمارات بعيدًا عن موارد النفط، حتى ولو كانت فوائض النفط والغاز هي الممول الرئيسي لإنشاء وتشييد تلك المشروعات، وهي المنقذ في وقت الأزمات الاقتصادية. تمتعت إمارة دبي باقتصاد متنوع واستثمارات في العديد من المجالات الاستراتيجية؛ في وسط منطقة تعتمد على صادرات النفط فقط.
يرى الدكتور صادق الركابي مدير المركز العالمي للدراسات التنموية بلندن خلال حديثه لـ “مواطن”: إن دولة الإمارات قد خطت خطوات متقدمة في مجال التنافسية العالمية، وأصبحت الأولى عربيًا على مستوى الأنشطة التجارية، وكانت سباقة في هذا المجال، ويضيف أن دولة الإمارات نموذج متطور للبيئة الجاذبة للاستثمارات والحاضنة للأنشطة التجارية؛ ما جعل دول الخليج العربي تحاول أن تحذو حذوها.
جعل ذلك الإمارات تتربع على عرش الاقتصاد الخدمي دون منافس، ولم تكن السعودية بدورها مهتمة بهذا الشأن، ولا تسعى من خلال القوانين والتشريعات لتقديم نفس التسهيلات، حتى إن هناك العديد من الشركات والكيانات السعودية كانت تدير أعمالها من خلال مقراتها الإقليمية في دبي، ولكن من سوء حظ مدينة دبي أن العملاق السعودي استيقظ مع إعلانها العزم على تحويل عاصمتها الرياض إلى مركز مالي وتجاري عالمي.
وحدث ذلك التحول منذ أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عن الخطة الاستراتيجية للدولة: “رؤية 2030″، التي تضم العديد من المشاريع الطموحة، منها مدينة “نيوم” المستقبلية، التي تبلغ تكلفتها ما يصل إلى 500 مليار دولار أمريكي، ومشاريع تطوير مدينة الرياض وجدة وغيرها من المناطق الاقتصادية الحرة، التي ستكون محرك الانتعاش للاقتصاد، وتخلق ملايين الوظائف للسعوديين، وتجذب الاستثمارات الأجنبية؛ ما يمكنها من التفوق على إمارة دبي وغيرها من المراكز المنافسة.
ويقول المستشار الاقتصادي السعودي ورئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار “عيد العيد” في حديثه مع “مواطن”: إن الهدف الرئيسي من “رؤية المملكة 2030” هو تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي، وبالتالي فإن هذا التنوع يجبر المملكة على الدخول في العديد من قطاعات الاقتصادية التي تأخرت في تفعيل دورها في الاقتصاد، لذلك نجد السعودية بدأت بالاهتمام بكافة القطاعات الحيوية وتعمل على العديد من المشاريع الضخمة.
التنافس في تقديم الحوافز والتسهيلات
بعد إصدار الحكومة السعودية لقرار وقف التعاقد مع الشركات التي لديها مقرات إقليمية خارج المملكة؛ في تفسير وزير المالية “محمد الجدعان” لقراره الصادم، قال: “إنه من غير المبرر أن تكون المملكة صاحبة الاقتصاد الأكبر في المنطقة لا تمتلك سوى 5% من المقرات الإقليمية للشركات العالمية المتواجدة بالمنطقة”.
وفي حديثه لمواطن، يتفق المستشار الاقتصادي السعودي “عيد العيد” مع وزير المالية؛ إذ يقول: “إنه لأمر غير عادل أن يكون جزء كبير من الشركات الأجنبية الموجودة في دبي وغيرها من المدن في المنطقة تعتمد على السوق السعودي بنسبة تصل إلى 70 و80٪ من عملائها؛ في حين أنها لا تمتلك مقرًا إقليميًا في المملكة؛ ما يجعل الفائدة تعود إلى هذه الدول على حساب السعودية، ولهذا فإن تحركات المملكة طبيعية، ومن حقها أن تسعى للحصول عليه دون استهداف مدينة بعينها.
وتحتل الرياض المرتبة 92 عالميًا في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالميًا، بينما تأتي دبي في المرتبة 17 على مستوى العالم. وبالرغم من ذلك تشمل خطة المملكة المتفائلة الاستحواذ على أكثر من 480 مقرًا إقليميًا لشركات عالمية خلال عشر سنوات، ما يجعلها تتجاوز إمارة دبي التي تمتلك نحو 140 مقرًا اقليميًا نجحت في جذبها خلال أكثر من ثلاثة عقود.
وانطلاقًا من إيمان المملكة بأحقيتها في الاستحواذ على نصيب أكبر من الاستثمارات الأجنبية، كان عليها أن تضيف حزمة كبيرة من الامتيازات والتسهيلات لجذب الشركات العالمية إلى عاصمتها، ومنها السماح للأجانب بالتملك في أربع مناطق جديدة دون وضع حد أدنى أو أقصى لنسبة التملك في المناطق الاقتصادية الجديدة، والتي تشمل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومدينة جازان ومدينة الرياض ورأس الخير، مع وضع نظام خاص بتلك المناطق؛ حيث تتمتع بنظم تشريعية ولوائح خاصة بالأنشطة الاقتصادية، تختلف عن النظام في بقية أنحاء المملكة، بهدف تحويلها إلى “وجهة للاستثمارات الأجنبية”.
كما تقدم المملكة للشركات التي تؤسس مقرات إقليمية في الرياض إعفاءً كاملًا من الضرائب لمدة 50 عامًا، وهو إعفاء مشروط بتوظيف المواطنين السعوديين، بالإضافة إلى أفضلية الحصول على العقود الحكومية، وساهمت هذه الحوافز المغرية في دفع أكثر من 70 شركة عالمية لإصدار تراخيص نقل لمقراتها الإقليمية إلى العاصمة الرياض، وبعض هذه الشركات جاءت من إمارة دبي كما تؤكد جريدة فايننشال تايمز. ومن أهم الشركات التي حصلت على هذا التصريح، هي شركة “أبل” العالمية، التي قررت إنشاء أول مركز توزيع في الشرق الأوسط في المنطقة اللوجستية بالقرب من الرياض، والتي تبلغ مساحتها 3 ملايين متر مربع.
وأمام تحركات الرياض الطموحة لم تقف الإمارات مكتوفة الأيدي؛ حيث اعتبرت هذه الخطط تحديًا مباشرًا لموقعها ومكانتها، وسارعت بالرد بحوافز تشمل السماح للمستثمرين الأجانب بتأسيس وتملك الشركات بنسبة 100%، وإلغاء حصر حصة المستثمر الأجنبي بنسبة 49%، ما أشعل المنافسة الاقتصادية بين البلدين الخليجيين.
وفي سعي المملكة لتقويض الصناعة الإماراتية وتقليل الصادرات التي تصل إلى أسواقها في مقابل تشجيع الإنتاج الصناعي المحلي، أعلنت في 3 يوليو 2021، قرارًا ينص على إلغاء الوصول التفضيلي للدول الخليجية على البضائع القادمة من المناطق الحرة، أو تلك التي تنتجها شركات إسرائيلية. والهدف من القرار جعل الواردات الإماراتية أكثر تكلفة وبالتالي أقل تنافسية في الأسواق السعودية؛ إذ تشكل المنتجات المصنوعة في المناطق الحرة في دبي نسبة كبيرة من الواردات؛ ما جعلها تتأثر بهذا القرار؛ حيث تراجعت بعدها الواردات الإماراتية إلى السعودية بنسبة 33%
ومن المتوقع استمرار تراجعها خلال الفترة المقبلة. ويقول “العيد” “أن السلع الإماراتية التي كانت تدخل بدون رسوم جمركية، كانت دبي هي المستفيد الأكبر منها، ويضيف أن معظمها لم يكن يصنع في دبي، ولكنه يكتب عليه أنه صناعتها بهدف التهرب من الرسوم الجمركية، عوضًا عن رداءة المنتجات، وبالتالي كانت المملكة والمستهلك السعودي هما الخاسر الأكبر من هذه العملية.
التنافس في خدمات النقل البري والجوي
لا تتوقف طموحات المملكة عند اجتذاب مقرات الشركات العالمية من إمارة دبي؛ إذ تسعى إلى سحب البساط من الإمارات في العديد من المجالات الأخرى، ومن هذه المجالات؛ خطتها الاستراتيجية للنقل والطيران والخدمات اللوجستية. وقد أعلن ولي العهد السعودي عن عزمه مزاحمة عمالقة الطيران في منطقة الخليج، وذلك من خلال إنشاء شركة “طيران الرياض” التي تستهدف جعل المملكة من أفضل خمس خطوط نقل جوي عالمية للركاب، ونقل 330 مليون مسافر سنويًا في أكثر من 250 وجهة حول العالم بحلول عام 2030.
وما يستدعي أيضًا تطوير مطار الملك خالد حتى يستطيع استيعاب 120 مليون مسافر سنويًا، لتبلغ قيمة الاستثمارات المتوقع ضخها من أجل أكثر من 130 مليار دولار، وذلك في مواجهة ثلاث شركات تستحوذ على حصة سوقية ضخمة من سوق الطيران في المنطقة والعالم، وهما شركة “طيران قطر” التي تم تصنيفها على أنها أفضل شركة طيران في العالم، وشركة طيران الإمارات المملوكة لإمارة دبي التي تُصنف كثالث أفضل شركة في العالم، بالإضافة إلى شركة طيران الاتحاد التابعة لإمارة أبو ظبي.
ويرى العديد من الخبراء أن دخول السعودية وسط سوق شديد التنافسية مغامرة كبيرة، وكان من الممكن الاعتماد على شركة الخطوط الجوية السعودية بدلًا من إنشاء شركة جديدة تبدأ من نقطة الصفر. ولكن السعودية ترى أنها تتمتع بمزايا لا تتوفر لبقية الدول الخليجية، وهو عدد السكان الذي يتخطى 35 مليون نسمة، إضافة إلى استحواذها على حصة كبيرة من السياحة الدينية في العالم. والأهم؛ أن خطتها الاستراتيجية للنهوض بقطاع السياحة سيزيد من الطلب الدولي على سوق الطيران، ما يستلزم تطوير بنية النقل وضخ استثمارات كبيرة لتطوير القطاع.
ويقول الدكتور صادق الركابي إن السعودية لديها أكبر سوق خليجي، كما أنها عضو في مجموعة العشرين، وكانت أكبر الدول تحقيقًا للنمو خلال العام الماضي، ولديها قدرة صناعية وإنتاجية ضخمة، ما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات الخارجية.
وعلى أرصفة السواحل والبحار، تريد السعودية استغلال موقعها الجغرافي المميز بين القارات الثلاثة؛ في أن تصبح مركزًا رئيسًا لأعمال النقل البحري والخدمات اللوجستية العالمية، وذلك من خلال افتتاح منطقة لوجستية متطورة في ميناء جدة، وهو ما ساهم في تحقيق أرقام غير مسبوقة في حجم العمليات؛ حيث ارتفعت أعداد الحاويات المُناولة بالموانئ السعودية لتصل إلى أكثر من 2 مليون حاوية في الربع الأول من العام الحالي، كما انخفضت تكلفة الشحن البحري إلى موانئ المملكة بعد رفع القدرة التشغيلية، ليكون الشحن من الصين هو الأرخص في منطقة الشرق الأوسط. وتتفوق بذلك على موانئ دبي التي كانت تتميز بأنها وجهة الشحن الأرخص، وسيطرت لسنوات طويلة على الخدمات اللوجستية في المنطقة.
ولا تقف الإمارات ساكنة في مواجهة تمدد نفوذ المملكة الاقتصادي الذي يؤثر على نشاطاتها؛ فاتجهت سريعًا بالرد من خلال إنشاء عدة مشروعات جديدة لتطوير قطاع الخدمات اللوجستية، ومنها توسعة مطار آل مكتوم الدولي، وتطوير منطقة خور دبي للخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة حرة للخدمات اللوجستية في رأس الخيمة.
التنافس في قطاع السياحة
ولا يُمكن أن ننسى أهداف المملكة الاستراتيجية في قطاع السياحة، والتي تجعل بوصلة المنافسة مع الإمارات تتجه نحو أهم القطاعات حيويةً بعد النفط بالنسبة للبلدين؛ حيث تسعى السعودية إلى الاستفادة من كل المعالم السياحية التي تزخر بها، إضافة إلى استغلال مكانتها في العالم الإسلامي لوجود الحرمين الشريفين، وذلك من أجل تنمية السياحة وتوليد فرص استثمارية يُمكن أن تساعد على رفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي إلى ما يزيد على 10%، مع إضافة ما لا يقل عن مليون فرصة عمل جديدة للسعوديين، وتجذب 100 مليون زيارة سنوية بحلول 2030
حيث تريد أن تسير خطط التحديث السياحي في مسارين، أولهما تسهيل رحلات الحج والعمرة بما يضمن استيعاب أكبر عدد من الزيارات الدينية، والمسار الثاني هو تشجيع السياحة الطبيعية في المنتجعات الصحراوية ومناطق التراث التاريخية، بالإضافة إلى المشروعات السياحية على سواحل البحر الأحمر؛ حيث بلغ حجم الإنفاق على السياحة في العام الماضي نحو 50 مليار دولار.
وقد نفذت المملكة 11 حملة إعلانية للتعريف بالسياحة في الخارج، ووصلت إلى 35 دولة، وتعمل على التوسع في تنظيم الأحداث والفعاليات الكبرى. ومن أجل منافسة جارتها دُبي التي تُعد الوجهة السياحية الأولى في الشرق الأوسط، قامت السعودية بإصدار تأشيرات سياحية مرنة لمواطني 49 دولة يُشكلون 80% من الإنفاق السياحي حول العالم، لتحتدم حدة المنافسة مع مدينة دبي التي تتمتع بأفضلية في المنافسة في الوقت الحالي؛ حيث تعد مقصدًا للزوار من أثرياء العالم وتوفر لهم نمطًا معيشيًا فاخرًا على الطريقة الغربية، وهو ما يضع المملكة أمام ضرورة تنفيذ العديد من التشريعات والقوانين وإحداث تغييرات كبيرة في الوضع الاجتماعي والمعيشي، حتى لا تحد من حرية زوارها، وتستطيع جذب المزيد من السياح والتقدم في سباق التنافس.
ويتوقع المستشار السعودي عيد العيد أن تصل أعداد السياح القادمين إلى المملكة من إلى أكثر من 40 مليون سائح سنويًا بحدود 2030، كما يرى أن طفرة السياحة بالمملكة تفيد بدورها الدول المجاورة مثل مصر والأردن والإمارات، لأن نسبة كبيرة من السياح تزور أكثر من دولة في جولاتهم.
التنافس على القوة الناعمة
في ظل سعي المملكة لاستدامة نمو اقتصادها باستخدام القوة الصلبة من الموارد التي تمتلكها، برزت أيضًا أهمية القوة الناعمة، وما يمكن أن تلعبه من خلال تغيير الصورة النمطية عن المملكة وجذب المستثمرين والزائرين. وبدأت المملكة مساعيها عندما اتخذت قرارًا بنقل إدارة قناتي العربية والحدث المملوكتين للسعودية، والبدء للبث من الرياض بعد أن كان البث يجري نقله من “مدينة دبي للإعلام” منذ نشأتهما. وفي 15 ديسمبر الماضي بثت قناة العربية أولى نشراتها الإخبارية من مقرها الجديد في الرياض.
ومن أجل تحقيق هدفها في إنتاج البرامج الإخبارية من العاصمة السعودية، ولإثبات أنها مستمرة في مساعيها بنقل الشركات إلى الرياض، قررت أيضًا نقل مجموعة “إم بي سي” الشركة الإعلامية الأكبر في الشرق الأوسط، والتي تمتلك فيها حصة أغلبية، بالإضافة إلى شبكة الشرق للأخبار التي كان يقع مقرها في مركز دبي المالي العالمي، ليتم استضافة كل هذه القنوات في المدينة الإعلامية السعودية.
وتستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض “إكسبو 2030″؛ حيث تتنافس الرياض مع مدن: روما الإيطالية، وبوسان الكورية الجنوبية، وأوديسا الأوكرانية، لتنظيم الحدث التجاري الأبرز عالميًا بداية من 1 أكتوبر 2030، ليتزامن موعد الحدث مع تاريخ تتويج الجهود الرامية لتحقيق أهداف “رؤية المملكة “2030، وترويج وجهاتها السياحية التي ستكون جاهزة حينها، مثل مدينة “نيوم” ومناطق التراث مثل “الدرعية”.
وتسعى المملكة للفوز باستضافة “إكسبو 2030″، ووعدت بأنه سيكون النسخة الأفضل منذ انطلاقة المعرض عام 1852، وتعتزم إقامته على مساحة 6 ملايين متر مربع بأنحاء المدينة، وتصل تكلفته إلى قرابة 8 مليار دولار. ويعد معرض “إكسبو” هو أكبر حدث عالمي لتقديم أحدث الإنجازات والتقنيات، والترويج للتعاون الدولي في التنمية الاقتصادية والتجارة والفنون والثقافة، ونشر العلوم والتقنية، ومن المتوقع أن يجذب المعرض أكثر من 20 مليون زائر إلى الرياض خلال فترة إقامته، بالإضافة إلى أكثر من مليار زيارة عبر منصة ميتا فيرس.
والجدير بالذكر أن دبي كانت أول مدينة في الشرق الأوسط تستضيف معرض إكسبو 2020 العالمي، والذي نُظم في نهاية عام 2021 واستمر طوال 6 أشهر بمشاركة 191 دولة، واستضافت الإمارات خلالها أكثر من 20 مليون زائر، وبالرغم من ذلك لم يكن التنظيم على مستوى تطلعات دولة الإمارات بسبب تأجيله مع اندلاع جائحة كورونا واستمرار إجراءات الوقاية أثناء استضافته، لذلك تأمل المملكة في أن يشكل تنظيم “إكسبو الرياض 2030” علامة فارقة، وأن تستطيع تجاوز الأرقام المسجلة في عدد الزوار.
هل يتحول التنافس إلى تكامل؟
نلاحظ أن التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات ربما يزداد حدةً خلال الفترة المقبلة؛ ذلك لأن المملكة لن تتنازل بدورها عن تحقيق التفوق الاقتصادي على منافسيها، بما يتناسب مع حجم مواردها، إضافة إلى رغبتها في الاستحواذ على نصيب الأسد من الحصص السوقية في كافة المجالات، وتنفيذ توسعات استثمارية تلائم ما تمتلكه من ثروات مالية وبشرية؛ في محاولة لتعويض ما فاتها من فرص.
وينظر صادق الركابي مدير البحوثات الاقتصادية إلى طموحات وجهود المملكة بأنها فرصة لتحقيق التعاون والتكامل الاقتصادي في المنطقة الخليج العربية؛ إذ يقول: “إن أي تطور ستحققه السعودية سينعكس إيجابًا على الإمارات وبقية دول الخليج”.
وقد لا يرى صناع القرار في المملكة أن الهدف الرئيسي هو منافسة الإمارات، ولكن من ناحية أخرى فهم يرون أن السعودية أكبر من هذه التنافسية؛ إذ يقول المستشار الاقتصادي “عيد العيد” إنه لا يوجد مجال للمقارنة بين البلدين؛ حيث أن حجم اقتصاد المملكة يتخطى تريليون دولار، أي أنه أكثر من ضعف حجم الاقتصاد الإماراتي. ويضيف العيد أن الإمارات وصلت إلى الحدود العليا من إمكانياتها؛ في حين أن المملكة ما زالت في المراحل الأولى من تطوير اقتصادها، ويعلق أن “المارد قد استيقظ”، وبالتالي فإنه إذا كانت هناك منافسة خلال السنوات المقبلة؛ فستكون مع دول مثل مصر وإيران والعراق وتركيا، وذلك استنادًا إلى ما تمتلكه هذه الدول من ثروات بشرية وموارد طبيعية، إضافة إلى البعد الجغرافي والتاريخي.