في ظل تنامي ظاهرة “الاحتضان” على المستوى العربي والعالمي، تشهد المجتمعات الخليجية تطورات متسارعة في الوعي بالحقوق والمسؤوليات المرتبطة بالأسرة والطفل “المحتضن” على المستوى النفسي والتربوي والاجتماعي والتشريعي.
يهدف الاحتضان لدمج الأطفال من فاقدي الرعاية الوالدية مجتمعيًا، من خلال النشأة في كنف أسرة تتولى رعايته، وتوفر له مستقبلاً وحياة كريمة بشكل مستدام كأحد أبنائها؛ ففي المملكة العربية السعودية، البلد الأكبر من حيث المساحة والتعداد السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي، تتجاوز أعداد الأسر المُحتضنة التسعة آلاف، وفقًا للإحصاءات الرسمية، ويومًا بعد آخر تتسع قاعدة الأسر المحتضنة في كافة دول الخليج.
ورغم المجهود المبذول من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، والمبادرات الفردية، ما تزال هناك العديد من التحديات المتعلقة بقضية “الاحتضان” للأطفال فاقدي الرعاية الوالدية.
تجربة الاحتضان
تقول لطيفة عبد الله، وهي ابنة مُحتضَنة من دولة الإمارات العربية المتحدة: “تجربتي في الاحتضان كانت متناقضة نوعًا ما، جميلة وقبيحة أيضًا؛ فالنقاط القبيحة بها كانت كثيرة ولا أحبذ ذكرها بالتفصيل، ولكن بصورة عامة؛ فقلة الوعي لدى الأم الحاضنة عن التربية، الأنظمة والقوانين ونظرة المجتمع، ومع ذلك أنا أشعر بالامتنان لهذه التجربة ولقدري الذي كتبه الله، منذ صغري كنت أعلم بكوني محتضنة؛ فكانت والدتي الحاضنة -رحمها الله- حريصة على أن تخبرنا بأننا مُحتضنون، وأنها أمنا بالتربية وليس بالولادة”.
وتضيف في حديثها لـ”مواطن“: “أدعم الاحتضان بشرط أن يكون في نطاق احترام الطرفين وحقوقهم بالمساواة، وليس سيادة الطرف الحاضن على الطرف المُحتضن؛ فيجب على الطرفين أن يجعلوا أساس العلاقة الصدق والاحترام والأمانة، وضرورة أن يحترم الأهالي الحاضنون خصوصية الطفل المحتضن ورغباته واختياراته، بالاضافة إلى إدراك العائلة الحاضنة بأن الطفل المُحتضن ليس ملكهم، وأن يكونوا مستعدين للإجابة عن تساؤلاته، وأن يكون لديهم استعداد ورغبة في البحث والتعلم لتقديم أفضل تجربة للطفل/ة المُحتضن”.
تنتمي لطيفة لعائلة بها العديد من الأطفال المُحتضنة من مراحل عمرية وأجيال مختلفة، تُكمل: “كنت أول طفلة مُحتضنة في العائلة، ثم قامت أمي باحتضان طفل آخر يكبرني بسنتين تقريبًا، وبعدها بسنوات قررت أختي الكبرى، الابنة البيولوجية لأمي الحاضنة، احتضان طفلة صغيرة، بعدها بعامين احتضنت أمي طفلة أخرى، لنصبح ثلاثة محتضنين في عائلة واحدة، والعلاقة بيننا كأخوة مُحتضنين، أو بيولوجيين جميلة والحمد لله”.
ترى لطيفة أن هناك الكثير من الحقوق المستحقة للأطفال المُحتضنين، يتم التغافل عنها لظروف قد تكون خاصة أو عامة، ومن تجربتها كمُحتضنة تشاركنا بعض المقترحات التي يمكن أن يكون لها مردود إيجابي على الطفل المحتضن، وبالتبعية على الأسرة المحتضنة والمجتمع ككل. ترى لطيفة أهمية تغيير مسمى “مجهولي النسب”، والذي له تأثير عميق على المحتضنين وغير المحتضنين، وأهمية وجود قانون واضح يحمي الأبناء المحتضنين من الأهالي التي قد تسيء إليهم بالكلام أو الاعتداء الجسدي أو أي صورة أخرى، وأن يكون الحكوميون المسؤولون عن فئة المُحتضنين هم أيضًا من نفس الفئة، لأنهم سيكونون قد مرّوا بنفس التجربة، ويستطيعون فهم مشاعرنا. كما ترى لطيفة ضرورة أن توفر الدولة رعاية نفسية وأخصائيين نفسيين معتمدين لكل طفل مُحتضن حتى يبلغ سن الرشد، وأن يتم التعامل مع المحتضنين كأي فئة أخرى في المجتمع دون استثناء.
الاحتضان والتبني
ماذا يعني الاحتضان؟ وما الفرق بين الاحتضان والتبني؟ ولماذا تدعم الشريعة الإسلامية مفهوم الاحتضان وتنهى عن التبني؟ وما الخطوات والإجراءات التي لابد للأسرة أن تجتازها لتكون مؤهلة للاحتضان؟ وإلى أي مدى تختلف التشريعات والقوانين والقواعد المنظمة لعملية الاحتضان من دولة خليجية لأخرى؟
بقدر ما تفتخر الثقافة العربية/القبلية بالعائلة والنسب، والحرص على حسن الاختيار في علاقات المصاهرة، إلا أن ذلك لم يمنع العرب قديمًا من “التبني”، وأشهرهم في ذلك هو زيد بن حارثة الذي تبناه النبي محمد، حتى نزلت الآية القرآنية “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله” من سورة الأحزاب التي تنهى عن التبني، وما تبعها من تغير في الثقافة المجتمعية العربية والإسلامية التي كانت تستسيغ التبني كإحدى الطرق للأمومة والأبوة.
“التبني” لغويًا كلمة مشتقة من الفعل “بَنَوَ”، والبنوة مصدر الابن، يقال: ابن بيّن البنوة، ويقال: تبنيته أي ادعيت بنوته، وتبناه: اتخذه ابنًا. ويُعرف التبني شرعًا: “هو نظام اجتماعي بمقتضاه يقوم شخص هو المتبنِّي بضمّ أو إلحاق شخص معروف النسب أو مجهول النسب يسمى المتبنَّى؛ فيكون له كل الحقوق وعليه كل الالتزامات التي تقوم بين الأب والابن من حيث النسب والنفقة والولاية والحضانة والطاعة، والميراث”، وفقًا لما ورد في تعريف الموسوعة العربية السورية، وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في عدد من فتاواها، من ذلك فتاواها رقم (٥٣)، ورقم (٦٠٠٦)، ورقم (٣٠٠٠)، ورقم (٣١٤٩) (٣). بأنه لا يجوز أن يتبنى أحد أجنبيًا عنه ويلحقه بنسبه كأحد أولاده أو بناته؛ بحيث يكون له نفس حقوق الأبناء الشرعية.
أما “الاحتضان” فيعرف بعدة تعريفات تدور معظمها حول فكرة اتخاذ طفل فاقد للرعاية الوالدية كابن، بدون أن يثبت له الحق في الميراث الشرعي أو النسب؛ حيث تنهى الشريعة الإسلامية عن اختلاط الأنساب، ويعيش الطفل المحتضن مع أبويه بالاحتضان حياة كاملة، مع وجود متابعة دورية من الجهات المعنية لحياة الطفل داخل الأسرة، بعد استيفائها لمجموعة من الإجراءات والشروط التي تختلف من دولة خليجية لأخرى، وتعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول تشددًا في شروط الاحتضان؛ حيث تشترط بشكل رئيس ألا يتجاوز عمر الزوجة الخمسين عامًا، وأن تكون لديها الصلاحية لإرضاع الطفل خمس رضعات مشبعات للأطفال الذين هم دون عمر العامين، أو أن يتم ارضاع الطفل من إحدى قريبات الأسرة الحاضنة.
معضلة الرضاعة
يُعد الإرضاع أحد المخارج الشرعية التي تبيح تقبل حياة الطفل المُحتضَن بداخل الأسرة المسلمة؛ فبمجرد وصول الطفل المُحتضَن لمرحلة البلوغ يُصبح أجنبيًا عن الأسرة، وبالتالي إن كان ولدًا يحرُم تواجده في منزل واحد مع الأم، وكذلك الحال بالنسبة للفتاة في علاقتها مع الأب، لذلك يقدم الإرضاع كمخرج شرعي لهذه المعضلة، وفقًا للفتوى رقم 25191 الصادرة عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والتي تنُص على “جواز إرضاع الأم الحاضنة للطفل المَحتضَن؛ سواء كانت متزوجة أو مطلقة أو أنسة، طالما تم ذلك في العامين الأولين من عمره، ورضع الطفل خمس رضعات مشبعات”.
تمنح الرضاعة الطفل/ة المُحتضَن هوية جديدة على المستوى الشرعي؛ فيصير الطفل المُرضع كما لو أنه طفل بيولوجي من حيث التحريم على الأم الحاضنة وأسرتها، وكذلك الأب وأسرته، وبالتالي يُباح وجودهم في المنزل حتى بعد مرحلة البلوغ، ويرفع عنهم الكثير من الحرج الشرعي والمجتمعي، لكنهم لا يرثون مثل الأبناء البيولوجيين، وبقدر ما قد يبدو الشرع مجحفًا -في نظر البعض- في هذه النقطة المرتبطة بالميراث، إلا أنه يحمي الطفل المُحتضَن من الدخول في صراعات الميراث، كما يجيز الشرع للآباء والأمهات الحق في أن يُوصوا للطفل المُحتضَن بما لا يزيد عن الثلث من ثروتهم في أثناء حياتهم، فيما يعرف شرعًا بالحق في “الوصية”.
بقدر ما تمنح فكرة إرضاع الأم للطفل المحتضن مخرجًا شرعيًا لدمج الكثير من الأطفال داخل الأسر الخليجية، إلا أنها تستبعد فئات أخرى ممن تجاوزت أعمارهم/ن العامين؛ في محاولة لحل هذه المعضلة أفتى العديد من العلماء ورجال الدين بجواز إرضاع الأطفال الأكبر سنًا، ومنها فتوى الشيخ عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
وجاء في نص الفتوى: “كفالة مجهول الأبوين أعظم أجرًا من كفالة اليتيم، وذلك لأن مجهول الأبوين لا أقارب له على عكس اليتيم قد يكون له أهل؛ ولمجهول الأبوين أشد حاجة للأهل والإحسان له أعظم أجرًا من اليتيم، ولذا يجوز إرضاع الطفل المُحتضَن ولو كان عمره خمس أو سبع سنوات نظرًا لوضعه، كما حدث في حديث سالم مولى أبي حذيفة الشهير، والذي أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجة أبي حذيفة بإرضاعه رغم كبر عمره”.
بقدر ما تمنح فكرة إرضاع الأم للطفل المحتضن مخرجًا شرعيًا لدمج الكثير من الأطفال داخل الأسر الخليجية، إلا أنها تستبعد فئات أخرى ممن تجاوزت أعمارهم/ن العامين
تواجه الأسر المحتضنة تحديًا آخر فيما يخص الرضاعة الطبيعية؛ فالمتعارف عليه أن يتزامن إدرار اللبن من ثدي الأم مع الحمل والولادة، وفي حال لم تمر الأم المُحتضِنة بالحمل ولا الولادة؛ فتواجه صعوبات في إدرار اللبن، لكن مع تطور الطب والمتابعة والرعاية الصحية الجيدة تستطيع الكثير من النساء تجاوز هذه العقبة طالما لا يوجد مانع طبي في ذلك.
تحكي نرجس عن تجربتها، وهى “أم إماراتية حاضنة” مع الرضاعة الطبيعية، قائلة: “الطب تطور عندنا، أول شيء يتم فحص كامل للجسم، وبعد ذلك فحص هرمون الحليب في الجسم، وتعديل نظام الأكل؛ حيث كنت أكل يوميًا حلاوة طحينية، مع أخذ بعض الأدوية المدرة للحليب كحبوب الحلبة، وحبوب اللوعة، وحقن هرمونية لإدرار الحليب، مع التأكيد على الاستمرار في شفط الحليب لتجميع الخمس رضعات، وبذلك أرضعت ابنتي عائشة، ولا أنسى الدعم الذي قدمته أخت زوجي أم هزاع”.
وتضيف في حديثها لـ”مواطن“: ؛حينما قررت أخذ خطوة الاحتضان كنت في الولايات المتحدة الأمريكية، وشجعتني عليها أختي أم روضة، وبترحيب من أسرتي، الاحتضان كان أمنيتي منذ الصغر، بالإضافة إلى رغبتي في ثواب كفالة الطفل اليتيم، احتضنت ابنتي عائشة وهي بعمر شهرين من هيئة المجتمع في دبي، وتختلف بعض الإجراءات والقوانين من إمارة لأخرى؛ فمثلًا تتيح إمارة دبي تغيير الاسم الأول للطفل، وهو ما حدث مع طفلتي حيث غيرت اسمها من “فديت” لعائشة.
مرت نرجس بعدة فحوصات واختبارات نفسية لدى تقدمها بطلب الاحتضان، بالإضافة إلى استيفائها لبعض الشروط اللازمة للاحتضان في دولة الإمارات، وذلك وفقًا لأحكام القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2012 في شأن رعاية مجهولي النسب، ومنها: أن تكون الأسرة المقبلة على الاحتضان مسلمة ومقيمة في الدولة، وألا يقلّ عمر الزوجين عن 25 عامًا، ولا عن 30 عاما للمرأة الوحيدة.
واقع جديد
تحظى زينة بدر سلطان بن عيسى بشهرة واسعة في مجتمعات الاحتضان العربية بحكم خبرتها الشخصية كأم حاضنة لثلاثة أبناء، وقراءتها واطلاعها واهتمامها المستمر بقضية الاحتضان، وبجانب مجهودها الفردي أسست مبادرة عمل جماعية في دولة الكويت تحت مسمى “جذور” لدعم الأمهات والأطفال في الأسر المحتضنة، وتقدم دورات وبرامج لدعم وتأهيل الأسر المقبلة على خطوة الاحتضان، مؤكدة على أنه بقدر أهمية المعرفة والاطلاع، إلا أن كثيرًا من الخبرات التي اكتسبتها مصدرها الأساسي التعامل المباشر مع الأطفال والأسر المحتضنة في دول الخليج، والعمل المجتمعي مع دور الرعاية.
تخبرنا زينة سلطان بأنها “قدمت عبر تطبيق زووم دورات وتدريبات للأسر المقبلة على خطوة الاحتضان في كثير من البلدان العربية، عن الأسس والخطوات الجوهرية في مسيرة الاحتضان، وتتضمن سبعة محاور أساسية لمشاعر ومراحل يمر بها الطفل المحتضن على المستوى النفسي والاجتماعي، وكيفية التعامل مع كل مرحلة وهي: الإحساس بالفقد، والإحساس بالرفض، والإحساس بالخجل والعار، والإحساس بالحزن، صعوبة تكوين الهوية، صعوبة في الحميمية بالعلاقات، التركيز على التمكن والسيطرة.
وتضيف في حديثها لـ”مواطن“: “النظرة المجتمعية للاحتضان والأطفال المُحتضنين تغيرت كثيرًا عما مضى؛ فصار هناك وعي أكبر بالاحتضان في المجتمعات العربية، والأمهات أصبحن أجرأ، وصِرن يتكلمن ما يستحيون. قديمًا كان الاحتضان سرًا وكانوا يخبئون أولادهم المُحتضنين، الآن ما عاد، صاروا فخورين بأولادهم وبأنفسهم”.
تكمل حديثها عن أبرز التحديات التي تواجه الطفل والأسر الحاضنة في دولة الكويت بقولها: “المجتمع الكويتي مجتمع قبلي فيه عنصرية، لذلك تتباين نظرتهم للابن/ة المُحتضن في مراحله العمرية المختلفة؛ ففي السن الصغير يعطفون عليه، وفي مرحلة المراهقة يراقبونه ويعاملونه بحذر، وحينما يصير كبيرًا يحترمونه لكن ما يزوجونه، لذلك نحتاج للكثير من المجهودات لزيادة الوعي المجتمعي تجاه قضية الاحتضان”.
تشير الدراسات النفسية لأهمية مصارحة الطفل المُحتضن بأنه من فاقدي الرعاية الوالدية، وليس ابنًا بيولوجيًا للأسرة، ويكون ذلك بالتدريج وبالاستعانة بالقصص والحكايات والأنشطة المجتمعية
تتأمل زينة رحلتها مع العمل المجتمعي مشيرة إلى ندرة الأبحاث، والدراسات، والمراجع العربية المرتبطة بقصص، وخبرات، وإرشادات تتعلق بالاحتضان، تقول: بحكم حبي للقراءة والاطلاع كنت أبحث عن الكتابات المتعلقة بالاحتضان باللغات الأجنبية، وكنت أسأل نفسي إلى أي مدى يمكننا الاستفادة منها في مجتمعاتنا العربية، ولاحظت من خلال التعامل المباشر مع الأطفال والأسر المحتضنة، وجود تشابهات كثيرة على المستوى النفسي والتربوي والاجتماعي، رغم اختلاف الثقافة واللغة؛ إنها ذات القصص والحكايات والمشاكل تتكرر.
وحول دور مؤسسات الدولة في حياة الطفل فاقد الرعاية الوالدية بالكويت تقول زينة: “الطفل المحتضن يأخذ الجنسية الكويتية، ويصير له راتب من الحكومة، ويتم ادخاره له لحين ما يبلغ عمر ثمانية عشر عامًا، وحينها يستلم مبلغ محترم يساعده، والحكومة لا تتخلى عنه، ويساعدونه فيما يحتاج كسلفة وغيره؛ فالوزارة عندنا تقدم الدعم لكافة الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية”.
تُشير زينة إلى أنه رغم هذه المجهودات هناك العديد من التحديات التي تواجه الأم الحاضنة وطفلها: “أنوه بأنه لا توجد إجازة أمومة للأم الحاضنة من عملها مثل الأم البيولوجية، وهي هامة جدًا لأنها تحتاجها؛ لكي تتعرف على الطفل وتتأقلم على روتين حياتها الجديد؛ خاصة بعد وجود طفل مسؤول منها، وكذلك من الأشياء التي يعاني منها الطفل المحتضن هي شهادة الميلاد حيث تترك فارغة البيانات.
الصداقة والمصارحة
في يوم 9 نوفمبر من كل عام يُحتفل باليوم العالمي للتبني على المستوى العالمي، وفي الدول العربية يسمى يوم الاحتضان، للتشجيع على احتضان الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، وجاء اختيار هذا اليوم رغبة من داعمي التبني في ولاية لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 في تخصيص يوم للتبني، وذلك حينما لاحظوا عدم وجود يوم عالمي للاحتضان؛ فقرروا أن يكون يوم التاسع من نوفمبر هو اليوم العالمي له، واختاروا رمز الوجه المبتسم ليكون شعارًا للتبني/الاحتضان.
في الدول الخليجية تحرص المؤسسات والأفراد الفاعلة في مجال الاحتضان بتنظيم العديد من الفعاليات، وحملات التوعية بالاحتضان في التاسع من 9 نوفمبر من كل عام بالتزامن مع اليوم العالمي للتبني/الاحتضان؛ في هذا السياق تشير زينة بن سلطان إلى أهمية الحضور المتزايد والمستمر لهذه الأنشطة والفعاليات في المجال العام، بحيث تخفف من مشاعر الوحدة أو الاغتراب التي قد يشعر بها الطفل أو الأسر المحتضنة، وكذلك تعمل على تغيير الثقافة والسلوكيات المجتمعية في التعامل مع كل ما يخص الطفل والأسر الحاضنة.
تشير الدراسات النفسية لأهمية مصارحة الطفل المُحتضن بأنه من فاقدي الرعاية الوالدية، وليس ابنًا بيولوجيًا للأسرة، ويكون ذلك بالتدريج وبالاستعانة بالقصص والحكايات والأنشطة المجتمعية، وتحذر زينة بنت سلطان من الفكرة الشائعة بأن الأطفال المحتضنة غالبًا ما تشبه الأباء والأمهات الحاضنين بحكم الصدفة أو العشرة والتربية قائلة: “هذه المقولات والأفكار الخاطئة تبدو من الخارج لطيفة وتدغدغ مشاعر الأسر، لكنها تترك أثرًا سلبيًا كبيرًا على تطور شخصية ونفسية الطفل المُحتضن، لأنه مستحيل يكونوا شبههم، ممكن يكون في تشابه في طريقة الكلام التصرفات لكن الشكل محال، وحتى لو افترضنا وجود تشابه في الملامح علينا ألا نركز عليها، ونعمل على تعزيز استقلالية الطفل واعتزازه بذاته وهويته الشخصية الخاصة”.
وتضيف: “في قصة أقولها للأمهات عن الاحتضان وأتمنى أن يمرروها لأبنائهن، أنا لست مثل عينك.. شوف الدنيا مثل ما أنت تشوفها، وأؤكد عليهن مرارًا، أن دورنا الأساسي كأسر مُحتضنة هو تشجيع الأطفال على أن يكتشفوا أنفسهم بحرية ودون وصاية، ندعمهم ليكونوا أشخاصًا مستقلين لا نسخًا أخرى منا، لذا حينما تقول لي إحدى الأمهات ابني يشبهني، أقولها ما تصدقين انتي مو شبهه، مش مهم انتي شو تشوفين، المهم ما يراه الطفل”.
في هذا الصدد تشير الكاتبة والشاعرة الإماراتية صالحة غباش مؤلفة كتاب “أنا لا أشبه أمي“، وهو عبارة عن حكايات وقصص تهدف للتوعية بقضية الاحتضان، إلى أهمية الكتابة، والفنون بمختلف أشكالها، وكذلك البرامج الإعلامية في التوعية بقضية الاحتضان ودعم الأطفال والأسر الحاضنة: “اكتشفت أن هناك كثيرًا من الأمهات المحتضنات كن في حاجة لمثل هذه القصص، وسعدت بطلب أعداد منها خاصة في دول الخليج. هذه القصة وأمثالها داعمة للأم المحتضنة حين يتطلب منها مصارحة الطفل، أو الطفلة بوضعها في الأسرة حتى لا يأتي المستقبل بأحداث ومفاجآت لن تكون في صالحهما معًا، كما أنها داعمة للجانب النفسي للطفل؛ فيشعر بأن هذه القصة تعبر عنه وتمثله، وبالتالي فهناك سواه يعيش هذا الواقع، مما يجعله مطمئنًا لطبيعة هذا الأمر؛ خاصة في ظل أسرة تحتضن بحب وحنان”.
وتكمل صالحة غباش رئيس المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية في حديثها لـ”مواطن“: “فكرة الكتاب جاءت من إحدى الصديقات التي تحتضن طفلتين، واشتكت لي باعتباري كاتبة للأطفال وصاحبة دار نشر لكتب الأطفال، من عدم وجود كتب عربية خاصة تسلط الضوء على هذه الفئة من مجتمعاتنا؛ فوضعت الفكرة معها، بل وشاركت ابنتيها في صياغة الفكرة وتفاصيل القصة؛.
وتختتم حديثها قائلة: “تدور أحداث القصة بين الواقع والخيال؛ فالخيال يحبه الأطفال كما أنه يصل بالقارئ؛ خاصة الطفل، إلى موضوع القصة بصورة بسيطة وممتعة على مستوى الفكر والوجدان، والجزء الخيالي في القصة تمثله النجمة الصغيرة الوحيدة في السماء؛ حيث تقوم الأم الحاضنة بعمل مقاربة بين الحالتين: حالة النجمة الصغيرة (الخيال)، وبين صغيرتها المُحتضنة في (الواقع)، مع وجود نجمة أكبر تشع نورها على بعد من الصغيرة، والسؤال المركزي في القصة: لم لا تجتمع النجمتان وتعيشان معًا في فضاء يوحدهما؟ فتزدادان نورًا مع توحد نورهما في مكان واحد؟ وهذا الفضاء هو البيت الذي يجمع الأم الحاضنة وابنتها المُحتضنة، وهكذا تصبح الفكرة مقبولة للأطفال بعد حوار هادئ بين الأم والطفل/ة المُحتضنة”.
Thank you for your sharing. I am worried that I lack creative ideas. It is your article that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me?