تواجه جماعة الإخوان المسلمين انحسارًا ونبذًا سياسيًا واجتماعيًا، ومواجهات على المستوى الأمني بدول الخليج، كما هو الحال في غالبية الدول العربية التي شهدت سقوطًا متتابعًا للإخوان منذ عام 2013، جاءت مصر في مقدمته وتبعه موجات من العنف، دفع ثلاث دول خليجية لوضع الجماعة على قوائم الإرهاب، في كل من الإمارات والسعودية والبحرين، فضلًا عن مصر.
وكشف تقرير صحفي على إندبندنت عربية، نشر في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2020، استهداف الجماعة دولًا خليجية ضمن مخطط واسع للفوضى، وضرب الاستقرار في المنطقة، في إشارة للتعاون والتنسيق مع النظامين الإيراني والتركي، ناسبًا المعلومات لمصادر أمنية مصرية، وبرر التقرير حالة الاستهداف التي بدأت من 2013 على أنها محاولة للثأر من دعم تلك الدول للإطاحة بحكمهم في مصر في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) 2013.
دخل الإخوان سريعًا على خط الأزمة، منذ بدايتها ضد إيران بشكل واضح، محاولين فرض تركيا التي تصالحت مؤخرًا مع النظم الخليجية بعد سنوات من التشاحن والمقاطعة، على المشهد الخليجي مجددًا كحليف بمواجهة طهران.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي حمود الرويس لمواطن “في أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران في مصر، انهار مشروع جماعة الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية، ولم يبق لهم موطئ قدم علني في دول الخليج بشكل عام، باستثناء بعض الدول التي استفادوا من نهجها الديمقراطي مثل(الكويت)، وقطر التي تمنع عمل التنظيم داخل البلاد، ولكنها في الوقت ذاته توظف قياداته لتحقيق بعض الأهداف تتعلق بسياستها الخارجية.
التحريض ضد إيران
وفي خضم المشاحنات الخليجية الإيرانية الأخيرة، حول حقوق التنقيب عن الغاز بحقل درة، يشير تقرير صحفي، نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية تحت عنوان: “تحريض للسعودية ضدّ إيران.. إخوان الخليج، يحنّون إلى السلطان”، عن محاولة جماعة الإخوان توظيف الأحداث لتنفيذ ثلاثة أهداف، الأول؛ هو إعادة التموضع في الدول الخليجية التي فقدت فيها الجماعة جزءً من بريقها خلال السنوات الماضية، والثاني؛ هو محاولة فرض تركيا بقلب السياسات الخليجية مجددًا كحليف استراتيجي بوجه طهران، والثالث؛ هو إفساد الاتفاق السعودي الإيراني المبرم مؤخرًا برعاية صينية، وهو هدف يتعلق إلى حد بعيد برغبة الولايات المتحدة.
إذ عادت في يوليو (تموز) الماضي قضية حقل الدرة أو آرش كما تسميه طهران، إلى الواجهة معلنة عن صراع جديد بين الخليج وإيران، إثر إعلان الأخيرة نيتها التنقيب عن الغاز في الحقل، الذي تعتبره السعودية والكويت ضمن حدودها البحرية والجغرافية بشكل كامل، الأمر الذي فتح سجالًا دبلوماسيًّا واسعًا بين السعودية والكويت من ناحية، وإيران من ناحية أخرى حول ملكية الحقل والأطراف التي تملك الأحقية في الحفر والتنقيب والعوائد، في ظل تمسك طهران بحصتها ورفضها الاحتكام إلى مبدأ ترسيم الحدود البحرية.
وقد دخل الإخوان سريعًا على خط الأزمة، منذ بدايتها ضد إيران بشكل واضح، محاولين فرض تركيا التي تصالحت مؤخرًا مع النظم الخليجية بعد سنوات من التشاحن والمقاطعة، على المشهد الخليجي مجددًا كحليف بمواجهة طهران.
أشار الكاتب والأكاديمي والنائب السابق بالبرلمان الكويتي المحسوب على الإخوان عبد الله النفيسي، خلال مجموعة من التدوينات عبر موقع (إكس) لأهمية التعاون الخليجي التركي فيما يتعلق بحقل الدرة، وإمكانية تدشين تحالف ثلاثي مشترك ربما يكون قادرًا على ردع طهران.
وفندت تقارير أهداف أنقرة الاقتصادية بمنطقة الخليج إبان زيارة أردوغان للمنطقة قبل عدة أشهر؛ حيث ترغب أنقرة التي تعاني من نقص في موارد الغاز الطبيعي، وتدخل في خلافات عميقة مع مصر واليونان وقبرص من أجل التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، لذلك تبحث عن الغاز والشراكات الاقتصادية مع دول الخليج.
ويرى الكاتب السعودي حمود الرويس في حديثه لمواطن، أن محاولة الإخوان استغلال موضوع حقل الدرة لا يعدو كونه ديدن الجماعة في استغلال أي حدث لتصدر المشهد، ولكن يعلم أهل الخليج مدى التخادم بين مشروعي الولي الفقيه ومشروع جماعة الإخوان والذي بدأ منذ عام 1938، وبالتالي سيكون دورهم واضحًا في قضية حقل الدرة.
هل الإخوان على عداء حقيقي مع طهران؟
لا تبدو العلاقة بين الإخوان وإيران علاقة عداء، وأثبتت وقائع تاريخية عديدة التنسيق المستمر والدائم بين الجانبين، لكن تبدو محاولات التوظيف للقضايا الخلافية في دول الخليج لا تعدو كونها ضمن سياسات “لعبة الكراسي المتحركة” التي يتقنها الإخوان، والقائمة أصلًا على دمج المتناقضات والتعاون مع مختلف الايدلوجيات من أجل تحقيق مصالح التنظيم.
وفي 2019 اعترفت جماعة الإخوان المسلمين بلقاء مسؤولين إيرانيين، وهو اللقاء الذي كشفت عنه مجلة “إنترسبت” الأميركية، وقالت إنه عقد في تركيا خلال عام 2014. ونفت جماعة الإخوان ما تردد عن أن هدف اللقاء كان العمل ضد السعودية أو ضد أي دولة أخرى، مشددة على أن الاجتماع كان الأول والأخير بين الطرفين، منذ صيف 2013.
وتفسر دراسة لمركز “كارنيغي”، أسباب التنسيق بين الإخوان وإيران؛ حيث “ترى كلٌ منهما فوائد في تنمية العلاقات بينهما، على الرغم من أنهما يتموضعان على الضفتين المتعارضتين للانقسام السنّي- الشيعي.
فإيران تعتبر التواصل مع الجماعة، خصوصًا مع فرعها المصري، استثمارًا قليل التكلفة، ويمكن أن يساعدها على توسيع دائرة نفوذها في المنطقة، وفي المقابل؛ من المفيد لجماعة الإخوان أن تكون على علاقة مع إيران، (وهي قوة إقليمية تتشاطر معها الجماعة أيديولوجيا متشابهة، وإن لم تكن متطابقة، حول دور الإسلام في السياسة والمجتمع)؛ وهي (الجماعة) تستخدم هذه العلاقة لممارسة نفوذ سياسي على لاعبين مُهمين آخرين في الشرق الأوسط.
حول الوضع الحالي لجماعة الإخوان في السعودية والكويت
تضع السعودية الإخوان على قوائم الإرهاب منذ عام 2014، ومع ذلك تحاول الجماعة فرض نفسها على المشهد السياسي بشكل أو بآخر، وأصدرت في يونيو/حزيران الماضي بيانًا وجهت فيه الشكر للمملكة العربية السعودية على تنظيم موسم حج ناجح، وذلك على غير المعتاد، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة لمهادنة السعودية من أجل صفحة جديدة.
ويصف الكاتب والإعلامي السعودي عبد الله الكعيد، تحركات الإخوان في منطقة الخليج، بأنها “لا قيمة لها”، مشددًا على أن السياسات السعودية تنطلق من مبادئ قائمة على حفظ السيادة والتعاون مع الحلفاء، وإقرار التفاهمات في المجالات المشتركة، ومن المستحيل أن تتأثر بمثل هذه الدعوات.
ويضيف الكعيد لمواطن، أن موقف بلاده واضح تجاه جماعة الإخوان، فلا سبيل للمصالحة أو المهادنة؛ خاصة أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج بوجه عام لا تتفاوض مع جماعات أو أحزاب، ولكن من خلال مؤسسات الدولة الرسمية فيما بينها.
تتفاوت سياسات حكومات الخليج في التعامل مع ملف الإخوان المسلمين؛ ففي حين تضعها دول مثل السعودية والإمارات والبحرين على قوائم الإرهاب، يمارس التنظيم العمل السياسي بشكل قانوني وعلني في دول أخرى مثل الكويت.
أما الكويت التي شهدت التأسيس الأول لجماعة الإخوان من بين دول الخليج إبان فترة الخمسينات؛ فهي الدولة الوحيدة تقريبًا في منطقة الخليج التي ما زال التنظيم يمارس بها نشاطه السياسي علنًا وتحت مظلة القانون، تمثل جمعية الإصلاح الاجتماعي جماعة “الإخوان المسلمون” في الكويت، وذراعها السياسي الحركة الدستورية الإسلامية، وتشغل في الوقت الحالي 5 مقاعد داخل مجلس الأمة وفق آخر انتخابات جرت منتصف العام الجاري.
تشير دراسة منشورة على بواية الحركات الإسلامية- المختصة في دراسات الإسلام السياسي- بعنوان “الإخوان المسلمون في الكويت.. رحلة التفاهم والصدام مع السلطة”. إلى أن العلاقة بين السلطة في الكويت و”الإخوان”، وصلت في بعض الأوقات إلى إبرام الكثير من التفاهمات، لمواجهة التيارات العلمانية واليسارية والقومية؛ حيث تلاقت المصالح، وتسيطر السلطة في الكويت بشكل كبير على الجانب السياسي، و”الإخوان” تجد الغطاء الكافي في مواجهة خصومها من العلمانيين والليبراليين واليساريين والقوميين.
لذلك سعى “الإخوان” إلى الحفاظ على هذا التحالف، بغية الاستمرار في العمل الاجتماعي، في حين غاب المشروع السياسي الحقيقي للتنظيم هناك، أو إن شئت فقل إن التنظيم يخشى الكشف عن طموحه السياسي مخافة الخسارة، خاصة بعدما تراجع التنظيم بشكل كبير في العالم العربي بعد فشل تجربة الحكم في مصر، ليصبح النظام المستفيد الأكبر من تلك العلاقة.
وعمومًا لم يدخل الإخوان في صراع سياسي حقيقي مع السلطة في الكويت، اللهم إلا على استحياء، بعدما وقع التنظيم على “مشروع الإصلاح الوطني” الذي يسعى إلى تغيير النظام السياسي إلى نظام برلماني كامل.
وفي حين لم تعلن الكويت ردًا رسميًا حول دعوة النفيسي الذي يعد أحد أبرز قيادات الإخوان داخل البلاد، يقول الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي، عبدالهادي السنافي لمواطن: “إن سياسات بلاده الخارجية تلتزم بالدبلوماسية وحسن الجوار وتحقيق السيادة، ولا تقبل بالتدخلات أو التجاوزات، وهي متمسكة بإثبات حقوقها بشكل قانوني”.
أما فيما يتعلق بمحاولات الإخوان داخل دولة الكويت التفاعل مع أزمة “الدرة”؛ فيرى السنافي أن التنظيم يعد أحد الفصائل السياسية داخل دولة الكويت، هذا هو الأمر الواقع فعلًا، وهو يمارس عمله بشكل قانوني داخل الدولة كتيار سياسي، لذلك يتوجب عليه الالتزام بالمبادئ الوطنية، ولا يمكن أن يصدر عنهم أي تصرف يوحي بالتنازل عن حقوق دولة الكويت.
ويضيف أن الإخوان مجرد جماعة لديها أفكار محددة، سبق وأعلنت المملكة رفضها لها واعتبرتها فكرًا متطرفًا وإرهابيًا، لذلك ليس من المتوقع أن يكون هناك أي وسيلة للتواصل مع تلك الجماعة أو أي من عناصرها.
بالنسبة لتركيا لا يرى الكعيد أن لها تأثيرًا على السياسات الخارجية للمملكة، كما أنها لا تملك حقوقًا في الاستثمار في حقل الدرة، وتبقى محاولات جماعة الإخوان لتوظيف الخلاف لتحقيق أهداف محلية أو إقليمية تراوح مكانها، لأن الأمر كله يتعلق بما تريده المملكة ودولة الكويت، وآلية التعامل من أجل حفظ الحقوق فقط.
كذك يرى حمود الرويس أن عودة تركيا لترميم علاقاتها مع دول مثل السعودية و مصر، جعل ملف جماعة الإخوان ليس على جدول أولوياتها، ويمكن التخلي عنه من أجل بناء علاقات جيدة مع السعودية و مصر والإمارات، لذلك لم يعد لدى الجماعة ما تتكئ عليه في الدفع بنفسها إلى صفوف متقدمة أو تظهر على مسرح الأحداث.
هل تنجح الجماعة بإعادة تموضعها بالخليج؟
تتفاوت سياسات حكومات الخليج في التعامل مع ملف الإخوان المسلمين؛ ففي حين تضعها دول مثل السعودية والإمارات والبحرين على قوائم الإرهاب، يمارس التنظيم العمل السياسي بشكل قانوني وعلني في دول أخرى مثل الكويت.
يرى الباحث الإماراتي محمد الصوافي أن تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، لن يستسلم بسهولة، ويترك أجندة السياسية التي عمل عليها لأكثر من ثمانية عقود، وإذا هدأ نشاطه التخريبي في فترة معينة؛ فلا يعني هذا أنه انتهى؛ فهذا يتقن طريقة الاختباء في لحظات المواجهة، ومن العودة في حالة الساحة تسمح بظهوره مرة ثانية، لهذا لا نستغرب محاولة العودة من خلال أزمة حقل “درة” بين الكويت وإيران.
أما مسألة المصالحة مع حكومات الخليج والمملكة العربية السعودية تحديدًا فيقول الصوافي: “إن دول الخليج لم تعد بتلك الطيبة والسذاجة السياسية؛ كأن تنخدع مرة ثانية بتنظيم إرهابي أو الاعتماد عليه في إدارة أزمة دولية؛ فهذه الدول تعلمت من التجربة السابقة، وهي الآن دولة مؤسسات حقيقية ولديها القدرة في التعامل مع أي دولة في العالم، وليس إيران فقط، وبالتالي لا يمكن المهادنة مع التنظيم لأهداف وطنية.
ولعل السمة الغالبة لدى كافة الأفرع التنظيمية للإخوان في الوقت الراهن هي محاولة إخفاء صلاتها تمامًا بالتنظيم الأم في مصر، لتجنب شبهات الإرهاب، ومحاولة الاستغراق في الشأن المحلي، ذلك في الدول التي ينشط فيها التنظيم مثل الكويت، لكن في غالبية الدول الخليجية يتبع الإخوان استراتيجية الكمون وعدم إظهار الهوية خشية الملاحقات الأمنية، باستثناء المقيمين خارج الدولة.
ويصف السعودي حمود الرويس علاقة الجماعة مع دول الخليج بأنها متوترة جدًا وغير مقبولة باستثناء دولة الكويت، التي جربت موقفهم سابقًا من الغزو العراقي للكويت ودعمهم لصدام حسين، مما سيجعل الحكومة الكويتية لا تثق في مواقفهم.
أما الكويتي عبد الهادي السنافي فيرى أن فصيل الإخوان المسلمين في الكويت يختلف عن فصيل الإخوان الدولي، لذلك هناك خلافات سياسية في إطار الدستور الكويتي، وهي خلافات منطقية بسبب اختلاف الأيديولوجيات والسياسات الخارجية، فالكويت لها قواعدها العامة وقنواتها الرسمية؛ أما التيارات السياسية فهي غارقة بالشأن المحلي أكثر”.
إجمالًا وبناء على ما تم عرضه سابقًا، يمكن القول بأن جماعة الإخوان، تحاول التسلل مجددًا للمشهد الخليجي، باستغلال الملف الإيراني هذه المرة، وفي المقابل لا تسمح دول الخليج بمثل هذه التدخلات، حتى وإن تمت صياغتها باعتبارها مواجهة لاحتكاكات طهران، وفي الوقت نفسه تبقى جماعة الإخوان بعيدة تمامًا عن لعب أي دور مؤثر في السياسات الخليجية في الوقت الراهن.