تشهد اليمن حالة حرب أهلية منذ مارس 2014، أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية في أوساط السكان البالغ عددهم 33.32 مليون نسمة في العام 2021، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء؛ ما دفع بالمرأة اليمنية إلى الخط الامامي لمواجهة تداعيات الحرب الكارثية، والخروج للعمل من أجل مواجهة الظروف المعيشية الصعبة.
فايزة أيمن(22 عامًا) يمنية من محافظة عمران، وجدت نفسها في ظل أوضاع مأساوية، تعيشها أسرتها؛ ما دفعها إلى البحث عن عمل لكي تساعد والدها في توفير الاحتياجات الأساسية للعيش الكريم؛ لا سيما بعد عجزه عن الوفاء بالتزاماته؛ بسبب توقف صرف الرواتب في عام 2016؛ الأمر الذي انتهى بها، كعارضة أزياء أحد متاجر الملابس النسائية وسط العاصمة اليمنية صنعاء.
وعلى الرغم من أنها ما تزال طالبة في كلية الشريعة. تقوم فايزة بعرض الملبوسات النسائية الخارجية فقط؛ العباءات والبراقع والمقارم، عن طريق نشر صورها على صفحتها وصفحة محل الملابس على فيسبوك.
تحصل على 18 دولارًا أمريكيً؛ ما يعادل 100 آلاف ريال يمني تقريبًا، مقابل تصوير وعرض خمس قطع مختلفة. وتشير في حديثها لمواطن، إلى أنها تعمل بشكل سري، وتحاول إخفاء طبيعة عملها خوفًا من ردة فعل المجتمع ونظرته إليها، وانعكاسات ذلك على مستقبلها في بلد يرى ذلك عيبًا وخروجًا عن الأخلاق.
وعلى الرغم من عدم نشاط هذا المجال (عمل عارضات الأزياء) في اليمن بشكل رسمي – إلا أن فيروز ليست الوحيدة التي اقتحمته، ديانا ضبعان 26 عامًا إعلامية وناشطة يمنية يتابعها 766 ألف شخص على حسابها في فيسبوك، بدأت في خوض تجربتها كموديل وعارضة أزياء على منصات التواصل الاجتماعي وبطريقة غير مباشرة؛ إذ ظهرت في أول إطلالة لها كعارضة بقميصٍ نسائي زاهٍ، مشيرة في ذات الظهور إلى أحد المحلات التجارية.
ويشير تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة إلى أن 73% من بين أكثر من 4 ملايين نازح في اليمن، هم من النساء والأطفال؛ في حين أن ما يقرب من 30% من الأسر النازحة تعيلها الآن نساء، بينما كانت 9% من الأسر تعليها قبل تصاعد الحرب.
تقول ضبعان: “إنها رغم ظهور الكثير من النساء وتدافعهن للعمل كعارضات، وترويجهن للأزياء والملبوسات، إلا أنها ومعظم زميلاتها لا يشعرنْ بالأمن والحرية، ولا يمكن لإحداهن تجاوز ما يعتبره المجتمع اليمني مخلاً بالآداب العامة ومخالفًا أيضًا للعادات والتقاليد”.
من جانبها تعلق الناشطة اليمنية، منية محمد: “إنّ اتجاه النساء اليمنيات نحو نشاط العمل كعارضات أزياء أو موديلات في الوقت الحالي، دون وجود أي تنظيم أو تشجيع رسمي، يعتبر هذا النشاط كغيره من الأنشطة، أو على الأقل باعتباره عملاً لا يختلف عن غيره من الأعمال، يشير إلى إن هذا النشاط مجرد إجراء نشاط نسويًا، لجأت إليه النساء لأجل التخفيف من أعباء، كمحاولة نسوية للتكيف الاجتماعي والاقتصادي”.
وتستطرد بالقول: “إن تقيد نشاط هؤلاء النساء أثناء العمل، وإلزامهن بشكل كبير بالظهور بالأزياء الخارجية الخاصة بالنساء أو التراثية فقط دون غيرها من الملبوسات النسائية، يعتبر في الوقت الحالي قفزة نوعية في بلد “ذكوري يغلب عليه طابع النظرة السلبية، لكل ما تقوم به المرأة من أنشطة وأعمال”.
وترى هناء الحارثي الباحثة اليمنية في مجال التراث والأزياء أن ما يشهده اليمن من انتعاش محلي في عالم الخياطة، ومواكبة التطور التكنولوجي، ساهم نوعًا ما في تغيير نظرة المجتمع لعارضة، وتقبل عملها، وأصبح ما كان لا يمكن تقبله عادة ممارسه في الواقع.
ويتفق مع رأي الحارثي، الاقتصادي اليمني أحمد شماغ، بأن عمل عارضات الأزياء أمر هام ويؤدي بشكل عام إلى تمكين المرأة، والحد من نسبة الفقر في أوساط المجتمع، وإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية.
وبحسب تقرير سابق نشره الصندوق التابع للأمم المتحدة، بعنوان “الأزمة اليمينة”؛ فإن نسبة النساء اليمنيات اللواتي يعلنّ أسرهن بازدياد عدد القتلى في البلد من الرجال والشبان؛ بلغت 21 % من السكان معظمهن تقل أعمارهن عن 18 عامًا.
ويشير تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة إلى أن 73% من بين أكثر من 4 ملايين نازح في اليمن، هم من النساء والأطفال؛ في حين أن ما يقرب من 30% من الأسر النازحة تعيلها الآن نساء، بينما كانت 9% من الأسر تعليها قبل تصاعد الحرب.
وفي أواخر عام 2021 أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن التقرير الثالث والأخير بعنوان “تقييم تأثير الحرب في اليمن: مسارات التعافي”، الذي يعرض نتائج دراسة تم التكليف بها حول تأثير الحرب على التنمية في اليمن ومسارات التعافي، من خلال عدة سيناريوهات من وجهة نظر أهداف التنمية المستدامة.
وجد التقرير أنه من خلال تمكين المرأة توجد فوائد كبيرة على المدى المتوسط والطويل؛ مثل الحد من الفقر وتحسين مؤشر التنمية البشرية، ويمكن القيام بذلك من خلال تعليم الفتيات ومعالجة عدم المساواة بين الجنسين؛ ما يؤدي إلى زيادة الأجور ومعدلات المشاركة في العمل، وتقليل الفوارق في الصحة.
وبحلول عام 2050 سيكون لهذا السيناريو تأثير أكبر على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من سيناريو التنمية الاقتصادية، مما يوضح أهمية وقوة نهج الانتعاش الشامل للجنسين.
في المقابل فإن عمالة النساء خلال سنوات الحرب، ارتفعت بشكل ملحوظ على عكس وضعها في الأعوام السابقة، التي شكلت فيها نسبة ضئيلة جدًا في مختلف مجالات العمل، وتشير أبحاث صادرة عن مركز صنعاء للدراسات أن التمويل الإنساني لليمن، ساهم في فتح المجال أمام النساء بشكل كبير.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة المعترف بها دوليًا، تشير إلى أن إجمالي عدد الأسر التي تعيلها نساء حاليًا على مستوى الجمهورية قرابة 8.416 ألف أسرة تمثل 4.11 % من إجمالي الأسر في الجمهورية. في حين يبلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء في الريف حوالي 3.274 ألف أسرة تمثل 1.11 %من إجمالي الأسر في الريف، ويبلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء في الحضر حوالي 4.142 ألف أسرة بحسب التقرير.
تحديات وعوائق مستمرة
في المقابل تواجه النساء اليمنيات العاملات في هذا المجال العديد من القيود والتحديات، ومن أبرز هذه القيود غياب العمل المؤسسي الرسمي، وكذلك النظرة المجتمعية القاصرة نحو عمل العارضات أو الموديل في اليمن.
وبحسب الحقوقية اليمنية، قبول العبسي؛ فإن غياب العمل المؤسسي الرسمي الذي يعد بمثابة حاجز منيع ودرع واقٍ للعارضات من كل ما قد تتعرض له داخل المجتمع، جعلهن في نفس الوقت عرضة لتحريض والاعتداء المباشر؛ خصوصًا في مجتمع ينظر إلى عملها باعتباره مخالفًا للآداب العامة ويتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية.
من جانب آخر يعتبر الناشط والباحث في مجال التراث اللامادي اليمني، محمد سبأ، أنّ المجتمع اليمني مجتمع ذكوري بكل ما تعنيه الكلمة، لافتًا في حديثه لمواطن، إلى حقيقة النظرة المجتمعية المغلوطة نحو بعض نوعيات من عمل المرأة؛ وعلى وجه الخصوص عملها كعارضة باعتبارها في ذلك مخالفة النظام المجتمعي، بسبب عدم تمسكها رسميًا بالعباءة السوداء؛ اللبس الرسمي والسائد.
انتقاد وتحريض مباشر
كما تعرضت وتتعرض الكثير من العارضات اليمنيات للانتقاد والتحريض والمضايقات والتكفير بطريقة علنية ومباشرة وبشكل مستمر، وآخرهن انتصار الحمادي، العارضة وزميلتها والتي لم تكتفِ سلطة الأمر الواقع (جماعة الحوثيين) بتكفيرهن فقط؛ حيث قامت قبل نحو عامين تقريبا باعتقالهن ومحاكمتهن أيضًا والحكم عليهن بالسجن لخمسة أعوام، بداعي ممارسة الرذيلة بحكم طبيعة عملهما كعارضات أزياء.
وتعتبر الناشطة اليمنية، ماجدة الحداد، تلك الهجمات على عارضات الأزياء إحدى وسائل وآليات الجماعات الدينية المتطرفة ضد المرأة، مشيرة في حديثها لمواطن إلى أن النساء في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي الجماعة الدينية، يعيشن أوضاعًا صعبة جراء الإجراءات التي تفرضها هذه الجماعة التي تريد السيطرة وفرض ومعتقداتها على الجميع.
اتجاه النساء للعمل كعارضات أزياء، محاولة نسوية لتخفيف أعباء الحياة، ومواجهة العادات والتقاليد.
وتضيف: “إن تلك الحملات التي يقوم بها الحوثيون ضد المرأة تهدف إلى إكمال سيطرتها وفرض سطوتها على عقول اليمنيين، والتحكم بحريات الآخرين، من خلال فرض ما يجب عليهم وعلى نسائهم من ملبس أو عمل”، منهية حديثها بالقول: إن ذلك اعتداء على المرأة اليمنية بشكل عام وليس على الحمادي أو غيرها فقط.
كما يعتبر رئيس المنظمة للحقوق والحريات الحقوقي اليمني، محمد العمادة؛ أن ما تتعرض تلك العارضات اليمنيات أمرٌ مخالف للقانون وانتهاك للحقوق المكفولة للمرأة، معززًا حديثه بثلاث مواد من الدستور اليمني، والتي تؤكد في مجملها على المساواة بين الرجل والمرأة.
إذ تنص المادة 41 من الدستور اليمني على أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. فيما تنص المادة 9 منه على أن النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون، كما نصت المادة 5 من قانون الإجراءات الجزائية، على أن المواطنين؛ سواء أمام القانون ولا يجوز تعقب إنسان أو الإضرار به.
كما يعتبر العمادة عدم عمل العارضات بطريقة غير رسمية أو تحت رعاية مؤسسات متخصصة، وهيئات تنظيمية حكومية أو خاصة تتكئ إليها العارضات اليمنيات من الأسباب الرئيسية التي أدت وشجعت المتطرفين والجماعات الخارجة عن القانون على ممارسة ذلك ضد المرأة اليمنية.
قد لا يمثل اتجاه النساء للعمل كعارضات أزياء ثورة في وجه القصور والاختلالات المجتمعية، التي عملت بشكل أو بآخر على اتساع الفجوة بين الجنسين، وجعلت المرأة مكبلة دون عمل، لكنها قد تكون محاولة نسوية لتخفيف أعباء الحياة ومواجهة العادات والتقاليد.