نشرت هذه المادة بالاتفاق مع ”رصيف 22“
تتراص على جانبي الشوارع في المدن الكويتية وخارج الحيّز العمراني، الأشجار والنباتات المتنوعة الوارفة الظلال، التي تزيّن الطرقات وتكسوها بحلة خضراء لم تكن موجودةً بهذه الكثافة من قبل، وهي تعكس جهود الحكومة الكويتية على مدى سنوات منصرمة من أجل مكافحة تغيّر المناخ والحفاظ على البيئة. وفي ظل عملية التشجير على نطاق شامل، أنشأت الدولة عدداً من المحميات الطبيعية بهدف تحقيق التوازن البيئي وتلطيف الجو.
وتُعدّ الكويت واحدةً من أكثر بلدان العالم حرارةً، وأشدها تأثراً بالتغير المناخي، وتشير دراسات إلى أن خطر الاحتباس الحراري وتدنّي جودة الهواء وغيرهما من المؤشرات، تستدعي تحركات عاجلة للتكيف مع المخاطر البيئية المقبلة.
وتتميز الكويت بمناخ حار وجاف مع ندرة هطول الأمطار، وتستمر رياح الصيف الحارة والجافة على مدار الجزء الأكبر من العام، لذا تكون أشهر الصيف جافةً وحارةً جداً، بدءاً من آذار/ مارس وحتى تشرين الأول/ أكتوبر، وتتراوح درجات الحرارة من 42 إلى 46 درجةً مئويةً، وتصل في شهر آب/ أغسطس إلى 53 درجةً، بينما في فصل الشتاء تتراوح الحرارة بين 7 درجات و17 درجةً.
وتعتمد المصادر الحالية لإنتاج الطاقة في الكويت بشكل شبه كامل على منتجات النفط والغاز الطبيعي، وتستهلك محطات إنتاج الكهرباء والماء 70% من النفط ومشتقاته، بينما تأتي الـ30% المتبقية من الغاز الطبيعي، كما يعتمد قطاع المواصلات على المشتقات النفطية السائلة بنسبة 100 في المئة، وهو أمر تسعى الكويت إلى تقليصه وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة.
وفي حين تبدو جهود الدولة كبيرةً في هذه المجالات، يرى البعض أنها لا زالت غير كافية، وأن الكويت تمتلك الكثير من الموارد التي تخوّلها التصدي بكفاءة للتغيّر المناخي، لكن السياسات البيئية التي تضعها لا تزال غير جدية كفايةً على مستوى التخطيط والتنفيذ.
التشجير والعواصف الترابية
أعلنت الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية عن مشروعات عدة لزيادة التحريج في أكثر من منطقة في الكويت، وتمت زراعة عشرات الآلاف من النباتات والأشجار حتى الآن.
تُعدّ الكويت واحدةً من أكثر بلدان العالم حرارةً، وأشدها تأثراً بالتغير المناخي.
ويشير خبير الأرصاد الجوية، خالد الشعيبي، في حديثه إلى رصيف22، إلى أن تطبيق الحزام النباتي يشتمل على منحيَين: الأول هو التشجير ويُقصد به زراعة الأشجار العالية، والثاني هو التحريج أي زراعة الأشجار الصغيرة ومتوسطة الارتفاع بهدف تقليل زحف الرمال والغبار والأتربة بفعل الرياح، مستدركاً أن هذه الطريقة تقلل من آثار الرياح المحمّلة بالغبار، إذ تعمل مثل هذه الأشجار كمصدّات وحواجز للرياح.
من جهة أخرى، يتكرر حدوث العواصف الترابية بين شهري أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر من كل عام في الكويت، ويمكن أن تصل سرعتها إلى 100 كيلومتر في الساعة.
ويستكمل الشعيبي: “جميع المنشآت التي تقع خارج المناطق السكنية تعاني من زحف الرمال، وتالياً يساهم الحزام النباتي في تلطيف المناخ والجو وتعديلهما في المناطق السكنية وغير السكنية”.
ويشير الشعيبي، إلى أن مسألة التشجير مكلفة نوعاً ما، لأنها تتم أحياناً في نطاق جاف، وهذا يحتاج إلى تربة مجهزة بطريقة خاصة تناسب عملية التشجير وتوصيل مياه الري إليها، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن الفائدة من التشجير كبيرة جداً وتظهر بشكل غير مباشر من خلال امتصاص الكربون الذي يؤدي إلى ارتفاع الحرارة.
وينوّه المتحدث بدور خبراء الأرصاد في مسألة التشجير خارج نطاق المناطق السكنية، إذ تتم الاستعانة بهم لمعرفة طبيعة المناطق التي يراد تشجيرها، ونوع الرياح وسرعتها في هذه المناطق، حتى تُزرع النباتات التي تكون ملائمةً للمناخ والتربة، ويوضح أن التشجير يساهم في تقليل الغبار بنسبة قد تصل إلى 60 في المئة، خاصةً خارج المناطق السكنية.
المحميات الطبيعية
يلتقط الناشط البيئي الدكتور خالد العنزي، الحديث ويقول: “أنشأت الكويت عدداً من المحميات الطبيعية لتقليل أخطار التصحر والانبعاثات الغازية من خلال مصافي البترول والمعامل، وأدت مثل هذه الجهود إلى تقليل الملوثات من العوادم الموجودة في محطات البترول”.
ويوضح في حديثه إلى رصيف22، أن الكويت أصدرت قانوناً عام 2014 يحمي جميع البيئات البحرية والبرية وغيرها، بما يخدم البشرية في التخلص من الملوثات، كما أنها انضمت إلى عدد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وتتابع الهيئة العامة للبيئة التوصيات الخاصة بالاتفاقيات والبروتوكولات البيئية، من أجل ضمان حماية البيئة ومكافحة تغيّر المناخ.
تطبيق الحزام النباتي يشتمل على منحيَين: الأول هو التشجير ويُقصد به زراعة الأشجار العالية، والثاني هو التحريج أي زراعة الأشجار الصغيرة ومتوسطة الارتفاع بهدف تقليل زحف الرمال والغبار والأتربة بفعل الرياح
ويبيّن الناشط أن الكويت بدأت منذ سنوات بتنفيذ مشاريع عدة من أجل الحفاظ على البيئة وخلق توازن بيئي، من خلال تشجير عدد من المحميات الطبيعية، ويشير إلى أنه خلال السنوات العشر القادمة ستشكل المحميات الطبيعية 20 في المئة من أرض الكويت. ويضيف: “حسب الخطة الموضوعة تتم زراعة نحو 200 ألف شجرة مثل السدر والنخيل وغيرها كل عام في كل محمية تقريباً، ووصلت نسبة التشجير إلى نحو 10 في المئة في المحميات”. ومن المتوقع بحسب العنزي، أن تزداد نسبة التشجير في الكويت لتصبح نحو 20 في المئة من مساحة الدولة بحلول عام 2030.
وفي الكويت 12 محميةً تمثل تقريباً 12 في المئة من مساحة الدولة، منها ثماني محميات برية هي محمية الخويسات، ومحمية صباح الأحمد الطبيعية، ومحمية خليج الصليبيخات، ومحمية أم نقا، ومحمية أم قدير، ومحمية وادي الباطن، ومحمية الهويملية، ومحمية سعد، ومحميتان بريتان مصنَّفتان تحت مسمى “مسيجة إيكولوجية”، بالإضافة إلى محميتين بحريتين هما محمية مبارك الكبير ومحمية الصليبيخات البحرية.
وبسؤاله عما إذا كانت الجهود الحالية كافية أم لا؟ أجاب العنزي: “الجهود كافية في الوقت الحالي حسب ما هو مخطط له، إذ إنها تحافظ على التربة الكويتية وتقلل المناطق المثيرة للغبار لأن التربة في الكويت هشّة”.
التحول نحو الطاقة البديلة
يشير الخبير خالد الشعيبي، إلى أن الكويت تسعى إلى إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية وذلك في قطاع المباني السكنية الجديدة التي توزَّع على المواطنين، فضلاً عن عملية التشجير التي تهدف إلى امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدي إلى تعديل المناخ، لكن مشروع الطاقة الشمسية لم يُطبَّق حتى الآن على نطاق واسع بحسب رأي ناشطين بيئيين.
وفي هذا الصدد يضيف العنزي: “بدأت الكويت بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، لكن الأمر ما زال في نطاق ضيق، ويتم في بعض الوزارات“، وأضاف أن الدولة استجلبت محطات طواحين الهواء لتوليد الطاقة وبيعها للأفراد، ومن المتوقع أن تزيد هذه الطاقة خلال السنوات القادمة، لافتاً إلى أن توليد الطاقة الشمسية على نطاق أوسع يحتاج إلى مزيد من الدراسة والوقت والجهد.
بالإضافة إلى جهود الدولة في هذا الإطار، تشهد البلاد تجارب فرديةً لاستخدام الطاقة الشمسية على نطاق صغير، وسجلت بعض هذه التجارب نجاحاً إذ باتت بعض المنازل تعتمد بكاملها على الطاقة الشمسية للحصول على حاجتها من الكهرباء.
مع كل هذه الجهود، تذكر بعض التقارير أن التحول الكويتي إلى طاقة نظيفة هو الأدنى خليجياً، إذ تتلخص خطط الكويت في هذا السياق، بتوليد 15% من إجمالي مزيج الطاقة لديها من خلال الطاقة النظيفة بحلول عام 2030، مقارنةً مع 50% و40% و20% لكل من السعودية وعمان وقطر على التوالي، و15% للبحرين بحلول عام 2035.