شهد عام 2023 إعادة تسليط الضوء على مشروع سعودي قديم؛ ألا وهو المشروع النووي السلمي، وهي فكرة في ذهن صانع القرار السعودي منذ إقدام إيران على السير في تخصيب اليورانيوم والسعي لامتلاك قنبلة نووية، وعاد الحديث عنه من جديد مع تصريح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان؛ في يناير الماضي، عن نية بلاده استخدام مواردها المحلية من اليورانيوم لتطوير صناعة الطاقة النووية.
ليعود الحديث وبقوة مع الحديث عن وجود خطة أمريكية -هي قيد الدراسة في البيت الأبيض-، تأمل في الوصول إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ويمثل امتلاك الرياض لبرنامج نووي سلمي أحد أركان هذه الخطة، وفق مقال للكاتب الأمريكي توماس فريدمان نشره في جريدة نيويورك تايمز، بعنوان “بايدن ينظر في صفقة كبيرة في الشرق الأوسط”.
ولكن مشروعًا مثل هذا يُرى في المملكةِ طريقًا لتوفير احتياجاتها المستقبلية من الطاقة؛ في ظل التوجه لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية، سيواجه عدة صعوبات؛ بعضها متعلق بتوفير اليورانيوم والكوادر الفنية التي تدير المشروع، مرورًا بموقف إسرائيل وإيران من وجود قوة عربية تمتلك تكنولوجيا نووية حتى لو كانت سلمية.
مستقبل مستدام للطاقة
تسعى الرياض في السنوات الأخيرة إلى تطوير برنامجها النووي بهدف تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، على الرغم من التخوفات المثارة حول احتمالية تفشي حمى الأسلحة النووية في المنطقة. وفي بداية العام الحالي، قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان: “إن الرياض سوف تبدأ باستخدام يورانيوم محلي المصدر لبناء قوتها النووية” مضيفًا أن “اكتشافًا حديثًا أثبت وجود أنواع مختلفة من اليورانيوم في باطن الأرض”.
وتدير السعودية برنامجًا نوويًا ناشئًا تستهدف التوسع فيه من خلال تخصيب اليورانيوم، وهو مجال حساس نظرًا لأهميته في تصنيع السلاح النووي. وقال وزير الطاقة السعودي إن “المملكة تسعى إلى استغلال مواردها المحلية من اليورانيوم بعدة طرق؛ منها الدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء جاهزين بما يتفق مع الالتزامات ومعايير الشفافية الدولية”.
تسعى السعودية من خلال هذه الجهود لاستكشاف وسائل بديلة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام في المستقبل. وتأتي هذه الخطوة في إطار تطلعات السعودية لمواجهة التحديات المتعلقة بارتفاع الطلب على الكهرباء؛ حيث من المتوقع أن يرتفع الطلب من حوالي 45 جيجاواط في عام 2023 إلى 120 جيجاواط بحلول عام 2035، وتهدف السعودية من خلال هذه الاستراتيجية إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز كمصادر رئيسية للطاقة. ومؤخرًا، بدأت السلطات السعودية بدراسة طلب إصدار رخصة لموقع المحطة النووية، وجاء ذلك بعد الانتهاء من إعداد وثائق المواصفات الفنية للمحطة، التي تم طرحها في منافسة دولية.
ويستهدف مشروع مفاعل الأبحاث النووي “تصميم وتطوير صناعة المفاعلات النووية؛ فضلًا عن بناء الكوادر البشرية لتشغيل مفاعلات الطاقة، ونقل تقنياتها”، ويأتي ذلك في إطار رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تنويع مصادر الاقتصاد والطاقة المتجددة. وتقوم مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة حاليًا بأعمال المرحلة الثالثة والأخيرة من عملية تحديد وتهيئة أول محطة للطاقة النووية تحتوي على مفاعلين، واعتمدت السعودية مفاعلات الماء الخفيف المضغوط كخيار مثالي للمفاعلات المنتجة للطاقة الكهربائية.
وتقول السعودية إنها عازمة على تطوير مزيج الطاقة الوطني المتوافق مع هذه الرؤية، عبر إدخال برنامجٍ مدني للطاقة الذرية، وسيكون هذا البرنامج أحد ركائز توجه الرياض الاستراتيجي للتحول نحو التنمية المستدامة. كما تخطط السعودية لإنشاء صناعة طاقة نووية مدنية، وإنتاج قدرة 17 جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2032.
السعودية -التي تعتبر أكبر مصدّر للنفط في العالم-، أعلنت في العام 2011 عزمها بناء 16 مفاعلاً نوويًا في السنوات العشرين المقبلة، بكلفة تبلغ 80 مليار دولار أمريكي. وتخطط المملكة للاستفادة من مواردها الغنية من اليورانيوم في دعم إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية؛ إذ تستطيع السعودية إنتاج أكثر من 90 ألف طن من اليورانيوم، وهو ما يكفي لتوفير الوقود للمحطات النووية التي تسعى لبنائها.
كما وضعت خطة طموحة لدخول إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية؛ إذ تسعى إلى إضافة نحو 17 جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2040. ومن المقرر أن تكون أول مشروعات الطاقة النووية في السعودية مكونة من مفاعلين بسعة مجمّعة تبلغ 3.2 جيجاواط، تستهدف وضعهما على خطوط الإنتاج خلال السنوات الـ10 المقبلة.
تتعارض مسألة تخصيب اليورانيوم مع التوجهات الدولية، نظرًا لإمكانية استخدامه في إنتاج الأسلحة النووية. تحتاج المفاعلات النووية إلى كميات مخصبة من اليورانيوم بنسبة 5 بالمئة لأغراض الطاقة، ولكن التقنية نفسها يمكن أن تستخدم أيضًا لتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى تصل لاستخدامات عسكرية.
الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والضابط السعودي السابق، الدكتور فواز بن كاسب، يقول إن السعودية تعتزم المضي قدمًا في بناء المفاعلات النووية السلمية، تحقيقًا لرؤية المملكة 2030 وما يتوافق مع الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة، وفي 2030 سيتم الحد من استخدام الطاقة الأحفورية، وهو ما يدفع المملكة لاستغلال البدائل من الطاقة النظيفة صديقة البيئة، ومنها الطاقة النووية، وهي خيار مطروح بقوة.
وأضاف بن كاسب، لـ”مواطن“، أن السعودية تمتلك كثيرًا من المقومات، وفي مقدمتها عنصر اليورانيوم الذي يتواجد فيها بكثرة، وهناك حق شرعي للمملكة العربية السعودية وجميع دول العالم لاستخدام الطاقة النووية لأنها صديقة للبيئة، وتتوافق من الهدف رقم 17 من الأهداف الإنمائية، وستستخدم المملكة هذه الطاقة لتزويد دول الجوار بما تحتاجه. وأوضح بن كاسب: أن المفاعلات التي ستمتلكها السعودية ستكون متماشية مع أحدث ما توصلت إليه تقنية تصميم وإدارة المفاعلات بحيث تضمن أكبر قدر من الأمن والآمان وسلامة المنشآت النووية.
خطة تنفيذ البرنامج النووي
في عام 2010، أعلنت الحكومة السعودية عن تأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، بهدف ضمان مستقبل مستدام للطاقة في المملكة، وإضافة مصادر الطاقة الذرية والمتجددة إلى مزيج المصادر المعتمدة. وفي عام 2011، أعلنت السعودية عن نية استثمار 80 مليار دولار لبناء 16 مفاعلًا نوويًا على مدى عقدين مقبلين.
واستمرت هذه الجهود حتى منتصف عام 2016؛ حيث تم امتلاك مسرّعين نوويين بواقع 3 ميغا فولت و 350 كيلو فولت في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. في عام 2017، تعاونت المؤسسة النووية الوطنية الصينية مع هيئة المسح الجيولوجي السعودية لإجراء مسح عن رواسب اليورانيوم، وتبع ذلك تعاون في التنقيب عن اليورانيوم في ثمانية مواقع داخل المملكة.
تسعى المملكة إلى استغلال مواردها المحلية من اليورانيوم بعدة طرق؛ منها الدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء جاهزين بما يتفق مع الالتزامات ومعايير الشفافية الدولية
في نوفمبر 2018، قام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بتدشين أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة في المملكة، كجزء من خطط تطوير صناعة المفاعلات النووية، وتأهيل الكوادر البشرية لتشغيلها، بالإضافة إلى دعم الشركات الوطنية في تصنيع أجزاء المفاعلات. وفي عام 2020 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن جهود السعودية في بناء أول مفاعل نووي في موقع قرب الرياض، مما أثار مخاوف أمريكية بشأن تعاون محتمل بين السعودية والصين في مجال إنتاج الوقود النووي وتطوير الأسلحة النووية.
في أواخر عام 2022، أطلقت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتضمن وحدتين لإنتاج الكهرباء، كجزء من خططها لتوليد 17 جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2040.
وتقول المحللة وخبيرة العلاقات الدولية إرينا تسوكرمان: “إن السعودية تجري محادثات لإنشاء برنامج نووي سلمي، من أجل تنويع إمداداتها من الطاقة، وكانت الولايات المتحدة على الدوام قلقة من حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ولذلك لم تتمكن المملكة من تقديم ضمانات بعدم المتابعة نحو برنامج عسكري”.
وتضيف تسوكرمان، لـ”مواطن“، أن السعودية كانت ترى سابقًا أنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية؛ فستضطر إلى فعل الشيء نفسه، ورغم ذلك؛ فقد عرضت دمج الرقابة الأمريكية في بناء قدراتها لمعالجة المخاوف بشأن الحوادث المؤسفة أو وقوع المواد النووية في الأيدي الخطأ. وتشير تسوكرمان إلى أن المملكة يمكنها اللجوء إلى باكستان أو الصين للحصول على المساعدة في بناء برنامج نووي مدني، لكن المساعدة الأمريكية ستكون مفضلة لديها، وكانت كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية مترددة بشأن منح الموافقة على ذلك، ويرجع ذلك جزئيًا إلى القلق بشأن ما يُنظر إليه على أنه موافقة على الأسلحة النووية.
النووي مقابل التطبيع
في مقاله بجريدة “نيويورك تايمز”، شرح الكاتب الأمريكي توماس فريدمان أبعاد اتفاقية محتملة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية، يمكن أن يكون تأسيس مفاعل نووي سلمي في السعودية جزءً أساسًا من بنودها.
وقال فريدمان: “إن السعوديين يريدون من أمريكا ثلاثة أشياء: أولا، معاهدة دفاع مشترك على شاكلة الناتو، والتي تتطلب من الولايات المتحدة المسارعة والدفاع عن السعودية حالة تعرضها لهجوم إيران مثلاً. أما الأمر الثاني؛ فهو الحصول على برنامج نووي مدني الطابع وتحت رقابة أمريكية، أما الثالث فيتمثل في القدرة على شراء أسلحة متقدمة؛ مثل منظومة الدفاع في المناطق ذات الارتفاعات الطرفية، أو المعروفة اختصارًا بـــ “ثاد” والمضادة للصواريخ الباليستية، وهي مفيدة للسعودية وسط نمو الترسانة العسكرية الإيرانية من الصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى.
المتشددون في إسرائيل يرفضون حصول أي دولة عربية على تكنولوجيا نووية حتى لو كانت سلمية
كما كشف الكاتب الأمريكي مطالب واشنطن من الرياض، وهي وقف الحرب في اليمن، وحزمة مساعدات سعودية كبيرة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وحدّ واضح للعلاقات السعودية- الصينية. لم تكن أمريكا سعيدة بالتقارير التي نشرت العام الماضي بشأن التفكير السعودي في قبول العملة الصينية رنمبيني بدلاً من الدولار الأمريكي في صفقات النفط.
المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، الدكتور مهدي عفيفي، يقول: “إن أمريكا لديها استعداد أن يكون هناك مشروع نووي سعودي متكامل؛ خاصة لو كان هناك تطبيع مع إسرائيل، وبفضل التطبيع ستحصل الرياض على تكنولوجيا نووية أمريكية تكون لها دور في إنتاج الطاقة النووية بشكل سلمي”. وأضاف عفيفي، لـ”مواطن“: “أعتقد أن البيت الأبيض يمكن أن يسمح، ويسعى لدعم السعودية في هذا المجال مع إعطاء كل التطمينات لإسرائيل، بأن هذه الطاقة لن يمكن أن تستخدم في أغراض أخرى، وتعمل على إقناع إسرائيل به”.
بدورها ترى تسوكرمان، أن التطبيع مع إسرائيل غير مرجح للغاية في هذا الوقت، لأنه ليس للحكومة السعودية أي مصلحة حقيقية في التطبيع مع إسرائيل، وعلى الأرجح استخدمت المطالب التي كانت تعلم أن إدارة بايدن لن تكون قادرة على الموافقة عليها من أجل وضع حد للضغط العام المستمر بشأن هذه القضية التي تسببت في الارتباك. وتشير إلى أن السعودية تحصل بالفعل على معظم -إن لم يكن كل ما تحتاجه من إسرائيل- المساعدات الدفاعية والأمنية، والدعم السيبراني والتجارة مع الشركات والشركات، وبعض عناصر التبادلات الرياضية دون الاضطرار إلى مواجهة المعارضة الإقليمية الصاخبة، والضغط العام الذي يمكن أن يتحول في صراع سياسي أكبر.
معوقات في طريق المشروع النووي
تعقيبًا على الأخبار الرائجة حول إمكانية عقد صفقة التطبيع مقابل البرنامج النووي، أعرب وزير الطاقة الإسرائيلي عن (معارضته لفكرة قيام السعودية بتطوير برنامج نووي مدني، كجزء من تطبيع العلاقات بين الطرفين بوساطة أمريكية). وقال يسرائيل كاتز لصحيفة “يديعوت أحرونوت”: “إن إسرائيل لا تشجع مثل هذه الأمور، ولا أعتقد أن إسرائيل عليها أن توافق على مثل هذه الأمور“.
كما قالت الصحيفة الإسرائيلية: “إن تل أبيب تخشى احتمال مناصبة دول الجوار العداء لها، وقد تستخدم الطاقة النووية المخصصة أصلاً لأغراض مدنية ومشروعات أخرى تقوم بتطويرها في إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الموقعة عام 1970 كستار لتصنيع قنابل نووية، وتشير في هذا الصدد لما تعتبرها سوابق مع دول مثل العراق وليبيا”.
الدكتور مهدي عفيفي، يقول: “إن المتشددين في إسرائيل يرفضون حصول أي دولة عربية على تكنولوجيا نووية حتى لو كانت سلمية، وهذا الموقف تم إعلانه من جانب بعض الوزراء ونواب الكنيست، أنه لا يمكن لأي دولة عربية مجاورة لإسرائيل امتلاك هذه التكنولوجيا، لأنهم لا يضمنون كيف سيتم التعامل مع هذا مستقبلاً، وكذلك التخوف من امتلاك دول عربية أخرى لتكنولوجيا النووية، وهناك أيضًا من يعترض من داخل الكونجرس الأمريكي، وهم نواب متعاطفون مع إسرائيل”.
وحول الموقف الإيراني، تقول تسوكرمان: “إنه على الرغم من تطبيع طهران العلني مع السعودية، ستكون غاضبة، وستزعم علنًا أن هذا الأمر ضد مصالحها، لأن التوترات لا تزال قائمة تحت السطح بين إيران والمملكة، وتواصل إيران التنافس على السيادة الدينية في المنطقة وتضع أعينها على الحرمين الشريفين”.
وتضيف خبيرة العلاقات الدولية: “بشكل عام، تتمتع إيران بقوة أكبر في المنطقة من السعودية، وقد استفادت من تغلغلها في مختلف المجتمعات الإقليمية لبناء وجود هائل، وفي الوقت الحالي، ركزت إيران على حل نزاعات الطاقة والدفع باتجاه تقارب اقتصادي، لكن خلافاتها الأيديولوجية مع الرياض لا تزال دون حل، وأي خلاف أو علامة على العسكرة من قبل الجانب الآخر قد تكون كافية لكسر العلاقات، وذريعة للعودة للعدوان الإقليمي وتسليح الوكلاء المحليين”.