في كتابه «الاستبداد الرقمي في الشرق الأوسط» يؤكّد مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد لدراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة في قطر، أنَّ التقنيات التي قُدّمت في بدايتها على أنّها وسيلة للتفاعل الاجتماعي وأداة للحريّات، قد أُعيد توظيفها كوسيلة للمراقبة والدعاية والتخويف من قبل السلطات الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط.
ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، وتوّغلها في حياة البشر؛ تجد دول الخليج أداة أخرى لمزيد من السيطرة والمراقبة والقمع الإلكتروني لمعارضيها، والذي يبرز معه قضية الاستخدام المسيء لهذه التقنيات ضد حقوق الإنسان، في وقتٍ تطالب فيه المنظّمات الحقوقية بمزيدٍ من آليات السيطرة على قدرات الذكاء الاصطناعي ومخاطره.
استثمرت السعودية والإمارات بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، عبر تعاون مكثّف خطّت أساسياته أسوأ ثلاث دول في سجّلات حقوق الإنسان من ناحية المراقبة وقمع المواطنين وهي: الصين وروسيا وإسرائيل، وهو الجهد الذي تحاول من خلاله الرياض وأبو ظبي أن تكون ضمن “القوى الرقمية العظمى”.
الشبكة الحديدية
القمع الرقمي الذي تمارسه الحكومات العربية بشكل عام، والخليجية منها بشكل خاص، لم يكن جديدًا؛ فالسعي الدائم وراء الحصول على معلومات حول المواطنين عبر مراقبة أنشطتهم، وتقييد حريّاتهم عبر الإنترنت، والقبض على ناشطين بزعم تغريدات مسيئة؛ كلها أشياء أصبحت تتأقلم معها الشعوب العربية التي ترزح بعضها تحت وطأة الفقر والجوع والمرض، وتدّني مستويات المعيشة، والبعض الآخر تحت وطأة أنظمة غنية لكن سلطوية، لا تسمح بتشارك السلطة ولا بأبسط أشكال التعبير -المعارض- عن الرأي.
لكن؛ مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن قبلها أدوات وبرامج تستطيع اختراق الأجهزة المحمولة، والهواتف الشخصية وغيرها، وجدت هذه الحكومات ضالتها التي أصبحت تمتلك مجموعات هائلة من الأدوات لتحقيق أهدافها، بدءً ببرامج التجسس، مرورًا بتقنية التعرُّف على الوجه والمراقبة الجماعية، وصولًا لمراقبة الرسائل والتجسس الإلكتروني، دون وجود آليات أو قوانين حقيقية للمحاسبة أو مراقبة استخدامات الدول لهذه التقنيات.
فعلى سبيل المثال؛ في 2018 اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ثلاثة رجال بالعمل لصالح السعودية لاختراق مكاتب تويتر في كاليفورنيا، بهدف نقل معلومات سرية عن آلاف المستخدمين إلى السلطات السعودية، وبسبب هذا الخرق الأمني اعتُقل عبدالرحمن السدحان في 2018 بالرياض، وحُكم عليه بالسجن عشرين عامًا ومنع من السفر للمدة ذاتها، بزعم أنه استخدم حسابًا مجهولًا لانتقاد السياسات الاقتصادية للحكومة السعودية.
وفي ورقة بحثية بعنوان «الشبكة الحديدية.. القمع الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» صادرة عن المعهد الأوروبي في يونيو 2022، أشارت إلى إدخال الحكومات العربية بعد صدمة الثورات التي اجتاحتها منذ 2011 قوانين وسياسات جديدة لفرض قيود على الخطاب الإلكتروني، والذي تطبّقه على البيانات العامة للصحفيين وقادة المعارضة.
تشير الورقة إلى أنَّ الحكومات الاستبدادية بذلت جهودًا كبيرة لتحديد معارضيها الذين يعملون دون الكشف عن هويتهم، جنبًا إلى جنب مع استخدامات هذه الحكومات التي تتضمن سيطرتها على شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية لحظر الاتصالات غير المرغوب فيها، وغيرها من أشكال المعلومات، واستهداف مستخدمي VPN، وتطبيقات VoIP المشفرة المصممة لمنع المراقبة.
الباحثة والمستشارة التونسية بمجال التقاطع بين التكنولوجيا وحقوق الإنسان، عفاف عبروقي، تشير في حديثها لـ«مواطن» إلى أنَّ دول الخليج تستثمر بشكل كبير في التكنولوجيا في المنطقة وخارجها، ورُغم مراهنتها على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتنويع اقتصاداتها، وهذا في حد ذاته لا يمثل مشكلة؛ إلا أنّ هذه البلدان تتصف بسجل سيء في مجال حقوق الإنسان وحملات المراقبة والتضليل، والتلاعب على وسائل التواصل الاجتماعي، والرقابة وغيرها لقمع وإسكات مواطنيها؛ مما يثير التساؤل حول الآثار المحتملة على حقوق الإنسان لمثل هذه الاستثمارات.
ويفسِّر رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان، البحريني خالد إبراهيم، خلال حديث مع «مواطن»، زيادة استثمارات دول الخليج بالعقلية القمعية التي تدعم الاستبداد. يقول إبراهيم: “التفسير الوحيد هو العقلية القمعية والاستبدادية المعادية لحرية التعبير، وهي العقلية التي لا تؤمن بالمقولة التي تقول إنّ تعدد الآراء ثراء؛ بل تعمل على مراقبة نشطاء الإنترنت والمواطنين وسجنهم بسبب رأي ضد السلطات الحاكمة ينشرونه عبر منصّاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويذهب الباحث والمحاضر في السياسة والأمن والتكنولوجيا، البريطاني جيمس شيرز، إلى أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي تسهم في القمع الرقمي العالمي من خلال احتضانها لمجموعة من أدوات المراقبة المستهدفة، مؤكّدًا في لـ «مواطن» أنَّ: “هذه الأدوات تتيح مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، والمحتويات الأخرى عبر الإنترنت، بينما على المستوى المستهدف؛ فإنها تمنح وكالات إنفاذ القانون والأمن القومي رؤية ومعلومات أكبر حول أهدافها، والتي تشمل المعارضة السياسية والمنشقين والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان.
ويضيف شيزر: ترى دول الخليج أن مثل هذه الاستثمارات مرغوبة، لأنها تعزز النظام ضد الاضطرابات الداخلية والسخط الذي شهده الربيع العربي، وتعد هذه الاستثمارات مفيدة جيوسياسيًّا أيضًا؛ حيث تتقاسم دول الخليج أساليبها الأمنية، بما في ذلك القمع الرقمي، مع مصدري هذه التكنولوجيات، وخاصة الصين، وانطلاقًا من سعيها لأن تكون جاذبة للشركات العالمية؛ فهي مستعدة لفرض شروط على التقنيات الرقمية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (مثل حماية البيانات والتشريعات السحابية)؛ لكن بشكل عام تدعم هذه القوانين أهداف الأمن القومي بدلًا من تقديم حماية أكبر للخصوصية الفردية.
استراتيجيات ودوافع القمع الرقمي
تتحدد دوافع الدول الخليجية في المقام الأوّل بالسبب المعلن للاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وهو تنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط؛ حيث توقّع تقرير «PwC» أن تجني دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 23.5 مليار دولار من الفوائد الاقتصادية بحلول عام 2030، مع استمرار نمو الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.
عملت السعودية والإمارات على إنشاء هيئات خاصّة باستراتيجيات الذكاء الاصطناعي، وأهدافه، لكنّ هذه الهيئات والاستراتيجية لا تزال تعاني من أوجه قصور تحتاج إلى معالجة؛ خاصّة مع الكشف عن اعتماد هاتين الدولتين تحديدًا على برنامج التجسس الإسرائيلي «بيغاسوس»، وغيرها من الأدوات التي تدّعم القمع الرقمي.
يُشير رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان أنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي كالتقنيات الحديثة، بما في ذلك خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرّف على الوجه، على نطاق واسع، تستهدف بشكل أساسي تحديد المحتوى المعارض، والمواطنين المعارضين. يضيف: “دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، من أكثر دول العالم إنفاقًا على الاستثمارات في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤكد أنَّ أحد الأسباب الرئيسية هو التستر على انتهاكاتها الواسعة في مجال حقوق الإنسان”.
ويؤكّد شيرز وجود العديد من الدوافع لدى دول الخليج لاستخدام الذكاء الاصطناعي في سياقات الأمن القومي، أمَّا تقنيًّا فيشير إلى أنَّ هذه الدوافع تعتمد بشكل كبير على تنقيح البيانات بحثًا عن المعلومات ذات الصلة، وربط أجزاء متباينة من المعلومات باستخدام خوارزميات التعلم الآلي لعمل تنبؤات احتمالية حول السلوك المستقبلي للأفراد.
ثلاث مجموعات كأدوات استبدادية
وفقًا لورقة بحثية صادرة عن المركز العربي واشنطن دي سي؛ فإنَّ الأنظمة الاستبدادية تستخدم أساليب مبتكرة للاستفادة من الأدوات الرقمية لأغراض السيطرة والقمع، والتي تم استيراد العديد منها من دول في طليعة الاستبداد الرقمي، مثل الصين وروسيا، ومن تلك التي تستثمر في مجالات المراقبة والسيطرة على السكان مثل إسرائيل.
تستشهد الورقة بالنموذج الصيني، كنموذج يطمح إليه السلطات العربية، وذلك عبر مشاريع مختلفة مثل «سكاي نت»، و«شارب آيز»، والتي تعمل الصين من خلالهما على دمج تقنيات متعددة وأدوات ذكاء اصطناعي متطورة للغاية لجمع وتحليل كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك المراقبة بالفيديو، ورسم خرائط الحركة الجسدية وجمع الصور، والتعرف على الوجه وقواعد بيانات بصمات الأصابع، ومسح الهاتف والسجلات الطبية والمالية والسلوكيات عبر الإنترنت وحتى نظام الائتمان الاجتماعي.
ويستشهد الباحث بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني بالمدن الذكية التي يتم من خلالها جمع بيانات حول استخدام الطاقة وحركة المرور، وحركة السير على الأقدام من خلال كاميرات المراقبة، ومواقع الهاتف من خلال شبكات واي فاي وشبكات الهاتف المحمول، وما إلى ذلك.
يفسّر شيرز الهدف من جمع هذه البيانات بالقول: “هذه البيانات تمنح الدول القدرة على تتبع الأفراد عبر المدن والبلدان بطرق كانت مستحيلة في السابق، ومع ذلك؛ فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم دوافع استخدامه تعتمد على جودة البيانات المجمعة، وقوة الخوارزميات المطورة، وقدرة الأشخاص الذين يستخدمونها على التعامل مع الاحتمالات التي يوفرها بوزن مناسب مقارنة بالمعلومات الأخرى”.
تشير الورقة الصادرة عن المركز العربي إلى أنَّه من خلال مبادرة طريق الحرير الرقمي، تم بالفعل تصدير مجموعة الأدوات التكنولوجية السلطوية الصينية إلى 18 دولة على الأقل، بما في ذلك بعض الدول في الشرق الأوسط: مصر والمغرب وقطر والسعودية والإمارات.
لكنّ الورقة تؤكد أنَّ دولة الإمارات تحديدًا ذهبت إلى أبعد من ذلك في بنية المراقبة الجماعية، والتي تتطلب موارد مالية وحوكمة مركزية؛ حيث اعتمدت على تكنولوجيا المدن الذكية وبرنامج «شرطة بلا رجال شرطة»، مضيفة أدوات مراقبة رقمية متطورة إلى حكم استبدادي موجود بالفعل.
يصنف مؤشر القمع الرقمي حوالي 180 دولة لاستخدامها التكنولوجيا الرقمية كشكل من أشكال القمع السياسي، ومن بين الدول العشرين الأقل مرتبة، توجد خمس دول في الشرق الأوسط: الإمارات السعودية إيران سوريا واليمن.
تشكّل صناعة التجسس الإسرائيلية النموذج المُلهم لدول الخليج، وهي الصناعة التي يتم تصديرها للخليج بقوّة منذ عقد اتفاقات إبراهيم، بين الإمارات وإسرائيل
وفي مؤشر Freedom of the Net 2021 الصادر عن Freedom House، تم تصنيف سبع دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أسوأ عشرين دولة من حيث الحرية على الإنترنت، وهي: السعودية إيران الإمارات مصر البحرين السودان وتركيا.
كما نشر موقع “أكس” أيضًا عدد الحسابات التي علقتها الشركة بين عامي 2018 و 2021 لروابط عمليات المعلومات المدعومة من الدولة، تأتي الإمارات والسعودية ومصر في المرتبة الثانية بعد الصين، من حيث الحسابات المعلقة بسبب التلاعب المدعوم من الدولة.
وصنّفت الورقة أول مجموعة، وهي استخدام دول الخليج أدوات حول الرقابة وإسكات الجمهور عبر الإنترنت، وخاصة الأصوات المعارضة، من خلال إغلاق الخدمات وتقييد الوصول إليها؛ فضلًا عن تجريم التعبير عبر الإنترنت؛ حيث استخدمت الأنظمة العربية قطع الإنترنت والشبكات لمنع الناشطين من الوصول إلى المعلومات والتواصل مع بعضهم البعض والتواصل مع المجتمع الدولي لسرد تجاربهم.
المجموعة الثانية، كما يتم استخدام الفحص العميق لِلْحِزَم (DPI) على نطاق واسع لمراقبة وإعادة توجيه وحظر تدفقات المحتوى عبر الإنترنت التي تعتبر غير مناسبة؛ على سبيل المثال، تم استخدام برامج التصفية في البحرين لحجب المواقع المرتبطة بحركات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان.
المجموعة الثالثة؛ تتضمن أدوات الاستبداد الرقمي، كتسليح منصات وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الدول والكيانات التجارية بهدف الخداع الرقمي والتلاعب وحرب التضليل؛ حيث تستخدم الأنظمة العربية مجموعة واسعة من الأنشطة الزائفة والمعلومات المضللة عن شعوبها للسيطرة على السرد والتلاعب بالجمهور، وتعزيز أفكار معينة وقادة سياسيين، كما تستخدم روبوتات تويتر والحسابات الآلية لإنتاج تغريدات مواتية لقادتها على نطاق واسع ولتضخيم وجهات نظر معينة؛ في حين تقوم باستمالة أصحاب النفوذ على وسائل التواصل الاجتماعي ورواد الموضة من أجل نشر هذه الدعاية.
مع قيادة السعودية والإمارات في منع الوصول إلى الخدمات والمعلومات وتجريم حرية التعبير، ومع القيام بعمليات تلاعب جماعية منظمة وعمليات دعائية وتصنيع الرأي العام عبر الحدود؛ فإن مستقبل حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة يبدو قاتمًا، ورغم أنَّ انتشار برامج التجسس المستهدفة والبنى التحتية للمراقبة الجماعية يجري بالفعل في العالم العربي؛ فإن هذه ليست سوى البداية.
تشير الباحثة التونسية عفاف عبروقي إلى أنَّ دول الخليج تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمال الشرطة والمراقبة»، مستشهدة بقطر التي نشرت 15 ألف كاميرا مجهزة بكاميرات التعرف على الوجه خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، وشرطة دبي التي أضافت هذه التكنولوجيا إلى سيارات الدوريات التابعة لها، وهو ما يمهّد الطريق للمراقبة واسعة النطاق والمدن حيث يتم مراقبة السكان باستمرار.
إسرائيل كملهمة للاستبداد الخليجي
تشكّل صناعة التجسس الإسرائيلية النموذج المُلهم لدول الخليج، وهي الصناعة التي يتم تصديرها للخليج بقوّة منذ عقد اتفاقات إبراهيم، بين الإمارات وإسرائيل، كلاعب أساسي في الاستبداد الرقمي؛ حيث تعتمد قدراتها السيبرانية على تقنيات تستهدف اختراق الأجهزة الشخصية، واعتراض قنوات الاتصال الخاصّة؛ إذ تستخدم الدولة الصهيونية تقنيات مراقبة متطوّرة ضد الفلسطينيين لجمع المعلومات من خلال فحص الخطوط الأرضية والهواتف الذكية والرسائل النصيّة.
تشدد عبروقي على أنَّ قيادة إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي- رغم الانطلاق الإقليمي البطيء لتقنيات الذكاء الاصطناعي لجهود تبنّي تقنياته؛ وخاصة في مجالي الشرطة والمراقبة؛ يشكّل تحديات إضافية لحركة الحقوق الرقمية في المنطقة، التي تعاني بالفعل من ضغوط كبيرة، بالإضافة إلى تشكيلها مخاطر جسيمة على حقوق الإنسان.
ويدّل بيغاسوس – البرنامج الإسرائيلي المتخصص في المراقبة والتتبع والتجسس- أنَّ الشركات الإسرائيلية تبيع تقنيات برامج التجسس بشكل أساسي لاستهداف الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، وهو ما يعتبر نقطة الالتقاء الأساسية بين الأنظمة المستبدة في دول الخليج والدولة الصهيونية، ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو اختراق السعودية والإمارات لقنوات الاتصال التي كان يستخدمها جمال خاشقجي، قبل مقتله في القنصلية السعودية بإسطنبول.
يمكن لآليات الأمم المتحدة أن تلعب دورًا بارزًا في ضمان الاستخدام الآمن لتطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي، التي لا تنتهك الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين، بما في ذلك الحقوق الرقمية.
أيضًا، حاكم دبي ونائب رئيس الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، الذي قالت المحكمة العليا في إنجلترا بأنّه أمر باستخدام «بيغاسوس»، بغية اختراق هاتف زوجته السابقة، الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين الأخت غير الشقيقة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وفريق محاميها، وهواتف بعض المقربين منها، أثناء نزاعٍ قضائي على حضانة أطفالهما؛ في إطار حملة ترويع وتهديد مستمرة لهم.
يعقّب شيرز بأنَّ: الإمارات تتمتع بتعاون منفتح للغاية مع إسرائيل في مجال الأمن السيبراني منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، بما في ذلك الظهور المشترك في المؤتمرات والسفر الاستثماري، وزيادة المبيعات بشكل كبير وتبادل المعلومات، ورغم أنه ليس لدى المملكة العربية السعودية تعاون رسمي، ولكن من المحتمل أن يكون هناك تعاون خلف الكواليس مع الشركات الإسرائيلية – وربما الوكالات الحكومية في مسائل الأمن السيبراني.
ويتابع شيرز: “إنَّ التكنولوجيا وخاصة التقنيات الرقمية والأمن السيبراني تشكّل حافزًا رئيسيًّا للتحالف الإماراتي الإسرائيلي؛ فمن وجهة نظر إسرائيل يُعدّ قطاع التكنولوجيا أصلًا اقتصاديًّا رئيسيًا للتصدير، لذا فإن الاستثمار الإماراتي وشراء التقنيات الإسرائيلية مفيد تجاريًا؛ أمّا من وجهة النظر الإماراتية؛ فإنَّ إسرائيل تمتلك تقنيات تجارية رائدة عالميًّا يمكنها تحسين أمن الإمارات؛ فضلًا عن بيانات مهمة حول التهديدات الجيوسياسية مثل إيران، ويعتبر تبادل المعلومات والدفاعات ضد مثل هذه التهديدات يعزز التحالف الإماراتي الإسرائيلي.
غياب الشفافية وحماية المواطنين
تؤكد عبروقي على غياب القوانين القوية لحماية الخصوصية والبيانات الشخصية في المنطقة، والتي لا تزال هناك مخاوف بشأن كيفية استخدام البيانات المجمعة، ومن يمكنه الوصول إليها، ومع من تتم مشاركتها، ومدة تخزينها، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الافتقار إلى آليات المساءلة أمر مثير للقلق بسبب عدم وجود مؤسسات مستقلة مثل السلطة القضائية وسلطات حماية البيانات.
بينما يبدو لرئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان أنَّ النفق المظلم ليس له نهاية، أو لن يكون في نهايته بصيص نور؛ فهو يشدد على أنَّ مواطني دول الخليج لن يتمكنوا من حماية أي انتهاكات لحقهم في الخصوصية؛ إلا من خلال تشريعات واجبة النفاذ تنظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي، “وهذا ما يجب علينا جميعا أن نعمل عليه”. على حد قوله.
لكن يوضّح إبراهيم “أنَّه في ظل غياب الشفافية، وعدم تمكن معظم دول الخليج من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فإن المسؤولية تقع على عاتق الآليات الدولية، بما فيها النظام الأمريكي لمراقبة هذه الاستخدامات، والتأكد من عدم حدوث أي مساس بحقوق الإنسان»، ويضيف: «يمكن لآليات الأمم المتحدة أن تلعب دورًا بارزًا في ضمان الاستخدام الآمن لتطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي، التي لا تنتهك الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين، بما في ذلك الحقوق الرقمية.