قبل عام، وقف أحد أعضاء ما يسمى نادي الخريجين – وهو تنظيم فُرض من قبل سلطات أنصار الله “الحوثي” في جامعة صنعاء، كبرى الجامعات الحكومية في اليمن، من أجل تنظيم حفلات تخرج الطلاب وغيرها من الأمور- وقف ينظر إلى الطالبات ليقرر من التي ستدخل من بينهن إلى قاعة احتفالات التخرج، ومن ستحرم من الاحتفال بناءً على مظهرها وملابسها؛ إذ يفرض النادي شروطًا صارمة على الطالبات لاسيما فيما يتعلق بالرداء الذي يجب أن يغطى كامل جسدها، وتحرم أي طالبة لم تلتزم بذلك.
وفيما يتعلق بتواجد الطالبات داخل الحرم الجامعي؛ فقد قامت جماعة الحوثي بإصدار قرارات بعدم اختلاط الطلاب والطالبات لأي سببٍ كان، وفرض قراراتٍ أخرى تتعلق بوجود الطالبات داخل الحرم الجامعي، وما يجب عليها ارتداؤه داخل الحرم وغيرها من القرارات التي تنتهك الحريات الشخصية والعامة للطالبات داخل الجامعة، كما عينت كيانات داخل الجامعة تتولى مراقبة الطالبات ورجال أمن يقومون بإيقاف أي أحد يخالف قراراتهم ومحاسبته.
تقول ريم ميثاق -طالبة جامعية في إحدى كليات جامعة صنعاء-: “إن الوضع أصبح مخيفًا جدًا داخل الجامعة، وأصبحت الجامعة أشبه بسجنٍ كبير، وتشير ريم في حديثها لـ”مواطن” إلى أن رجال الأمن وملتقى الطالب الجامعي -وهو بديل غير شرعي للاتحاد العام للطلاب- المعين من قبل السلطات الحوثية يتدخل في خصوصيات الطالبات بشكل كبير ومقرف، ولا يسمح لأي طالبة بالحديث مع أي طالب، كما لا يسمح بتجمع الطالبات في أي مكان، بالإضافة إلى تدخلهم بما تلبسه الطالبة وأشياء أخرى لا تستطيع وصفها.
و في يوليو/ تموز الماضي أصدرت السلطات داخل الجامعة قرارًا بفصل تدريس الجنسين في كلية الإعلام جامعة صنعاء، وقسمت أيام الأسبوع الدراسي إلى ثلاثة أيام يدرس فيها الطلاب الذكور، وثلاثة أيام للطالبات، كما تسعى السلطات إلى فصل الجنسين في المقاعد الدراسية بكافة الكليات الأخرى، وقد لقى هذا القرار سخطًا كبيرًا من قبل طلبة الجامعة ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي؛ معتبرين أنه فصل على أساس جندري، وانتهاك كبير لحقوق الإنسان، فيما برر ذلك الفصل عميد كلية الإعلام لإحدى الصحف التابعة لجماعة الحوثي أنه قرار سليم يأتي ضمن خطة الجماعة في مواجهة ما أطلق عليه الحرب الناعمة.
حرمان النساء من الفضاء العام
لا يتوقف الأمر عند طالبات الجامعات فقط؛ بل قامت جماعة الحوثي بتضييق الخناق على النساء في كافة الأماكن والمجالات؛ إذ أصدرت في العام 2018 تعليمات إلى كافة المطاعم في صنعاء تمنعها من تشغيل النساء، بالإضافة إلى إزالة الحواجز التي كانت تغطي طاولات الطعام في قسم العوائل والاكتفاء بقطع قماشية قصيرة لا تكاد تغطي شيئًا، وإلزام أصحاب المطاعم والمقاهي والأماكن العامة بالتحقق من علاقة الأشخاص الذين يرتادونها بصحبة النساء وإثبات علاقاتهم بهن، وهو ما فتح بابًا آخر للاستغلال الذي يتم في تلك الأماكن.
وفي الصدد تقول شهد جلال -وهي مواطنة مُنعت من دخول إحدى الحدائق العامة في صنعاء بصحبة زوجها وعُملوا بطريقة مهينة. وتشير شهد في حديثها لـ”مواطن” إلى أن منعهم من دخول الحديقة راجع لعدم وجود وثيقة الزواج بحوزتهم؛ إذ قام مسلحون باستجواب كلٍ منهم على حدة، والتحقق من صحة حديثهم، وفي نهاية المطاف طُردا من الحديقة دون وجهة حق.
من جهةٍ أخرى؛ فقد أغلقت السلطات في صنعاء معظم المقاهي والكافيهات والنوادي وأماكن تجمع الشباب من الجنسين، تحت ذريعة القضاء على الفساد والحرب الناعمة، ومنع الاختلاط، بالإضافة إلى فصل الجنسين في معظم أماكن العمل والهيئات والقطاعات الحكومية.
وفي كل مرة تفشل السلطة الحاكمة بصنعاء في إدارة الدولة، أو مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تكثف من حملاتها التي تستهدف الحريات الشخصية والعامة للنساء، بشكل ممنهج وكبير، وترى الجماعة الحوثية أنّ تدخلها في الحريات الشخصية والحياة العامة يعدّ عملًا إيمانيًّا يساهم في حماية المجتمع من الفساد الأخلاقي حسب رأيها.
انتهاكات متعمدة
كثفت جماعة الحوثي حملاتها ضد النساء، بشكل كبير في العام 2021، الذي شهد ذروة الانتهاكات؛ لاسيما ضد النسوة اللواتي يشغلن مناصب عامة في الجامعات والقطاعات الخاصة والعاملات في المنظمات والجمعيات، اللائي منعن من السفر عبر مطار صنعاء والمنافذ البرية الأخرى، إلا في وجود (مَحْرم)، منفذة بالتوازي مع ذلك حملات تحريضية ضد من لا ترتدي الحجاب، وضد العاملات في المنظمات والأماكن العامة.
ترى الناشطة والحقوقية هدى الصراري أن جماعة الحوثي تسعى من خلال قراراتها وانتهاكاتها ضد النساء إلى تضييق الحياة العامة للنساء، ويأتي ذلك بسبب انتماء الجماعة إلى سلطة دينية متشددة تجاه المرأة بشكل، عام وتستهدف ضرب مكانتها في المجتمع، والتي تحصلت عليها خلال السنوات الماضية وفق التشريعات والقوانين والحراك النسوي. وتضيف الصراري في حديثها لـ”مواطن” إلى أن “استمرار الحرب وانتهاكات الحوثيين ضد النساء تسبب في ارتفاع معدلات العنف ضد النساء والفتيات؛ لاسيما في مناطق الحوثيين، الأمر الذي أدى إلى غياب أنشطة المجتمع المدني المختص بحقوق النساء وتقديم الحماية القانونية لهن.
وتضيف الصراري أن فرض قيود على حركة النساء وعملهن، وفصل الجنسين في التعليم من قبل الحوثيين أمر خطير جدًا، وقد يتطور فيما بعد إلى حرمان النساء من التعليم وزواج القاصرات وممارسة الحياة العامة؛ مثلما حدث عندما قامت جماعة الحوثي بمنع تداول موانع الحمل وأدوات الصحة الإنجابية؛ الأمر الذي نتج عنه مضاعفات صحية ونفسية كبيرة للنساء، وتشير الصراري إلى أن النساء في اليمن لم تتعرض لمثل هذه الجرائم في تاريخ الصراعات اليمنية مثلما تعرضت له في ظل حكم الحوثيين.
يبرر الحوثيون انتهاكاتهم للنساء دائمًا من جانب ديني؛ فتقوم بنشر النصوص الدينية التي تحث على بقاء النساء في المنزل حسب فهمهم، ونشر حملات دعائية للحجاب في الشوارع والأماكن العامة
صنفت منظمة العفو الدولية اليمن ضمن أسوأ البلدان في العالم معاملة للنساء، بسبب الكثير من الانتهاكات التي يتعرضن لها، وفي تقرير فريق الخبراء البارزين المعني بالتحقق من ادعاءات حقوق الإنسان في اليمن، والصادر في العام 2020، ذُكر أن هناك شبكة تابعة لجماعة الحوثي تعمل على قمع النساء المعارضات لهم، ويتم استغلالهن نفسيًا وجنسيًا، وأن الجماعة قد زجت بالكثير من النساء في السجون دون أي ذنب، وفي العام التالي رفض الحوثيون دخول مسؤول بارز في الأمم المتحدة إلى صنعاء للتحقيق والكشف عن انتهاكات تتعلق بالعنف الجنسي الممارس ضد النساء بحسب الأمم المتحدة.
النظرة الحوثية والقانونية للنساء
يبرر الحوثيون انتهاكاتهم للنساء دائمًا من جانب ديني؛ فتقوم بنشر النصوص الدينية التي تحث على بقاء النساء في المنزل حسب فهمهم، ونشر حملات دعائية للحجاب في الشوارع والأماكن العامة، بالإضافة إلى ربط ذلك بما يسعى إليه الغرب، حسب رأيهم، من نشر الفساد الأخلاقي وتحريض النساء على عدم البقاء في منازلهم وتربية أطفالهم؛ إذ يقول زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطاب مسجل بثته قناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة: إن عمل المرأة الأساسي هو تربية الأطفال والاهتمام بالمنزل فقط، وهي نعمة كبيرة -حسب وصفه- لا يجب التخلي عنها مهما حدث، ما اعتبره مدافعو حقوق الإنسان تحريضًا صريحًا ضد النساء اللواتي تخالف ذلك الخطاب.
وتستخدم الجماعة خطابًا آخر تستهدف فيه القبيلة، تحثها فيه على الالتزام بالتقاليد القبلية القديمة التي تُبقي النساء في المنازل، كما تنشر في خطابها، ثقافة العيب في كل ما يخص حياة النساء؛ فيما تنشر خطابا تحريضيًا من أجل محاربة الفساد الأخلاقي ومواجهة الحرب الناعمة والحفاظ على الهوية الإيمانية، وهو تهديد لكل النساء التي لا تلتزم بما تقرره الجماعة.
وترى سماح سبيع -محامية وحقوقية تعمل على انتهاكات حقوق الإنسان- أن جماعة الحوثي لا تختلف عن أي جماعة دينية متطرفة أخرى؛ فهي جماعة قادمة من رحم الموت، ولا ينتظر منها أن تقوم بالتنمية الاقتصادية أو السياسية، أو الاهتمام بالتعليم والحياة العامة، لكنها تقوم بممارسة الاستبداد بأشكال مختلفة، وتنشط في البيئات المدمرة من أجل فرض منهجياتها ومعتقداتها، وفق مفهومها الديني الذي يحقق أهدافها.
ومن الناحية القانونية تقول سبيع في حديثها لـ”مواطن”: “إن ما تقوم به الجماعة من تدخلات في الحريات الشخصية والعامة وتقييد النساء، هي انتهاكات مخالفة للقانون اليمني، ولا توجد مشروعية أو مسوغ قانوني لها، وأن الدستور والقانون اليمني واضح بهذا الشأن، وأن ما تقوم به الجماعة ينبع من الأيديولوجيا الخاصة بها، ولا علاقة للقانون بذلك، وتؤكد على أن القانون اليمني ينص على أن المواطنين جميعًا متساوون في الحقوق العامة، وهو يشمل الجميع دون استثناء، كما يضمن حق الجميع في الإسهام في الحياة السياسية والثقافة وغيرها، وهذا يعني حرية ممارسة الأعمال والحياة العامة دون تمييز.
ويوضح الدستور اليمني في المادة (48) التي تنص على أن: “تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة متخصصة”. فتعتبر سبيع أن مسألة الفصل العنصري بين الجنسين في المقاعد الدراسية ومنع النساء من العمل والسفر انتهاك لكرامة المرأة ويتعارض مع المادة القانونية.
من جانب آخر تقول سبيع إنه لم يحدث أن قامت سلطة بفرض وصي على النساء ومحرم، ومنعتها من السفر على هذا الأساس، كما أن هذه الثقافة لم تكن موجودة حتى في المناطق الأكثر التزاما بالعادات والتقاليد القبلية؛ فكانت المرأة تستطيع التنقل من منطقة إلى أخرى أو محافظة بمفردها أو مع الغير، وما كان وجود أحد أقاربها إلا نتيجة الخوف عليها من عدم التعرض لأي مكروه، أو أن تلك المرأة لا تستطيع التصرف بمفردها، أو غيرها من الأسباب التي ليست لها علاقة بالأخلاقيات التي تبتدعها جماعة الحوثي، وتنص المادة (57) من الدستور على أن حرية النقل مكفولة لكل المواطنين في الأراضي اليمنية، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون، وهذا التقييد قد يكون متعلقًا بسلامة وأمن المواطن ولا علاقة للأخلاقيات بذلك.