في حين أن أكثر من 99% من السعوديين يحصلون على المياه الصالحة للشرب، تصنف السعودية بأنها واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، وفق موقع fanack water المختص بدراسات المياه، كما أن المملكة مهددة باستنفاذ كامل احتياطاتها من المياه الجوفية، والتي تعد المصدر الرئيسي للمياه، ويستخدم 85% منها في القطاع الزراعي، وفي حال استمرار معدلات السحب الحالية للمياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة، لن تصمد الاحتياطات أكثر من خمسين عامًا.
وهو ما تؤكد لمواطن الناشطة والخبيرة البيئية؛ فاطمة الحنطوبي، بأن السعودية واحدة من دول الخليج التي تعاني من الفقر المائي المدقع؛ أي أن المياه بمنطقة الخليج، تكاد لا توفر الاحتياجات اليومية للفرد.
ووفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة؛ فإن التغير المناخي يتسبب في تناقص مصادر المياه، ويؤثر على توافرها لاسيما داخل المناطق التي تعاني من الشح المائي وقلة الموارد المائية الصالحة للشرب والاستعمال.
كما يؤثر ذلك بدوره على الزراعة، وارتفاع نسبة الجفاف البيئي الذي يتسبب أيضًا في خلل النظم البيئية، ومع تزايد الجفاف تزداد العواصف المدمرة التي تنقل مليارات الأطنان من التراب والرمال عبر القارات، ما يؤدي إلى انتشار المساحات الصحراوية وتقلص الرقع الصالحة للزراعة، ما ينتج عنه تأثير مباشر على توافر الغذاء.
وتتصدر السعودية قائمة الدول العربية المصدرة للانبعاثات الكربونية، ووصل إجمالي الانبعاثات في منتصف عام 2021، إلى 1.4% بما يعادل 575.3 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد العوامل الرئيسية المسببة لحدوث التغير المناخي، إضافة إلى تسببه في ارتفاع درجات الحرارة، وحدوث الاحترار الشديد.
وكجزء من خطط المملكة للوصول لما يعرف بـالحياد الكربوني في 2060 اتجهت إلى تجارب صناعة المطر، عن طريق صناعة غيوم اصطناعية للحد من الاحتباس الحراري من جهة، ومن جهة أخرى تواجه حالة الشح المائي وتهديدات استنفاذ الاحتياطات من المياه الجوفية، ومحاولة التقليل من أعباء تكاليف تحلية المياه، ومن المتوقع أن تسهم عمليات الاستمطار الصناعي في توفير 6 مليار ريال سنويًا من إنفاق برامج معالجة وتحلية المياه؛ إذا نجحت تجارب الاستمطار.
وتضيف خبيرة المناخ فاطمة الحنطوبي، أن تقنية الاستمطار تعدّ إحدى الوسائل التكنولوجية التي تأمل السعودية نجاحها في تحصيل المياه، بالإضافة إلى غيرها من الوسائل التكنولوجية الأخرى، وذكرت منها على سبيل المثال: الحصاد المائي، ومعالجة المياه بالتقنيات الحديثة وغيره.
وتكمل: “نحن -دول الخليج- نحاول حل استخدام كل السبل التي تساعدنا في حل أزمة مستعصية، كأزمة الأمن المائي الخليجي، وتقنية الاستمطار إذا كان يقابلها تقنية حصاد وتخزين للمياه بكفاءة عالية ستكون مجدية، وترفع من مستوى المخزون المائي”.
في حين أن أكثر من 99% من السعوديين يحصلون على المياه الصالحة للشرب، تصنف السعودية بأنها واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، وفق موقع fanack water المختص بدراسات المياه.
ويأتي اتجاه المملكة إلى الاستمطار الصناعي استكمالًا لخطط بدأت منذ عام 1976، حين اتفقت الحكومة السعودية مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لإطلاق تجارب الاستمطار، وشهد عام 1990 تنفيذ التجربة الأولية للاستمطار في منطقة عسير، بالتعاون مع جامعة وايومنج الأمريكية.
بينما نفذت تجارب أخرى عام 2006 في حائل والقصيم، والمنطقة الوسطى الرياض، بهدف مواجهة الجفاف وتقليل نسبة الرطوبة المرتفعة، وزيادة المخزون المائي المستخدم في عمليات الزراعة في ظل اعتماد السعودية على على تحلية مياه البحر المالحة لتغطية احتياجاتها المائية؛ مما دفعها إلى ضخ استثمارات بقيمة 53.3 مليار دولار أمريكي، لاستثمارها في المياه بداية من عام 2016 وحتى 2020.
الاستمطار الصناعي، كيف يتم؟
“في عمليات التلقيح الصناعي، يحدث تدخل بشري، لكن في إطار المسموح به ووفق ضوابط علمية، ولا يمكن أن يسمى الطفل في هذه الحالة طفلًا صناعيًا، لذلك لا أفضل استعمال مصطلح مطر صناعي وإنما هي تجارب نجح الإنسان في تنفيذها”. بهذه الكلمات يفتتح الدكتورعبدالله المسند، أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا، ونائب رئيس جمعية الطقس والمناخ السعودية.
ويحدث المطر الطبيعي عندما يتكثف بخار الماء في الجو مكونًا قطرات ماء ثقيلة بشكل كاف لتسقط باتجاه الأرض، وفي حالة الاستمطار يتم رش السحب بمادة سائلة فائقة. وتهدف تقنية استمطار السحب إلى زيادة كمية لأنواع معينة من السحب؛ من خلال تحفيز وتسريع عملية هطول الأمطار اعتمادًا على خصائص السحب، عن طريق طائرات مخصصة لبذر مواد دقيقة.
وتعد طريقة حقن السحب الركامية هي الأكثر شيوعًا، ويتم فيها استعمال يوديد الفضة والأملاح الرطبة، المكونة من البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم، ومجموعة من المركبات الكيميائية الأخرى، ومنها ثاني أكسيد الكربون المجمد، لزيادة كثافة السحب.
ومن ثم تتحول قطرات المياه المختزنة داخل هذه السحب إلى قطع ثلج بلورية ثقيلة، تتساقط إلى الأسفل بسبب ثقل حجمها، وتعمل درجة حرارة السطح على ذوبان الثلج وإعادته مرة أخرى إلى الحالة السائلة ثم يتساقط على هيئة أمطار.
ويصف “المسند” الاستمطار بأنه أشبه بعمليات التسميد التي يقوم بها المزارعون في حقولهم ومزارعهم، وكذلك عمليات تلقيح النخيل، وتقوم عملية الاستمطار في السعودية من خلال تلقيح السحب بمواد كيميائية، صلبة، وهي حبيبات الفضة “آوديد”، وتسمى أيضًا بنويات التجمد أو التكاثف، وتعرف أيضًا بمحرضات السحب، أي أنها تحفز هطول الأمطار، وتكون مهمتها هي تجميع جزيئات بخار المياه التي تتراكم فوقها، ومع الزيادة المتراكمة من النويات يحدث هطول الأمطار.
ويضيف: “عندما تكون السحب تحت تأثير التلقيح الطبيعي والصناعي في نفس الوقت، تكون نسبة هطول الأمطار أعلى، بينما إذا تم ترك السحابة للتلقيح الطبيعي فقط؛ فإنها تجمع الأتربة العالقة والغبار ويسقط مع المطر”.
ولا يمكن لمنفذي التجربة التحكم في مكان ونسبة هطول الأمطار، ولا حتى تحديد وقت هطولها، ويكمل نائب رئيس جمعية الطقس والمناخ السعودية حديثه قائلاً: “قد تجرى عمليات التلقيح للسحب المتراكمة فوق الرياض، ولكن لا يسقط المطر بها؛ بل قد يسقط مثلاً فوق الدمام، وهذا يحدث في جميع البلدان التي تنفذ تقنية الاستمطار”.
"استمطار السحب".. في مواجهة "الاحتباس الحراري"
وتستخدم تقنية استمطار السحب كي تساعد على التحكم في الطقس قصير المدى، بما يسمح بعد ذلك في مواجهة التغير المناخي على المدى الطويل، خاصة في ظل تفاقم أضرار ظاهرة الاحتباس الحراري، التي بدورها تسببت في حدوث موجات الاحترار والجفاف، وبالتالي يتم تبريد السحب عن طريق تغيير اتجاهات الرياح باستخدام المنخفضات الجوية.
وعند تجربة الاستمطار الصناعي في المناطق الجافة وشبه الجافة، يعيد لها الحياة من جديد، ويجعل هناك فرصة واضحة لزراعتها وعودة الغطاء النباتي الأخضر بها، وذلك يزيد نسبة غاز الأوكسجين حول كوكب الأرض، ويقلل من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، وهنا يستطيع بالفعل أن يكون المطر الصناعي أداة قوية لمواجهة الاحتباس الحراري.
يؤكد خبير الإرشاد الزراعي السعودي أمين الرواف فوائد الاستمطار الصناعي، والتي لاحظها بنفسه خلال عمله في مزارع النخيل الخاصة به: “ساعد الاستمطار على تخفيض درجة الحرارة، وساهم في إعطاء فرصة كبيرة لنمو الغطاء النباتي، إلى جانب تغذية آبار المياه الجوفية، والمياه السطحية، وتغذية السدود، مما يعود ذلك بنتائج إيجابية على التربة الزراعية ومصادر المياه بشكل عام”.
ويضيف لمواطن: “نشهد هذا العام سنة مطيرة، وانخفضت درجات الحرارة مقارنة بالسنوات الماضية، الأتربة الرملية التي كانت تغزو المزارع في شهري مايو ويونيو ويعاني منها المزارع، تراجعت بشكل واضح بفضل الاستمطار”
ويكمل أن تجربة الاستمطار الصناعي في المملكة كان لها دور فعال في تقليص هذه الأعراض على الإنسان والنبات يقول: “أمراض كثيرة هذا العام تقلصت، وكنا معتادين عليها في الأعوام السابقة؛ مثل الإصابات التي كانت تتعرض لها النباتات بسبب الأتربة والغبار”.
وبحسب الرواف؛ فإن الاستمطار في السعودية، له دور كبير في خدمة الزراعة وخدمة المياه الجوفية، وخدمة الطبيعة بشكل عام، وتحسين أجواء المناخ في الصيف القاسي داخل المملكة وتهدئة الحرارة الحارقة.
ويختم: “الاستمطار الصناعي نقلة نوعية هامة، وفي رأيي أنه ليس له أي سلبيات، وأتعجب ممن يقول إن الاستمطار له أضرار”.
آراء ضد الاستمطار، وتشكك في آثاره
لم تكن الجملة الأخيرة للمرشد الزراعي أمين الرواف عابرة؛ فمع إعلان مركز الأرصاد السعودي نجاح تجارب الاستمطار الصناعي في عدة مناطق من السعودية؛ (“عسير، والطائف والباحة وجازان) مطلع أغسطس من العام الماضي، آثار ذلك الشكوك لدى بعض المتخصصين في المجال البيئي والمائي، حول نجاح هذه التقنية.
وكتب يوسف الظفيري مدون مهتم بالزراعة البيئية، تغريدة يطلب فيها من المعنيين بتنفيذ تجارب الاستمطار أن يستعينوا بخبراء ومتخصصين لدراسة الأثر الرجعي للاستمطار، وعلاقته بزيادة نسبة الرطوبة في مناخ السعودية؛ خاصة مناطق وسط وشمال شرق المملكة.
على المعنيين دراسة تأثير هذا الاستمطار وعلاقته بموجة الرطوبة "الغير عادية" اللي عاشتها مناطق وسط وشمال شرق المملكة.
— يوسف الظفيري (@YusefAldhufairy) August 6, 2022
كما ان الغيوم الصيفية الثقيلة تحد من أشعة الشمس في مقابل ضغط حرارة الارض أكثر.#السعودية_الخضراء #الاستمطار_الصناعي https://t.co/NMOcV0Bdq9
فيما طرح الدكتور محمد حامد الغامدي؛ في تغريدة له، وهو أكاديمي متخصص في الحفاظ على استدامة المياه، سؤالاً حول ما إن كانت الجهات المعنية قد استعانت بفريق من المتخصصين من داخل الجامعات السعودية لرصد تأثير هذه التجارب على التغيرات البيئية، وكتب يقول: “عندما يتدخل الإنسان في تغيير مجرى الطبيعة؛ فهذا يعني أن هناك تأثيرات جانبية ستظهر ولو بعد حين؛ فما تلك الآثار السلبية لعملية الاستمطار الصناعي؟
عندما يتدخل #الإنسان في تغيير مجرى الطبيعة فهذا يعني أن هناك تأثيرات جانبية ستظهر ولو بعد حين.
— الدكتور محمد حامد الغامدي (@DrAlghamdiMH) August 7, 2022
ما هي الآثار البيئية السلبية لعمليات #الاستمطار_الصناعي؟
هل تتم العملية تحت إشراف فريق من علماء #الجامعات_السعودية من تخصصات مختلفة ذات علاقة لرصد التغيرات البيئية؟
والاعتراضات حول جدوى الاستمطار ليست مجرد تغريدات؛ فهناك تشير دراسة إلى أنه لا فائدة من الاستمطار الصناعي في علاج الاحتباس الحراري، ومواجهة التغير المناخي، ومخاطره على البيئة، أبرزها ارتفاع درجة حرارة الكوكب، كلما ظل الانبعاث الكربوني يزداد دون ضابط له، ودون إيجاد حلول واضحة وملموسة للحد من تطوره، إضافة إلى عدم وجود ما يثبت فشل أو نجاح استمطار السحب لخفض درجة حرارة الأرض وتبريدها، وتقول الدراسة إن عملية تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون، يزيد من رطوبة طبقة الغلاف الجوي للأرض.
ويعلق لمواطن المهندس الزراعي أحمد الطويل، وهو أحد المؤيدين لعدم جدوى الاستمطار الصناعي: “لا تستطيع السعودية الاستفادة من تقنية الاستمطار الصناعي، لأنها لو استطاعت لكانت أجرت الاستمطار منذ زمن بعيد”
ويضيف: “إن عوامل التغير المناخي المفاجئ، قد تفتك بتجارب تنفيذ تقنية الاستمطار الصناعي؛ حيث إنه إذا تم التجهيز لتجربة زراعة الغيوم، وساءت الأحوال الجوية دون إنذار فإن التجربة ستعود بالفشل؛ فيما قد يتسبب الاستمطار الصناعي في مضاعفة العوامل البيئية السيئة للتغير المناخي، أو في ارتفاع مضاعف لدرجة الحرارة نهارًا، أو تزايد البرودة ليلًا، وعلى المدى البعيد قد يعود ذلك بالسلب على مناخ المملكة بشكل عام، والتكيف فيه”.
ويختم: ” الاستمطار الصناعي يفتقد العناصر المعدنية المفيدة للنبات، ونتائجه غير مضمونة ولا يمكن التحكم في المطر”.
في النهاية لا يعد الاستمطار علاجًا لمشكلة الجفاف، إلا إنه أداة لزيادة الاستفادة من المتاح من المياه، كما أن المخاوف حول ما يعرف بعمليات هندسة المناخ موجودة، ويرى البعض أن هذه التقنيات قد تؤدي لنتائج عكسية، كالجفاف والفيضانات ونقص المحاصيل الزراعية، كما أن هناك اعتقادًا بإمكانية اتخاذ هندسة المناخ كذريعة لعرقلة جهود تقليل الانبعاثات الكربونية.
الهندسة المناخية، هي تدخل بشري مقصود، يهدف إلى تعديل نظام المناخ على سطح الأرض، بما يساهم في تخفيف حدة الآثار الضارة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
وهو ما يثار أيضًا حول الغيوم الاصطناعية بهدف كسر موجات الاحترار، على أنها أيضًا مشاريع ممولة من شركات الوقود الأحفوري؛ إذ يرى ناشطون ومتخصصون بيئيون في الأمر تحايلاً على الحد من انبعاثات الكربون من أجل خدمة أغراض صناعية لكبرى الشركات ورجال الأعمال، في ظل آراء أخرى تقول بندرة مخاطر هندسة البيئة وقدرتها على تقديم حلول سريعة لمشكلات المناخ.
ومن الطبيعي ألا تكون السعودية بعيدة عن النقاش المثار حول مضار عمليات الاستمطار والغيوم الاصطناعية؛ خاصة مع تحديات بيئية كبرى تعيشها المملكة، مع تخوفات بعدم صلاحية أراضيها للمعيشة خلال السنوات القادمة؛ فهل تنجح مشاريع الهندسة المناخية في إنقاذ السعودية مما قد تقع فيه بفعل تغيرات المناخ؟