الكلمة أقوى من الرصاص، والصدق وحب الخير والسلام أشد مرارة وألماً على المتطرفين من لهيب النار، يريدون تبادل القصف، وتريد تبادل المحبة واحترام الحريات، تسعى بأفكارها إلى واقع بلا حروب وعنصرية واقع غير مؤدلج مبني فقط على الإنسانية، من خلال توقيف ما يعاد تدويره من أفكار مغلوطة عبر الأجيال، تساهم في استخدام البشر كالآلات داخل المصانع وكمُحرك يخدم على أيدلوجية تفسد الحياة.
إلهام مانع، المرأة الإمامة، التي قبل أن تكون إمامة في “المسجد الإنساني”، فهي رائدة من رواد التنوير في عالمنا العربي. وأستاذة العلوم السياسية، وصاحبة الدكتوراه في السياسات الدولية من جامعة زيورخ، والحاصلة على درجة ما بعد الدكتوراه من نفس الجامعة.
عملت في السابق صحفية لهيئات ومواقع مثل إذاعة سويسرا العالمية وموقع سويس إنفو العربي التابع لهيئة التلفزيون والإذاعة السويسري، قبل أن تتفرغ للعمل الأكاديمي والكتابة، كما تتواجد كخبيرة لمنظمات دولية وحقوقية، بالإضافة إلى مؤسسات سويسرية حكومية، ولها عدد من الأبحاث في الجندر والسياسة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أعمال روائية مثل خطايا، وصدى الآنين. التقت مواطن بها، وكان معها هذا الحوار، حول النسوية والحرية والدين والوضع في اليمن.
- هنالك “ملكات إسلاميات” كثيرات في تاريخنا حكمن بقدر كبير من الحكمة والعدل.
- كل الأديان بما فيها اليهودية والمسيحية أيضا والدين الهندوسي كل هذه الأديان لها رؤية ذكورية.
- النسوية تقول أن الأديان من أحد الأسباب التي تساعد على تكبيل المرأة.
- هشاشة الدولة تجعلها تعتمد على مؤسسات دينية في إضفاء الشرعية على حكمها.
- عند خروجك عن سير القطيع، وعندما تقرر أن تمشي في طريق مختلف، في البداية سترمى بأحجار كثيرة.
- حتى يكن هناك مواطنة حقيقية يجب فصل الدين عن الدولة، الدولة لا يجب أن يكون لها دين.
المرأة في المسجد
1- حدثينا عن “المسجد الإنساني” ولماذا تفضيلن تسميته بالمسجد الإنساني عن “المسجد الليبرالي”. ولماذا هو ليس مسجد وحسب دون إضافة تعريف إليه؟
شعرت أننا أدلجنا المسجد الإنساني لو أطلقنا عليه “المسجد الليبرالي”. ولكن عندما نطلق عليه “المسجد الإنساني” فمحوره هو الإنسان على تعدده وعلى تنوعه لا أكثر ولا أقل، وعندما أقول على تعدد الإنسان أقصد على مستوى الهويات سواء سُني أم شيعي وبكل توجهاته وميوله الجنسية، هو مسجد يقدم “الاحترام” و”الحب” للجميع.
2- الصلاة المختلطة في المسجد الإنساني، لماذا أثارت هذا الكم من الجدل، على الرغم من وجود شعائر أخرى مثل الحج، بها اختلاط بين الرجال والنساء؟
أنا أيضاً أريد فهم ذلك كلنا نشاهد الحج كل عام يصلون رجالاً ونساءً، وأيضاً في ثورة يناير 2011 في مصر كانوا يقيمون الصلاة المختلطة سوياً.
3- لم لا يحق للنساء إمامة الصلاة، كيف ترين احتكار مسألة الإمامة للرجال؟
الذكورية موجودة في كل الأديان، أنا أتذكر في عام 2016 كنت أعمل مع مجموعة مشتركة من زملاء وزميلات واتفقنا على صلاة عيد مشتركة، تعمدت في الخُطبة أن أشير إلى قصة قسيسة سويسرية من المذهب البروتستانتي، كانت طالبة لدي تقاعدت وجاءت إلى محاضراتي لمادة أدرسها عن النوع الاجتماعي والدولة في الشرق الأوسط.
أحبت أن تتعلم أكثر وسردت لي قصتها منذ 50 عاماً، عندما طلبت أن تكون قسيسة فقالوا لها: أنتِ تحلمين أن تذهبي للقمر! لأن حينها كانوا يرفضون أن تكون المرأة قسيسة، وبعدها أصبحت قسيسة، ولديها الكنيسة الخاصة بها بتعيين رسمي “ووصلت إلى القمر”.
بنفس النسق يخبروننا أن لا يمكن أن تصبح المرأة إمامة للصلاة، وأنا على قناعة أن هذا ممكن في ديننا، وهنالك إمكانية للمضي قدماً وبناء مسجد إنساني شامل بالشكل الذي يحترم الإنسان وكينونته، والذي يسمح للمرأة بإمكانية القيادة السياسية وأيضا الدينية.
4- لكن القيادة السياسية للمرأة محل تشكيك كبير من وجهة نظر دينية، والدينية محظورة تماما، فلماذا ترين العكس؟
هنالك “ملكات إسلاميات” كثيرات في تاريخنا حكمن بقدر كبير من الحكمة والعدل، والملكة أروى في اليمن أكبر مثال حكمت لـ ٤٠ سنة وكانت فترة ازدهار داخل اليمن، ولم تكن فقط ملكة سياسية، بل كانت أيضاً حُجة دينية لأنها كانت تابعة للطائفة الإسماعيلية. والخليفة الفاطمي في مصر حينذاك هو من اعتمدها واعتبرها حُجة دينية، تولي المرأة للحكم والمناصب كان موجود في تراثنا ونحن من دفناه وصممنا على ذلك.
5- عند افتتاح “المسجد الإنساني” في برلين تعرض رواده ومؤسسيه للتهديد بالقتل، وخرج مشايخ من الأزهر اعتبروا من قاموا بالصلاة المشتركة “خارجين من الملة”. في ظل تحفظ الأزهر نفسه على تكفير جماعات مثل داعش، ماهو سبب هذا التناقض من وجهة نظرك؟
آلمني جدا تكفير الأزهر لمن قاموا بالصلاة في المسجد الإنساني، لأنهم رغم ما مارسه الدواعش من عبودية وقهر وقتل لم يخرجهم الأزهر من الملة، وكفروا الذين صلوا في المسجد الإنساني وقالوا إن الله واحد، وهذا يظهر تحجر كبير إلى اليوم في هذا الفكر السائد داخل المؤسسات الدينية الرسمية.
المرأة في مواجهة الذكورية
6- قُلتِ في حوار لكِ “كل الأديان ذكورية في الصميم”، ماذا كنت تقصدين بذكورية الدين؟ وكيف تم تطويع عقول النساء لتقبل هذه الذكورية “الدينية” وتدافع عنها بشدة أيضا؟
أقصد أن كل الأديان بما فيها اليهودية والمسيحية أيضا والدين الهندوسي كل هذه الأديان لها رؤية ذكورية، والمسألة ليست فقط في أن “الله” ذكر مع أن الله من المفترض أن ننزهه عن هذه الصفات، وذكورية الدين هو على أساس هرمي يكون الذكر هو الأعلى سواء كان الذكر رجل أو سواء كان الله.
وفي سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة مشاكل مثل الولاية والذكورية كانت موجودة وتغيرت مع الوقت، بسبب إصرار الباحثات والحركات النسوية الدينية أن يكون لهم حق بالصلاة، واستخدام نفس الأساليب التي يستخدمها الرجل داخل الفكر الديني المسيحي وأيضا الهندوسي.
تمت السيطرة على عقول النساء من خلال إعادة تدوير هذه الأفكار، والمرأة هي التي تبدأ عادة، وكصورة على ذلك عندما تقول الأم لابنتها:” قومي جيبي كاسة مويا لأخوكي” تبدأ من هنا من الجالس ومن الخادم! وهنا المسألة أعقد من أن نشيطن الرجل فهو جزء من هذه المنظومة كما أن المرأة جزء من المنظومة، والاثنين مثلما يرضعون حليب أمهاتهم يرضعون ويتشربون هذه القواعد والقيم، ويتم أدلجتهم على قيم وأفكار وتقاليد وعادات، المهم هنا التوعية والوعي وكسر إعادة تدوير الأفكار الخاطئة لوجود حلول مجتمعية.
7- هل تتعارض النسوية مع الإسلام أو الأديان عامة؟ ولماذا؟
بالطبع لا، النسوية تقول أن الأديان من أحد الأسباب التي تساعد على تكبيل المرأة، وأنا على قناعة أننا لن نستطيع فك هذه القيود التي تكبل بها المرأة إلا عندما نغير قوانين الشريعة المتعلقة بالأحوال الشخصية، لأن هذه القوانين تعامل المرأة كقاصر ويشرعون هذه القوانين باسم الله، والله منزه عن ذلك، ولا أرى أية مشكلة عندما أقول أنني أريد التعامل معي “باحترام” وكإنسان كامل الأهلية له كرامة وحقوق متساوية.
8- “اغتصبها ابن الجيران وهي في السابعة. ركبها كما يركب الحمار، ولأنها اقتنعت انها المذنبة أحبت دمار نفسها” اقتباس لكِ من رواية صدى الأنين. ما الذي يدفع ذكر لاغتصاب طفلة من وجهة نظرك؟ وكيف يؤثر الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
“ركبها كما يركب الحمار”، انصدمت من قسوة هذه العبارة ولكن هذه القصة حدثت بالفعل على أرض الواقع ولم تكن من خيالي، ولكن ما يؤلم القلب حقاً أن عندما يحدث حادثة اغتصاب داخل الأسرة للأطفال، هناك أسر يكممون الأفواه ويفضلون عدم التحدث عن هذا الموضوع، وهناك أسر أخرى من الممكن أن يقتلوا الفتاة بهدف الحفاظ على الشرف، خوفا من العار والعيب وكلام الناس، مع أن الأصح هنا التفكير في “كيف أحمي أطفالي؟” و”كيف أضمد ما حدث؟” وأعاقب من اغتصب هذا الطفل لأن الطفل يأخذ ما حدث له على أنه هو المذنب والمخطئ ويشعر هذا الطفل أن جسده “ملوث، وقذر.
وهذا يحدث في كل الأسر وداخل كل المجتمعات وليست موجودة في مجتمعاتنا فقط، ولكن الفرق أن مجتمعنا يتعامل مع هذا النوع من المشاكل “بالصمت” وكأنه هو الحل، ولكنه ليس حل هذا دفن للطفل ووأد لمشاعره وهو حي.
9- هل هناك قصة عالقة في ذهنك عن ضحية اغتصاب قتلت دفاعًا عن الشرف؟ وهل لنا أن نعرفها؟
عندما كنت أعمل كصحفية، في إذاعة سويسرا العالمية قمت بلقاء مع نسوية رائعة في الأردن أصبحت بعد ذلك وزيرة، كانت تتحدث عن جرائم الشرف وأخبرتني أن السبب الرئيسي لدخولها هذا المجال هو من خلال عملها كمحامية أن سيدة جاءت لها وطلبت أن تساعدها في الانفصال عن زوجها المسجون لأنه قتل ابنتها، وعندما سألتها عن سبب قتل زوجها لابنتها قالت لها السيدة أنه قتلها “بداعي حماية الشرف”، على الرغم من أن هذا الأب هو من اغتصب ابنته وعندما ظهر عليها بوادر الحمل قتلها!
10- تعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في ظل الحرب والانقسام؟ كيف ترين معاناة المرأة اليمنية؟ وهل ثمة أفق للتخفيف من وطأة المعاناة؟ أم أن هناك جذور سياسية ثقافية تدفع دائما في اتجاه قمع النساء؟
بصفة عامة “الإنسان” في حرب اليمن تم إنهاكه بأقصى قدر ممكن داخل كل المناطق وفي كل أطراف النزاع، المرأة في المقابل تتحمل قدر أكبر من المعاناة لأسباب عديدة، فهناك ميليشيات حوثية تأخذ أطفالها الذكور، وفي نفس الوقت يذهب الرجال للحرب والقتال، وعليها أن تتحمل مسؤولية الأسرة.
ومن خلال الدراسات تعاني المرأة في اليمن من سوء التغذية بشكل أكبر لأنها توفر هذا الطعام لابنائها. ومن المهم جدا أن نؤكد برغم كل المتاعب المرأة اليمنية إلا أنها قوية، والكثير من النساء يذهبن للعمل أثناء الحرب.
بالنسبة لتخفيف وطأة معاناة الحرب، لدي مشكلة مع الدعم الدولي في طريقة الدعم من خلال توزيع غذاء، من الممكن تعليمهم واستغلال مواهبهم في إيجاد فرص عمل أو أدوات تنموية،كي يستطيعوا نساء ورجالا عمل مشاريع صغيرة يستطيعوا العيش منها، كما يقول المثل الصيني “لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد”.
11- لو كانت المرأة هي صانعة القرار في الدول العربية بشكل عام واليمن بشكل خاص، هل كان سيخفف ذلك من آثار الحروب على المرأة ومعاناتها أم سيبقى الوضع كما هو عليه؟
أنا على قناعة على الأقل بالنسبة للتجارب التي رأيتها للنساء اللاتي تولين مناصب في اليمن، أن معظمهن كن على قدر كبير من النزاهة والعمل المجتمعي، وأدخلن العديد من الإيجابيات في عملهن، وعالجوا الكثير من الأزمات بجدية وذمة، لكن لا أريد أن أجعل المسألة هنا رجل وامرأة.
لو نظرنا إلى باكستان بنظير بوتو كرئيسة وزراء، للأسف الشديد دخلت في نفس معمعة القرابة والعلاقات والفساد بسبب زوجها وغيره، فالمسألة هنا كما ذكرت ليست رجل وامرأة، المهم هنا كيف نصل إلى مرحلة وتحديدا في “اليمن” أن تكون الكفاءات هي الأساس في اتخاذ القرار، كفاءات معروفة بالنزاهة وهذا هام جداً، لأن الدمار الذي حدث في اليمن كبير جدا ويحتاج إلى جهود كبيرة رجالاً ونساءً، ولكن يجب أن نكسر النظام القائم على “الفساد” .ففي فترة حكم الرئيس السابق صالح تحول الفساد إلى منظومة، وهو أمر القضاء عليه ليس سهلا.
12- كيف ترين تجربة الانفتاح السعودي؟ وهل هناك دعم حقيقي لحقوق النساء؟ أم أنها مجرد بروباجندا إعلامية؟
المسألة هنا معقدة، فمن ناحية هي ليست بروباجندا بالفعل النظام القائم في السعودية يحاول تقديم صورة لامعة عن نفسه، هذا شيء لا شك فيه، لكن في نفس الوقت يوجد تغييرات إيجابية تحدث على أرض الواقع لصالح المرأة، وعلى سبيل المثال: فرص عمل أكبر للمرأة، والدراسة، واستخراج جواز سفر دون وسيط.
المشكلة أحيانا تكون في الشركات أو المؤسسات الحكومية التي ترفض تنفيذ هذه الأوامر. ولكن المرأة هامة بالنسبة لهذا النظام ” لبقائه” لأن بدون مشاركة المرأة خاصة في قطاع العمل والاقتصاد لن تنجح هذه المهمة، لذلك كان من المهم أن نخفف من هذه القيود الدينية المجتمعية المفروضة على المرأة.
13- هل هناك تجارب تمكين نسائية حقيقية في أيا من دول الخليج أو البلاد العربية من وجهة نظرك، وكيف ترين حال المرأة العربية عامة؟
التجربة الأهم كانت في “تونس” لأنها كانت جذرية من بدايتها. حبيب بورقيبة حينما بدأ كانت رؤيته أنه يريد وطن حديث وليست أُمة وليست قبيلة هو يريد دولة حديثة، لذلك بدأ كانت من قوانين العائلة، كان مدرك أن قوانين العائلة مرتبطة بشكل بوثيق بالتركيبة المجتمعية، ولذلك قضى على التعددية في زواج الرجل وحدد نظام أو قانون عائلي حينها كان أفضل من الموجود في سويسرا، وهذا ينبهنا أن هذا الرجل كان له رؤية مستقبلية وأيضا فصل بين الدين والدولة، ومن البداية كانت خطواته محسوبة وبتدفع في اتجاه محدد.
هشاشة الدولة تجعلها تعتمد على مؤسسات دينية في إضفاء الشرعية على حكمها، ولذا لن نجدها تأخذ موقف واضح تجاه الطرح الديني الخاص بالمرأة، لذلك نرى أن الاستبداد السياسي يرتبط بشكل وثيق برؤية دينية.
لكن مشكلة الرئيس الذي احترمه بورقيبة ، كان مُصابا بفيروس الاستبداد العربي الذي لدينا، ولو كان أكمل ما بدأه ببناء مؤسسات بدلا من بناء شخصه، لكانت لدينا الآن تجربة نموذجية في كل الكلمة من معنى، لذلك تجربته اليوم تتعرض لصدمات كثيرة، ومن الممكن أن تكون هشة بسبب مسألة المؤسسات فبدون المؤسسات لا تستطيع أن تبني دولة.
ورؤيتي للمرأة العربية بشكل عام، أن الذين كانوا ينتقدون قوانين المرأة في المملكة العربية السعودية، ألم يلاحظوا أن هذه القوانين موجودة في كل البلدان العربية، بشكل أو بآخر، والسعودية كانت هي الأبعد عن الحداثة بالفعل ولا تسمح بقيادة النساء للسيارات، إلا أن قوانين العائلة هي المحك، فهناك دساتير تقول المرأة مساوية للرجل ومن جهة أخرى تقول أن من حق المرأة أن تصوت وترشح للانتخابات، ولكن الواقع الاستبدادي ينعكس بشكل سلبي على هذه المشاركة فتكبل المرأة.
على سبيل المثال من خلال دراساتي الميدانية في سوريا واليمن والكويت، أعرف أن هناك وزيرة وصلت للمطار زوجها تواصل مع الأمن لمنعها من السفر، واضطرت أن تجري اتصالا بأشخاص قادرين على مساعدتها في الخروج من المطار، مع إنها وزيرة نرى هنا تكبيل المرأة بغض النظر عن مكانتها، فالمسألة ليست قوانين بل قيم وعادات وتقاليد ورؤية المرأة وكيانها هل هي إنسان كامل أم لا؟
هشاشة الدولة في النهاية تجعلها تعتمد على مؤسسات دينية في إضفاء الشرعية على حكمها، ولذا لن نجدها تأخذ موقف واضح تجاه الطرح الديني الخاص بالمرأة، لذلك نرى أن الاستبداد السياسي يرتبط بشكل وثيق برؤية دينية. ومازال لدي أمل لأن هناك حراك نسوي.
الحرية في مواجهة القمع
14- قُلتِ في مداخلة لكِ مع قناة الحرة “الدين هو اختيار”، ويراه البعض وراثةـ تستوجب القتل حال التخلي عنها، لماذا تغيب حرية الاختيار الديني في بلادنا العربية؟
ما قُلته يشدد على أهمية أن الدين “اختيار” نلاحظ عندما يختار إنسان دينه في مجتمعاتنا، ويقرر أن يتحول من أي دين آخر إلى الدين الإسلامي الجميع يدعمه ويبارك له، ولكن نفس هذا الشخص لو قرر ترك الدين الإسلامي وأن ينتقل إلى أي دين آخر سيقتل. وهناك قوانين تختلف في حدتها للتعامل مع هذا القرار وهناك مجتمع يتعامل بحدية شديدة مع هذا القرار.
أنا أريد أن نصل لمرحلة نحترم فيها مفهوم “الدين اختيار” وأن ديني ليس أفضل من دين غيري، أريد أن نصل إلى مرحلة احترام الآخرين واحترام الديانات الأخرى ونحترم اختيارات الآخرين كما نحترم إرادة هذا الإنسان، نحن لا نتعامل مع المرأة فقط أنها قاصر نتعامل مع الإنسان أيضاً أنه قاصر، وأن هناك قرارات مجبور عليها وتغيب فيها عنه حرية الاختيار ولو اختار سيقتل، لم كل هذا الخوف من اختيار إنسان لدينه؟ فالدين اختيار وليس هوية.
الحياة "قرار" وأنا دفعت ثمن قراراتي لكنني "اشتريت نفسي" وماشعرت به من أذى أصبحت لا أشعر به. أنا أحب مجتمعاتنا وأحب شعوبنا ولكنه تحتاج إلى تغيير.
15- في مجتمع يعلمنا منذ الصغر الخوف من عذاب الله ومن كلام الناس، هل يؤدي هذا الخوف إلى قمع الهواجس الشخصية والتضحية بالرغبات الخاصة من أجل تجنب العقاب أو الانتقادات، هل يمكن أن نعيش أحرارا مع رؤية دينية قائمة على الخوف والترهيب؟
الهدف هو كسر الخوف والخُلق والتعامل بالخير مع الآخر، ليس من الضروري أن يكون مرتبط بعقاب أو ثواب، أن تكون إنسان في التعامل مع غيرك ليس مرتبطا بخوف أو عقاب، لذلك الكثير من الناس تخاف من نزع هذا الخوف، لأنها ترى أن الإنسان بدون خوف من العقاب سيتحول إلى وحش، أُدرك أن هناك طبقات شعبية بالنسبة لها أن الثواب الذي سيأتي بعد الموت هو الأمل، ولا أحب أن أكسر ذلك، ولكن كيف أن نكسر الخوف بطريقة من خلالها يدرك الإنسان أنه حُر، ولكن حرية مشغولة “بالحب والخير”.
16- ما هي الضريبة التي دفعتيها ثمن حريتك وتمردك والتصريح عن أفكارك بحرية؟
في البداية عند خروجك عن سير القطيع، وعندما تقرر أن تمشي في طريق مختلف، في البداية سترمى بأحجار كثيرة ويطلقون عليكِ أسماء كثيرة وهذا ينعكس على أسرتك، ووصلت لمرحلة أن أصدقاء والدي قطعوا زيارته بسبب آرائي.
الحياة “قرار” وأنا دفعت ثمن قراراتي لكنني “اشتريت نفسي” وماشعرت به من أذى أصبحت لا أشعر به. أنا أحب مجتمعاتنا وأحب شعوبنا ولكنه تحتاج إلى تغيير.
17- من أين اكتسب حُبك للتمرد والثورة والحرية؟
أفكار أبو العلاء، المتنبي، المعتزلة، هذا الإرث الثقافي كان من والدي، لأن فكره كان حُر ومتشكك طوال الوقت ويشجعني على ذلك. وأمي قبل مرضها كانت دائما بقصصها وسردياتها الرائعة تُنمي تفكيري مثل رواية ” صدى الأنين” القصص التي بداخلها من سرديات والدتي لي. فتشربت حب التفكير الحر والتمرد من كلاهما مع حبي الشديد للقراءة.
الوضع في اليمن، نظرة عامة
18- كيف ترين اليمن بعد 2011؟
أنا مدركة أن الشباب والشابات الذين خرجن بهدف التغيير كانوا مقتنعين بالثورة، ولكن بنفس الوقت هذه الإرادة والرغبة في التغيير والدفع الشبابي يقابلها الإطار، إطار الدولة اليمني كان هشا للغاية نخره السوس، وكان هناك صراع قوة بين النخبة التي كانت تمسك بزمام الأمور في اليمن على مدى العقود السابقة، ولذا جزء من هذه النخبة الغاضبة من الرئيس السابق صالح ومحاولة توريث ابنه الحكم، استغلت المسألة واختطفت هذا الحراك، وهناك من يقول أن الانتفاضات الشبابية هي التي أدت إلى الحرب، ولكن الحرب كانت ستنفجر في جميع الحالات، والحرب لم تبدأ حينها فقط هي بدأت سابقا في سنوات 1962 و1986 و1994.
19- الوضع في اليمن بين الطائفية والقبلية.. كيف تؤثر كل من الطائفية والقبلية من وجهة نظرك في الصراع اليمني؟ وهل ثمة حلول؟ وإن وجدت فما هي؟
أنا على قناعة أنه يوجد حلول لليمن، ومسألة القبلية عندما ننظر لها نجد بعض الدول لها كيان قبلي قوي مثل سلطنة عمان على سبيل المثال، ورغم ذلك الدولة كانت قادرة على استيعاب هذا الكيان المجتمعي، استيعابه وخلق علاقة مشتركة بين الدولة والمواطن حتى داخل القبيلة، هذا يعني أن أسلوب إدارة الدولة يفرق كثيرا.
حتى يكن هناك مواطنة حقيقية يجب فصل الدين عن الدولة، الدولة لا يجب أن يكون لها دين، الدولة هياكل ومؤسسات.
لكن في اليمن أسلوب إدارة الدولة كانت دائما تستغل القبيلة لمصالحها، والدولة هنا أحددها في نخبة تستغل التقسيمات الطائفية القبلية الموجودة داخل اليمن من قبل وإلى اليوم. فأسلوب الدولة في التعامل هو الأساس.
بالنسبة للطائفية يمكن كسرها من خلال التعاليم وأساليبه، ومن خلال إصرار أن لا يوجد فئة أفضل من فئة أخرى بسبب الدم والدين وغيره. الدين من المفترض أن يجعلنا متساويين. بمعنى آخر أنا على قناعة أن الأمراض التي نعاني منها المجتمعية السياسية ليست مسألة خاصة بنا فقط، ولا تتغير بل بالعكس من الممكن تغييرها.
20- كأستاذة للعلوم السياسية، كيف ترين أدوار الأطراف الإقليمية في أحداث اليمن؟
كقطعة من البازل، الصورة ستكون متكاملة عندما ننظر أيضا للدول الإقليمية، جذور الصراع داخل اليمن أساسها اليمن وبدون الجانب الإقليمي كانت ستحدث، لكن يفاقم منها الدول الإقليمية، والدور الإقليمي مع الأسف الشديد سواء من الأشقاء في الخليج أو إيران على الجانب الآخر الكل لعب دوراً أساسيًا في شرذمة الساحة اليمنية اليوم.
كقطعة من البازل، الصورة ستكون متكاملة عندما ننظر أيضا للدول الإقليمية، جذور الصراع داخل اليمن أساسها اليمن وبدون الجانب الإقليمي كانت ستحدث، لكن يفاقم منها الدول الإقليمية، والدور الإقليمي مع الأسف الشديد سواء من الأشقاء في الخليج أو إيران على الجانب الآخر الكل لعب دوراً أساسيًا في شرذمة الساحة اليمنية اليوم.
كانت هناك فترة يحاولون إيجاد حلول دون أن يغيروا أساس القوة، لأن بالنسبة لهم ما يحدث في اليمن سوف ينعكس عليهم بشكل أو بآخر، وهم بالفعل أخذوا مواقف واضحة من الانتفاضات والثورات الموجودة داخل المنطقة، رغم ذلك جاءت فترة كان المهم فيها، كيف يحكمون سيطرتهم على الوضع بأي وسيلة، والنتيجة التي رأيناها هو خلق مليشيات تساعد على السيطرة.
إيران عادة في سياستها الخارجية تعتمد على ما يسموه “الجهات أو الحركات الغير حكومية” وبالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد سقوط شاه إيران نرى أنهم دائما يتدخلون في المناطق التي بها هشاشة، وجماعات غير راضية عن الواقع، وتعمل مع هذه الجماعات وتحولها إلى مليشيات مثل حزب الله الذي تم تأسيسه مع إيران، أو العمل مع الميليشيات الحوثية.
ومن الهام أن أذكر إيران لم تصنع الميليشات الحوثية هي صناعة محلية مرتبطة بالإقصاء الذي تعرضت له منطقة صعدة، وقضايا أخرى مرتبطة بتاريخ اليمن، لكن إيران تدعم وتدرب وتعمل لهم غطاء دبلوماسي فأصبحت المسألة سهلة.
وبالنسبة للدور الإماراتي فيما يتعلق بفصل الجنوب يؤدي إلى مزيد من التشبيك وتعقيد الصورة الموجودة، وقطر في عملها مع كل من يقبل أخذ المال والدعم منها نفس الشيء، وهنا من الواجب ذكره أن الدولتين اللاتي وقفن وقفة جيدة مع اليمن هما مصر والأردن شهادة حق لا يوجد بها مجاملة لأن مصر لليوم مازالت رافضة لأي تقسيم اليمن ورافضة لأي ضرب عسكري، لكن مسألة تقسيم اليمن تعود لليمنيين أنفسهم فقط والحلول تأتي من الداخل وليس من الخارج.
21- هل يمثل الإسلام السياسي خطرا على الدول العربية؟ ولماذا من وجهة نظرك؟
نعم الإسلام السياسي يشكل خطرا على المجتمعات العربية، بالنسبة لي الإسلام السياسي هو يمين ديني متطرف، لأنه غير مؤمن بالمساواة وغير مؤمن بالدولة، وغير مؤمن بالمواطنة المتساوية. الإسلام السياسي رافض للدولة في نفس الوقت مؤمن أننا أُمة ولا يوجد ما يسمى مواطنة، لديهم هرمية والهرمية أساسها الانتماء الديني ويقصي كل التنوع الموجود في الإنسان، ويعاقب على أساس ديني، لذلك هو خطر على الإنسان داخل هذه الدول والمجتمعات.
22- هل تعد العلمانية حلا لإنهاء الصراعات الدينية والمذهبية في الدول العربية؟ ولماذا؟
العلمانية مرتبطة بنظام حكم رشيد، نظام مؤسسات، نظام عدالة اجتماعية بدونها لن تنتهي الصراعات، لأن هناك دول كانت معروفة بعلمانيتها وتحولت إلى دول استبدادية بشكل واسع، ومارست التقسيمات على مواطنيها ومواطناتها.
وحتى يكن هناك مواطنة حقيقية يجب فصل الدين عن الدولة، الدولة لا يجب أن يكون لها دين، الدولة هياكل ومؤسسات، من المفترض أن تكون محايدة مع المواطنين والمواطنات داخل هذه الدولة. لكن بنفس الوقت بدون أن تكون هذه العلمانية محكومة بنظام حكم راشد غير مستبد.