في السابع من أغسطس/آب الماضي، دخل 400 سجين سياسي في مركز الإصلاح والتأهيل في البحرين (سجن جو) إضرابًا عن الطعام، مطالبين بالسماح لهم بالتعرّض لأشعة الشمس لأكثر من ساعة في اليوم، وفصلهم عن السجناء المدانين بجرائم قتل ومخدرات، وإعطائهم الحق في الدراسة والعناية الطبية، وزيارة أفراد عائلاتهم ممن ليسوا أقارب من الدرجة الأولى، وإلغاء الحاجز الزجاجي أثناء الزيارات العائلية.
أخذت أعداد المضربين عن الطعام في السجن تتزايد، إلى أن تعهدت السلطات منحهم المزيد من الحقوق والوصول إلى تسوية؛ ما ترتب عليه تعليق الإضراب حتى 30 سبتمبر/أيلول، بعد أن استمر الإضراب لمدة 36 يومًا، ولم تهدأ الأوضاع إلا يومين فقط عقب التعليق، إثر إعلان الناشطة الحقوقية مريم الخواجة منعها من السفر إلى البحرين رفقة وفد حقوقي دولي من شخصيات بارزة في يوم 15 من الشهر الجاري.
ومريم، هي ابنة الناشط الحقوقي والسجين البحريني صاحب الجنسية الدانماركية عبدالهادي الخواجة، والذي ألقي القبض عليه بتهم التظاهر والتآمر على الدولة، في 9 أبريل/نيسان 2011، ونال حكمًا بالسجن بالسجن المؤبد.
اعتبرت منظمة العفو الدولية، أن هناك بواعث قلق على الحالة الصحية لسجين الرأي البحريني عبدالهادي الخواجة، مطالبة بالإفراج عنه فورًا ودون أي شرط أو قيد.
ووصفت الحقوقية البحرينية ابتسام الصائغ قرار مريم، بالعودة للبحرين من أجل مناصرة والداها، بالشجاع، واعتبرت أنه محل تقدير نظرًا لما تعرضت له في وطنها الأم (البحرين) قبل مغادرتها، لكنها قررت العودة حتى لو كان الثمن هو حريتها.
وتضيف الصائغ لمواطن: “منع مريم الخواجة من القدوم إلى البحرين يكشف تمسك السلطات البحرينية بخيارها القمعي، الذي كان واضحًا للعالم بلا شك، وهذا الحظر (للسفر) سيساهم في تحفيز المجتمع أكثر؛ خاصة مع المخاوف الصحية على الوالد عبد الهادي الخواجة”.
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الانسان ماري لاور قد أعربت عن “قلقها البالغ” بشأن تدهور الحالة الصحية للخواجة، بعد 12 عامًا في السجن، لدفاعه السلمي عن حقوق الإنسان، حد وصفها في تغريدة على موقع إكس، وتتخوف عائلة الخواجة من أن يفقد والدهم البصر أو أن يموت في السجن رغم حاجته الملحة للرعاية الطبية.
كما كشفت في وقت سابق منظمة العفو الدولية، إصابة الخواجة اضطراب في ضربات قلبه في 28 فبراير/ شباط 2023ً ونَقْله إلى عيادة السجن، ثم المستشفى العسكري لقوة دفاع البحرين، إلا أنه أثناء تلقي العلاج أصر رجل بملابس مدنية (حد وصف التقرير)، يدعي أنه مدير أمن المستشفى على تكبيل يديه، وبسبب رفض الخواجة لذلك الوضع، أُعيد إلى سجن جو، دون عرضه على اختصاصي أمراض القلب لفحص حالته، واعتبرت العفو الدولية أن هناك بواعث قلق على الحالة الصحية لسجين الرأي البحريني، مطالبة بالإفراج عنه فورًا ودون أي شرط أو قيد.
وللبحرين تاريخ مع تفشي المرض بين السجناء، وتدنى حالتهم الصحية؛ إذ صرحت في وقت سابق آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، بأن “استجابة البحرين غير الكافية لمعالجة حالات السل في السجن، تُظهر عدم اهتمام مثير للقلق بصحة السجناء، وتعرّض حقهم في الصحة لخطر شديد، ولم تحرك سلطات السجن ساكنًا لفترة طويلة جدًا لمواجهة خطر وقوع المزيد من الإصابات”.
كما طالبت هيومن رايتس ووتش في بداية العام بالإفراج عن الناشط الحقوقي عبدالجليل السنكيس، والذي ألقي القبض عليه ومحاكمته في 2011، بسبب تدهور حالته الصحية في السجن.
قمع ممنهج
شهد عامي 2011 و2012 قبض على العديد من المعارضين، إثر حملة قمع نفذتها السلطات في البحرين لمواجهة حركة الاحتجاج التي اندلعت بالتوازي مع التظاهرات التي عرفت بالربيع العربي. وفقًا لـ بي بي سي.
وبدأت حركة الاحتجاج بتنظيم الشباب البحريني احتجاجات باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ناشدوا فيها بالنزول إلى الشوارع يوم الاثنين 14 فبراير/شباط 2011 بطريقة سلمية، وتنظيم احتجاجات تطالب بالديمقراطية وبعض الإصلاحات في البلاد.
ويشار إلى وجود 1400 سجين سياسي في البحرين، من إجمالي عدد السجناء، تتراوح ما بين 3200-3800، كما جاءت البحرين في مرتبة متدنية فيما يخص القمع (التعذيب أو القتل السياسي).
لم تسمح السلطات البحرينية بالتظاهر، وتمت ملاحقة الشباب، كما سقط ضحايا خلال يومي 14 و15 فبراير/شباط، ولم تتوقف التظاهرات. وفي 14 مارس/آذار 2011، أعلنت الحكومة الأحكام العرفية، وفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وقامت بالتصدي للمتظاهرين البحرينيين، بمساعدة قوات درع الخليج، كما هدمت الحكومة أيقونة الثورة “دوار اللؤلؤة” في 18 مارس/ آذار. وبحسب وزير الخارجية البحريني الأسبق خالد بن أحمد آل خليفة، أن سبب هدم الدوار هو للتخلص من ذكرى سيئة.
كما خلصت لجنة بسيوني، وهي لجنة بحرينية مستقلة لتقصي الحقائق، أنشئت بموجب أمر ملكي، يوم 29 يونيو/حزيران 2011 في البحرين للتحقيق والتقصي في الأحداث التي جرت في البحرين في الفترة من فبراير/ شباط ومارس/ آذار من نفس العام. إلى أن السلطات لجأت لاستخدام قوة مفرطة، ومارست تعذيبًا بغرض انتزاع اعترافات.
واستمرت سياسة القهر السياسي من خلال أسر آلاف البحرينين منذ عام 2011 وحتى اليوم، من سجناء الرأي والمعارضين، وزجهم في سجون إسمنتية رمادية اللون والمزاج، ضيقة الغرف دون تهوية، وتكتظ بأعداد كبيرة مع غياب الرعاية الصحية والأكل الصحي وتفشي الأمراض في أوساط السجناء، بالإضافة إلى التضييق على الزيارات.
ويشار إلى وجود 1400 سجين سياسي في البحرين، من إجمالي عدد السجناء، تتراوح ما بين 3200-3800، كما جاءت البحرين في مرتبة متدنية فيما يخص القمع (التعذيب أو القتل السياسي)، وهي إحدى النقاط في مؤشر التقدم الاجتماعي بدرجة من 0.33؛ إذ تشير درجة (1) إلى حرية كبيرة، وصفر إلى حرية منخفضة.
ويقول الناشط السياسي البحريني، إبراهيم شريف “الدول العربية متشابهة في بنيتها الأمنية الاستبدادية، كل نظام يحك ظهر جاره. أنجح اجتماعاتهم هي اجتماعات وزراء الداخلية العرب، وزراء لديهم عدو مشترك: المطالبون بالديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ثم يضيف “لو تعاونوا في الاقتصاد والسياسة بدل الأمن لاستدامة الاستبداد لكانت أمة العرب بألف خير، لكنهم اختاروا التعاون علينا بدل التعاون من أجلنا”.
ويؤكد لمواطن “كثير من البحرينيين ممنوعون من دخول دول خليجية وعربية بأمر من سلطات بلدنا. وأنا شخصيًا ممنوع من دخول الامارات العربية والكويت ومصر، وربما دول أخرى لم أجرب حظي فيها”.
الوضع الحقوقي في البحرين
وأشارت منظمات عالمية حقوقية إلى أن الحكومة البحرينية تفرض قيودًا على التعبير، وتكوين الجمعيات والتجمعات، كما تنتهك الإلتزامات الحقوقية الدولية الموقعة عليها، ووصفت أيضًا الانتخابات البحرينية بأنها ليست حرة ولا نزيهة، كما يتم استبعاد الأصوات المعارضة وقمعها، حسب بيان شارك به 22 منظمة حقوقية؛ منها هيومن رايتس ووتش.
وأضاف البيان أن القوانين تستهدف السجناء السابقين، بمن فيهم السجناء السياسيون؛ إذ يواجهون التأخير في الحصول على “شهادة حسن السيرة والسلوك” أو يحرمون منها، وهي وثيقة مطلوبة من المواطنين والمقيمين في البحرين لتقديم طلب عمل، أو انتساب إلى جامعة، أو حتى الالتحاق بنادِ رياضي أو اجتماعي.
بينما وصفت منظمة العفو الدولية البيئة السياسية البحرينية، بأنها بيئة يسودها القمع السياسي، وارتكبت السلطات خلال العقد الأخير انتهاكات لحقوق الإنسان، كما فرضت القيود على المجتمع المدني، وحظرت أحزاب المعارضة السياسية، وأغلقت الإعلام المستقل.
ونوهت إلى أنه منذ 2016 كثفت السلطات البحرينية حملتها لإقصاء المعارضة السياسية، وحظر الأحزاب السياسية المُعارِضة التي كانت قائمة بصفة قانونية قبل اندلاع انتفاضة 2011، وسجنت قيادات معارضة بارزة، ولا وجود اليوم لأي قيادات سياسية مُعارِضة نشطة خارج السجون، أو أي إعلام مستقل في البحرين على استعداد لتوجيه أي انتقادات شديدة علنًا إلى الحكومة.
وبين 2012 و2017، حظرت السلطات، حزب المعارضة (أمل) الذي كان ينافس جمعية الوفاق على كسب أصوات الناخبين الشيعة، وحزب المعارضة غير الطائفي (وعد).
ومنذ إغلاق السلطات صحيفة الوسط المستقلة في يونيو/حزيران 2017، أصبحت جميع القنوات التلفزيونية، ومحطات الراديو والصحف في البلاد؛ إما موالية للحكومة أو خاضعة مباشرةً لإدارتها. حد وصف منظمة العفو الدولية.
وعلى الرغم من حالة القمع الممنهج والمستمر، يرى إبراهيم شريف أن الحراك الأخير استعاد النشاط للبيئة السياسية الراكدة منذ زمن في البحرين، قائلًا: “الإضراب السلمي ساهم في تحريك الشارع والنخب، وإعادة الاهتمام العالمي للوضع الحقوقي في البحرين، بعد أن كاد يختفي نتيجة قمع الحراك السلمي من جهة، ومساهمة بريطانيا في غسيل ملف حقوق الإنسان في البحرين، وصمت الدول الغربية التي اختارت المصالح على المبادئ كما هي عادتهم”.
ويوضح السياسي البحريني لمواطن “أن المكاسب المادية للسجناء على المدى القصير قد تكون محدودة، إلا أنها ستكون أكبر على مدى أبعد”.
زيارة المفوضية
وفي ظل التحركات الدولية إثر الحراك الحالي، كان يفترض أن يزور وفد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان البحرين، في زيارة تستمر أربعة أيام، تبدأ في 14 سبتمبر/ أيلول 2023، للاطلاع على أوضاع السجناء، إلا أن السلطات البحرينية أبلغت المفوضية يوم الأربعاء أنه سيتعيّن على الوفد تأجيل الزيارة.
وتعلق الناشطة ابتسام الصائغ بأنه لم يكن غريبًا منع فريق المفوضية السامية لحقوق الإنسان من زيارة البحرين للقيام ببرنامجهم التقصي و الرقابي و التدريبي؛ فالسلطات البحرينية لأكثر من مرة تجاهلت الدعوات و الخطابات من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، وعلى رأسهم المقرر الخاص بالتعذيب لزيارة البحرين.
"السجن أيضًا ساحة من ساحات النضال، واحتجاجات السجناء تسهم في صقل تجربتهم السياسية وإشاعة أجواء التضامن، كما أنها محفز هام لاستمرار حراك الشارع، ولفت اهتمام الرأي العام العالمي".
وتستطرد الناشطة قائلة: “إن هذا يعكس عدم جدية البحرين في تطوير وتحسين الظروف الحقوقية على أرض البحرين، ويعطي نتائج مسبقة تؤكد فشل الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، لأن هذه الخطط تأتي من منظور العين الواحدة، ولا تريد أن يكون للعين الدولية الحيادية الرقابية حضور، لأنها بالتأكيد تخفي أشياء لا تريد لتلك المؤسسات الدولية الاطلاع عليها.
ويتفق إبراهيم شريف مع ابتسام الصائغ، حول سبب تأجيل زيارة المفوضية، مضيفًا: “من لديه شيء يخفيه لن يسمح لجهات محلية أو دولية محايدة بالقيام بدور تم إناطته لمؤسسات “حقوقية”صورية صنعت لتقوم بهذا الدور على الوجه الذي يرضى الحكومة”.
ويكمل: “عندما زارت “لجنة بسيوني” المستقلة السجون عام 2011، خرجت بتقرير أدان أساليب التعذيب حتى الموت في سجون البحرين عقب انتفاضة 2011، الأمر الذي اضطر الحكومة لقبول التقرير على مضض والتعهد بإصلاحات لم تنفذها إلا شكليًا؛ ما يعني أن الحكومة لا تريد أن تكرر تلك الفضيحة الحقوقية، بالسماح لمراقبين دوليين للتأكد مما يجري في السجون.
كما يرى خالد إبراهيم، مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، أن التهرب من أي زيارة حقوقية محايدة للسجون في البحرين يتسق مع الطبيعة القمعية المتأصلة في سلطة لا تؤمن بحقوق الإنسان، وتسعى لمصادرة الحريات العامة؛ خاصة حرية التعبير وحرية التظاهر السلمي، بالإضافة إلى تفكيك منظمات المجتمع المدني السلمية، وشن حرب شعواء على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان.
هل ينجح الضغط الحقوقي والصحفي في تحسين الأوضاع؟
تشهد البحرين على مدار الاثني عشر عامًا الأخيرة الكثير والكثير من المناشدات والمطالبات من المنظمات الدولية، بتحسين ملف حقوق الإنسان في البلاد، والإفراج عن السجناء السياسيين، ومع هذا بقيت السلطات متمسكة بمواقفها إزاء السجناء السياسين وأوضاع سجونها؛ فهل يساهم الضغط الحقوقي والصحفي اليوم في تحسين الأوضاع؟
يرى إبراهيم شريف أن الضغوط الداخلية والخارجية، الحقوقية والسياسية، مهمة جدًا في تحقيق مكاسب داخل السجن، وفي حصول أعداد متزايدة من السجناء السياسيين على عقوبات بديلة أو عفو عام. ويضيف: “بدون حل سياسي شامل لا توجد فرصة لانفراج يؤدي لتبييض شامل السجون، خصوصًا وأن لدينا مئات المحكومين بالسجن المؤبد، وبعضهم بأحكام تتجاوز المئة عام”.
ويكمل: “الحل السياسي بعيد؛ فالسلطة في وضع مريح نسبيًا، ولا تريد أن تقدم تنازلات سياسية لصالح الناس عمومًا والمعارضة خصوصًا، مادامت تستطيع تحمل الضغوط الداخلية؛ خصوصًا وأن الضغوط الخارجية تحولت إلى إشادات امريكية وغربية، بعد توقيعها اتفاق التطبيع مع العدو الصهيوني، واتفاق أمني عسكري اقتصادي مع الولايات المتحدة، ضمن إطار لاتفاق شامل يضع دول المنطقة تحت المظلة الأمريكية الإسرائيلية”.
ويؤيد رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان رأي السياسي البحرين: “إن تقديم العديد من الحكومات الغربية مصالحها على حقوق الإنسان، أو عدم التحرك الفعال لإدانة الانتهاكات الجسيمة اليومية، هو ظاهرة نلمسها يوميًا ونعمل على تغييرها؛ فالآليات الدولية يجب أن تقوم بدورها المنشود من أجل دعم حقوق الإنسان في منطقتنا”.
بينما يختم إبراهيم شريف مؤكدًا على أن الإضراب عن الطعام، هو أحد وسائل الاحتجاج والضغط القليلة التي يملكها السجناء السياسيون خاصة، وأهميته كبيرة تتعدى ما يمكن تحقيقه من مكاسب تتعلق بتحسين ظروف السجن.
مضيفًا، أن السجن أيضًا ساحة من ساحات النضال، واحتجاجات السجناء تسهم في صقل تجربتهم السياسية وإشاعة أجواء التضامن، كما أنها محفز هام لاستمرار حراك الشارع، ولفت اهتمام الرأي العام العالمي.