في سبتمبر/ أيلول 2022 ، أطلق عدد من رجال الدين والسياسية في الكويت ما يعرف بـ “وثيقة القيم”؛ في محاولة منهم للحفاظ على قيم المجتمع ومقاومة ما يصفونه بـ “عملية التغريب”. وجاءت الوثيقة بـ “اثني عشر بندًا، يدور أبرزها حول منع الاختلاط بين الجنسين والحفلات التي تخالف الذوق العام، وتفعيل قانون اللباس المحتشم في الجامعة، ومحاربة الابتذال الأخلاقي حد وصف الوثيقة.
واعتبرت جريدة القبس الكويتية أن وثيقة القيم نوع من الوصاية المرفوضة على المجتمع، وتعد مساسًا بالحريات الاجتماعية والشخصية، وتعتبرها أيضًا نوعًا من الابتزاز السياسي، بسبب ظهورها في فترة دعاية انتخابية، دفعت المرشحين لتبنيها، تجنبًا لدخول مواجهات من أي فئة من الناخبين. كما وصفت الوثيقة بأنها إرهاب فكري، ومحاولة فاشلة لاستنساخ مشروع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تم تسويقها في مجلس 1992.
بينما عقب لمواطن رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني، أنور الرشيد: “مع الأسف، بعد ممارسة ديمقراطية دستورية لأكثر من ست عقود؛ لازلنا نُصارع تثبيت الديمقراطية، إلا أن أعداء الديمقراطية في الداخل والخارج والمنزعجين منها ومن ممارساتها، لم يدخروا أي جهد طوال العقود الماضية من محاولات وأد الديمقراطية”.
ويضيف بأن: “ترويج وثيقة تخالف الدستور، وتخالف كل القيم الديمقراطية، بحجة أسلمة القوانين والمحافظة على عادات وتقاليد المجتمع؛ فهذا الكلام غير صحيح بتاتًا؛ فالهدف هو القضاء على الديمقراطية الكويتية، وهذا بكل تأكيد لن نسمح له تحت أي ظرف”.
ملاحقة الحريات العامة
وتلاحق الحكومة نوادي تعليم الرقص الشرقي، وجلسات اليوجا وتمنعها، حتى محالّ الذهب لم تسلم من هذه الملاحقات، وأغلق محلّ بسبب وجود مصوغات ذهبية على شكل الصليب، وأشارت وزارة التجارة بأن المحل يعرض ويبيع رموزًا دينية مخالفة.
حتى خطوة فتح التجنيد للنساء في الجيش الكويتي نهاية 2021، يشير أحد تقارير الحكومة الأمريكية عن تدخل تيارات إسلامية، حتى لا تنضم النساء إلا بموافقة ولي أمرها، كما تلزم بارتداء الحجاب، وتمنع من حمل السلاح والتدريبات الميدانية.
وعلى الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن 35% من المغتربين في الكويت ليسوا مسلمين، ومنهم حوالي 25% من المسيحيين، إلا أن هناك حالة رفض من التيارات الإسلامية لاحتفالات غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم في بعض الفنادق والمولات، كما إزيل مجسم شجرة الكريسماس، سبقها إزالة تمثال في أغسطس/ آب 2021 قيل إنه يرمز إلى فينوس إلهة الحب، بسبب مخالفته لأحكام الشريعة، كما لا تسمح الدولة لغير المسلمين بتناول الكحوليات على أراضيها.
وتشير منظمة فريدوم هاوس، إلى أنه تم حظر آلاف الكتب لأسباب سياسية أو أخلاقية، على الرغم من أن التعديل القانوني لعام 2020 يتطلب أمرًا قضائيًا، وليس قرارًا حكوميًا، لفرض مثل هذا الحظر، ويضيف التقرير أن الهيئة العامة للاتصالات و تقنية المعلومات المنظمة لوسائل الإعلام، تتمتع بسلطات واسعة النطاق لمراقبة المواد عبر الإنترنت وحظرها والرقابة عليها، كما يمكن للحكومة أن تطلب إلغاء ترخيص أي وسيلة إعلامية عن طريق القضاء.
كما انضمت الحكومة إلى الأعضاء الخمسة الآخرين في مجلس التعاون الخليجي في مطالبة Netflix بإزالة “المحتوى المسيء” من خدمة بث الفيديو الخاصة بها، مستشهدة بمواد “تنتهك القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية”.
ويشترط الحصول على إجازة مسبقة قبل عرض أي فيلم، عن طريق لجنة رقابية تابعة لوزارة الإعلام، ويحق للوزارة وقف عرض أي فيلم به مشاهد تخل بالنظام، والآداب العامة والوحدة الوطنية، ومنع فليم Barbie وفيلم Talk to me من العرض في أغسطس/ آب الماضي، بينما منعت أيضًأ أفلام Death on the Nile و Doctor Strange في وقت سابق، ولأسباب مختلفة ما بين بطلة فيلم إسرائيلية الجنسية، أو ظهور ممثل مثلي أو عابر جنسيًا، أو شارة ترمز للميم عين، أو الترويج لأفكار نسوية، وكلها أسباب تندرج تحت حفظ الآداب العامة والمحافظة على القيم الكويتية من وجهة نظر اللجنة الرقابية.
وتعتبر المنظمة الحقوقية أن حرية التعبير الشخصي في الكويت مقيدة، من خلال مراقبة وتجريم بعض أشكال التعبير النقدي، ويفرض قانون الجرائم الإلكترونية عقوبات بالسجن تصل إلى 10 سنوات بالإضافة إلى غرامات مالية.
وتلاحق الحكومة نوادي تعليم الرقص الشرقي، وجلسات اليوجا وتمنعها، حتى محالّ الذهب لم تسلم من هذه الملاحقات، وأغلق محلّ بسبب وجود مصوغات ذهبية على شكل الصليب، وأشارت وزارة التجارة بأن المحل يعرض ويبيع رموزًا دينية مخالفة.
وترى الكاتبة الكويتية، أسيل عبد الحميد أمين، إنها محاولات هزلية ومثيرة للسخرية؛ ففي عصر الإنترنت والسوشيال ميديا تصبح فكرة المنع مستحيلة، هم يمارسونه للاستعراض السياسي والتكسب الانتخابي وإثبات الوجود والسيطرة فقط.
وتكمل: محاولات التيارات الدينية مستمرة منذ عقود لأسلمة القوانين، والتعديل على المادة الثانية من الدستور، كي تصبح الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس والوحيد للتشريع، بدلًا من كونها مصدرًا رئيسيًا كما ينص الدستور حاليًا.
وتشهد الكويت مؤخرًا تصاعدًا أكبر لارتفاع الأصوات الإسلامية التي تعمل على تطهير البلاد من كل ما يخالف أحكام الشريعة -حد اعتقادها-، وفي يوليو/ تموز من العام الجاري، قدمت مقترحات بقوانين في مجلس الأمة، تطالب بحظر عمليات التجميل ورسم الوشم، وعمليات العبور الجنسي، إلا في حالات محددة، وتشترط إخطار وزارة الداخلية قبل وبعد العملية.
ونشرت مواطن تقريرًا وصفت فيه مقترحات قوانين في البرلمان الكويتي بأنها تقوض الحريات وتستهدف المرأة، وتقر أسيل عبدالحميد، بأن أكثر المتضررين من مسار التيارات الدينية هي المرأة؛ فمحاولات أسلمتهم للقوانين وبسط السيطرة على المجتمع نابعة كلها من الشريعة وفق فهمهم، والذي جاء من خلال نصوص جامدة ومنقولة عبر مئات السنين دون مواكبة وفهم لمجريات العصر، وما وصلت إليه المرأة اليوم من مراتب علمية ووظيفية عليا تجعل مسارها هذا مثيرًا للنقد والرفض.
ولم تقف التطورات في تنفيذ بنود وثيقة القيم، وفي سبتمبر/ أيلول 2023 تعلن جامعة الكويت إلغاء الاختلاط بين الجنسين داخل الفصول الدراسية، كاستجابة لقانون منع الاختلاط -حد قول النائب السلفي محمد هايف-، الذي أكد أن القانون سارٍ، ويحتاج إلى خمس سنوات لاستكمال الفصل ومنع الاختلاط في جميع المناحي.
وتحتل الكويت مراتب متدنية فيما يخص مؤشر التقدم الاجتماعي، إذ تأتي في التنصيف 130 على مستوى الحرية الدينية، والمرتبة 121 على مستوى حرية التعبير، والرتبة 112 في مؤشر الحرية السياسية، بينما تأتي في التصنيف 116 على مستوى حرية البحث الأكاديمي، وشمل تصنيف المؤشر 160 دولة، وحازت على نقاط ضعيفة يشار لها بالأحمر وفق المؤشر.
التيارات الدينية والسيطرة على الكويت
وعن سبب هذه السطوة للتيارات الدينية اليوم في الكويت، يقول الرشيد: “قوة التيارات الدينية تستمدها من دعم الحكومة لها مع الأسف، وعلى حساب أمن واستقرار المجتمع المثبت، والذي لا يمكن نكرانه، هو أن ما دخل تيار سياسي ديني مجتمعًا، إلا ودمره وأعاده لعصور ما قبل الحضارة البشرية، والشواهد على ذلك كثيرة لاتُعد ولا تُحصى”.
ويستطرد، هذا لاعلاقة له في الإسلام كدين، بقدر ما لهذه التيارات الدينية السياسية من علاقة زواج كاثوليكي مع الأنظمة غير الديمقراطية، والأنظمة لا تستغني عن دورها الكارثي في المجتمع، حين يلاحقون أبسط خصوصيات الإنسان، ويتدخلون حتى في مأكله وملبسه وحتى بطريقة تكاثره.
"السلطة التنفيذية، تأخذ نهجًا خطيرًا بغض الطرف عما يحدث من صراعات في الشارع الكويتي في انتظار من يربح، للتوافق والتفاهم معه".
وتقول أسيل عبدالحميد: “إن عددًا من مقاعد مجلس الأمة الأخير يتيح لهذه لتيارات، حيزًا أكبر للتوغل في مسارها هذا.، كما أن نفوذها يتأرجح هبوطًا وصعودًا، وفقًا لمعطيات عدة؛ أهمها الحالة الثقافية للمجتمع الكويتي، والحال السياسية المحلية والإقليمية، وموقف الحكومة حيالها.
وهناك ثلاثة تيارات رئيسية تحسب على الإسلام السياسي، جماعة الإخوان والسلفية السرورية المحسوبين على السنة، في مقابل التيارات الشيعية والتي تعاني قيودًا أكبر على ممارساتها، وتتواجد جماعة الإخوان منذ خمسينيات القرن الماضي في الكويت، وتشكلت في هيئة جناح سياسي تحت اسم الحركة الدستورية الإسلامية، والتي استطاعت لعب دور سياسي بارز منذ 1991.
وحسب شبكة POMEPS المختصة في العلوم السياسية للشرق الأوسط، تراجعت القوى الليبرالية أمام التيارات الدينية، بسيطرة انخراط الأخيرة في الحياة والأنشطة الاجتماعية للمواطنين، ما جعلها أكثر قربًا من الكويتيين.
ويشير التقرير إلى سيطرة جماعة الإخوان على النقابات المهنية والجمعيات الخيرية، وهو ما جعل أرقام ضخمة من الأموال مودعة في بيت التمويل الكويتي، وهو بنك إسلامي، يسيطر على إدارته الإخوان المسلمين.
وأثبتت الأحداث أن الموقف المحافظ اجتماعيًا للحركة الإسلامية التقليدية، يحظى بشعبية في المناطق التي تهيمن عليها الهويات القبلية. ردَا على نمط الحياة الحضري ذو الطابع الغربي.
ويشير التقرير الذي يصف وضع الإخوان المسلمين في الكويت، بنفس وضع الإخوان في مصر وتونس عامي 2011 و2012، ما يعني سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة، والسماح للعمل لها بحرية كبيرة، ما يعزز أن النظام الحاكم ينظر للجماعة على أنها أداة لتثبيت حكمه أكثر من أنها تشكل خطرًا عليه.
هل تتخذ الكويت مسارًا مظلمًأ؟
في مقاله “ماراثون الكويت .. نحو دعشنة المجتمع وإرهاب الشعب”، يرى الكاتب عبدالعزيز القناعي أن الكويت قد تم اغتصابها حرفيًا من قبل الإسلام السياسي، وأن الرفض أصبح معناه رفض حكم الشريعة الإسلامية، والمواجهة تعني أن الوقوف في وجه الله وليس في وجه من امتهنوا السياسة. ويحذر من أن الوصاية الدينية المفروضة ستجعل من الكويت ساحة للحروب الطائفية، كما أشار مركز كارينجي في أحد تقاريره إلى أن الموقعين على وثيقة القيم هم السنة، ما يعزز من قيمة الانقسام السني/الشيعي في البلاد.
تبدو الكويت في واحد من مشاهد فيلم المصير ليوسف شاهين، تحاول بعض الأصوات العاقلة التحذير من القادم، في ظل تصاعد وتوغل جماعات الإسلام السياسي؛ فهل تنحاز الكويت إلى الديمقراطية والحداثة؟ أم نحو مزيد من تقويض الحريات وأسلمة القوانين؟
وتعلق أسيل عبد الحميد على احتمالية أن تدخل الكويت في مسار مظلم قائلة: “إن التيارات الدينية تحاول استنساخ مسار طالبان في الكويت، ولكن هذا لن يتحقق في ظل وجود وعي مرتفع لدى نسبة غير قليلة من الكويتيين والكويتيات”.
وتؤكد على أن ما يحدث حاليًا ليس نتاج اليوم؛ بل نتاج عقود طويلة من التخبط السياسي والتجهيل المجتمعي، وتطالب الحكومة باتخاذ دور فاعل فيما يجري قبل الوصول إلى مفترق طرق لا عودة منه.
“وعلى الرغم من كل المحاولات لتحويل الكويت لدولة دينية، إلا أن كل محاولاتهم الحمدلله والمنة تبوء بالفشل، وهذا ما أظهره الشعب الكويتي بعدة مناسبات تاريخية، ولن نقبل بأن تتحول الكويت لدولة دينية”. يقول أنور الرشيد
وفي مقالها فساد عز الطلب.. في حرب لجنة القيم البرلمانية الكويتية ضد التعليم المشترك، ترى الحقوقية والكاتبة ابتهال الخطيب إسناد القضايا؛ مثل التعليم وغيرها إلى أهل الاختصاص، لا رجال الدين أو أهل السياسة المؤدلجين، وتدعو الكويتيين إلى التمسك بالديمقراطية، وتفترض أن هذه المشاكل تتطلب تعديل سلوكيات وتحسين ممارسة الديمقراطيات، لا اليأس منها والتخلي عنها.
ختامًا، تبدو الكويت في واحد من مشاهد فيلم المصير ليوسف شاهين، تحاول بعض الأصوات العاقلة التحذير من القادم، في ظل تصاعد وتوغل جماعات الإسلام السياسي؛ فهل تنحاز الكويت إلى الديمقراطية والحداثة؟ أم نحو مزيد من تقويض الحريات وأسلمة القوانين؟