يعدّ العراق واحدًا من أسوأ دول العالم في التعامل مع أفراد مجتمع الميم عين؛ فبحسب منظمة العفو الدولية؛ فالعراق من بين تسع دول يُعاقب فيها الرجال على العلاقات الجنسية المثلية بالإعدام، رغم خلو القانون العراقي من مثل تلك العقوبة؛ إلا أن تلك الأحكام بالإعدام تصدر من قبل ميليشيات دينية مسلحة تمتلك محاكمها الشرعية. كما يُظهر تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي نُشر في مارس/آذار من العام الماضي جزءً من معاناة مجتمع “الميم- عين” وما يتعرضن/ون له من أنواع العنف على أيدي تلك الميليشيات من خطف واغتصاب وقتل؛ بينما تتصاعد خطابات الكراهية في العراق بوتيرة عالية وفي فترة وجيزة ضد مجتمع “الميم- عين”، ما يضعهم/ن في حالة من الرعب والخوف الدائم على أمنهم/ن الشخصي وحياتهم/ن.
حملة إحراق أعلام الفخر
لا يترك زعيم التيار الصدري وميليشيا جيش المهدي مقتدى الصدر فرصة إلا ويهاجم فيها المثليين، ويحملهم كل ما يحدث من شرور في العراق وفي العالم كفايروس كورونا وجدري القرود، كما استغل حادثة إحراق المصحف في السويد على يد عراقي مهاجر، للبدء بحملة حرق أعلام مجتمع “الميم- عين” ردًا على حرق المصحف الشريف؛ معللاً في تغريدته “بأن حرق علم المجتمع الميمي هو أكثر ما يغيظهم”.
ارتبط اسم الصدر وميليشياته سابقًا بالحملات الشرسة ضد أفراد مجتمع “الميم- عين” في العراق، ومنها العمليات التي استهدفت أتباع ظاهرة ” الإيمو” في العام 2012، من قتل وتصفية الأفراد الذين يُشك في انتمائهم لمجتمع “الميم- عين” بكل وحشية.
تلك الحملة التي يقودها الصدر تحت شعار حرق “علم مجتمع الميمي”، أثارت الذعر والرعب داخل مجتمع “الميم- عين” في العراق، لإدراكهم/ن بأن الحملة التي يقودها الصدر بإمكانها التطور في أي لحظة إلى حملة قتل. يقول هايدن (22 عاما) وهو شاب مثلي الجنس يعيش في النجف في حديثه لـ”مواطن”: “أشعر باليأس عندما أرى أتباع الصدر يحرقون أعلامنا ويحرضون على قتلنا، وبهذه اللحظة أتذكر الواقع الذي أعيش فيه، ومجبر على تقبله، وهو أنني أعيش وسط ناس ينبذوننا ولا يعترفون بنا، وعلى استعداد لقتلنا فقط لاختلاف ميولنا الجنسية، وفي نفس الوقت أرى تناقض أتباع الصدر الذين يحرضون علينا، على الرغم من أن العديد من الأشخاص الذين حاولوا التقرب مني شخصيًا رغبة في علاقة جنسية كانوا من أتباع الصدر.
ويكمل هايدن: رغم اختلاف الناس مع مقتدى الصدر، ولكن عند حديثه ضد المثليين؛ فإن كل الناس تقف معه ويحصل على دعم جماهيري، ومعرفة الناس بأنه هو الشخص الذي كان يقوم بعمليات التصفية التي كانت تحدث ضدنا؛ حيث يقولون دائمًا: “نتمنى ان يعود التيار لقتلكم كما فعل في السنوات الماضية”.
تحرك برلماني لتجريم المثلية
أسفرت حملة الصدر عن تعبئة الشارع العراقي ضد مجتمع “الميم- عين”، مما دفع بعض نواب البرلمان ومن بينهم خصوم سياسيين للصدر إلى تقديم مقترح قانون “حظر المثلية” إلى رئيس البرلمان، في رسالة واضحة للصدر بأنهم ليسوا أقل منه دفاعًا عن قيم الأسرة والمجتمع، في رسالة مفادها بأنك شاركت في جميع الحكومات بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، لكنك لم تفعل شيئا قانونيًا ضد مجتمع “الميم- عين”، لكننا في أول فرصة استطعنا فيها السيطرة على البرلمان قمنا بتحرك أقوى ضد مجتمع “الميم- عين”.
منع تداول مصطلحي "جندر" و"مثلية"
بدورها أصدرت هيئة الاتصالات والإعلام في شهر أغسطس/آب الماضي بيانًا بمنع استخدام مصطلح “جندر” في وسائل الإعلام والاتصالات والإنترنت، بالإضافة لاستبدال مصطلح “المثلية الجنسية” بالشذوذ الجنسي.
تعلق ي. ف، ناشطة نسوية عراقية، على القرار؛ خاصة حول منع استخدام مصطلح “الجندر” بقولها: “للقرار تأثير مباشر على حقوق المرأة في العراق، حقوقها في الحماية وفي التمكين والتمثيل السياسي”. وتشير في حديثها لـ”مواطن”: “الخلط الذي يحدث الآن في المفاهيم يساهم في وضع النسوية عرضة للاتهامات والتخوين، باعتبارها أكثر الحركات التي يعتبرها المجتمع دخيلة ومستوردة ومأجورة”.
ويقول أحد العاملين في Baghdad Pride لـ”مواطن”: “لا يعتبر هذا القرار تقنينًا لخطاب الكراهية ضد مجتمع “الميم- عين” في العراق فحسب؛ بل يفرض هذا الخطاب على الجميع، ويمنع الأصوات المحايدة عن الكلام، كذلك يساهم في تقييد حرية النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويفرض عليهم استخدام كلمات مهينة عند حديثهم عن مجتمع “الميم- عين“، ويعطينا هذا القرار رؤية حول النبذ والكراهية التي نواجهها على أرض الواقع ورقميًا في العراق.
قانون الإعدام
في منتصف أغسطس/آب الماضي صدم البرلمان العراقي أفراد مجتمع “الميم- عين” والمدافعين عن حقوق الإنسان، عندما أنهى القراءة الاولى لواحد من أقسى القوانين في العالم، والذي يعاقب أفراد مجتمع “الميم- عين” ومن يدافع أو ينشر أي شي عنهم بعقوبات تصل حد الإعدام للمثليين، والسجن والغرامات على من يروج وينشر عنهم؛ كما أنزل عقوبات شديدة بالعابرات والعابرين جنسيًا وكل طبيب أو مختص يقوم بمساعدتهم.
"لا يعتبر هذا القرار تقنينًا لخطاب الكراهية ضد مجتمع "الميم- عين" في العراق فحسب؛ بل يُفرض على الجميع، ويمنع الأصوات المحايدة عن الكلام، كذلك يساهم في تقييد حرية النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان
يعلق مو (23 عامًا)، وهو شاب مثليّ من بغداد لمواطن بقوله: “إن تبريرات القانون غير منطقية، والهدف من تشريعه هو حماية البشرية حسب قولهم، وهم يشرعون قانون بقتل البشر، إنه لشيء مرعب أن تعيش في دولة تتساوى فيها بأشد المجرمين فقط لأنك تحب، القانون مجحف وغير عادل ومخالف لقوانين حقوق الإنسان، والشيء الذي أعرفه أن الأوطان تحتضن مواطنيها، إلا وطني الذي يشرع بقتلي فقط بسبب الحب”.
أما سمر، 19 عامًا، عابرة من بغداد فتعّلق في حديثها لمواطن: مجرد التفكير بهذا القانون هو جريمة بحق شريحة كبيرة من المجتمع العراقي، وهم أفراد مجتمع “الميم- عين”، نحن حتى بعدم وجود هذا القانون مهمشون بين الأهل والمجتمع، وتطبيق هذا القانون سيؤدي إلى سحقنا أكثر، وسيمنع حتى الأطباء المعتدلين من مساعدتنا، لذلك فهو قانون ظالم بكل معنى الكلمة”.
حملات الكراهية الإلكترونية
وفي ظل تصعيد خطاب الكراهية ضد مجتمع “الميم- عين” قام مجموعة من المؤثرين العراقيين “influencers” على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين لديهم مئات الآلاف من المتابعين بحملة كراهية، كان الهدف منها غلق جميع المنصات الإلكترونية لمجتمع “الميم- عين” بالعراق بهدف تكميم أفواههم، بالإضافة إلى التشهير بالناشطين ونشر صورهم ومعلوماتهم الشخصية على قنوات خاصة لهذه الحملات في تطبيق تلغرام”.
ويعلّق أحد العاملين في منصة Gala Iraq المختصة بمجتمع “الميم- عين” في العراق، والتي استهدفت في تلك الحملة بأن هؤلاء المؤثرين لم يكتفوا بما يحدث الآن، وربما يرون الإعدام قليلاً بحقنا؛ فشرعوا بحملة هدفها إخراسنا وإسكات أي صوت يطالب بحقوقنا، وما هذه الحملات إلا بسبب الخوف من التعددية والاختلاف في المجتمع، ورغبة منهم في إبقاء صوتهم هو الصوت الوحيد المسموع في العراق. يكمل في حديثه لـ”مواطن”: “نحن كأفراد مجتمع “الميم- عين” في العراق، نتعرض لمختلف أنواع العنف كالقتل والاغتصاب والاختطاف والابتزاز والتهديد، وكل هذا لم يستطع إيقافنا؛ فهل يعتقدون بأنهم الآن بهذه الحملة سيوقفوننا؟ نحن موجودون وسنبقى مستمرين بنضالنا رغم كل شيء”.
تجدر الإشارة إلى أن عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي قد ارتفع في العراق بداية 2020 إلى نحو 28 مليون مستخدم من مجموع السكان البالغ 42 مليون نسمة. يرى حيدر الموسوي، وهو ناشط ومدافع عن الحقوق الرقمية في العراق، أن سلوك إطلاق الحملات الممنهجة ضد المنصات الرقمية لمجتمع الميم- عين لإغلاقها واختراقها، يعتبر محاولة لإغلاق المساحة الوحيدة المتبقية لأفراد مجتمع الميم – عين في العالم العربي عمومًا والعراق بشكل خاص، وإسكات أصواتهم/ن المعبّرة عن أفكارهم/ن؛ حيث لا مساحة لهم/ن على أرض الواقع إطلاقًا. ويضيف في حديثه لـ”مواطن”: أن هذا الأمر يُعَد انتهاكًا للحقوق الرقمية وحق الإنسان في التعبير عن آرائه. ويكمل: “في رأيي الشخصيّ أرى أن الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات قد عجزت عن فتح أبواب للحوار وتقبّل الاختلاف، لذا فإن الطريق الأقصر والأسهل هو محاولة القضاء على الأفكار والآراء المختلفة بشتى الطرق، وتجنّب النقاش بصددها وخصوصًا على الفضاء الرقميّ.
وإلى هذه اللحظة لم يوجه المجتمع الدولي أو المنظمات العالمية أي إدانة أو استنكار حول ما يحدث في العراق، وحول القانون الجديد، ما يجعل أفراد مجتمع الميم- عين، يشعرون بالخذلان، وبأنهم غير مهمين ولا أحد يهتم بمعاناتهم، حتى المنظمات العالمية المختصة بحقوق الإنسان وحقوق مجتمع “الميم- عين“.