نشرت هذه المادة بالاتفاق مع ”رصيف 22“
لطالما ارتبط اسمُ البحرين بالبلد المنفتح ثقافياً واجتماعياً عن غيرِه من دول الخليج العربية. وهو أيضاً البلد الذي لا يمنع المشروبات الروحية (الكحولية) عبر زمن طويل، وإن غاب فيها التصنيع المحليّ للخمور التي عادة ما كانت تُجلب عبر الهند والعراق وإيران خلال حقبة الوجود البريطاني (1971-1899) وما سبقه من حقبة البرتغاليين التي هيمنت على منطقة الخليج ((1602-1521).
إلا أن هذا لا يمنع من القول وبحسب الكتابات التاريخية المتعددة بأن الخمور كانت موجودة في البحرين قبيل الوجود الأوروبي عبر التجارة والتنقّل والتصنيع المحليّ الذي تمثل في صناعة “ليكر التمور” من مدابس التمور التي وجد لها أكثر من أثر في مواقع اثرية وتاريخية مختلفة امتداداً إلى حقب حضارة دلمون القديمة ومنها موقع قلعة البحرين الشهير المدرج ضمن قائمة التراث الإنساني لليونسكو، ويعود عمر حضارة دلمون إلى 2800 قبل الميلاد.
تخفيض ضريبة المشروبات الروحية
وفي 20 سبتمبر 2019، قررت الحكومة تخفيضَ أسعار المشروبات الروحية في البحرين بنسبة كبيرة بعد أن قررت بخفض الضريبة على هذه السلع من 225% إلى 125%، أي بنسبة تصل إلى النصف، وتشمل جميع أنواع الخمور والنبيذ والبيرة وغيرها.
وتعتبر البحرين من الدول القليلة في دول الخليج العربية التي تُجيز بيع واستيراد المشروبات الكحولية. لكنها في المقابل، تفرض ضرائب عالية على استيراده
وقد تأخر تطبيق هذه الضريبة على الكحول عن باقي السلع مثل المشروبات الغازية والسجائر، بطلب من الموردين لهذه السلعة، لحين الانتهاء من المخزون. وكان قد بدأ تطبيق رفع أسعار السجائر والمشروبات الغازية في 30 ديسمبر 2018.
وتعتبر البحرين من الدول القليلة في دول الخليج العربية التي تُجيز بيع واستيراد المشروبات الكحولية. لكنها في المقابل، تفرض ضرائب عالية على استيراده. وكانت إدارة المنافذ البحرينية قد قرّرت في فبراير 2016، رفع قيمة الضريبة الجمركية المفروضة على الكحول بـ225% من 125% لتعود إلى نفس النسبة منذ أيام فقط، وذلك بسبب احتجاج بعض أصحاب المطاعم والفنادق الخمس نجوم من ارتفاع الأسعار وانصراف الناس عن تناول المشروب في الحانات أو المطاعم.
الخمور والدعارة في البحرين
لكن البحرين وبسبب تنوعها الاجتماعي والعِرقي والمذهبي والديني، ظلت ومازالت مركزاً للخمّارات وللدعارة في منطقة الخليج، وذلك بشكل معلن عبر القانون الذي كان ينظم ويرخص منذ أيام المستشار البريطاني تشارلز بليجريف الذي تمتع بنفوذ واسع في السلطة ولعب دوراً رئيسياً في تطويرها على مدى ثلاثين عاماً.
البارات ومحلات بيع الخمور لها ترخيص رسمي في البحرين، إذ كان عددها في السبعينات والثمانينات محدوداً في هذا البلد، مثل Up Stairs Down Stairs، وهو مازال موجوداً حتى اليوم في حيّ العدلية.
إذ عمل بلجريف في الفترة (1967-1926) كمستشار لحُكام البحرين لغاية ستينات القرن الماضي الا أنه اجبر على المغادرة من البلاد. وكانت في تلك الفترة توجد وكالة وهي ممثلية محلية للمعتمدية البريطانية في كل إمارة أو مشيخة خليجية، والمعتمدية هي المكتب الإقليمي في الخليج الذي يتبع حكومة الهند البريطانية التي كانت تابعة لوزارة الهند في لندن. إن المستشار لم يكن –رسمياً- تابعاً لإحدى هذه المؤسسات وإنما كان مستشاراً مالياً فحسب، إلا إنه فرض قوة شخصيته وأصبح مستشاراً وآمراً وناهياً في جميع مفاصل الدولة البحرينية وحتى القضاء. وبعد استقلال الهند في1947 انتقلت مسئوليات الوكالة والمعتمدية إلى وزارة الخارجية البريطانية.
واليوم ممارسات الدعارة المختلفة غير معلنة رغم تمسك الحكومة بمكافحة ذلك تحت عدة مسميات وقوانين تتعلق مثلا بالاتجار بالبشر.
من "عدل آباد" إلى العدلية
وما وراء قصة حيّ العدلية الذي قطنه البريطانيين وتواجد مبنى السفارة الأميركية السابق وبقى منزل السفير الكويتي (الذي تمّ ترميمه وشيّد من جديد)، وبقي منزل رئيس المجلس الثقافي البريطاني في هذا الحيّ الذي أحيط به اليوم الكثيرُ من الحانات والمطاعم؟
هذا الحي الذي كان يعرف باسم “ظلم آباد”، وهو الاسم الأصلي للعدلية، وقد تمّ تغيير الاسم إلى “العدلية” في ظلّ حقبة المستشار البريطاني بلجريف الذي كتب في مذكراته عن هذا الاسم قائلا:”الأربعاء 20 مارس، 1929يظهر بأن الطباخ شخص ملخبط جداً، إنه فارسي، ويعيش في قرية فارسية قذرة جداً، اذ يتواجد فيها كلّ العمال الذين أبعدهم (الميجردالي) من المنامة. يطلقون عليها “ظلم آباد” وتعني قرية الظلم، لكن اسمها الرسمي “عدل آباد” (Adilabad) أي قرية العدل”.
غياب غاليري "الرواق"
ما كان يميز هذا الحي أيضاً غاليري “الرواق” الذي أغلقت أبوابه هذا العام للأسف وهو ما غيب النشاط الثقافي والفني الذي كان يقدّمه الرواق في موازاة ما يقدم من فرق الشباب مع موسيقى الشارع والرسم على الجدران، إضافة إلى برامج تقدّمها الهيئات السياحية مع القطاع الخاص مثل مهرجان الطعام السنوي، وسوق بلوك 338 الذي يقام في فصلي الشتاء وآخر في الربيع.
الحانات المعلقة في العدلية
ورغم أن العدلية كان حياً للوزراء والأثرياء في البحرين، إلا أن الحانات والمطاعم أصبحت ملاصقة في محيط هذه الفِلَل، أو بالقرب منها، مع مراكز مواقف السيارات، حتى من كثرتها برزت هناك حانات معلقة مع المطاعم مثل Hazel و Calexico، وأخرى تبقى على الأرض مثل Irish Village Chapter1 و Castro و Gallery21 و وحانات الرياضة الكثيرة وغيرها.
ويُعتبر Hazel من أكثر البارات إقبالاً من قبل الشباب البحريني من كلا الجنسين، إذ تقام أسبوعياً برامج لمواهب كوميدية ساخرة Stand up Comedy، وأخرى تعزف أغاني بمواهب بحرينية، ولعل أشهرها اليوم بصوت البحرينية إسراء جي Esraa J. وتوجد طريقة التواصل للحجز والدخول مسبقاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وليس دخوله عادياً مثل باقي البارات.
أما البارات ومحلات بيع الخمور فلها ترخيص رسمي في البحرين، إذ كان عددها في السبعينات والثمانينات محدوداً في هذا البلد، مثل Up Stairs Down Stairs، وهو مازال موجوداً حتى اليوم في حيّ العدلية.
تغير الوضعُ اليوم مع خطة السياحة في البحرين، ففي كلّ مكان في العاصمة وضواحيها تجدون المشروب والحانة أو المطعم الذي يقدم شتى أنواع النبيذ التي تبدأ أسعار القنينة فيه الواحدة من مائة دولار أميركي.
يقول حسين العلي لرصيف 22: “اليوم أبلغ من العمر ستاً وستين عاماً، أتردد على نادي رغبي في سار (شمال غرب البحرين)، وهذا أفضل لي (…) ذكريات البارات في البحرين كثيرة، خاصة تلك التي كانت في المنامة. هناك عدد محدد من المحلات كنا نذهب إليها لشراء ما لزم من أجل سهرات نهاية الأسبوع في منازلنا مع الباربيكيو أو في شاليهات البحر في بلاج الجزائر (جنوب البحرين)”.
وأضاف العلي: “اليوم الوضع تغير مع خطة السياحة في البحرين، ففي كلّ مكان في العاصمة وضواحيها تجدون المشروب والحانة أو المطعم الذي يقدم شتى أنواع النبيذ التي تبدأ أسعار القنينة فيه الواحدة من مائة دولار أميركي… بينما تشترونها بنصف السعر في محلات بيع الخمور المرخصة، وهذا مبالغ فيه”.
وأوضح العلي: “منها ما اختفى كلياً مثل حانة فندق بريستول (أغلق كلياً) وحانة عمر الخيام (تحت الترميم)، بينما ظلت حانات الفنادق الخمس النجوم، ومن أشهرها حانة “شارلك هولمز”، و”النادي البريطاني” والحانات الإيرلندية مازالت موجودة أو أعيد ترميمها مع سياسة السياحة الجديدة”.
ورغم هذا الانفتاح الاجتماعي إلا أن هذه الجزيرة الخليجية مازالت تعاني من انغلاق في الجانب السياسي وانعدام لحرية الرأي وارتفاعاً في معدلات البطالة، خاصة في أوساط الشباب الجامعي والباحث عن العمل، وصولاً إلى تدني المستوى الاقتصادي، مما جعلها تنفتح كغيرها من دول الخليج في الاستثمار تحت مظلة السياحة وفتح الباب للمستثمرالأجنبي وحتى المقيم من فتحِ مزيد من الحانات والمطاعم بعيدة عن تلك المتدنية في مستوى الجودة ودرجة النجوم المتمثلة في منطقة “الجفير” القريبة من مقر الأسطول الأميركي الخامس، وشارع المعارض المكتظ بالمراقص والمطاعم الرخيصة.
ولا يمكن إغفال أن البحرين تشتهر بإيقاع الحياة السريع بها والذي نتج عن طبيعتها وموقعها كمركز تجاري وماليّ مهم على مستوى العالم، إلا أن هذا لم يمنعها من الاحتفاء بثقافتها وتاريخها المتنوعين والاهتمام بتطوير ودعم الفنون المختلفة.
في النهاية، فإن حيّ العدلية يُعدّ بكل تأكيد مركزاً ترفيهياً وثقافياً مهمّاً للبحرينيين والمقيمين والزوّار من دول الجوار خاصة من السعوديين والسعوديات، وتؤكد كلّ المؤشرات على أنه سوف يستمرّ في لعب هذا الدور، ممّا يجعله فرصة استثمارية تستحقّ الدراسة الجدية لمطوّري العقارات الراغبين في الاستثمار في البحرين.