شهدت دول الخليج التجارب البرلمانية تقريبًا بداية من الثلاثينات مجالس استشارية بسيطة، تطورت خلال القرن الماضي حتى وصلت لشكلها الحديث والمتعارف عليه عالميًا، وكانت هذه المجالس في بدايتها وحتى تطورها واقعة تحت سيطرة الرجال، إلى أن اكتسبت النساء في الخليج حق التصويت الانتخابي. وكانت عُمان أول دولة سمحت للمرأة بالاقتراع في 1994، تلتها قطر عام 1999، ثم البحرين في 2001 ، ومن بعدها الكويت في 2005، والإمارات في 2006 ، وختامًا المملكة العربية السعودية عام 2015.
وشهد العام 2003 تعيين النساء الخليجيات لأول مرة وزيرات؛ فتم إسناد رئاسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية إلى العمانية عائشة بنت خلفان، لتصبح أول امرأة تعين بدرجة وزير في تاريخ سلطنة عمان ومنطقة الخليج العربي، كما أسندت وزارة التعليم في قطر إلى شيخة المحمود في مايو من نفس العام. وفي 2006 أصبحت لطيفة القعود أول امرأة بحرينية وخليجية تنتخب لعضوية البرلمان، بعد فوزها بالتزكية إثر انسحاب المنافسين.
وعلى الرغم من خروج المرأة الخليجية للمعترك الانتخابي منذ سنوات، يعاب على الحياة النيابية في دول الخليج انعدام الفعالية وغياب التأثير الحقيقي، ولاتزال النساء حتى اليوم يواجهن ضغوطًا اجتماعية و جندرية.
أما في 2009 بعد أربع سنوات من منح نساء الكويت حق التصويت والترشح، تم انتخاب 4 سيدات في مجلس الأمة، وقد استمرت عملية التمثيل النيابي للمرأة بين الصعود والهبوط، ولم تحصل سيدة واحدة من بين 33 ترشحن للانتخابات على مقعد في البرلمان عام 2020، وفي آخر انتخابات جرت في حزيران/يونيو الماضي، تمكنت سيدة واحدة من بين 15 ترشحن للانتخابات النيابية من دخول المجلس، وهي جنان بوشهري وزيرة الدولة لشؤون الإسكان سابقًا.
إلى أن شهد عام 2018 حدثًا ضخمًا على مستوى الحضور النسائي البرلماني في الخليج، عقب ترشح البحرينية فوزية عبد الله يوسف زينل لانتخابات البرلمان وفوزها على منافسيها، ثم ترشحها لرئاسة البرلمان، لتصبح أول امرأة خليجية تقود مجلسًا نيابيًا.
وعلى الرغم من خروج المرأة الخليجية للمعترك الانتخابي منذ سنوات، يعاب على الحياة النيابية في دول الخليج انعدام الفعالية وغياب التأثير الحقيقي، ولاتزال النساء حتى اليوم يواجهن ضغوطًا اجتماعية و جندرية أثناء ممارسة العملية الانتخابية والسياسية.
وتعاني المجتمعات الخليجية على مستوى التمكين السياسي أكثر من عملية التمكين الاقتصادي، بسبب شيوع رؤى ذكورية تستبعد المرأة؛ خاصة من دائرة القيادة السياسية، بالإضافة إلى ضعف الحياة السياسية عامة.
وفي مقابل ذكورية المجتمع التي لا ترحب بالنساء في المجال العام والسياسة، تلجأ الحكومات الخليجية إلى خطط تمكين، تهدف إلى تعيين عدد من النساء في مناصب قيادية بارزة، من بينها مناصب وزارية أو تعيين برلماني لحفظ تواجد النساء، اللاتي قلما يدخلن إلى المجالس البرلمانية بالانتخابات.
لم توجد امرأة واحدة حاكمة على رأس دولة خليجية منذ إنشاء وإعلان هذه الدول، كما جاءت مشاركة النساء في الحياة العامة والسياسية متأخرة نسبيًا، بسبب قيود اجتماعية ودينية.
ويقصد بعملية التمكين السياسي، إزالة العقبات التي تعطل المرأة من ممارسة دورها السياسي، والمتمثل في حقوق المعارضة السياسية والمشاركة في اتخاذ القرارات والوصول إلى مناصب الحكم.
وجاءت الإمارات على مستوى عملية التمكين السياسي في المركز 35 عالميًا، بنسبة 50% مشاركة للنساء في البرلمان، و 17.6% للنساء في المناصب الوزارية، وتعد الإمارات الدولة الأولى عالميًا على مستوى التمكين النيابي.
بينما البحرين في المركز 99 عالميًا في التمكين السياسي، بنسبة 20% للمشاركة البرلمانية للحضور النسائي، ونسبة مشاركة 21.7% في التشكيل الوزاري، وجاءت السعودية في المركز 131 بنسبة تمثيل برلماني 19.9%، و0% للحضور النسوي في المناصب الوزارية.
أما قطر فقد حلت في المركز 133 عالميًا على مستوى التمكين السياسي، بنسبة مشاركة برلمانية 4.4% للنساء، و18.7% في المناصب الوزارية، والكويت في المركز 137 بنسبة مشاركة برلمانية بلغت 6.3% وحضوري وزاري بنسبة 13.3%.
وجاءت عمان في المركز 140 بمستوى تمثيل برلماني 2.3% وحضور وزاري بلغ 15%. وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للتكافؤ بين الجنسين الصادر في 6 يونيو 2023.
شمل التقرير 146 دولة، احتلت دول الخليج المراكز الأخيرة منها بين آخر 20 مركزًا، مع بروز نسبي لتفوق البحرين عن جيرانها في عملية التمكين السياسي عن جاراتها الأربع الأدني منها ترتيبًا، بينما احتلت الإمارات المركز الأول عربيًا وخليجيًا.
ووفق المنتدى الاقتصادي العالمي، لم توجد امرأة واحدة حاكمة على رأس دولة خليجية منذ إنشاء وإعلان هذه الدول، كما جاءت مشاركة النساء في الحياة العامة والسياسية متأخرة نسبيًا، بسبب قيود اجتماعية ودينية.
وتخلص الباحثة الإماراتية ميرا الحسين في مقالها على مركز كارنيغي بعنوان إعادة قراءة تمكين النساء في الخليج، إلى أن التمكين أخذ حيزه بين دول الخليج، كخطاب وحائط صد لمنع التدخلات السياسية الغربية بدافع تمكين الخليجيات.
كما ترى الحسين، أن ما يحدث على مستوى التمكين الخليجي محاولة لتجميل صورة الأنظمة، وأن أغلب الشخصيات الخليجية البارزة تعملن مجرد متحدثات باسم الدولة، ولأنهن مَدينات بالفضل في بروزهن للدولة؛ فقد تخلين عن شخصيتهن المستقل.
بينما تعتقد الكاتبة القطرية، عائشة القحطاني، أن عملية التمكين في الخليج، محاولة بائسة لتجميل الصورة المُتخيلة التي تحاول دول الخليج تصديرها للعالم، باعتبارها دولًا متقدمة ومتحضرة، وتستند في ذلك إلى قلة عدد النساء الخليجات اللاتي يتصدرن مناصب هامة. حسبما جاء في مقال لها منشور في البيت الخليجي بعنوان، “تمكين المرأة في دول الخليج: ديكور سياسي”.
وترى الكاتبة البحرينية مريم الرويعي مدير مركز تفوق الاستشاري، أن نسب مشاركة المرأة في المجالس النيابية الخليجية لا تزال متدنية؛ ففي البحرين تمثل 5 نائبات مقابل 35 نائبًا، وكذلك بالنسبة للوزيرات بالرغم أن البحرين تدّعي أن المرأة وصلت للمساواة، حسبما تقول لمواطن.
وحول تجربتها كمرشحة في الانتخابات النيابية الكويتية عام 2020، تقول بيبي عاشور، رئيس الجمعية الكويتية للإخاء الوطني لمواطن: “إن عملية المشاركة السياسية للمرأة ليست سهلة، على الرغم من الدعم الرسمي المقدم، إلا أن عبور المرأة نحو منصب؛ خاصة إذا كان يتطلب موافقة مجتمعية أو قائمًا على الانتخاب؛ خاصة أن الاختيار المجتمعي الذي تحكمه أنماط من العادات والتقاليد والموروثات، التي تقوم أحيانًا على فروق جندرية قد تفضل الذكر على الأنثى”.
وتصف “عاشور” التجربة الديموقراطية في الكويت بأنها “متفردة”، ويصعب مقارنتها بباقي دول الخليج؛ فقد بدأت منذ عام 2005 بمنح النساء الحق في الترشح والانتخاب، بعد حالة من الحراك المجتمعي، والجهد النسوي والرسمي الذي استغرق وقتًا طويلاً لإقناع المجتمع بأهمية المشاركة النسائية بالسياسة، وترى في الوقت ذاته أن الطريق لا يزال طويلاً أمام تفعيل الدور النسائي ليصل إلى النحو العادل والمرجو.
وتنوه إلى أنه من العوامل والقيود لعملية تمكين المرأة عربيًا عامة، وخليجيًا خاصة، ضعف مؤسسات المجتمع المدني، وانخفاض حضور المرأة في برامج القوى السياسية والمدنية في المجتمعات العربية، ومحدودية الموارد الاقتصادية للمرأة أسوة بالرجل، وقلة الوعي السياسي العام بأهمية مشاركة المرأة في خدمة المجتمع وصناعة القرار والتشريع، واستمرار السلطة الأبوية المجتمعية والاقتصادية والسياسية على المرأة.
وأشارت دراسة أجريت بعد منح الحقوق السياسية للنساء في الكويت، أن غياب الوعي السياسي يجعل النساء في التصويت الانتخابي أكثر تأثرًا بآبائهن وأزواجهن في الاختيار.
كذلك ترى مريم الرويعي أن القوانين الدول الخليجية التي تنظم مجالس الشورى والبرلمانات، تعتبر أحد أهم العوامل التي أدت إلى جعل النسبة الأكبر من النساء الممثلات في البرلمان معينات ولسن منتخبات، ويستثنى منها الكويت والبحرين.
وتؤكد “الرويعي” على ضرورة تواجد النساء في هذه المؤسسات النيابية بحكم القانون، أما الأداء البرلماني سيتطور مع الوقت، وعمومًا فالرجال الذين لهم نصيب الأسد من العضوية ليسوا أفضل أداء من النساء.
هشاشة سياسية
يقودنا الحديث عن فعالية التمثيل النيابي للمرأة بدول الخليج حتمًا إلى الحديث عن التجربة النيابية، التي ظلت برمتها حتى اليوم، بعيدة عن التأثير في صناعة القرار بشكل فاعل، ربما لغياب الأحزاب والتعددية السياسية في غالبية الدول، أو لأسباب أخرى جعلت دور البرلمانات قاصرًا على التشريع والرقابة، بقدر لا يسمح له بتنفيذ آلية للمشاركة في الحكم أو وضع سياسات الدول.
يتنبأ التقرير العالمي بالفجوة بين الجنسين؛ بأن تحقيق التكافؤ بين الجنسين في الخليج سوف يستغرق على الأقل 132 عامًا من الآن.
وترجع دراسة نشرها مركز “كارينغجي” أسباب تراجع الفعالية السياسية في برلمانات الخليج إلى مشكلتين رئيسيتين؛ تتعلق الأولى بالفشل في التنظيم السياسي؛ حيث يعبّر النواب في الخليج عن إحباطهم إزاء عدم تطوّر المجتمع السياسي، ولا سيما الوجود المحدود للمجموعات السياسية، ويبقى التأثير الفعلي لعدم جواز وجود أحزاب سياسية.
أما المشكلة الثانية فهي المجالس؛ فلم تستطع أن ترسم لنفسها دورًا مميزًا، من شأنه أن يبدي أهميّيتها للشعب والحكومة، وبذلك تبقى عالقة ما بين الاثنين، وغير قادرة على تحقيق إرادة أي منهما.
نحو تمثيل نيابي عادل
تشير “بيبي عاشور” إلى أن فكرة المحاصصة السياسية التي تسعى الحكومة الكويتية إلى تطبيقها بغرض توفير حقوق متساوية للجميع، تعد المرأة الطرف الأضعف فيها، نظرًا لعدم تكافؤ الفرص وتراكم التحديات التي تواجهها النساء.
تحتاج القرارات الحكومية لدعم النساء بحسب السياسية الكويتية بيبي عاشور، إلى برامج تأهيل اجتماعي لفكرة مشاركة النساء سياسيًا، وأهمية الدور الذي يمكن أن تقدمه النساء، وأيضًا العمل على استراتيجية إعلامية شاملة لإبراز إنجازات النساء المشاركات في العملية السياسية من أجل تحفيز غيرهن، وتقديم نماذج جيدة للمجتمع يمكن أن تسهم في عملية بناء الثقة.
وتذكر عاشور أن هناك توجهًا لدى حكومة دولة الكويت لدعم تمكين المرأة في المناصب القيادية والتنفيذية، ودعم مشاركتهن بشكل فاعل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكن تبقى هناك حاجة أكبر لتوفير برامج تدريبية وتأهيلية لمواجهة الرفض الاجتماعي للعمل النسائي في المناصب القيادية والسياسية.
أما البحرينية مريم الرويعي فتؤكد على ضرورة، الأخذ بنظام “الكوتا” النسائية، لتكون عاملاً مساعدًا لتواجد المرأة في المجالس المنتخبة، والفرض بالقانون على الأحزاب السياسية أن تكون نصف قوائمها للترشح من النساء، وأن يكون الترتيب “امرأة رجل” وهكذا؛ أي لا توضع النساء في ذيل القائمة، وإبراز أدوار ومساهمات المرأة في خدمة التنمية والمجتمع؛ وبالأخص في مناصب الدولة إعلاميًا، وفي مناهج التدريس وفي الدراما التلفزيونية، لتغيير الثقافية السائدة في مجتمعاتنا، وأخيرًا ترشيد المنبر الديني الذي يتبنى “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
بينما تصف الكاتبة والباحثة السعودية، لبنى الطحلاوي، تجربة بلادها في تمكين المرأة سياسيًا بــ “الفريدة”؛ حيث تمثل المرأة السعودية نصف مقاعد مجلس الشورى، وتقلد السعوديات مناصب دبلوماسية وتنفيذية وسيادية بارزة.
وتشير الكاتبة السعودية إلى أن “الانتخابات البلدية الأخيرة، شهدت جملة من التحديثات التطويرية للعملية الانتخابية التي أقرها نظام المجالس البلدية، ودخلت المرأة السعودية ناخبةً ومرشحة للمرة الأولى”؛ إذ ترى أن الأمر فتح بابًا جديدًا للنساء من أجل المنافسة والإفادة العامة للبلاد، وربما تشكل خطوة في طريق إنشاء كوادر نسائية، قادرة على خوض منافسة حقيقية مع الرجال، بعيدًا عن التعيين المباشر ضمن أنظمة الكوتة للنساء.
ختامًا، بالحديث حول تقييم تجربة التمكين النسائي للمرأة بدول الخليج، ومن ضمنها التمثيل النيابي، يجدر القول بإن المصطلح الذي تتباهى به الحكومات العربية، باعتباره إنجازًا يحمل في جوهره عوارًا؛ فالتمكين يعني أن المرأة في تلك المجتمعات ضعيفة وبحاجة لإجراءات استثنائية من أجل الحصول على حقوق متساوية وعادلة، لكن بالنظر لأوضاع المرأة في بعض المجتمعات العربية ومدى الظلم الذي تتعرض له، يمكن أن تكون عملية التمكين “طوق نجاة”، إذا ما تمت بشكل فاعل وصحيح.
وحتى اليوم؛ لاتزال عملية التمكين السياسي للمرأة بدول الخليج تفتقد للفاعلية والدعم الرسمي والمجتمعي، ولا يزال الطريق طويلًا، كما يتنبأ التقرير العالمي بالفجوة بين الجنسين؛ بأن تحقيق التكافؤ بين الجنسين سوف يستغرق على الأقل 132 عامًا من الآن.