حالة من الجدل تعيشها الكويت مؤخرًا، وبداية من يوليو/ تموز إثر مقترحات بقوانين برلمانية تستهدف النساء وتقوض الحريات العامة للمواطنات والمواطنين؛ على حد وصف نسويات كويتيات.
وجاءت المقترحات في شكل قوانين بحظر عمليات التجميل ورسم الوشم، وحتى عمليات العبور الجنسي، إلا في حالات محددة، وبعد إخطار وزارة الداخلية قبل وبعد العملية، إلى جانب فرض عقوبة جنائية بالسجن لمدة لا تجاوز خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن ألف دينار كويتي (3257 دولارًا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من يخالف أحكام القانون المقترح.
وتتصدر الكويت الثانية عربيًا من حيث الأكثر إقبالًا على عمليات التجميل، وبحسب تقارير طبية خضع حوالي 70% من أبناء الكويت البالغين إلى عملية تجميل واحدة على الأقل.
ويشكل النساء أغلبية هذه النسبة، ولكن عمليات التجميل جذبت أيضًا عددًا غير قليل من رجال الكويت؛ قُدِرت نسبتهم بحوالي 30% من تعداد الرجال، وهي نسبة مرتفعة جدًا مقارنة بالدول الأخرى؛ خاصة دول الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة، معظمها في تجميل الأنف وعلاج السمنة، ويشغلان 60% من إجمالي العمليات التجميلية.
حرك مقترح القانون حالة من الجدل الواسع بين الكويتيين الذين تباينت آراؤهم بين مؤيد ومعارض وساخر عبر هاشتاج #عمليات_التجميل_5_سنوات_سجن، وسط حالة غضب تجاه المقترح الذي يتعارض مع الحريات العامة، ولا يتوافق مع أولويات عمل المجلس في ضوء وجود قضايا مُلحة على أجندة البرلمان الجديد.
بينما اعتبر مؤيدو المقترح أنه يمثل حماية من الناحية الأمنية لضمان عدم التلاعب بالبصمات، أما المؤيدون لاعتبارات دينية فرأوا في المقترح بداية جيدة لفرض مزيد من المحظورات باعتبارها حرامًا شرعًا.
ومن بين تلك الآراء المعارضة كانت تغريدة لوزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة، ناقلاً لاقتباس من مقالة للكاتبة إقبال الأحمد، يصف المقترح بأنه “قندهاري”، ويعكس فكرًا متطرفًا لا يتناسب مع منظومة الحريات بالدولة.
كتبت إقبال الأحمد:
— سعد بن طفلة العجمي (@Saadbintiflah) July 26, 2023
"المقترحات القندهارية، التي اتحفنا بها بعض النواب، التي تخص عمليات التجميل والرقابة على الكتب وغيرها، هي ممارسات من المفترض ألا تدخل في أولويات عملهم كنواب، لأن هناك عشرات القضايا الملحة التي ينتظرها الشعب الكويتي، ليطمئن على مستقبل أحفاده والأجيال القادمة."…
كما غرد الإعلامي الكويتي خالد الطراح على المقترح “بعض الاقتراحات النيابية ذات التوجه الواحد، التي أصبحت مادة صحفية رائجة تتلاقى مع الفتاوى المرتجلة التي تقود إلى الاستهزاء”.
اصبحت بعض الاقتراحات النيابية ذات التوجه الواحد مادة صحفية رائجة تتلاقى مع الفتاوى المرتجلة التي تقود الى الاستهزاء!!
— Khalid AlTarrah خالد أحمد الطراح (@KAltarrah) August 16, 2023
بينما غرد الوكيل المساعد للشؤون الثقافية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية طراد العنزي: “عمليات تجميل بدون عذر طبي، بعضهم صاروا “مسخ”؛ خدود متورمة، خشوم ممدودة، شفايف منفوخة، جلود مشدودة وغيرها، التغيير في خلق الله والتعذر بالجمال لا يجوز”.
"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا" .. عمليات تجميل بدون عذر طبي،، بعضهم صاروا مسخ ، خدود متورمة،خشوم ممدودة، شفايف منفوخة ، جلود مشدودة وغيرها،، التغيير في خلق الله والتعذر بالجمال لايجوز . #صلاة_الجمعة #عمليات_التجميل_5_سنوات_سجن
— طراد العنزي (@AleneziTrad) July 21, 2023
كذلك علق عضو الجمعية الكويتية للإعلام والاتصال، ثامر الحمود على الخبر قائلًا: “في اعتقادي جاء هذا المقترح لأكثر من سبب؛ الأول كناحية صحية حماية المواطنين من البعض، منهم الذين تسببوا بأضرار صحية و تشويه جراء عمليات التجميل، وثانيًا كناحية أمنية حتى لا يكون هناك تلاعب في البصمة البيومترية، وأيضًا من الضروري أن تكون الصورة في البطاقة أو في الجواز متطابقة مع الوجه.”
ودفاعًا عن المقترح صرح النائب فهد المسعود لـ إندبندنت إنه “لا يعتبر إلغاء أو تدخلًا في الحريات؛ بل لحماية المجتمع ووقف الفوضى المنتشرة فيه، من خلال تنظيم الحق في إجراء العمليات بما يتسق مع الشريعة فيما يحرم التغيير في خلق الله، ومع ذلك يراعي الاقتراح الحاجة إليها”.
العبور الجنسي.. حقوق على ورق
لم يقف مقترح القانون إلى حظر عمليات التجميل، أو تقنين تنظيمها وفرض قيود وشروط عليها، بل امتد للمساس بحق قانون إلا وهو عمليات العبور الجنسي، وألغت المحكمة الدستورية الكويتية في العام الماضي قانونًا يجرم “التشبه بالجنس الآخر”، كان يستخدم لمحاكمة العابرين جنسيًا، بعد أن عدل البرلمان الكويتي المادة 198 من قانون الجزاء في عام 2007 لتصبح عقوبة هذه “الجريمة” السجن لمدة تصل إلى عام وغرامة.
وكانت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، وصفت إلغاء هذا القانون، بإنه بمثابة إنجاز بارز بالنسبة لحقوق العابرين جنسيًا في المنطقة، إلا أنه يتضح أن هناك قوى اجتماعية وسياسية راغبة في الانقضاض، على هذا التطور في حقوق العابرين جنسيًا، والذي لم يمر عليه عام.
وتقول لمواطن، ناشطة حقوقية كويتية فضلت عدم ذكر اسمها “إنه بالرغم من إلغاء القانون المعيب، إلا أن عمليات العبور الجنسي يُقابلها صعوبات كبيرة جدا تتعلق بالوصم الاجتماعي، والتضييقات الأمنية في بعض الحالات، بدعوى التلاعب في بصمات الوجه أو تزوير الهوية”.
وتضيف: “المجتمعات العربية ما زالت لا تقبل فكرة العبور الجنسي بأي شكل، الأمر لا يتعلق بالكويت أو البرلمان الكويتي فقط، ربما الحكومات العربية رضخت تحت ضغوط خارجية لمنظمات حقوق الإنسان، على احترام هذا النوع من الاختلاف لكن على مضض، ودون تجاوب حقيقي، وبعض الحكومات العربية تسمح باضطهاد العابرين جنسيًا ولا تمنحهم حقوق المواطنة”.
مجلس الأمة، واستهداف المرأة
لم تكن تلك المقترحات السابقة وحدها، ما قد يشكل تهديدًا للحريات في الكويت؛ إذ صادق مجلس الأمة الكويتي في أغسطس/ آب على المادة 16 من قانون مفوضية الانتخابات، والتي تقر في الفقرة الثانية منها باشتراط الالتزام بأحكام الدستور والقانون والشريعة الإسلامية، لممارسة حق الانتخاب والترشيح، وهو ما أثار العديد من التخوفات حول استبعاد النساء غير المحجبات من العملية السياسية.
تقول الناشطة الحقوقية الكويتية هديل بوقريص لمواطن: “إن تكرار طرح هذه المقترحات من نواب البرلمان؛ سواء ما يتعلق بوثيقة القيم أو تعديلات المادة (16) من قانون الانتخابات التي تنص على فرض الوصاية الدينية على المرشحات للبرلمان، ليس سوى محاولات استهداف واضح ومباشر لحقوق المرأة الكويتية من جهة نواب البرلمان”.
هناك عدة عقبات في مسار التمكين والمساواة بين الجنسين في الكويت، مثل الفصل المهني، وانخفاض معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة، والأعراف الاجتماعية التي تقيد قدرة المرأة على الحصول على الفرص الاقتصادية، وفقًا للبنك الدولي.
وتضيف “لا أدري لماذا هناك استهداف مستمر ومتعمد من جانب هؤلاء النواب للمرأة الكويتية وكأنها بلا قيم، وهم المسؤولون عن تعليمها وتهذيبها، وكأن المجتمع فاسد أخلاقيًا وهم من يصلحون هذا الفساد، لأنه لا يمكن أن نطرح وثيقة قيم أو نفرض جوانب أخلاقية في مجتمعات تتحلى بالأخلاق والقيم، هم يفترضون أن المجتمع فاسد وهذا أمر مرفوض”.
وترى بوقريص، أن تلك المحاولات عمل ممنهج من جانب مجموعة من النواب يقودهم المتشددون، أو الذين لديهم خط خاص ويدعون تطبيق الشريعة الإسلامية، وكأن المجتمع الكويتي خارج عن الإسلام.
تواطؤ حكومي، لمهادنة الإسلاميين
تكرار المقترحات من هذا النوع يثير حفيظة المراقبين تجاه الحكومة، المُتهمة بـ”مهادنة الإسلاميين”، على حساب حقوق المرأة الكويتية، وتقول الكاتبة الكويتية شيخة البهاويد لمواطن: “إن ما يحدث حاليًا ليس استهدافًا للنساء بشكل مباشر، ولكنه نتيجة لتغيرات اللعبة السياسية”.
وتستطرد: “الحكومة تلعب الآن على وتر المحافظة والتدين لمهادنة الإسلاميين، ووضعهم في صفها مثلما حدث في قانون المفوضية بإلزام النساء بأحكام الشريعة، الحكومة في هذا المثال لا تستهدف المرأة، هي تستهدف ودّ الإسلاميين مع علمها بعدم دستورية وعدم قابلية تنفيذ هذه المادة، لذلك فالاستهداف هنا نتيجة وليس غاية”.
وتضيف: “على عكس ذلك عند الإسلاميين والمحافظين استهداف النساء غاية وليس نتيجة، ومعظم ما يقدم من اقتراحات هو مجرد كلمات تصلح مانشيتات صحف تكرر كل دورة مجلس ولا تنفذ، وليست قابلة للتنفيذ أصلاً؛ مثل وثيقة القيم وقانون عمليات التجميل”.
وتكمل “أن المقترحان يقدمان بشكل متكرر، لكن الخطير في الأمر أنه مع مداهنة الحكومة للإسلاميين ورغبة الإسلاميين بالسيطرة على النساء اللاتي رفعن أصواتهن بالمطالبات؛ فيخشى أن تأتي الأيام القادمة بقوانين مخيفة تهدد حقوق النساء وحرياتهن، ولهذا فالتحرك والعمل المنظم في مؤسسات المجتمع المدني مهم جدًا”.a
أما هديل بوقريص فترى أن النواب الذين يتحدثون إحياء الشريعة الإسلامية في المجتمع الكويتي، لكن في الحقيقة هم يريدون تطبيق الشريعة وفق مفهومهم وأدواتهم الخاصة، لذلك نرى أن الأمور قد انحدرت لمناقشة العديد من القضايا تطرقت لتحريم بعض الرياضات منها “اليوجا” على سبيل المثال، الأمر الذي أشعل انتقادات النواب وقالوا إنها عادة “بوذية” لا تمت للإسلام بصلة، وكأن المجتمع الكويتي خارج منظومة الإسلام.
وبحسب بوقريص؛ فالنواب يعتبرون أن المجتمع هش لدرجة التأثر ببعض الرياضات أو الأفكار المرتبطة بالترفيه، والحقيقية أن غالبية المقترحات البرلمانية في هذا الصدد تستهدف النساء بشكل واضح، لكن الأهم في هذا الصدد هو لماذا تستجيب الجهات الحكومية لمثل هذه المقترحات وتتفاعل معها، رغم أنها مقترحات لا تعدو كونها مادة للسخرية فقط.
محو التمكين
تعيش الكويت حالة من التناقض بين إشادات من منظمة العفو الدولية بإلغاء قوانين ملاحقة العابرين جنسيًا، أو الإجراءات الجادة من جهة أخرى في مسار تمكين المرأة، والتي أشار لها إحدى تقارير مدونة البنك الدولي، على أنها خطوات واعدة نحو تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين.
وأوضح التقرير عدة عقبات في مسار التمكين والمساواة بين الجنسين، مثل الفصل المهني، وانخفاض معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة، والأعراف الاجتماعية التي تقيد قدرة المرأة على الحصول على الفرص الاقتصادية، ويبدو أن هذه الأعراف عائق حقيقي أمام هذا المسار، بما أن هناك قوى إجتماعية سياسية، ترى وفق مشاريعها، إفشال مكتسبات المرأة الكويتية في الحياة العامة.
المرأة في الكويت لا تستطيع إجراء أي عملية جراحية إلا بإذن وليها؛ سواء الأب أو الزوج أو الابن إذا كان قد بلغ السن القانونية، وهذا غير كاف بالنسبة للمتشددين؛ هم يريدون المزيد من التضييق والقمع ومحو كافة المكتسبات. حسب هديل بوقريص.
وكأن الكويت تعيش تجاذبًا بين تيارين؛ تيار يسعى لمزيد من الحريات، وتيار آخر مسعاه المزيد من القيود. فهل تكن الكويت في طريقها إلى مزيد من التشدد أم الحريات؟
وتكمل، إنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه من منع الرياضة والعمليات وتحريم وتجريم كل شيء؛ فإن مصطلح تمكين المرأة الذي ظلت الحكومة الكويتية تتغنى به لسنوات طويلة، سيختفي تمامًا، وإذا استجابت الحكومة لهذه المطالب التي تبدو سطحية وصغيرة؛ فإننا بصدد انهيار كامل لحقوق النساء.
وتنوه إلى أن ما يتوجب على المرأة الكويتية فعله هو العمل لدى مؤسسات المجتمع المدني بشكل مكثف للضغط على الحكومة والبرلمان، لإقرار تشريعات منصفة للمرأة تحفظ استحقاقاتها القانونية والدستورية، ومناقشة الأمر بشكل جاد لمنع مناقشة هذا النوع من المناقشات مجددًا.
وتقول الكويتية والناشطة النسوية الجازي طارق السنافي لـمواطن: “إن مثل هذه المقترحات لا يمكن أن تؤثر في المجتمع، لأن الجميع يعي بأن الحريات الشخصية مكفولة، ومن حق أي شخص؛ سواء امرأة أو رجل؛ أن يقوموا بعمليات التجميل التي تحلو لهم، ولا يوجد ما يجرم أو يمنع إجراء عمليات التجميل خاصة في هذا الزمن، ولا يعد انتهاكًا للمرأة بوجهة نظري لأنه مقترح “فقاعي”، سيتلاشى مع الخبر التالي وبقية المقترحات المشابهة.
وتضيف: “مثل هذه الاقتراحات ماهي إلا دغدغة مشاعر، ومحاولة لإثبات وجود أو لحصد تفاعل الناخبين لا أكثر، وشهدنا مثل هذا المقترح في أكثر من مرة، وغالبًا هي اقتراحات لن يوافق عليها المجلس في مداولاته، وكما نحن متيقنون بأنها اقتراحات مجرد “كلام جرائد”.
وترى السنافي أن هناك بعض الدوافع وراء تكثيف المحاولات مؤخرًا لفرض وصاية دينية على المرأة الكويتية؛ أولها رفضهم لعمل المرأة وانخراطها في المجتمع، وثانيًا حصولها على مناصب قيادية، إضافة لفرض السيطرة الذكورية عليها، لذلك فمحاولة فرض الوصاية على المرأة الكويتية هو سلوك دخيل على المجتمع الكويتي، وهو فكر مستورد من مناطق وبلدان مغلقة ورجعية.
وتختم بأن، الكويت بلد منفتح على العالم منذ نشأته، لذلك فمحاولات فرض الوصاية على النساء في الكويت سيقابله رفض مجتمعي وشعبي، وجميع المحاولات السابقة والحالية باءت بالفشل.
وأخيرًا يبدو الجدل المُثار حول مقترحات قوانين تمس حرية المرأة في الكويت، حلقة ضمن سلسلة من المشاحنات بين الراغبين في فرض قواعد وصاية قانونية أو دينية على الحقوق والحريات، وبين المدافعين عن تلك الحقوق، وكأن الكويت تعيش تجاذبًا بين تيارين؛ تيار يسعى لمزيد من الحريات، وتيار آخر مسعاه المزيد من القيود. فهل تكن الكويت في طريقها إلى مزيد من التشدد أم الحريات؟ الإجابة بالقطع ستحملها الأيام.