في خريف 2021 صدر تقرير عن البنك الدولي يحذر من خطورة وضع الاقتصاد اللبناني، واعتبر أزمته واحدة من أشد ثلاث أزمات منذ خمسينيات القرن التاسع عشر. وتنبأ التقرير بتعرض لبنان لتفكك ركائزه الرئيسية؛ كالاقتصاد السياسي للبلاد، ما يرتبط بانهيار الخدمات العامة الأساسية، واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المُنهكة، ونزيف رأس المال البشري، وهجرة الكفاءات على نطاق واسع. بينما ستتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة، وهي الفئات التي لم يكن النموذج القائم يلبي حاجاتها بحسب التقرير.
وبالفعل حدث في لبنان شلل لكل مظاهر الحياة، وصعوبة معيشية في ظل انعدام الخدمات، وتوقف صرف المرتبات وضياع أموال المودعين في البنوك. وحتى التليفزيون الرسمي للدولة تأثر بالأزمة، ليتوقف بثه لأول مرة منذ أكثر من 60 عامًا، بسبب امتداد حركة الإضرابات المنتشرة بين موظفي الدولة إلى موظفي التلفزيون، كل ذلك عكس خطورة الوضع وحجم الأزمة التي سببتها الخلافات الطائفية وآثارها العميقة، على معاناة المواطن اللبناني البسيط والسقوط نحو مزيد من الجوع والفقر.
لم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل حدثت وقائع خطيرة شهدها الشارع اللبناني، منها تلك الشاحنة التابعة لحزب الله، والتي قيل إنها تحمل أسلحة ومواد ممنوعة وتعرضها للانقلاب في الكحالة، وهو أحد الأحياء اللبنانية ذي الأغلبية المسيحية، ما أدى إلى حدوث اشتباكات خطيرة انتهت بسقوط قتلى وجرحى، أعقبها قيام حزب الله بعمل عرض لمدرعات عسكرية لأول مرة في لبنان، بشكل أثار التساؤلات حول سبب هذا الاستعراض.
تواكب ذلك مع تعرض وزير الدفاع اللبناني موريس سليم لإطلاق النار أثناء مرور سيارته في منطقة جسر الباشا، كما تزامن مع وقوع حريق في مخيم النازحين السوريين بالبقاع، سبقته اشتباكات مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
إلى ذلك تعد واقعة مصرف لبنان، والتي أطلق عليها اللبنانيون “جريمة العصر“، تجسيدًا خطيرًا للتدهور وتردي الأوضاع في ظل حالة اللادولة الناجمة عن الفراغ السياسي والصراع الطائفي. وجاء تقرير التدقيق الجنائي الخاص بقضية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، صادمًا لما كشفه من مكامن الهدر والفساد في ظل صلاحياته المطلقة.
كما وصفته الدكتورة سابين الكيك، الأكاديمية والباحثة في قانون الأعمال والمصارف، بأنه خطير يكشف وراءه دائرة المنتفعين من هذه الجريمة المالية، والذين لايقتصرون على مصرف لبنان؛ إنما يشملون أيضًا عناصر في الطبقة السياسية وفي المجتمع ككل من أصحاب المصالح على حد قولها.
أطراف إقليمية ودولية، وأدوار خطيرة
لا يمكن أن تنفصل تلك الأحداث عن مجريات الأمور إقليميًا ودوليًا، لا سيما في ظل وجود أطراف على صلة وتواصل مع أطياف سياسية لبنانية مختلفة، استغلالًا لنزعاتهم الطائفية في تحقيق مصالحها.
من جانبه يقول لمواطن المفكر اللبناني والمحلل السياسي الدكتور نزيه الخياط، لقد جاء اشتعال الحرب الأهلية في لبنان واستمرارها لسنوات طويلة نتيجة تقاطع عوامل خارجية وداخلية؛ حيث كان لبنان ساحة صراع مفتوح بين المعسكرين الغربي والروسي أثناء الحرب الباردة.
ويكمل “كما كانت للمقاومة الفلسطينية مرتكزاتها وقاعدتها، وكذلك المواجهة مع إسرائيل وخروج مصر من الصراع باتفاق كامب ديفيد، وموقف الأردن بعد خروج الفدائيين الفلسطينيين؛ فصار لبنان ساحة مواجهات عربية إسرائيلية، وساحة مواجهات إقليمية دولية؛ فكانت تتلقى التغذية لكل الأطراف، لذا استمرت الحرب 15 سنة”.
ويضيف “إن الفترة الوحيدة التي انتعش فيها لبنان على كافة المستويات، هي التي تم تحييده عسكريًا وسياسيًا خلالها، بينما كانت المنطقة مشتعلة من حوله، كان لبنان هادئًا مستقرًا”.
ويوضح أن لبنان استفاد من حياده تجاه الأوضاع المحيطة به في المنطقة خلال فترة ماضية؛ فبعد أن دفعت الاشتراكية السورية بهروب الأموال من سوريا لتجد في لبنان الاستثمارات والتوظيفات، انتعش الاقتصاد اللبناني ونمت بيروت على مستوى التنمية المدنية.
وأشار إلى كلمة شهيرة للرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر قال فيها:” سيبوا لبنان بخصوصيته لأنه لا يتحمل المواجهة، لأنه دولة دعم وليس دولة مواجهة”، ليوضح لنا أثر تحييد لبنان عسكريًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، مما ساعده على تحقيق إنجازات اقتصادية وثقافية كبيرة، على عكس الوضع حينما تخلى عن هذا الحياد.
بينما لم تكن الانتماءات الطائفية والسياسية المشكلة برأي الكاتب والمحلل اللبناني محمد سعيد الرز؛ إنما المشكلة تكمن في استغلال هذه الطوائف أو في محاولات إشعال العنصريات الطائفية لأهداف معينة؛ مشيرًا إلى أن الخلاف ليس بين الشعب، لكنه بين القوى السياسية التي تدعي أنها تمثل طوائف الشعب، وصارت المسألة محاصصة وليس مصلحة الدولة اللبنانية.
ويضيف أن “الشعارات التي ترفع لتحشيد الناس لسبب عنصري أو طائفي، فقدت بريقها، أو أخذت تفقده خاصة، وأن كل المودعين من كل الأطياف ذهبت ممتلكاتهم وودائعهم بعد الأزمة المالية الأخيرة. ويهاجم الرز الواقع داخل المخيمات على أرض لبنان، وتأثيره على جبهته الداخلية؛ من حدوث حروب وصدام كما في مخيم عين الحلوة”.
مؤكدًا أنه تجري أمور داخل المخيمات لا علاقة لها بالنضال الوطني؛ مثل المخدرات وتكديس الأسلحة، ليس ضد إسرائيل؛ إنما بيد داعشيين جدد بينما لا وجود للدولة اللبنانية.
ويكمل “والخوف أن تمتد هذه الاشتباكات في لبنان إلى سائر المخيمات، لأنه في ظل عدم وجود دولة شرعية بمقوماتها الكاملة، تصبح الساحة مفتوحة للتدخلات وتنفيذ المخططات”.
الفساد والأحزاب الطائفية
في بحث للدكتور أكرم عدوان عن الطائفية وأثرها على النظام السياسي بلبنان، كشف عن الشرائح العديدة التي يتكون منها المجتمع اللبناني، والتي تشبه الموزاييك من حيث تنوعها، وكيف أن الانقسام لا يقتصر على الديانة؛ بل داخل نفس الديانة توجد انقسامات متفرعة.
وعلى صعيد الطوائف المسيحية يوجد الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، البروتستانت، إلى جانب إثنيات الأرمن أرثوذكس، الأرمن كاثوليك، أستوريون كلدان، سريان وتربط بعض هذه الطوائف علاقات تاريخية مع دول خارجية كما تتركز في جبل لبنان.
أما بالنسبة للمسلمين فيتركز السنة في بيروت وطرابلس، وتتركز الشيعة في الجنوب وبعلبك وجبل الساحل، والدروز في المناطق الريفية والجبل شرق وجنوب بيروت، والعلويون الإسماعيليون في جبل محسن، الشركس في برقايل، وإثنية الأكراد في بيروت العاصمة. ويرتبط بعضها أيضًا بعلاقات بدول خارجية.
وقد ارتبطت هذه الطوائف بحركة الأحزاب السياسية في لبنان، وانعكست على نشاطها وولاءاتها؛ فظهر حزب الكتائب الذي يتكون أغلبه من أبناء الطائفة المارونية، ولم يسمح بانضمام عضو مسلم إليه.
وفي المقابل وردًا على ذلك؛ ظهر حزب النجادة ذو الأغلبية السنية المسلمة، كما ظهرت حركة أمل الشيعية، ويتبع جميع عناصرها المذهب “الجعفري” الشيعي بكل معتقداته. ويعد حزب الله الشيعي من أقوى وأخطر الكيانات السياسية الموجودة بلبنان؛ خاصة مع ارتباطه السياسي والعقدي بإيران، إلى جانب أحزاب أخرى مرتبطة بسوريا.
وبالنظر إلى خريطة الأحزاب السياسية في لبنان؛ فنجدها قائمة على أهداف وأسس طائفية، تعمل وفق أجنداتها الخاصة، أو تعمل على ما ترى فيه مصلحة للوطن من وجهة نظرها الخاصة.
"ما يحدث الآن على الساحة اللبنانية، يرجع إلى غياب الهوية اللبنانية بمعناها الوطني، أي ليس هناك انتماء على قاعدة المواطنة"
ولاشك أن مثل هذا المناخ لا يمكن أن يتوافق مع حدوث الاستقرار السياسي، لأنه لا يفرز إلا صراعات تزيد من حالة الانقسام، لأن كل طائفة صارت أمة تعمل وفق مصالحها، كما يفتح ذلك الباب للفساد السياسي والإداري.
المواطنة الغائبة
وتتسم التركيبة السكانية اللبنانية بتباين شديد فيما بينها، بما يجعلها ذات خصوصية مقارنة بدول المحيط الإقليمي؛ حيث تضم دولة لبنان عددًا كبيرًا من الطوائف المختلفة التي تعترف بها الحكومة اللبنانية رسميًا، ويبلغ عددها 18 طائفة دينية، ويمثلها أعضاء في مجلس النواب اللبناني.
يعزو البعض طغيان وتوغل هذه الطائفية في المجتمع اللبناني لتجذرها التاريخي منذ عقود طويلة، بل منذ نشأة الدولة اللبنانية ومع تأسيس أول ميثاق وطني فيها، وكانت البداية عندما سكنت عدة طوائف منطقة جبل لبنان برزت فيها ست طوائف، ثلاث منها من المسيحيين، وهم الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر ثلاث طوائف مسلمة شملت الدروز والسنة والشيعة.
وخلال سيطرة العثمانيين على جبل لبنان، وقعت توترات طائفية خطيرة؛ خاصة تلك المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860؛ ما أدى إلى تدخل قوى أوروبية في المنطقة منها فرنسا، والتي عمدت إلى تعزيز الوجود الماروني المسيحي هناك.
وبعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، فرضت فرنسا انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت، بينما عملت الدولة الأوروبية على خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط على الأراضي اللبنانية، إلا أن الطوائف المسلمة رفضت ذلك بشدة.
وفي عام 1943 أعلن لبنان استقلاله على يد الرئيس بشارة الخوري، ولكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.وفي نفس عام إعلان الخوري للاستقلال، كان هناك ما يسمى بالميثاق الوطني لتنظيم أمور الدولة اللبنانية؛ حيث تم تقسيم السلطات على أساس طائفي؛ فتم بموجبه منح رئاسة الدولة للموارنة، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسية، ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا.
ويعلق نزيه الخياط: “ما يحدث الآن على الساحة اللبنانية، يرجع إلى غياب الهوية اللبنانية بمعناها الوطني، أي ليس هناك انتماء على قاعدة المواطنة”.
وعن جذور الطائفية وغياب المواطنة يؤكد: “هو أمر يرتبط بتكون لبنان عام 1920 مع الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، وكان هناك نوع من الترضية لعلاقة فرنسا مع المسيحيين الموارنة في لبنان من خلال علاقتهم الجيدة خلال مرحلة المتصرفين التي كانت نظام إدارة ذاتية في جبل لبنان”.
ويضيف: “نتيجة لتدخل فرنسا ودور الإرساليات التي أرسلتها، تم خلق نخب لدى الطائفة المسيحية لم تتوفر لدى الطوائف الأخرى الإسلامية، ومن ثم تثور اليوم مشكلة الانتماء إلى الدولة؛ فهم لا ينتمون إلى الدولة اللبنانية، لأن الانقسام الطائفي الحاصل أدى إلى أن أصبحت كل طائفة منتمية إلى لبنانها!”
ويكمل: “وكل طائفة تحاول أن تهيمن على السلطة لأن النخب التي أدارت الشأن العام لم تتمكن من بناء دولة مؤسسات باستثناء مرحلة 58- 63 من القرن الماضي مع الرئيس فؤاد شهاب”.
الحرب الأهلية
وتعد الحرب الأهلية اللبنانية خير شاهد على مخاطر الصراعات السياسية القائمة على تلك الطائفية اللبنانية، وكيفية استحكامها وتصعيدها للصراع بين كافة الأطراف في غياب مفهوم الوطن؛ فعلى الرغم من توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين لبنان واللاجئين الفلسطينيين للقضاء على المناوشات بين الطرفين، إلا أن اليسار اللبناني وقف مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساسًا من منظمات مارونية.
ومع تعدد الاحتكاكات بين الفلسطينيين والقوى اليمينية اللبنانية، انفجرت الأمور واندلعت الحرب الأهلية في إبريل 1975، وذاق الشعب اللبناني صنوف ويلات الحروب مع اشتعال الاقتتال الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، ودخول سوريا على الخط، وانقسام بيروت العاصمة إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية، وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. وما زاد من مأساوية الوضع كان استغلال إسرائيل للموقف وقيامها باجتياح لبنان عام 1982.
وقبل أن تنتهي الحرب اللبنانية عام 1991 شهدت العديد من المعارك والمجازر الفظيعة التي ارتكبتها طوائف لبنانية مسيحية ومسلمة ضد بعضها البعض، وراح ضحيتها الآلاف، أشهرها الدامور والكرنتينا، بالإضافة إلى حصار بيروت وحرب المخيمات، إلى جانب مجزرة صبرا وشاتيلا التي تمت على أيدي ميليشيات مسيحية متحالفة حينها مع إسرائيل.
اتفاق الطائف
في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، دفعت تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية الكارثية المجتمع العربي إلى التحرك السريع لإنقاذ اللبنانيين من الحروب والصراعات؛ فخرج ما يعرف باتفاق الطائف إلى النور كبديل لذلك الميثاق القديم الذي يحض على الفرقة ويكرس الانقسام.
ويعد اتفاق الطائف هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان، وذلك بوساطة سعودية في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف، وأقرّ بقانون بتاريخ 22 أكتوبر 1989 منهيًا الحرب الأهلية اللبنانية.
وقد تضمن العديد من البنود الكفيلة بتقييد الطائفية لولا تعطل تطبيقه أو الابتعاد عما ورد في نسخته الأصلية كما يرى البعض، وكثير من اللبنانيين يعتبرون أن هناك حالة من النسيان والإهمال والتجاهل ضد اتفاق الطائف كانت السبب وراء معاناة اللبنانيين.
وبشكل عام يبدو أن هناك أغلبية ترى أن المشكلة كانت في التطبيق، لقد نص “الطائف” على الحد من صلاحيات الرئيس وتوزيعها على مجلس الوزراء مجتمعًا.
كل القوى اللبنانية مسؤولة عن إفشال الحلول، لأنها لا تجلس على طاولة الحوار والاتفاق على الحل.
وجعلت مسألة اختيار رئيس الحكومة تتم بعد استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية، ويسمي فيها النواب الشخص الذي سيكلف تشكيل الحكومة، فيكلفه رئيس الجمهورية ويؤلف الحكومة بالاتفاق مع الرئيس ويصدران مراسيمها معًا.
ويعتمد الاتفاق على مسألة توازن السلطات وتفاعلها بشكل إيجابي، وتفعيل الديمقراطية التي تفرزها الانتخابات والتحالفات، لكن الممارسة خرجت عن هذا السياق إلى التعطيل السلبي.
فبات انتخاب رئيس للجمهورية يخضع للثلث المعطل الذي يمنع انعقاد الجلسات لانتخاب رئيس بحجة عدم اكتمال النصاب، بينما قبل عام 1988 لم تتعطل أية جلسة انتخاب لأي رئيس في ظل أي ظرف، ولم يغب النواب عن القيام بواجبهم الدستوري، ولم تتحكم الأقلية المفترضة بالأكثرية الواقعية كما هو الحال الآن!
يقول الدكتور نزار يونس وهو أحد المفكرين السياسيين اللبنانيين في إحدى ندواته: “إن معارك “الطائفية” لا تنتهي، لأن التكليف المنوط به عصيّ في بلاد تتنفس طائفيّة، وتأكل مذهبية، وتشرب إثنية، وتعيد اجترار مآسيها كلما سنحت لها الظرف السياسيّ بذلك”.
ما الحل؟
إن مفتاح الحل للأزمة اللبنانية يكمن في يد أبنائها، وضرورة تعاونهم لنبذ الطائفية والتسامي فوقها نحو المصلحة الوطنية، وهو ما يؤكده الكاتب الصحفي اللبناني قاسم قصير والذي يعلق بأن “الطائفية في لبنان هي مشكلة قديمة منذ نشوئه عام 1920 على يد الانتداب الفرنسي، وللأسف على مدار مئة عام لم تتراجع بل زادت، على الرغم من أن اتفاق الطائف، والذي وقع عام 1989 وضع آلية لإلغاء الطائفية السياسية، إلا إنه لم ينفذ، والمطلوب تنفيذه وهذا هو الحل”.
وأشار إلى أنه لا يمكن اتهام فريق معين، وإنما كل القوى اللبنانية مسؤولة عن إفشال الحلول، لأنها لا تجلس على طاولة الحوار والاتفاق على الحل.
ويشارك الدكتور نزيه عدنان الخياط الرأي السابق في أهمية العودة لاتفاق الطائف للتغلب على طائفية الأزمة السياسية، ويضيف لمواطن: يجب أن يكون تمثيل الطوائف عبر مجلس الشيوخ.
أما بالنسبة لإدارة مؤسسات الدولة وتشريعات القوانين من خلال النواب فيجب أن يكون خارج القيد الطائفي، وهو ما نص عليه الدستور، والذي تحول إلى مجرد وجهة نظر مع السلطة التي تسلمت زمام الأمور منذ عشر سنوات حتى الآن.
ويؤكد الخياط على أهمية استقلال التعليم عن الطائفية اللبنانية لضمان تحقيق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد. ويقول: “إن كل طائفة لها مدارسها، وتقوم من خلالها بتعبئة وتعميق الأحقاد؛ سواء بين مذاهب الدين الواحد، أو بين الديانات المختلفة؛ فلا يمكن بناء دولة بمناهج التعليم الدينية غير الخاضعة للسلطة المركزية؛ فكيف نعمل على تكوين مجتمع متجانس له قواسم مشتركة، ولا دور حتى للمؤسسات الدينية الرسمية بالدولة!”.
وختامًا، سيبقى الوضع صعبًا ومرهونًا بنتائج ما تسفر عنه الصراعات القائمة في المنطقة، وعلى أي قاعدة ستكون؛ خاصة الأوضاع السورية التي يتأثر بها لبنان حتمًا، لأنه طالما أن الوضع السوري متأرجح ومفكك؛ فالوضع في لبنان سيبقى متفجرًا؛ مرة في السياسة ومرات كثيرة يكون متفجرًا أمنيًا!